التغيير والثورة .. وثورة التغيير
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 29 يوماً
الأحد 19 يونيو-حزيران 2011 05:15 م

يقال بان الثورة الشبابية السلمية اليمنية التي اشعل فتيلها الشباب الحر هي ثورة لتغيير النظام القائم في اليمن منذ 33 عام بشكل سلمي, لكن الواضح بان هذا الهدف مشوب بالضبابية. فقد اطلق الشباب ثورتهم السلمية وحددوا هدفها الذي ايده الجميع احزابا ومستقلين حتى الحزب الحاكم, غير ان اللحظة التاريخية لانطلاقة الثورة لم تكن نابعة عن عملية ثورية حقيقية سابقة للانطلاق تصقل فيها الخبرات والتجارب وتتضح الرؤى والاهداف وسبل تحقيقها, بل جاءت عفوية بسبب احتكار احزاب السلطة والمعارضة للعمل السياسي وارتباط الطرفين بتحالفات استراتيجية سرية وعلنية واحتكار الدور القيادي في تلك الاحزاب لقيادات لا يخلو تاريخ بعضها من آثام وفساد ولم تترك للاجيال الشابة في تلك الاحزاب المجال لصقل مواهبها وتطويرها حتى تستطيع قيادة التغيير المنشوذ .

ان مصطلح التغيير يعني التبديل او الاستبدال, لكن ربطه بمصطلح الثورة يوسع من مفهومه. فالفهم المعاصر للثورة يعرفها بانها تغيير جذري لنظام الحكم العاجز يحدثه الشعب من خلال أدواته لتحقيق طموحاته ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية. من خلال هذا التعريف للثورة نجد بان التغيير المنشوذ ليس الهدف منه الاشخاص لذاتهم بل استبدال النظام القائم كمنظومة سياسية واقتصادية وتنظيمية وتشريعية متكاملة, حيث يعرف نظام الحكم بانه المؤسسات الحكومية الثلاث: تنفيذية وتشريعية وقضائية التي يتكون منها النظام السياسي للحكم .

لقد حققت الثورة خطوة اساسية نحو تحقيق هدفها وهو ازاحة راس النظام المتمثل بالاشخاص القائمين على ادارة مؤسسات نظام الحكم, ولو اقتنع شباب الثورة بالاكتفاء بهذا القدر وترك المجال لاحزاب المعارضة للتفاوض حول تقاسم المناصب الشاغرة وادارة اللعبة السياسية للمرحلة القادمة فان العملية الثورية تتحول الى مجرد انقلاب. وللتميييز بين الثورة والانقلاب يجب دراسة الاهداف المعلنة للعملية واتخاذها معياراً لاعطاء الصفة المناسبة لعملية التغيير. فالانقلاب يهدف الى الاستئثار بالسلطة فقط دون احداث تغيير سياسي اجتماعي او اقتصادي او قانوني اما الثورة فهدفها احداث تغيير جذري في النظم والاوضاع القائمة نحو الافضل. لذا فان على الشباب التركيز على الهدف الاستراتيجي للثورة وهو التغيير في منظومة الحكم وسبل تحقيق هذا الهدف التي سنحاول التطرق اليها في النقاط التالية :

1. التغيير يبدأ من الذات, فعلى الشباب المستقل والمنظم في السلطة والمعارضة ان يغيروا من انفسهم ويثوروا على وضع التبعية والانقياد الاعمى للتوجيهات والقبول بكل ما ياتيهم من القيادات الاثرية المكبلة بمواقف واحداث سابقة اضعفتها وجعلت مواقفها مترددة وخائفة ومساومة .

2. التغيير ايضا يجب ان يشمل الاحزاب كقيادة وبرامج, فعلى شباب الاحزاب في السلطة والمعارضة خلق تغيير جذري في برامج الاجزاب لتتوافق مع المتغيرات الجارية ولقطع صلة هذه الاحزاب باخطاء الماضي وترك المجال للجيل الشاب بتبؤا مناصب قيادية في تلك الاحزاب وتثبيت الوحدة الشعبية التي خلقتها الثورة, فاذا لم تسمح الاحزاب لشبابها في قيادة المرحلة الجديدة حزبيا فكيف لها ان تسمح لهم بتغيير النظام .

3. ان مفتاح التغيير الفعلي لنظام الحكم هو الدستور الذي يرسم شكل نظام الحكم ويمثل العقد الاجتماعي بين النظام والشعب, فعلى شباب التغيير في كل الارض اليمنية من حقوقيين وغيرهم ممن يمتلكون القدرة والامكانية لدراسة الدستور الحالي واقتراح التعديلات المناسبة عليه بما يحقق اهداف الثورة ونشر مقترحاتهم للتداول والنقاش على اوسع نطاق بدلا من انتظار تشكيل لجنة لا احد يعلم امكانياتها وتوجهها السياسي والضغوطات عليها والفترة الزمنية المعطاة لها لاقتراح تعديلات يستفتى عليها الشعب بنعم او لا فقط. على سبيل المثال المادة التي تشترط ان يعرف عضو البرلمان القراءة والكتابة في حين انه المشرع أي من يصدر القوانين .

4. دراسة القوانين القائمة واكتشاف عيوبها واقتراح التعديلات المناسبة عليها والغاء القوانين المخالفة للدستور مثل قانون محاكمة شاغلي مناصب الدولة العليا لانه يميزهم عن باقي افراد الشعب ولا يساوي بين الخصوم امام القضاء .

5. ان مفتاح التغيير الفعلي الاخر هو البرلمان الذي يصدر الدستور ويعدله ويصدر القوانين ويلغيها ويعدلها ويصادق على الحكومة ويراقبها ويسقطها. فاذا اراد شباب الثورة المشاركة في التغيير ومراقبته فعليهم تنظيم انفسهم من الان لخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية كمكونات جديدة في المجتمع بدلا من ترك هذا الموقع الاستراتيجي للاحزاب تلعب فيه كيفما تشاء. اضافة الى العمل منذ الان على تشكيل لجان مراقبة الانتخابات ووضع استراتيجية لها ومنظومة عمل فعالة تمكنها من الكشف عن أي تلاعب او تزوير او شراء للذمم وفضحها. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف عليها البحث عن جهات تمويل محلية ودولية للتدريب وتوفير الامكانيات .

6. العمل على ارغام الاحزاب على اشراك الشباب وخاصة المستقل وبشكل يتناسب مع فعلهم الثوري وتضحياتهم وصمودهم في كل التشكيلات الجديدة واللجان الرسمية لقيادة الانتقال السلمي للسلطة, خاصة في ظل هذا الفراغ الحكومي في كل المحافظات والمديريات والمراكز الخ .

7. يجب ان لا يستثنى شباب الحزب الحاكم حاليا ممن لم تتلوث اياديهم بالفساد وقتل المعتصمين, من المشاركة الفاعلة في التغيير السلمي كونهم مواطنيين يمنيين لا يجب تحويلهم الى اعداء دون ذنب .

8. الابتعاد في هذه الفترة عن الدخول في مماحكات سياسية واتهامات خاصة اذا قررت الاحزاب افساح الطريق امام الشباب لقيادة المرحلة القادمة حزبيا ووطنيا وترك القيادات التاريخية محل الخلاف والاتهامات لتستريح او تكون جهة استشارية لهم .

9. العمل منذ الان على حل مشاكل الثارات القبلية وعمل صلح عام بين القبائل بمشاركة شباب الثورة من ابناء القبائل .

10. لبناء الدولة المدنية الحديثة على الشباب البحث عن اسلوب عملي مناسب لسحب كافة انواع الاسلحة من المجتمع وتجريم حمل السلاح.