أسباب فشل الربيع العربي في اليمن
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر
الإثنين 19 مارس - آذار 2012 04:41 م

لا يختلف اثنان ان الثورة الشبابية اليمنية فشلت فشلا ذريعا , في تحقيق الأهداف المنشودة والغايات المرجوة التي قامت لأجلها ,إبان انتفاضتها الكبرى المتمثلة في إسقاط النظام كليا , قامت الثورة الشعبية ضد مقومات وعوامل نظام الفساد والقمع والبطش وكبت الحريات ونهب المال العام وضد الفساد المالي والإداري والقضائي وعدم المواطنة المتساوية والعدالة , وثار الشعب ضد الرشوة و نهب أراضي الدولة واستثمار الأموال العامة في قطاعات خاصة والكسب غير المشروع , قامت الثورة ضد منظومة ثقافية متكاملة من الفساد والحكم والتسلط الأسري البغيض , لم تقم ضد أشخاص معينين او ضد شخص الرئيس السابق بحد ذاته , فما كان الرئيس السابق الا ممثلا لنظام بأكمله , وغطآءا لإمبراطورية قاهرة تعج بالفساد والتآمر , لذا لم تأت الثورة لإسقاط شخص الرئيس فحسب مع الحفاظ والبقاء على منظومته الرئاسية والحكومية كاملة , وبنظرة متأنية ومتأملة نسرد هنا أسباب فشل الثورة الشبابية , في قراءة مستوحاة من الواقع و منبثقة من نتائج الثورة في ظل المعطيات والإفرازات الحاصلة من انتفاء تحقيق كامل أهدافها .

1- أسباب داخلية محلية .

2- أسباب خارجية دولية.

1- الأسباب المحلية الخاصة يمكن محورتها وسردها في إطار محاور شعبية ومحاور سياسية.

المحاور السياسية بدورها يمكن تقسيمها الى محاور حزبيه موالية وأخرى معارضة .

- لعبت الأحزاب السياسية المعارضة المنضمة للثورة دورا سلبيا كبيرا في تأخر المدٌ الثوري وقلة شعبيته وتلاشي زخمه المتنامي تدريجيا , حيث استفاد النظام السابق من هذه الورقة بالذات لتهييج مشاعر الشعب والأغلبية العظمى من الجماهير اليمنية ضد مخاطر الأحزاب المتسلقة على الثورة , وركوب الموجة الثورية لتحقيق أهدافها وأجندتها الخاصة , معارضة بذلك طموحات الشعب للتغيير والحرية, وسعى النظام الحاكم جاهدا عبر وسائل إعلامه لتهييج المشاعر وإخافة المواطنين من تبوؤ تلك الأحزاب مستقبلا لأي مناصب ومراكز قيادية حساسة ومؤثرة تؤهلها في نهاية المطاف لفرض أجندتها ومصالحها الخاصة المتمثلة جديا في فرض رؤى وتطلعات وخدمة أهداف بعينها بعيدة كل البعد عن تطلعات الأغلبية الساحقة في التغيير وبناء الدولة المدنية الحديثة , حيث غلب على هذه الأحزاب المنضوية تحت مظلة الثورة والحاملة مشعل الثورة لاحقا التوجه الديني المتشدد وبما يتنافى مع أساسيات الدولة المدنية ألحديثه من خلق مجتمع ديموقراطي حر.

مما لاقت هذه الحملة الإعلامية قبولا واسعا لدى الأغلبية العظمى من المجتمع اليمني وانسحاب أكثر المكونات الثورية وتلاشي الحماس و الزخم الثوري وفقدان اي أمل للتغيير في ظل وجود هذه الأحزاب المتسلقة على ظهر الثورة , التي بانضمامها الى الثورة وظهورها في مراكز قيادية وتنظيمية مدعومة إعلاميا وأحيانا خارجيا زادت الأمور تعقيدا وأفقدت الثورة نقاوتها وصفائها المعهود .

بعد جمعة الكرامة ومارافقها من موجة انسحابات عديدة لمكونات العمل السياسي للنظام السابق وانضمام أكثر الشخصيات للثورة الشبابية , ولما عرف عنها في الأغلب من الفساد ونهب المال العام , وكانت من رموز وأباطرة الشر في عباءة النظام القديم , وبتوجهها الى محراب الثورة كاستباق للعاصفة والبحث عن شرعية جديدة , وربما مراكز معينه وقادمة في ظل رحى التغيير , أعطت نفورا وتخوفا عاما من الثورة الشبابية , والذي أصبحت بنظر الكثيرين ثورة ملوثة فاسدة مثلها مثل النظام التي تنادي بإسقاطه , فكيف من يدعو إلى المدنية ألحديثه والتحرر كان حتى الأمس القريب جزءاً لايتجزء من منظومة فساد متكاملة , في ظل إحجام الأغلبية المنضمة عن تقديم براءة الذمم المالية من الفساد خلال العهد البائد وإعلان التوبة الثورية النصوحة الصادقة , وتسليم الأموال المنهوبة , والاعتذار عن أيه جرائم سابقة ارتكبت في عهد الرئيس السابق , إذن انضمام هذه العناصر المحسوبة على النظام القديم , أصابت الثورة في مقتل , وأطالت من عمر الحسم الثوري, وأحدثت نفورا شعبيا عارما واثقات كاهل الثورة الوليدة وزادت من بطء تحركها ووهجها .

- الدور القبلي في ظل تناحر المشيخات والطائفية والمناطقية القبلية , التي هي من أساسيات الحكم السابق , وانضمام أكثر المشائخ من رموز العهد البائد , ومن تلطخت سيرتهم الوطنية بالفساد ونهب الأراضي والإتجار بالمال العام والكسب غير المشروع , حيث أحسن النظام الأسري الحاكم استغلال هذا التحول المفاجئ بالذات لصالحة وتوظيفه التوظيف الأمثل في شن حرب إعلامية ضد الرموز القبيلة المنضمة والمؤيدة للثورة الشبابية والتشكيك في مدى جديتها ومصداقيتها في إحداث التغيير , وتصوير الأمر برمته ان الثورة مجرد أداة لتصفية حسابات خاصة قديمة بين أقطاب القبيلة والأسرة الواحدة , وبرع النظام في استخدام ورقة القبيلة في حشد انصاره وجمع مؤيديه في مسيرات جماهيرية حاشدة متجهه من وإلى ميدان السبعين باعتباره رمزا لشرعية النظام والحكم الجمهوري وقبلة لأنصار الشرعية والوطن , مما نتج علية تباعا عزوف شريحة كبيرة من المجتمع اليمني في ظل الضغط ألإعلامي المتفاقم والسياسي الممنهج عن الثورة الشبابية , وغالبا الانضمام الى الشرعية الدستورية والوقوف في صف الرئيس السابق , وإعادة ما تمليه وسائل الإعلام الرسمية في حربها الهوجآء على الثورة , وهذا ما حذا بالرئيس السابق تكرارا ومرارا بالقول مخاطبا الشباب بأن ثورتكم مسروقة , وهذا ما اثبتته الايام في ظل المبادرة الخليجية ومانتج عنها من إفرازات وحكومة وفاق وإخفاق لتحقيق الأهداف الثورية , ولوصول الأغلبية الى قناعات تامة أن الثورة فعلا سرقت وفي وضح النهار .

2- الأسباب الخارجية والدولية يمكن تلخيصها في الدور السعودي- الأمريكي في اليمن وحفاظه على مصالحه الخاصة , وما تمخض عن الدور والتدخل المباشر من حصانة وعدالة انتقالية أعادت خلط الأوراق وتأزيم الوضع اليمني الداخلي في ظل تضارب المصالح الدولية , وفرض الأجندة الخاصة لسياسات معينة , ولعب الدور السعودي الخليجي الأمريكي دورا هاما ومؤثرا في إنقاذ النظام المتهاوي , وتحويل الأمر برمته الى مجرد أزمة سياسية مفتعلة بين أقطاب النظام الحاكم والمعارض , وتهميش الثورة ومكوناتها الشبابية , مما ساعد على خروج الرئيس من قمة النظام الحاكم وبأقل التكاليف والخسائر الممكنة وبحصانه كاملة , وكانت المبادرة الخليجية بمثابة طوق النجاة للنظام ولكل من تسببت أيديهم في قتل الشباب في الساحات, وتعتبر محطة انتظار مؤقتة واستراحة محارب للعودة مجددا من الباب الخلفي للرئاسة , ولعب الدور الخفي في تسيير الأمور والنظام من خلف ستار , فالقوة والجيش والأمن والسلطة وحتى الان عمليا ما زالت في أيادي الرئيس السابق وأبناءة وأقربائه , والإجراءات المزعومة بإعادة هيكلة الجيش تنصدم بتمسك النظام الأسري الحاكم بمراكز القوى , والإمعان في استفزاز المشاعر الداخلية والشعبية بالظهور مجددا في وسائل الإعلام , وفرض خيارات القوة مجددا , ووضع الشروط والإملآءات بصور متعددة ومختلفة , مما يضع الساحة اليمنية مجددا على شفا جرف هار من التأزم واشتعال ثورات مختلفة تماما , وربما تساهم بصوره او بأخرى في إعادة الزخم الثوري لحيويته السابقة , وربما ما حدث خلال الفترة الماضية من تجاذبات سياسية وانتخابات رئاسية مزعومة , كانت بمثابة مرحلة غربلة للنقاء الثوري مجددا , وإعادة الأمور والأحداث الى المربع الثوري الأول, وفرض خيارات اسقاط النظام كاملا , في ظل ضعف وفشل حكومة الوفاق الوطني في تثبيت الأوضاع الأمنية وتحسين الأوضاع المعيشية وحل جميع المشكلات العالقة من احتياجات المواطن من الكهرباء والتأمين الغذائي والأمني , وفرض هيبة الدولة وسلطة القانون في أكثر المحافظات اليمنية مع التزايد المتنامي لخطر القاعدة وفرض سيطرتها على اغلب المناطق في المحافظات الجنوبية والشرقية , ومع الإنحلال الأمني شمالا وفرض السلطة المحلية في بعض المناطق الوسطى وإعلانها أقاليم شعبية .

فشل الحكومة الحالية في حلحلة الأمور وإعادتها لنصابها وتوازنها الحقيقي , بالتزامن مع تلاعب رموز العهد القديم في مقاليد الحكم والسياسة ومراكز صنع القرار دون هواده , يجر الوطن مجددا الى خيار الشباب للتغيير الكلي , هذا ان كان في الثورة بقية رمق ونفس للحياة والاستمرار والتصعيد والصمود , فبعد عام كامل من الإنهاك الثوري والتململ السياسي والتلاعب بمصير الشباب , وفرض الأجندة الخارجية والداخلية أصبحت الثورة الشبابية مجرد طيف عابر وحلم لم يتحقق وأمل بعيد المنال, وأصابها الإنهاك والإرهاق الشديد , في ظل تأزم الأوضاع وانتهاج سياسة العقاب الجماعي سابقا وحاليا , اذن الى اين تتجة الأمور في اليمن في غياب الحلول الثورية والسياسية التوافقية معا , وفي ظل وجود الأخطار المحيطة به من كل جانب لن تكون القاعدة اولها ولا وجود الرئيس السابق وابنآءه في اليمن آخرها , وهناك عامل هام جدا في تأخير الحسم الثوري لايمكن اغفاله , وهو انتهاج سياسة التجهيل الإعلامي الذي انتهجه النظام السابق على مدى سنوات حكمة المريرة من غرس سلوكيات الجهل وتمجيد الزعامات وصنع الأصنام وتفشي الأمية والوعي في المجتمع اليمني ككل , فاصبح المجتمع اليمني في مفهومة المعاصر رافضا كليا للتطور وغير قابل للتأقلم والإندماج مع متطلبات العصر الحديث من التقدم والازدهار المتزامن مع التحرر من قيود الأنظمة , وهذا بحد ذاته يعتبر سلاحا فعالا وناجعا لإطالة عمر أمد النظام الحاكم , والإستمرار في فرض سلطاته اللامحدودة والمتنامية في وجود الجهل المطبق وتفشي عوامل الجهل والتخلف لدى مكونات واسعة من المجتمع اليمني , وهذا نتيجة حتمية لنتائج عقود تراكمية زمنية ومتسلسلة ومتشابكة ومتجذرة من فرض سياسات تعليمية خاطئة وفاشلة في مضمونها الحيوي وبنآء الإنسان البنآء الصحيح واعتباره ثروة قومية لا يمكن التفريط بها او تجاهلها ,إذن عوامل ومسببات بقاء النظام هي حد ذاتها عوامل فشل الثورة , المعارضة ودون ان تدري ساهمت في بقاء النظام وذبح الثورة , والقبيلة ساعدت على استمرار النظام بصور وحلل جديدة .

-المبادرة الخليجية و الانتخابات الرئاسية لعبت هي الأخرى دورا رئيسيا في شق الصف الثوري والاختلاف بين مكونات العمل الثوري والشبابي المستقل والحزبي , وخلقت فوضى ثورية عارمة ساهمت في إطفاء شعلة الثورة المتقدة , و أوجدت التناحر والاختلاف مما ساهم في تحطم كيان الثورة من الداخل تلقائيا , والاحتضار الثوري والانتحار على أبواب السياسة والتآمرات المحيطة بها من كل جانب , فبقدر ما كانت المبادرة تمثل مكسبا وانتصارا للنظام تعتبر خسارة جسيمة وضربة موجعة للثورة , ولم تنج الثورة من شباكها والوقوع في فخها فكانت القيادات الحزبية الشبابية الموجودة في الساحات تعتبر الأيادي الآمنة والمخلصة للأحزاب , وتنفيذ أجندتها وأهدافها الخاصة , و تلعب دور ممثل سياسات الاحزاب وتوجية الساحات حسب الرغبات السياسية لخدمة الأحزاب , فيتم التصعيد عند اي ظرف سياسي طارئ , أو عند حدوث أية عثرة اوعقبة سياسية تواجة تلك الاحزب, لتحقيق مكاسب سياسية قادمة وورقة ضغط للنظام الحاكم لتقديم تنازلات معينة, ويتم الفتور والهدوء النسبي الثوري أحيانا أخرى عند تحقيق هذه المكاسب , وهذا ماتم رؤيته واستنتاجه مرارا مع كل مراحل الثورة ومسيرتها المتعثرة .

-الفئة الصامتة , لعبت دورا كبيرا في تسلسل الأحداث رغم صمتها ونأيها عن مسرح الأحداث والإكتفاء بدور المتفرج , لعبت دورا أساسيا في إطالة عمر النظام واكتسابه شرعية زائفة , كون النظام السابق ووسائل اعلامه استثمر الصمت الشعبي المطبق لصالحه , والإدعاء بانه الممثل الشرعي الوحيد للفئة الصامتة والحارس الفعلي للشعب وحامي حمى ثورتي سبتمبر وأكتوبر وأهدافهما المجيدة , اغلب الفئة الصامتة تكونت نتيجة التسلسل الزمني وإخفاق العامل الثوري مع انضمام أكثر الأحزاب والتوجهات السياسية والشعبية المختلفة الى الثورة الشبابية , ومع زيادة تعقد الأمور والأوضاع المختلفة وتأزم حدة الأوضاع المعيشية والحياتية , اختارت شريحة كبرى من المجتمع اليمني الصمت ورؤية ما ستؤول اليه أحوال الوطن بلا مبالاه , وربما لاحقا ذهبت للإستفتآء على شرعية النظام الجديد والانتخابات الرئاسية خروجا وهربا من جحيم الأوضاع , والخشية من نتائج حروب أهلية وكارثية مستقبلا , مما ساهم فعلا في وأد الثورة الشبابية وأحلام التغيير الوطنية , هذه العوامل مجتمعة مثلت المقصلة التي ذبحت الثورة على منصة الشعب وعلى مرأى ومسمع من العالم , وربما سينتظر اليمن بعدها عمرا مديدا حتى تنتج ثورة وطنية صادقة ومخلصة تنقذه من وحل الذل والعبودية وتطير به الى رحاب المدنية الحديثة وآفاق الحرية والتطور .