الظاهرة الحوثية: طبيعة النشأة وجدلية العلاقة بالخارج الحلقة 4
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و يومين
الأربعاء 13 مايو 2009 05:57 م

الحلقة الرابعة: سبّب المرّد والخلافات الداخلية بين مؤسسي تنظيم الشباب المؤمن

بعد أن تناول الكاتب في الحلقتين السابقتين عاملين داخليين من عوامل ظهور الفكر الحوثي هما جذور التشيع السياسي والتكوين الفكري والأيديولوجي للحوثيين؛ يتناول في هذه الحلقة العامل الثالث المتمثل في الخلافات الداخلية بين مؤسسي تنظيم الشباب المؤمن، غير أنه قبل أن يأتي على ذكر ذلك لابد أن يعلّق على العامل الثاني المتعلق بالتكوين الفكري والأيديولوجي لحسين الحوثي وسبب ذلك التمرّد في شخصيته.

سبب التمرّد:

إن تلك الروح المتمرّدة في خطاب الحوثي تُعزى – في تصوّر الباحث- إلى سببين جوهريين:

الأول : كونها مخرجاً تلقائياً للتربية الزيدية الهادوية الأولى، تلك التي تعلي من قيمة النظر العقلي، وتمنح المرء الحق في الاجتهاد إذا ما بلغ الرتبة التي تؤهله لذلك، ولعل حسين الحوثي قد رأى في نفسه أهلاً للاجتهاد ، والخروج- من ثمّ- عن بعض الآراء السائدة في المذهب الزيدي ، وهو ماجلب عليه سخط أبرز علماء المذهب، حيث حذّر أشهر رموزه في ختام بيان أصدروه بهذا الشأن، ويحمل أسماءهم وتوقيعاتهم مما وصفوه بـ" ضلالات المذكور( أي حسين الحوثي) وأتباعه، وعدم الاغترار بأقواله وأفعاله، تلك التي لا تمت إلى أهل البيت وإلى المذهب الزيدي بصلة، وأنه لا يجوز الإصغاء إلى تلك البدع والضلالات ولا التأييد لها، ولا الرضا بها، ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، وهذا براءة للذمّة، وتخلّص أمام الله من واجب التبليغ"(راجع – على سبيل المثال- بيان من علماء الزيدية(هذا بلاغ للناس ولينذروا به)، منشور ة نسخة منه، ضمن وثائق كتاب الزهر والحجر، مرجع سابق، ص 349، كما هو بنصّه في: عبد الله الصنعاني، خلفية الفكر الحوثي ومؤشِّر الاتجاه،جـ2، ص 85-87،1427هـ-2006م،الطبعة ألأولى، القاهرة: دار الأمل ). ومع أن الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب المؤمن محمّد سالم عزّان الذي اختلف مع وجهة الحوثي وافترقا إلى طرفين –كما تقدّم- يقرّ أن هذه الجماعة تنتمي في الجملة إلى الزيدية، إلا أنّه يشايع بيان علماء الزيدية السابق حين قال في حوار صحفي " ...ولكن الأفكار التي قامت الفتنة على أساسها غريبة على مذهب الزيدية، ولذلك لم يُقرها علماء الزيدية، ولم يشاركوا فيها، بل حذروا منها ونصحوا بتجنبها"( حوار صحيفة 26 سبتمبر مع عزّان، مرجع سابق).

 وقد حاول – على سبيل المثال –شقيق حسين الحوثي الأكبر محمّد التقليل من شأن ذلك الجدل حول العلاقة بالمذهب ،  في معرض إجابة له على سؤال بهذا الشأن قائلاً:" هناك بعض المسائل التي يعتبرها البعض من علمائنا مسلّمات لا جدال فيها كمسألة الاجتهاد، وعلم الكلام ، ولا نعني به أصول الدين،ونحوها، ولم يكن الأخ حسين أولّ من تكلّم فيها، بل أولئك العظماء من قدماء أئمة أهل البيت عليهم السلام، كالإمام القاسم الرسّي، والإمام الهادي محمّد بن القاسم، وغيرهم، ومن فتشّ كتبهم عرف ذلك. مع أنه قد لا يوجد عالم من علماء الزيدية إلا وله نظرة في موضوع ما تخالف المذهب...إلخ" ونصح بقراءة ملازم حسين ، والاستماع إلى محاضراته، والحوار والتفاهم. وحين وجّه إليه سؤال آخر حول أن بعض علماء الزيدية الذين يرون مخالفة حسين للمذهب، يتهمونه وأتباعه بالدعوة "إلى إزالة الإطارات المذهبية، والمسميات الطائفية، كونها سبب ضعضعة الإسلام. فهل يعني هذا أنّكم بصدد إنشاء مذهب جديد، أم بصدد إنشاء مشروع غير متحقّق في نظر البعض، لإقامة وحدة إسلامية بلا مسمّيات؟" أجابه بالقول:" نحن ندعو للالتفاف حول القرآن الكريم، وتحكيمه فيما اختلفت الأمة فيه، وتوحّد الأمة لا يكون إلا على منهج علمي وهو الجهاد، في سبيل الله ضدّ المستكبرين في الأرض... أما عن شطر السؤال الأخير، فنحن لم نأت بجديد، حتى يتصور أحد أننا بصدد إنشاء مذهب جديد، وفي المذاهب الموجودة كفاية، وكل ما قاله الأخ حسين مما يستغربه البعض قد قاله غيره كما أسلفنا، وهو في كتب قدماء العترة الطاهرة، وإنما مشكلة البعض هي عدم الاطلاع، خاصة على كتب قدماء أهل البيت عليهم السلام" ( راجع: حوار محمد بدر الدين الحوثي، مع صحيفة الديار ، أجرى الحوار في ضحيان بصعدة: أسامة حسن ساري، العدد(75)،ص 13، 28\12\2008م). 

والحق أنه مما يستأهل التأمّل الطويل ذلك التركيز اللافت للحوثية على مصدرية القرآن الكريم، بما يومئ أحياناً إلى ما يشبه الاقتصار عليه وحده، غير أن ذلك يتعارض – على المستوى العملي- مع الاستناد بين حين وآخر إلى مصدرية السنّة النبوية أو الحديث الشريف ، مادام مروياً عن طريق أئمة أهل البيت ورجالهم.

  الثاني:والسبب الثاني يعود إلى أن جزءاً لا يتجزأ من تكوين حسين الحوثي الفكري والسياسي نابع في الأساس من الفكر السياسي الزيدي الذي يعدّ الأصل الخامس عنده هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مستلزمات الإيمان به الرفض والتمرّد والعصيان بل المحاربة والثأر على كل حاكم يُعتقد فسقه وفساده(علي عبد الكريم الفضيل شرف الدين، الزيدية نظرية وتطبيق، ص89-91 ،1405 هـ- 1985م، الطبعة الأولى، عمّان: جمعية عمال المطابع التعاونية).

ولعل من مظاهر ذلك -على سبيل المثال- ما ورد في سياق حديث حسين الحوثي - عمّا وصفه بمحاولات تعميم وزارة الأوقاف والإرشاد (اليمنية) لثقافة طاعة ولي الأمر أيًا ما كان مسلكه( راجع: ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، ص 19-22، مرجع سابق، والصرخة في وجه المستكبرين،ص6، مرجع سابق).

لقد أضحى الرجل صاحب حضور لافت في بيئته وخارجها، لأسباب مختلفة لعل في مقدّمتها تلك النزعة الشخصية الثورية المتمرّدة، في واقع اجتماعي وسياسي بائس . هذا غير امتلاكه خطاباً جذّاباً في أسلوبه، غير معهود –عادة- في الأوساط التقليدية، وفي مثل بيئته بوجه خاص؛ مما قدّمه شخصية (كارزمية) خارقة للعادة. ومن يتابع أطاريحه الشفهية – على سبيل المثال- لا يمكنه إلا أن يقرّ أن الرجل يأسر الفرد العادي بخطابه، إذ يسعى حثيثاً بكل الأساليب الممكنة للإقناع بفكرته، وفق منهج علمي- أيّاً اختلف معه المرء أو اتفق- مستخدماً أسلوب المثال والاستشهاد والمقارنة ، ومعمّداً لذلك كلّه بشعاره المصيري ( الله أكبر، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) - وسيأتي الحديث المفصّل عن هذا الشعار في سياق الحديث عن العوامل الخارجية -.

ومما يستوقف الباحث في فلسفة التربية الحوثية -بوجه خاص- مدى التمكّن التربوي الأيديولوجي الذي استطاع حسين الحوثي أن يزرعه في نفوس أتباعه، حتى إن الأخبار التي كانت ترد من أرض المعارك لتفيد بأنهم كانوا في البداية- على وجه التحديد- لايفرّون من المعركة، ويستقبلون الموت بصدر رحب، اعتقاداً منهم بالوعد (المقدّس) والنصر الأكيد. كما أنهم كانوا يرفضون الموافقة على أيّة رؤية أو فكرة تطرح من بعض المرجعيات الزيدية العليا التي سعت عبر ما عُرف بلجنة الحوار التي قادها القاضي\ حمود الهتار مع المعتقلين في السجون الأمنية، لثني أولئك الشباب عن أفكارهم (الحوثية)، وعبثاً حاولت، إذ كانت الأيديولوجيا الحوثية قد تغلغلت في أعماقهم، بحيث كان لسان المقال– بحسب رواية بعض أعضاء لجنة الحوار - يردّ على كل تلك المرجعيات بالقول:( لانتراجع حتى يأذن لنا سِيدي حسين) أو نحو ذلك !. هذا مع الإشارة إلى أن جانباً من تلك الحوارات وإجابات الحوثيين قد تمت بعد مقتل زعيمهم حسين الحوثي، غير أن بعضهم كان يشكّك بحقيقة ذلك، والأغرب إن أباه بدر الدين يشارك أولئك المتشكّكين تشككهم ( راجع ختام حوار صحيفة الوسط مع بدر الدين الحوثي، مرجع سابق). كما رفض أيّ من المعتقلين الموافقة على الخروج من السجن بناء على تعهّد يضمن للجهات الأمنية، عدم قيامهم بترديد الشعار الحوثي الشهير( الله أكبر...الموت لأمريكا... ).

العامل الثالث: الخلافات الداخلية:

يبدو أن مما عجّل بظهور تنظيم الشباب المؤمن على ذلك النحو، وإحداث تغييرات (دراماتيكية) قفزت بأحد طرفيه إلى السطح، ومن ثمّ إلى تبني الخيار المسلّح- أيّاً كانت تبريراته- هو احتدام الخلاف الداخلي بين مؤسسيه، وبلوغه ذروة الشقاق، حتى تمايز الطرفان، وانتهى الأمر بسيطرة جناح حسين الحوثي الفعلي عليه. ويمكن تلخيص رواية الأمين العام الأسبق محمّد سالم عزان بأن بداية الخلاف بدرت حين أبدت بعض المرجعيات التقليدية الكبرى كمجد الدين المؤيدي تحفظها على بعض ما يدرّس في تلك المنتديات ، بوصفه خارجاً عن السائد في المذهب الزيدي، وتسبّب في (مسخ) الشباب تحت لافتة الانفتاح والتجديد، مما أدى إلى إيقاف الدراسة دورة واحدة، استئنفت بعد تدخل العلامة بدر الدين الحوثي ومراجعته لتلك المقرّرات، وإقناع المؤيدي بسلامتها، غير أن الخلاف كان قد اشتهر حتى وصل إلى رئيس الجمهورية، الذي قابل الأمين العام عزان، وبعض رفاقه وفي مقدّمتهم حسين بدر الدين الحوثي وعبد الله عيظه الرزامي اللذين كانا عضوين في مجلس النواب آنذاك (عن حزب الحق).

ويحدّد عزان عام 1999م لبروز الخلاف بين المجموعة المؤسسة نفسها حول ما ينبغي التركيز عليه أكثر، حيث كان كانت مجموعة يتقدّمها عزان ، يرجحون أولوية التركيز على التوسع في الجوانب العلمية، ودراسة الموروث الفكري بجرأة، والإجابة على تساؤلات الطلاب حول المسائل الخلافية بحرية. بينما كان الفريق الآخر ويتقدّمهم محمد بدر الدين يميلون إلى التركيز على جانب العلاقات بين الطلاب، والتربية الروحية، والتقييد بالموروث الفكري وتأكيد العلامات الفاصلة بين المذاهب.ثم تدخل حسين بدر الدين الحوثي أواخر عام 2000م لصالح طرف شقيقه محمد، أي لترجيح فكرة تقديس الموروث، والكف عن التحديث والانفتاح، واعتبر ذلك خطراً ومفسداً لأتباع المذهب. وهنا يقول عزّان: "وبعد جدل وحوار دام عدة أشهر اضطررنا إلى توسيع إدارة المنتدى بحيث شملت: حسين بدر الدين، ويحيى بدر الدين، وعبد الله الرزامي وآخرين. ولكن لم تستمر تلك الإدارة إلا عاماً واحد ثم انفرط عقدها، حيث كان الخلاف في أواخر عام 2001م قد قسم الساحة بشكل بيّن، ولم يكن حسين قد أعلن عن توجهه الجديد، إلا أنه كان يصر على الإعلان عن أنه لم يعد هنالك ما يعرف بالشباب المؤمن، ولكننا رفضنا ذلك، وأكدنا تمسكنا بهذا الاسم وبالأهداف التي وضعناها من قبل، والمنهج الذي سرنا عليه فكرياً وثقافياً وسلوكياً. وأطلقت علينا التهم وأصدرت التحذيرات عن مراكزنا، وعرف الخلاف في كل مكان حتى كادت أن تقع بيننا وبينهم مواجهة في بعض مناطق خولان وسحار، ولكننا استمرينا(هكذا والصواب استمررنا) على نهجنا واستمروا على نهجهم حتى وقع التمرد وأشعلت الفتنة الاولى"( حوار صحيفة 26 سبتمبر مع محمّد سالم عزّان، مرجع سابق).

ولا يستبعد الباحث أن مما عزّز من ذلك الخلاف قيام دعم مالي رسمي للتنظيم هدفه المعلن تعزيز الاتجاه المعتدل بين الفصائل (الدينية). وقد صرّح بذلك الرئيس علي عبد الله صالح في خطابه أثناء اللقاء مع العلماء المصنّفين على المذهب الزيدي حيث قال:" سارت الأيام وجاءت المظاهرات على السفارة الأمريكية بداية غزو العراق، وإذا ما يسمّى بالشباب المؤمن في مقدّمة الصفوف، فعاتبنا الكثير من القوى السياسية بأن هذا لايخدم مصلحة اليمن وقلنا لهم : إنكم بذلك تجرّون علينا المشاكل، فقالوا: هؤلاء الشباب حقّك الشباب المؤمن شباب الرئيس، أنت الذي نظمتهم. صحيح أن هناك مجموعة من إخواننا من هنا ومن هنا، قالوا هؤلاء الشباب مؤمنين ومعتدلين[ هكذا والصواب مؤمنون ومعتدلون]، ولا يريدون أن يكون لهم ارتباط خارجي مع أية فئة خارجية، فيريدون دعم الدولة، ويبتعدون عن الارتباط أو التبعية الخارجية. وقدّمنا لهم الدّعم. ويعرف الأخ عضو مجلس النواب عبد الكريم جدبان، وأخذوا هذا الدعم على أنّهم شباب مؤمن فقط، إنه إيمان بالله ، معتدلين[ هكذا والصواب معتدلون] ووسط، غير متعصّبين، تعصّب متطرّف، أو أيّ تعصّب آخر مذهبي

"( خطاب رئيس الجمهورية مع بعض العلماء المصنفين على المذهب الزيدي في 3\7\2004م وانظر: عادل الأحمدي (ملاحق)، ص 259-260، مرجع سابق). ويصرّح بذلك الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب المؤمن محمّد يحي سالم عزّان في بعض حواراته حين قال في بعضها: "وفي الأخير جاءتنا مساعدة من فخامة رئيس جمهورية -رعاه الله- فسدّت كثيراً من حاجاتنا، وذلك معروف منه لن ننساه، ولن ننكره وإن التبس أمرنا فالأيام كفيلة بكشف ما غُيّب" (حوار عزان مع صحيفة 26 سبتمبر، مرجع سابق).

ولكن يلاحظ أن هذا الدعم قد اقتصر على طرف دون الطرف الآخر، حيث يقول عزّان في هذا:" الرئيس حينما ظهرت المشكلة بيننا وبين الوالد مجد الدين في صعدة واشتهرت أن هناك مشاكل وتحزّبات استدعى الطرفين، فقابل الرئيس مجد الّدين وأصحابه وسمع كلاماً عنّا، ربما مجمله هو أن هؤلاء الشباب طائشون، واستدعانا الرئيس بطبيعة الحال، وشرحنا له منهجنا وكتبنا، وقلنا له بأننا نريد أن نخرج صعدة من حالة العزلة القاتلة التي هي فيها، ونريد أن ننفتح على الآخرين، ونريد أن يعرف الناس أن في الدنيا غيرهم، وأنه يوجد مذاهب أخرى، وأنه يوجد ناس آخرون، ورؤى مختلفة، وأنه بالإمكان احترام الآخرين إلى آخر ما هنالك. الرئيس في الواقع أعجبه الطرح وقال:" هذا خلاف بين عقليتين وجيلين وهو طبيعي". وربما كانت قد وصلته تقارير من المحافظة، لأننا كنا نستدعى من المحافظ ومدير الأمن والناحية، ليحضروا ويقيّموا في حالة ما إذا كان خطأ في مسيرتنا، فكانت العلاقة علاقة رضا"( حوار عزّان مع الوسط، مرجع سابق).

ثم سئل عزّان:" هل خرجتم من عند الرئيس باتفاق على دعمه لكم؟" فأجاب بما حاصله أنهم الجماعة الوحيدة في البلاد التي ليس لها أيّ مساعدة. وأنهم كانوا يوضحون لمن يدعمهم من فاعلي الخير أنه إذا لم يتم دعمهم فربما مدّوا ايديهم إلى الخارج ؟ فسئل:" وبدأ الدعم المالي؟" فقال:" نعم . دعم مالي فقط ومحدود ".

-كم كان هذا الدعم بالتحديد ؟

- أربعمائة ألف ريال شهرياً ، مقابل العمل الواسع جدّا جدّا، وكنا نتقشّف، إلى درجة أن الذين كانوا يريدون إنشاء مراكز، كنا نقول لهم أن يتكفلّوا ب80% من التكلفة؟ "( المرجع السابق).

ومع أن بعض الباحثين يذهب إلى أن أجهزة الدولة المختلفة تفاجأت" بتحوّل حسين بدر الدّين الحوثي وتنظيمه الشباب المؤمن من حركة سعت إلى دعمها، كحركة علمية دينية مسالمة، إلى حركة مسلّحة ومنظّمة ومجهزة بالأسلحة المختلفة، بدأت بالإعلان عن تمرّدها متجهة اتجاهاً آخر(عبد الفتاح محمّد البتول، عصر الإمامة الزيدية في اليمن، ص 378)؛ إلا أن بعض المراقبين يذهبون إلى أن الهدف الأبرز غير المعلن لدعم التنظيم كان تفويت الفرصة على الجماعات الحركية وبعض فصائل السلفية. ثم إن من المرجّح - وفقاً لحديث عزّان- أن الدعم قد اتجه نحو فصيله وحده، لذلك حين سئل:" هل كان هذا الدّعم مقصوداً منه مواجهة بدر الّدين الحوثي؟ أجاب:" لا. وفهمت أنّ هذا الدّعم كان لأنّهم رأوا أننا بدأنا ننظر نظرة جديدة، ونفتح آفاق المنطقة، ونجدّد فكرها، وهذا الشيء مطلوب في الواقع؟" ( حوار عزّان مع الوسط، مرجع سابق ).

وفي سياق مماثل سئل:"هل دعمكم من قبل السلطة في فترة معينة كان بغرض استخدامكم لتصفية حسابات مع جماعات أخرى؟ فقال:"الرئيس يدعم أكثر من جماعة باعتبار الدعم يذهب إلى اليمن، وكنا من الجماعات الناشئة التي لا عون لنا وكنا نصر على أن يكون انتماؤنا للداخل، فالرئيس شعر بهذا وأراد أن يساوينا ببعض الآخرين لأنهم مدعومون على مستويات رفيعة"( حوار عزّان مع الناس، مرجع سابق ).

 ويبدو أن لعامل الدّعم ومصدره أثراً لا يخفى في توسيع شقّة الخلاف بين الطرفين. فعلى حين يقرّ محمّد عزان بالدّعم –على نحو ما سبق- فإن بدر الدين الحوثي ينفي وصول أي دعم، وذلك حين سئل :"عن دعم الرئيس لحسين؟ فقال:" غير صحيح الرئيس لم يدعم حسين، ولو بريال واحد،ونحن مستعدون لأن نرجع أي ريال للرئيس؟ "( حوار بدر الدين الحوثي مع الوسط، مرجع سابق ).

ومن ثم فقد جّر ذلك إلى تساؤلات داخلية لا تخلو من اتهامات مبطّنة وربما صاحب ذلك قدر من التحريض، عن مصدر دعم أيّ من الطرفين. وفي هذا يقول عزّان عن مصدر دعم حسين وأتباعه :" من البديهي أن يكون لدى أية جماعة تتمترس في الجبال منذ سنوات مصادر للدعم، غير أني لا أملك معلومات صحيحة عن مصدر معين، إلا ما أسمع عن دعم تجار لا أعرفهم وتجمعات دينية من خارج اليمن. ومن الطبيعي أن يكون لهم دعم، ولكن ليس من الطبيعي أن لا تعرف الدولة مصدر ذلك"( حوار عزّان مع 26 سبتمبر، مرجع سابق). على حين يحصر بدر الدّين الحوثي الدّعم المادي الذي كان يحصل عليه ولده حسين في المواد الغذائية وما أشبه، وإن كان لا ينفي أن ذلك يأتيه من جهات عدّة، وهو ما يفهم منه جهات داخلية وخارجية . ولذلك حين سئل عن مصدر الدّعم قال:" الباري –سبحانه وتعالى- وتأتي له من جهات عديدة، مساعدات عينية تتمثل في المواد الغذائية كالقمح وما أشبه ذلك،وهو يحمل ديوناً كبيرة، ونحن الآن نقضي الديون، وقد كان يكتبها بخطّه إلا أن الدولة أخذتها" (حوار بدر الدين الحوثي مع الوسط، مرجع سابق) .