تركيا تمنع مرور طائرة رئيس الإحتلال في أجوائها وتجبره على الغاء الرحلة طفل يموت بحكم قضائي.. سحبوا عنه أجهزة التنفس رغم معارضة أمه نقابة الصحفيين اليمنيين: نواجه حربًا واستهدافًا ممنهجًا من أطراف الصراع محمد بن سلمان يلغي رحلته إلى قمة العشرين.. ومصدر لبلومبرغ يكشف السبب وفاة 10 أشخاص وإصابة 4 في حادث مروري مروع بمحافظة ذمار رونالدو يكشف موعد اعتزاله كرة القدم.. هل سيكون مدربًا بعد تعليق حذائه؟ الداخلية السعودية : القبض على يمني قـ.ـتل آخر حرقاً بالأسيد وطعنه بسكين صدمة في اليمن بعد قيام الحوثيين بالإفراج عن أخطر إرهابي يقف خلف مجزرة ميدان السبعين الدامية عام 2012 نيابة الأموال العامة في الضالع تنفذ حملة لإغلاق محلات الصرافة المخالفة في قعطبة تم تعذيبه حتى الموت ..وفاة شيخ مسن ٌمختطف في سجون الحوثيين بمحافظة البيضاء
من المفارقة العجيبة أنك في زمن اليوم تعيش في ظلال صفحة الحياة الحاقدة على قائمة الألوان باستثناء لونين اثنين هم البياض والسواد، فكل شيء فيها ينظر إليه على أنه ناصع البياض، أو حالك السواد، وهذا يتأتي من خلل مطلق في بنية تفكير الإنسان المعاصر ولاسيما الإنسان العربي، فالفكر العربي نتاج طبيعي وصنيعة حتمية من صنائع المجتمع الموبوء بأمراض الجهل والتعصب للقبيلة أو المعتقد أو الفكر..
أما نحن في اليمن فنعيش خصوصية قد لا يشبهنا فيها أحد، ورحمة الله على المفكر والشاعر والفيلسوف عبد الله البردوني حينما يذهب إلى أننا في اليمن نقلد المقلدين، بمعنى أن المفكر أو السياسي أو رجل الأعمال في بقية الأقطار العربية يقلد أفكار الغرب ومذاهبه ونحن هنا في اليمن نتبع أثر هؤلاء المقلدين ونصبح عالة على عالة إن صح التعبير.
أعود إلى الفكرة الأولى وهي فكرة السواد والبياض وهي ذات صلة بالفكرة الثانية، فالواقع السياسي والمعرفي في اليمن اليوم لا يرى الأشياء إلا في سياق هذين اللونين فما نحبه أو نتوافق معه سياسيا أو فكريا أو اجتماعياً فهو كله بياض وخير وصلاح لا شيء قبله ولا شيء بعده، وما نتخالف معه أو نتباين معه في الرؤية أو الفكر أو التوجه فهو كله سواد وشر مستطير ولا شيء أسوأ منه لا قبل ولا بعد... ومن هذا المنطلق تأتي كل تصرفاتنا انفعالية ومبتورة وغير منطقية ولا تمت إلى الموضوعية بصلة ... إنها تصرفات وسلوكيات تنتج المصائب وتوسع الهوة بين مكونات المجتمع ...إننا نخرب بيوتنا بأيدينا.
وثمة قضايا كبرى في الساحة اليمنية الآن تشهد على صدق توجهنا، ولنتناول قضية الشيخ حميد الأحمر وما يلعبه من دور في خارطة الملعب السياسي، فالرجل موضع جدل بين النخب السياسية والفكرية والثقافية في اليمن، وكذلك بين العوام.... لكن تقييم الرجل ـ كما نقرأ ونسمع ونرى ـ لا يخرج عن نطاق السواد والبياض، فمن يتوافق معه في الحزب أو المصلحة أو التوجه يرتقي به إلى أعلى عليين، ومن يختلف معه أو لا يتوافق معه سياسياً أو اجتماعياً أو فكرياً يسوقه إلى أسفل سافلين، دون بيان أوجه الارتقاء أو الحط. ولعل هذه المشكلة لا تقتصر على العقلية اليمنية ـ حتى لا نظلم الإنسان اليمني ـ بل هي سمة من سمات العقل العربي المعاصر، فالعقل العربي أعرج في سيره، غير منضبط في أحكامه، وهو في الغالب تجتاحه العاطفة وتطغى على سلوكه وتصرفاته ... لا مرونة في تعامله مع الآخر، بل مغالاة في مدح ذاته ومدح من يحب ....
وهكذا نتصرف في اليمن مع ما يثيره حميد الأحمر من تصريحات ومواقف تجاه السلطة السياسية في اليمن والقائمين عليها. ولكي لا نصنف من أهل اليمين / البياض، أو الشمال/ السواد، فإننا سنناقش أفكار ومواقف وتصريحات حميد الأحمر بتجرد مطلق، واضعين نصب أعيننا مصلحة الوطن الأم والإنسان الضحية في ظروف توحي بأن القادم ـ ما لم يتداركه العقلاء ـ يحمل جنيناً مشوهاً.
وقبل أن نتحاور مع فكر حميد الأحمر وسلوكياته يجب أن نعترف أن الرجل يستند في منافحته إلى أرث تاريخي كبير لأسرته ولاسيما موقفها من ثورة سبتمبر ودورها الحاسم في تثبيت النظام الجمهوري، لكن هذا الدور لا يبرر للرجل وسواه أن يزايد على الشعب، فثمة أسر كثيرة ضحت كثيراً من أجل الثورة، ومع هذه التضحية تعيش في الهامش، وربما لا تملك فرصة العيش الكريم في بلد روته من دماء أهلها، بينما أسرة الأحمر تعد من أغنى الأسر اليمنية على الإطلاق، ولن نتساءل عن مصدر هذا الثراء، وإن كان من حق الشعب أن يطرح الأسئلة وأن يستفسر عن حقيقة الأمر.
إذن نعتقد أن الشيخ حميد الأحمر في مواقفه وتصريحاته يتحرك من منطلق الإرث التاريخي للأسرة ويرى أنه وإخوانه أولى من غيره في تسيد المناصب بحكم التضحية. ونحن لا نحاكمه في ذلك وإنما نناقش سلوكياته الواضحة للعيان والتي ظاهرها يتنافى مع جوهرها، فهو حين ينادي بالعدالة الاجتماعية وإتاحة الفرصة لحكم الشعب لنفسه، هو في الوقت ذاته يصارع من أجل مستقبل الأسرة السياسي وتأمين مسيرتها في ظل رسم خارطة المستقبل، وإلا ما هو المبرر في الاستماتة من أجل هدم مداميك الحكم القائم. إن المبرر يكمن في أن أسرته كانت قطباً من أقطاب الحكم في اليمن فما أن توفي والده وبدأ يشعر بأن الباب العالي يغلق من دونه، بدأ في التفكير وتغيير الحسابات السياسية لضمان المستقبل أو هدم المعبد على رأسه وعلى رأس أعدائه الذين أقصوه عن مصدر القرار وفاعليته دون أدنى نظر إلى عاقبة ما يصنعه أو ما يترتب على فعله من دمار شامل على اليمن في كليته.
لسنا نعترض على أحلام الرجل وسعيه الحثيث للوصول إلى سدة الحكم فذلك من حقه ومن حق أي مواطن يمني؛ لكن هو يصرح بأن الشعب اليمني لن يورث كما تورث النعاج، ونحن معه في ذلك، لكنه أحد الورثة الشرعيين كما يعتقد، ولذلك فهو يستميت من أجل أن ينال نصيبه من التركة، ونحن على يقين مطلق إنه لو نال نصيبه كما ينبغي أو كما يريد لصمت الدهر ... وليذهب الجميع إلى الجحيم. نقول ذلك ونحن نتساءل هل عجزت النساء في اليمن أن تلد لنا ساسة محنكين وقادرين على السير بالوطن غير هؤلاء، أين المثقفون والسياسيون وأصحاب الشارات العلمية الكبرى من دكاترة وفلاسفة ومفكرين .
إننا في مناقشتنا لهذا الموقف وسواه لا نقدح في الرجل وإنما نقدح في الشعب الذي ارتضى لهؤلاء أن يمثلوه وأن يجعلوا منهم الناطق الرسمي باسمه, وأعجب من الناس البسطاء في الوطن كيف أنهم ينساقون إلى مربع المناكفات بين الكبار دون أدنى تفكير بمصلحتهم، وكيف أنهم يصمتون في حضرتهم وكأن على رؤوسهم الطير....دعوا الصمت وقولوا لهم كفى لعباً بالنار ... كفى لعباً بالعواطف والعقول .. كفى نهباً للثروات.
وفي موقف آخر يثبت أن للفتى حميد أحلاماً تراوده عن نفسه وقد تسوقه إلى مكان لا يحمده، بل وللأسف الشديد قد تسوق الوطن معه إلى جرف هار، أنه في سياق مواقفه يدعو إلى الديمقراطية وقبول الرأي والرأي الآخر، لكنه عندما يتناول بالنقد يزمجر ويأبى إلا أن يرينا ما يراه، ولنا النظر في آخر تقليعة ديمقراطية له والمتمثلة في توجيهه كرت أحمر للصحفي عبد الله قطران وحرمانه من العمل في مؤسسة الناس، ولن نناقش حيثيات الموقف لأن الجميع يعرف الحكاية.
إن غياب الموضوعية في تقييم المواقف والأشخاص والأفكار ينتج عنه مزيداً من الزيف والخداع والعنف والنتائج السيئة، وإننا لندعو الجماهير اليمنية إلى تفعيل دور العقل في أثناء الحكم على الأشخاص أو المواقف وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الذاتية والآنية.. دون مزايدة أو القبول بها..
لن أطيل فهناك مواقف كثيرة تثبت أن أحلام الفتى حميد في أمس الحاجة للنظر والنقد دون أن نغرق في المزايدة بها أو إقصائها، مع إن الإشارات توحي بأن التهور هو سيد موقف الفتى، وأنه في كثير من تصرفاته يتجاوز العقل والمنطق وأنه في الغالب يقول ما لا يفعل، وما رؤيته عن القبيلة والحزب والمستقبل والواقع والمعتقد إلا صورة حية لتناقضه الظاهري مع جوهر الأمور.
وفي الأخير، آمل من العقلاء في اليمن الحبيب تغليب مصلحة الوطن، وأن يتجنبوا المغامرة، فالوطن ليس حقلاً للتجارب والمغامرات والمناكفات، فصدر الوطن يتسع للجميع ، لكنه لا يقبل المزايدة على وعيه الحقيقي ومصيره الحتمي..