مليشيات الحوثي تختطف مواطناً من جنوب اليمن للضغط على شقيقه عاجل .. دعم سعودي لحكومة بن مبارك ووديعة بنكية جديدة كأس الخليج: تأهل عمان والكويت ومغادرة الإمارات وقطر دراسة حديثة تكشف لماذا تهاجم الإنفلونزا الرجال وتكون أقل حدة نحو النساء؟ تعرف على أبرز ثلاث مواجهات نارية في كرة القدم تختتم عام 2024 محمد صلاح يتصدر ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي .. قائمة بأشهر هدافي الدوري الإنجليزي مقتل إعلامية لبنانية شهيرة قبيل طلاقها قرار بإقالة قائد المنطقة العسكرية الأولى بحضرموت.. من هو القائد الجديد؟ دولة عربية يختفي الدولار من أسواقها السوداء تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
دار حوار قصير عبر السماعة المنزلية بين بواب العمارة وشخص أسمه "عبد السلام"كان يتحدث على الطرف الآخر من شقة فى الدور السادس عشر .. وصلناها بداخل أسانسير ضيق بعد التأكد من صحة الموعد مع الشيخ /سنان أبو لحوم الذى نقش اسمه بخط ديوانى فوق لوحة نحاسية مثبتة على باب الشقة رقم 181 المطلة من جهة الشمال على نهر النيل ومن الزاوية الجنوبية الشرقية على برج القاهرة بما يسمح باصطياد تعامد أنوار المدينة الفاتنة على انعكاسات ضوء غروب الشمس حين تلوح بواداعها الساحر ولوحات قوس قزح ترسم ألوانها قناديل الكهرباء ومصابيح السيارات على وجه مياه النيل ذات الإخضرار البهيج .
فتح الباب مع همسة الجرس الأولى .. أهلاً وسهلاً ويا مرحبا ... قالها "ناجي" الذى سيناديه الشيخ سنان فى منتصف الحوار ليذكره بمثل شعبي تسلل من ذاكرته الحديدية .. لم نكن بحاجة إلى قهوة أو عصائر كنا قد احتسيناها قبيل دقائق ... فكان بديل الاستضافة لائقاً .. بخور "العودة" جاء مناسباً لإضفاء لمسة لم تكن صالة الاستقبال الفخمة تنقصها .. إذ أن الجو المسيطر على المكان كان تاريخياً ذا طابع يمنى على النمط المصرى .. فى هذا المربع الآن .. صحفيان وأربعة رؤساء بانتظار شيخ من العيار الثقيل .. ها هو يصافح حسنى مبارك ويضحك مع علي عبد الله صالح ..إنه يدخل إلينا اللحظة متكئاً على زناد شاب أسمر ممتلئ ذو وجه ملتحى... ها أنا أضع يدي فى يده كتحية سلام.. وهو الذي يظهر داخل البروازين الآخرين .. ويتبادل حديث مهم مع الزعيم جمال عبد الناصر.. ويبدو منهمكاً فى نقاش ساخن مع أنور السادات وفقاً للقطات موثقة بالأبيض والأسود.
ها نحن وجهاً لوجه مع حقبة زمنية من التاريخ اليمني .. زميلى على الجرادي بمسجلته الصغيرة يبدو متحفزاً لإشعال الحرائق.. وأنا بقلمى وأوارقى فى لهفة لإقنتاص التمريرات الخطيرة .. الشيخ وحده محتفظاً بهدوء ما قبل العاصفة.. طريقة تموضعه على الكنبة حيث أجلسه الشاب واضعاً تحت قدميه وسادة دائرية ومسدلاً فروة وثيرة على ركبتيه وساقيه.. ذكرتنى " بالدلاي لاما" زعيم التيبت حينما زاره الكاتب أنيس منصور منتصف القرن الماضى .. بدى لى واضحاً من ملامح الشيخ عدم رغبته للحديث مع الصحفيين .." يا عيالى ما بش لزوم كل ما عندى قد قلته وتكلمت عنه" .. جاء رده قاصماً لظهر المناسبة .. غير أن أسلوب التلطف الذي يجيده الجرادى استعاد السيطرة على الموقف لنتمكن من جرجرة العم سنان أبو لحوم إلى نقطة الاقتناع بالرد على ما يشبه التطفل والفضول.
بزغت نصف ابتسامة من وجه زميلي منع اكتمال نصفها الآخر"شرط" اشترطه الشيخ على إيقاع ضغطة زر التسجيل ليعاود قلمي الاختباء داخل غطاؤه ... تحول قلق الارتباك إلى حالة متبادلة من الاستجداء والتوسل.." أنا مريض وكبير والله يحسن الخاتمة مشتيش أغثي حد، لأنهم يزعلوا من كلامي ويستوجعوا " .. نحاول دون يأس.. نتودد إليه بأدب وإطراء .. نحاصره بإلحاحنا.. يغمض إحدى عينيه ويغمز إلينا بسؤال تهكمى .." أنتو إيش قلتوا بتشتغلوا ، إيش اسم حقكم الجريدة، ما تشتوا مني، من ذي رسلكم إلى عندي ؟!..." .. يقهقه ضاحكاً بصوت خافت وكلينا نتقبل ممازحته بضحكات يائسة .. تخيلوه أمامكم الآن!! شيخ ثمانيني متوازن القامة ومتناسق الجسم.. يكتسب هيبة القساوسة وجاذبية حضور الفاتحين بهيئته الراهنة .. وجه منببلح تتقاسمه نظارة ذهبية ولحية نقية البياض كفجر الثورة .. تنبعج جبهته للأمام بوضوح كلما انسحبت شماغ البسام الحمراء التى يعتمرها إلى الخلف أثناء حركة رأسه المتساوي تماماً مع حافة ظهر كنبة يحشر جسده فى زاويتها اليمنى تاركاً لذراعيه حرية الحديث بالنيابة عن لسانه .. إنه حالياً خارج الوطن/ القبيلة .. بلا عسيب ولا جنبية ومن دون بروبجندا العمامة المشيخية المستوحاة استدارة لفتها من الموروث التقليدى لأهل إب.. لكن ثوب أبيض وفانلة صوفية ملبوسة تحت يلق أسود مفتوح الأزرار.. تضفى على الرجل أناقة تزيده وقاراً.
أثناء الحديث الجانبي باغتت أصابع الصحفى آلة التوثيق ليدور شريط الذكريات مختصراً أحداث نصف قرن فى ما يزيد قليلاً عن ساعة من الوقت.. دون أن نعرف .. أينا في حضرة الحدث.. التاريخ أم نحن .. بعيداً عن أى اعتبارات أخرى .. قريباً من حقيقة بقاء " سنان أبو لحوم" شخصية ثورية لا غبار عليها.. ورقم نضالي صعب لا يمكن طمسه بالتجاوز والتهميش..أو شطبه بألاعيب السياسة وحسابات رجال السلطة وأقطاب الحكم.
كمرجعية سياسية.. لا يشكل الشيخ سنان – فى الوقت الحاضر – الأهمية التي جعلت الدكتور / عبد الله الفقيه ليلة المقابلة " الاربعاء الماضى" يهتم بالبحث عن نقاط علمية يمكن طرحها على الشيخ .. فيما عملت بنصيحة الأستاذ الفاضل/ عبد السلام العنسى الذى طلب مني التزام الصمت والكف عن طرح الأسئلة أثناء الحوار.. لكن من الصعب على مثلي تنفيذ التوجيهات بحذافيرها.. حين علم الشيخ أني من أبناء صعدة.. تحول هو إلى سائل عن أخبار صعدة والحرب التي هي بالنسبة له : مجرد " طبزة حوثية للرئيس" ويضيف : " لو أنا في مكانه قاصداً – الرئيس – ما خليتها تقرح ولا يرضيني أن تسيل قطرة دم".. ليتك كنت مكانه يا شيخ – قلتها فى سري – لتمنع تدمير ثلاثة آلاف بيت وثلاثة أضعافها من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى واليتامى والمشردين طوال أربعة أعوام من حرب الجنون .. يسألني الشيخ عن مشايخ صعدة " قايد شويط والسربي وفيصل مناع " .. متوقفاً عند اسم " فايد مجلي " ليشهد له بالفروسية والنضال البطولي أثناء معارك الثورة .. ويبدي أبو لحوم أسفه لما يتعرض له آل مجلي حالياً من استهداف الدولة وهم الذين ناصروها طوال الوقت .. لقد انغمس الشيخ سنان في عمق الحديث وبدأ مشاغباته اللاذعة التي يصفها بـ " البريئة " فيما يعتبرها آخرون تصفية حسابات قديمة تأخرت كثيراً .. يطلب مني الانتقال من الكنبة المجاورة له إلى كرسي أمامه " تعال هنا أبسرك لأني ما عاد استرش أعصر راسي تجاهك" ندعوا له بالشفاء والصحة .. بينما هو بلباقة يشرح مرضه وتقدمه في السن " يا ولدي أنا كبرت والنصف الأيسر من مخي قدو يابس وقدنا أحس بالدوخة والدكتور " ..... " سحب مني جميع الأدوية يوم أمس وبايديلي علاج جديد ".. يتقطع حديثه الهامس مع ابتسامات مسموعة يضعها بين كلمة وأخرى !!
لم يكن الشيخ الكبير/ سنان أبو لحوم يعرف أن الشيخ الراحل / عبد الله بن حسين الأحمر سيغادر الحياة قبله "أنا أكبر منه بحد عشر سنة وكان يناديني يا عم " .. صباح أمس كان سنان أبو لحوم يتحدث بمعنويات مرتفعة أمام الشيخ / حميد الأحمر الذي جاء لزيارته والاطمئنان على صحته ودعوته لحضور ندوة مسائية نضمها موقع ابن اليمن في نقابة الصحفيين المصريين عن عطاءات فقيد الأمة خلال نصف قرن .. العلاقة الأسرية بين الشيخين حصيلتها الآن 35 حفيداً من زيجات ومصاهرات عززت الحضور السياسى للقبيلة داخل صحن المجتمع وكواليس السلطة .. يحتفظ أبو لحوم بـ23 رسالة خطية من الشيخ عبد الله وثلاث أو أربع من والده وشقيقه حميد .. ما يعني أن المشائخ لا يفرطون بأواصر البقاء والمشاركة في الحكم والسيطرة على صناعة القرار.. لكن هل صحيح بأن الشيخ عبد الله بن حسن الأحمر كان غير موافقاً على تولي علي عبد صالح رئاسة الجمهورية في 1979 .. سنان أبو لحوم يؤكد ما جاء في مذكرات الشيخ الأحمر مضيفاً " أنا أقنعته " .. والآن من يقنع الرئيس صالح بأن عمه سنان مازال وفياً له وعلى عهده معه.. إذ لا داعي لتجريحه الدائم للشيخ الكبير بتهمة " أكل أموال اليتامى ".. اسمعوا رد العم سنان ورأيه فى الرئيس .. " قلدكم الله أنا آكل حق الأيتام، ما قد فعلت به، أنا وقفت وتعاونت معه، بس أنا ما اقدرش أقول حاضر ، أنا حكمت ، كم سرقت ، كم نهبت ، أنا يا عيالى ما أحقد وهو يتآمر عليّ ، أنا مترفع، ما اصبرش على الباطل ولا أطلب منه زلط ، انقطعت علاقتي معه من 86، بس أنصحه "... ولمعرفة نصيحة الشيخ سنان للرئيس صالح أقرأوا السطور التالية بتمعن.
· فى هذه الأثناء.. رن التليفون ليكون حسين المسوري على الخط مطمئناً على صحة الشيخ سنان الذى ينسجم في مهاتفته والحديث معه براحة بدت واضحة عليه وهو يذوب في نوبة ضحك لم يبارح رنينها خيالي .. وبعد انتهاء المكالمة .. طلب من الشيخ سنان نسأل الرئيس الراحل سالم ربيع علي عما أنجزه طوال عمله محافظاً لمحافظة الحديدة التي زارها سالمين قبل فترة وجيزة من مقتله .. الأمر الذي حفزني للاستفسار من الشيخ سنان عما إذا كان هناك أسرار غير معروفة تربط بين زيارة سالم ربيع علي لليمن الشمالي وبين اغتياله بعد أسابيع من عودته إلى عدن قادماً من الحديدة .. الحديدة هذه تفرض نفسها بقوة في هذا اللقاء... وتعليقاً على خطاب الرئيس علي عبد الله صالح الأخير في مهرجان الحسينية يعلق الشيخ سنان على دعوة الفندم للمعارضين والمحتجين ضد تدهور أوضاع البلاد للشرب من مياه البحر.. بتعليق مكثف في كلمتين " الحديدة : تطلع الحرارة ".. وعند هذه النقطة ترتفع حرارة الحوار حد السخونة .. لقد نسف الشيخ سنان شرطه الذي وافقنا عليه بعدم جرجرته في أمور السياسة فإذا به يقحمنا فيها من أوسع خزق .. قبل معرفة التفاصيل الساخنة .. ها هو ينصح الرئيس بالاستقالة .. " ماعد يشتي أكثر مما قد فعل، يستقيل أخرج له، بذمتي وأمانتي أشرف له يترفع، يستقيل من أجل مصلحة البلاد، يفعل زي السلال والإرياني، ما عاده بحاجة شئ ، قده مستور ، الدنيا حق الله، إذا كسب ناس خسر ناس ..." ليس هذا فقط .. هناك بهارات أكثر متعة وأجدر بالقراءة والتقصي عما وراء لكمات الكلمات.
· يكرر الشيخ سنان أبو لحوم التشديد بالقسم كلما كان الكلام عن الرئيس .. " والله والله ، إذا دخلت البلاد في متاهات هو المسئول ، والله والله لا أنا حاقد ولا شئ ، هو يسوي شوية خوازيق ، والله يرحم كلاً في طبعه".. عندما يكون الحكم معتمداً على لعبة " الخوازيق" والمناورة بالمتناقضات تظل البلد حبلى بالأزمات .. لقد فاض الكيل بالشيخ الناصح حد التقاطع مع الرئيس عند حدود .." من كثر هدارة ، إيش بيقولوا ، قل مقداره ، وهو أخبر بنفسه ".. بالفعل .. الدنيا حق الله .. وفي فلسفة الشيخ سنان فإن الغنى هو غنى النفس .. لكن هل مازال الرئيس مستعداً كما كان للعمل بنصائح عمه سنان وتقبل ما يقول برحابة صدر .. لم يعد علي عبد الله صالح بالنسبة لرجل بحجم سنان أبو لحوم سوى "صديق" ولو صدقه واستقال فإنه سيصبح " مرجعية " وسيكون قادراً على الرقص فوق رؤوس الشياطين .. يتساءل الشيخ سنان في دهشة وخوف من القادم بلهجة حادة تمطر سكاكين .. " اليوم ما بش مطر ، أين عيجوا الناس من الغلاء ".. ولا ينسى الإشارة إلى الإشكالات المسلحة في شمال الوطن والمظاهرات الاحتجاجية في جنوبه .. كما لا يتردد من ممارسة صراحته المعهودة : " الرئيس جّوع الشعب ".. يقول ذلك وهو يشير إلى اتفاق قوله مع نبض ضميره .. مؤكداً أنه لا يخاف أحداً سوى خالقه.. " أنا ما افتجع من الرئيس ، أنا أعتز بنفسى ، والتحدي ما هو سن حالي" وخلال هذه الجُمل العابرة وردت عبارة "يامكسور الناموس"على لسان الشيخ ونترك لكم حرية التكهن لمعرفة الشخص المقصود بها!!
· يتركنا الشيخ سنان نبحلق في المجهول .. أحاول التأكد من سلامة زعمه بالترفع والتسامح وعدم الحقد .. فإذا بي أغوص داخل بركة ضخمة من علامات الاستفهام حين قال " أنا أتغاضى عن أشياء موجعة ".. ثم اتبعها بـ " استغفر الله " ومضى دون أن يخبرنا ما هي هذه الموجعات وما الذي كان سيحدث لو لم يتغاضى عنها.. وأعود مرة أخرى للسباحة وسط علامات التعجب .. حين أجده يقول أنه لم يتكلم سوى عن10% من الحقائق .. وهو الذي كان قد أخبرنا أن " ذاكرته عطل" وكل ما عنده قد قاله في مقابلات سابقة ودوّنه بمذكراته المنشورة في كتابين .. إلا أن الحقيقة تبقى هي مطلب الباحثين عن التاريخ الحقيقي للثورة اليمنية المليئة بشوائب ما زالت عالقة حتى الآن في حياة المواطن اليمنى .. وفى اتصال المسوري .. سمعت الشيخ سنان يقول بسخرية " يا علاعله علعلتونا " معتقداً أنه يقصد علي عبد الله الذي " يحترمه " وعلي سالم البيض وعلي محسن الأحمر وعلي ناصر محمد الذي قال أنه يحتفظ مع جميعهم إلى جانب العطاس بـ " علاقات جيدة" من أول يوم لحكم علي عبد الله صالح إلى آخر يوم في حياة البيض داخل اليمن.. ولا أعرف ما الذي دفعه للرد على محدثه بطلب غريب مفاده .." زوروني الليل ، سع العشاق ".. وقبل أن نسأل الرئيس الراحل سالم ربيع عن زمن أبو لحوم فى الحديدة..كان مطلوب منا – ثانية – أن نسأل الفسيل والسلال " كيف رفض سنان أبو لحوم أن يكون وزيراً للزراعة آنذاك!!
· ما زال حديث الاستقالات متواصلاً .. كشف العم سنان أن الرئيس علي عبد الله صالح قدم استقالته من الرئاسة " أربع مرات" قبل الوحدة .. وكان الشيخ سنان فى مقدمة الرافضين لها كما كان موقفه – أيضاً – من قرار الاستقالة الشهير في الاتتخابات الرئاسية الأخيرة قبل عام ونصف .. ومع كثرة تفاعل أبو لحوم كثرت حركة يديه .. يمد ذراعيه في وجهينا وكفيه ملتصقي الأصابع مفتوحين بالكامل .. واحياناً يتكلم بيد واحدة .. وكثير من الأحايين تنوب عنه أصابعه وحواجبه لنقل ما يريد البوح به.. غير أن لمعان خاتم معلق في بنصره ظل يتلاقى – أكثر من أي شي آخر – مع بريق لافت يشع من عيني الرجل كلما فتح فمه أو أطبق شفتيه .. ورغم أنها المرة الأولى التي أقابل فيها الشيخ سنان .. إلا أن أُلفته وبساطته جعلتنى أشعر كما لو كنت أعرفه منذ عهد الإمام يحي حميد الدين الذي كان يرسل بالأموال للشيخ سنان أبو لحوم الذي بدوره لا يتوانى بالجزم " الزلط ما تغيرني " وهو يرفع راسه بشموخ.. ونشوة الكبرياء والزهو تنبعث من نظرات رجل طاعن في النضال الثوري .. يتعارك مع الواقع بروح جيفارا التي سكنته أيام الشباب .. حتى وصلت قناعته إلى أن " الراغب يذبح بحيف".. معترفاً بأن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر " اشلى " من جميع " المتقرفصين" الذين يعترف بأنه أحدهم.
· قبل هذا .. يطلب الشيخ سنان – بدبلوماسية – إيقاف التسجيل ليدلي بكلام غير قابل للنشر.. ليعاود من جديد الإجابة على الأسئلة بإجابات لا تخلو من كبريت الشرارة الأولى تحت براميل البارود المدفونة في صحراء الدهر .. أحس بحاجتى لسماع كلام الرجل مرة أخرى .. لكن الشريط قد طار إلى صنعاء ولم يتبقى عندي فى القاهرة سوى المسجلة وبضعة وريقات كان الشيخ مركزاً على خربشاتي فوقها طوال الحوار .. لذا ستطالعون في مكان آخر تفاصيل علاقة الشيخ سنان أبو لحوم بخطة " إبراهيم الوزير" وآخرين لإنشاء الدولة الإسلامية" بدلاً عن الجمهورية:.. وكيف كان هو " العميل" لجمهورية مصر ونظام عبد الناصر دون بقية رفاقه الذين يقبضون ثمن الثورة ضد الملكية بدعم الناصريين .. بينما هاجس السطو على "أموال اليتامى" يقظ مضجعه بألم لا يطفئه الاعتذار.. ليظل السؤال معلقاً على مشنقة الوطن .. من يأكل أموال الشعب ويسطو على ثروات الأرض ويصطاد أحلام المواطن؟!
· الشيخ البكيلي القادم من "برط" الجوف" ذومحمد" لبسط نفوذه في المناطق الوسطى واستيطان محافظة إب وتكوين مملكته كإقطاعي ضخم على أراضيها .. يستهجن الفوضى التي ساعدت رجال القبائل الإستقواء على الدولة .. ضارباً المثل باقتحام قبائل الحدأ قبل شهرين لمحافظة تعز للثأر من أبناء شرعب والتفاهم مع النظام والقانون بلغة العنجهية والسلاح بدلاً عن تحكيم العقول .. وحين نسأله عما جرى لإبن أخيه" محمد علي أبو لحوم " من إيذاء رئاسي وضغطوطات سياسية.. يخلط نظرته بابتسامة ماكرة قبل أن يرد " هم أصحاب، محمد والرئيس أصدقاء من زمان، وما عندي علم بالذي حصل" .. هناك من يتهم محمد بأنه يشجعك على مهاجمة الرئيس ونقد النظام ؟.. يجيب كملسوع باقتضاب ونبرة ساخطة " سنان يُعلَّم الناس ولا أحد يعلمني ".. وأثناء حديثه عن " رشيد فرعون ".. يبحث الشيخ سنان أبو لحوم عن السبب الذي يجعل السعوديين يكرهونه ولا يطيقونه ويتعاملون معه على طريقة " إبن خاله".
· لا أفهم التطرق لقضية صعدة أولاً فيما كانت هي -عملياً – في آخر الحوار .. كما أن عودة الحديدة مجدداً لا يبدو مفهوم السبب.. ذلك أن ربط الشيخ سنان أبو لحوم بين آخر خطاب للرئيس صالح في الحسينية وخطاب الإمام أمام الزرانيق بعد ثلاثين عاماً قضاها مقدساً في الحكم .. يبدو مثيراً للتأمل والتوقف تجاه الربط التكهني باستقراء عميق .. لقد كانت لهجة الإمام متعالية ونبرته فيها غرور وتحدي حينما استعرض عضلاته على رعاياه بقوله " هذا الفرس وهذا الميدان" فكان خطاب النحس الذي أودى بعرش مملكته ويقال بأن آخر خطابات الرئيس إبراهيم الحمدي كان من مدينة الحديدة تحت عنوان " من كذّب جرب" .. بما يجعل الأفق مفتوحاً لقراءة الشيخ سنان بتأني وعمق .. خاصة حين يشير بانفعال إلى إلقاء الشرفاء والأحرار في الشوارع .. وعندما يبرق برسالة مشفرة تنبه إلى أن من أفشلوا الإمام وأضعفوه حتى فشل حكمه وسقط نظامه هم " العيال" الذين يحذر الحكام من ترك حبال الدولة على غارب نزوات طموحاتهم بعيداً عن إرادة الشعب وخيارات الأمة .. أما لماذا قال عمي سنان أمام الملأ " نتيهود كلنا" فلذلك قصة أخرى أكثر ظرافة وأشد مأساوية!!
· بالشوق الذي سبقه .. ينتهى الحديث الشيق مع الشيخ سنان أبو لحوم وهو لا يدري أن حياتنا كانت ستنهيها سيارة مسرعة على جسر النيل أثناء خروجنا من فندق سميرا ميس في الطريق إليه التاسعة صباحاً .. وقبل أن يقطع الحديث اقتراب موعده مع الطبيب كان موعد رحلة المغادرة للمطار يقترب ضاغطاً بقوة لم تصمد أمام ضغوطات الشيخ سنان بتناول الغداء في ضيافته.. ليتسارع الوداع على إيقاع تدوين رقم تلفوني تلبية لطلب أقارب الشيخ الذين إذا قرأوا هذا وحاولوا الاتصال .. ربما سيأتيهم رد الكنترول بأن التلفون مغلق وأن الكاتب مازال خارج نطاق الحدود الجغرافية.