مكاسب نسائية رمضانية
بقلم/ د/ رؤوفة حسن
نشر منذ: 17 سنة و شهر و يومين
السبت 06 أكتوبر-تشرين الأول 2007 01:57 م

كان بودي أن ألبي الدعوة الى لقاء منظمات المجتمع المدني مع رئيس الجمهورية في تعز الحالمة. لكن ظروف وجودي في قاهرة المعز بمصر خلال الشهر الكريم لم تجعل هذا النوع من الدعوات ممكن التلبية.

حظيت على الأقل من هذه الدعوة بحديث هاتفي مع وزيرة الشؤون الاجتماعية الدكتورة أمة الرزاق حُمَّد الحوري، أمتعني ككل مرة يدور فيها الحديث معها. هذه الوزيرة هي من أكثر وزراء الحكومة تواضعا وسعة صدر وتقبلا للحوار والاختلاف. إنها تذكرك بما يجب أن يكون عليه الوزراء في عهود أنظمة الحكم الراشدة.

وتابعت عبر وسائل الإعلام أخبار اللقاء، فكانت لدي ملاحظات، لم يكن حض وري أو عدمه ليؤثر فيها بشئ، ورغم اقتراب خواتم هذا الشهر الكريم فإن الحديث عن مسائل دنيوية حققها هذا اللقاء تستحق الوقوف عندها قليلا.

وملاحظتي الأولى هي أن دعوة عدد كبير من منظمات المجتمع المدني بما في ذلك الجمعيات، ومراكز البحوث والدراسات، والنقابات والاتحادات، والملتقيات والمنتديات، والتجمعات للتيارات المختلفة، هو مؤشر لوجود حراك مجتمعي شبه منظم يتزايد كل يوم بما يسمح بالاعتراف به والاجتماع معه والنقاش حول قضايا الدولة والمجتمع باعتبار أن القضايا السياسية هي قضايا مجتمعية تخص كل الناخبين والناخبات في المجتمع الذي يسير نحو الديمقراطية.

وملاحظتي الثانية، أن هذا التنوع الذي يعكس كل ألوان قوس قزح السياسي، هو ما يمنح هذا الجمع عند التقائه حالة من القوة تعكس ما يزخر به المجتمع اليمني من طاقات وقوى ابداعية يحركها العمل الطوعي والمبادرات الذاتية. وهي قوى حرة الارادة وغير قابلة للخضوع والسيطرة، لذا يصعب التواصل معها عبر أفراد محددين، ويصعب القول أن فلانا أو فلانة يمثلها ويتحدث بالنيابة عنها.

أما ملاحظتي الثالثة، فهي عن وسائل الاعلام المختلفة والعاملين بها، معارضة أو موالاة، فإن تغطياتهم الخبرية أو التقارير عن حدث كبير كهذا لم تستوعب الحدث ولا عكس الواقع الجديد. فاللغة التوصيفية لا تزال لغة قديمة شمولية، والحدث المنقول الى الناس لا يزال مبتسرا يسيطر عليه الرأي والموقف المؤدلج، أكثر مما تسيطر المعلومة والتحليل ونقل الصورة الحقيقية للناس.

هذه الملاحظات الثلاث هي ما سأحاول توضيحه في هذا المقال.

حج ولقَّاط مسابح

كثير من الجمعيات، وخاصة التي تنتهي أسماؤها بصفة الخيرية، كانت إلى وقت قريب ترفض توصيف نفسها بالتجمعات السياسية وتعتبر أن عملها يصب في عمل الخير المجرد والمنزه من كل غرض.

وبالرغم من أن أغلب أعضائها ينتمون الى هذا التيار السياسي أو ذاك فإن ذلك لم يكن كافيا للحديث عن البعد السياسي الذي تمثله. وبالرغم أيضا من أن أنشطتها أحيانا ترتبط بالمناسبات السياسية أو الانتخابية فقط، فإن ذلك لم يكن سببا ليرى أعضاؤها والعاملون بها حجم التسيس الذي يعملون به.

وحتى الجمعيات النسائية المتركزة على أنشطة تعليم المهارات اليدوية ومحو الأمية لم تكن ترى نفسها كواجهات فعل تغيير هو في النهاية فعل سياسي. أو الجمعيات الدعوية التي كان لها مواقف مضادة للديمقراطية والدستورية، لم تكن ترى موقفها المضاد هذا كفعل سياسي. كل هذا الانكار كان ناتجاً عمَّا أصاب مصطلح العمل السياسي من تشويه وفساد من بعض العاملين فيه من ناحية، ونتاجاً لتاريخ من الترهيب والتخويف من الشراكة في الفعل السياسي، من ناحية أخرى.

هذا الحال يبدو أنه في طريقه للتغير، عندما نشاهد ألفاً وثمانمائة ناشط وناشطة في المجتمع من تجمعات مختلفة وحتى متباينة، يحضرون للقاء مع رئيس الدولة للنقاش السياسي حول تعديلات مقترحة للدستور وأفكار جديدة لتوضيح صورة النظام السياسي المطلوب.

وفي المقترحات المطروحة مبادرة لتعديل الدستور بما يكفل حصول النساء على نسبة اجبارية من مجموع المقاعد التي يحتلها الرجال وحدهم رغم أنهم لا يمثلون سوى خمسين في المائة من السكان، وسبعة وخمسين فقط من نسبة الناخبين في البلاد.

هذا التعديل وحده كان مطلبا نسائيا سابقا للانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة، عندما طالبن بتعديل قانون الاحزاب وقانون الانتخابات لضمان وضع نسبة للنساء اجبارية على قوائم المرشحين للأحزاب بغض النظر إن كان الانتخاب في دائرة مغلقة أو بنظام القائمة النسبية. لكن المطلب هذا كان الرد عليه من الاحزاب ومن اللجنة العليا للانتخابات بأنه مطلب غير دستورى لأن الدستور لا يسمح بتمييز ايجابي لصالح النساء، بل يعاملهن في الانتخابات مع الرجال على قدم المساواة. وهو ما ظاهره عدل وباطنه ظلم، لأن المساواة بين ظروف مختلفة تحقق نتائج ظلم يقصي النساء من الفرص المؤيدة.

إن دخول تجمعات من المهمشين والمقصيين عن الفعل السياسي المباشر، من أولئك الذين يفضلون التطوع في جمعية خيرية أو تنموية ويرفضون الانضمام الى حزب، الى واجهة الفعل السياسي دلالة على أن قوى جديدة في طريقها للتشكل، لتفرض خارطة طريق مغايرة لما هو قائم.. إما تؤدي الى انخراط البسطاء في التغيير، وإما تقود الى أشكال جديدة من المصادرة للتنوع.

اتحاد الاتحادات

كيف تتصل بكل هذه التجمعات وتدعوها إلى حضور لقاء؟ بعضها يملك الهاتف ويستخدم الفاكس والانترنت، وبعضها يملك هاتفا في الدكان المجاور، والبعض الآخر عليك أن تسير مسافات لتصل الى أقرب شخص يمكنه الذهاب الى رئيس أو رئيسة الجمعية وإخباره عن الحدث.

كيف تستمع الى كل شخص يمثل جمعية للحديث عن موقفه أو موقف مجموعته مع احتمال أنه في الحقيقة لا يمثل سوى نفسه وأغلب الذين تجمعوا معه يوم تشكيل جمعيته لم يجتمعوا بعدها أبدا، ولو أنك استمعت لكل من يمثل جمعية فقد تأخذ العمر كله قبل أن تكمل سماع آخر المتحدثين.

لابد من طريقة تسمح باستيعاب كل وجهات النظر دون أن تصادر حق أحد في تمثيله لنفسه أو لغيره. أنت تفعل ذلك في البرلمان عبر انتخابك لشخص يتحدث بالنيابة عنك لصنع القوانين أو لمراقبة تنفيذها. ولكن ماذا تفعل في تجمع عام لم تنتخب فيه أحدا ليمثلك. ترفع يدك وتطلب الحق في الحديث. قد يأتي الدور أو لا يأتي.. ولكن حتى الآن لا يوجد بديل.

أما كيف تعكس لغة الإعلاميين هذا الزخم ؟ وكيف تتحدث عن تجمعات مختلفة دون أن تؤطرها فقط في إطار التأييد والولاء، أو المعارضة والعداء؟ فهذا ربما يستحق مقالاً منفصلاً.

في كل الأحوال رمضان كريم، وخلال هذا الشهر يبدو أن النساء سيحصلن على مكسب مستحق متواضع، لأن الذين سيخالفون هذا التوجه سيخاطرون بأغلبية انتخابية من نساء بدأن يتطلعن الى حقوق لم يعد التنازل عنها ممكنا، وصار الحديث عن تأجيلها مرفوضاً.

raufah@hotmail.com