الخيارات الأخرى للدكتور ياسين سعيد نعمان -1-
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 13 سنة و يومين
الثلاثاء 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:25 م

قال الدكتور ياسين سعيد نعمان في حديث لقناة بي بي سي مساء الأحد «نحن حقيقة تعبنا من المناورة المستمرة من قبل النظام وأقول هنا بكل وضوح أنه إذا استمر النظام في هذه المناورة فقد يدفع ذلك المجلس الوطني إلى أن يغادر العملية السياسية كلية ويترك هذا النظام في مواجهة مباشرة مع الشعب ... نحن تحملنا مسؤولية العملية السياسية لكي نجنب بلدنا العنف والتدهور».

هنا كان الدكتور ياسين فضلا عن تعبيره عن سخطه ممن يمسكون بقايا السلطة في النظام اليمني يواجه أيضا الضغوط الشعبية علي المجلس الوطني واللقاء المشترك بالإشارة ولو بشكل غير ظاهر تماما للسيناريوهات التي يجد أي متابع أو منخرط في الشأن اليمني نفسه أمامها ولتوضيح هذه الخيارات التي لا تقل إحداها صعوبة عن الأخرى نتلمس طرق الحل للازمة التي وضعت فيها بقايا النظام البلاد و يجب علي الثورة أن تكون قاطرة الحل للخروج منها.

إن أول هذه السيناريوهات المرتبطة بفكرة الربيع العربي والقريبة من الوضع المصري والتونسي وهو سقوط النظام عفويا بفعل الضغط الجماهيري وقد تعرقل هذا الحل في اليمن لعدة أسباب أهمها انه لا يوجد نظام في اليمن ليسقط بالانقضاض الشعبي عليه فتنهار مكونات النظام باهتزاز قوة الدولة وجمود المؤسسات وعدم قدرتها على التحرك وتشكل هذه الأسباب المدخل لسقوط رأس النظام إن لم يكن النظام ككل ,,ولكن التجربة اليمنية وتعززها التجربة الليبية كان هناك مجرد سلطة عائلية مدعمة بقوة عسكرية ومليشيات مسلحة لا ترتقي لتكون جيش وطني فانفرط الجيش فيهما لأجزاء تبعا لولائات القادة ,,واستطاعت السلطة العائلية الوقوف أمام الجميع لأنها لا يؤثر فيها توقف المؤسسات وقطاعات الدولة إما لأنها شكلية أو لعدم وجودها أصلا مما أدى لاستبسال بقايا النظام وقدرتها علي المقاومة ومما يؤكد هذا الشيء ملاحظة عدم تأثر النظام بفعل كثير من وسائل النضال المدني كالإضرابات لانها لن تؤثر سوى علي الشعب الساخط أصلا من السلطة الموجودة وبقايا النظام تعرف تماما عدم شرعيتها أو ارتكازها علي رضا شعبي بعيدا عن الانتخابات المزورة والقوة العسكرية من هنا كان صعوبة نجاح هذا السيناريو في اليمن لان الخيار الشبابي الشعبي اقدر علي مواجهة دولة حقيقة وليس في سلطة غاشمة لا تعنيها الدولة في شيء .

من هنا نشاء خيار الإسقاط السياسي الذي تبنته الأحزاب والتنظيمات السياسية عن طريق النضال السياسي والضغط الداخلي والخارجي وهو خيار لم ينجح قبل الثورة ومن الصعب نجاحه ألان وقد تكون روئية الخيار السياسي ونزع المشروعية الداخلية والدولية هو ما دفع المشترك للقبول بالمبادرة الخليجية كمخرج يتيح إزاحة النظام سياسيا بأقل تكلفة حسب فهمنا لتصريح الدكتور ياسين نعمان لكن الأخطاء التي وقعت فيها المعارضة التقليدية أولا أنها لم تدرك – أو أنها تدرك وتجاهلت- أن الوجود السياسي للنظام وحزبه الحاكم إنما هو غطاء لحكم اسري عصابي تتوزع فيه المناصب والسلطات والنفوذ حسب درجة القرابة وان السلطة الأسرية لا تتردد في كشف وجهها القبيح عند اللزوم وبلا خجل وإنها ستدافع هنا عن مصالح ذاتية وشخصية وهيا مستعدة لسقوط الشكل السياسي مقابل بقاء الأسرة – يدلل عليه طلب بقاء أبناء وأبناء أخ وأسرة الرئيس في مناصبهم كشرط لتمرير المبادرة وقبول التغيير الذي سيكون بلا معنى عندها .

ثانيا أن من طرح المبادرة وهم الخليجيين وبالأساس السعودية لم يطرحوها بتجرد كطرف محايد يسعى لتقريب وجهات النظر للخروج من وضع الأزمة ولكن كطرف فاعل وله مصلحة مباشرة في الشأن الداخلي اليمني وله تحالفاته فيه ومن الملاحظ في المبادرة أنها في صيغتها الأولى كانت أكثر قوة ربما بفعل الخوف من الهياج الشعبي واستشعارا بقوة الثورة وقوة الناس في الشارع وكانت الضمانات وقتها تسوق كحافز لتعجيل ترك الأسرة للسلطة حقنا للدماء ولكن السفاح وأسرته استطاعوا تلقف تلك المبادرة والمراوغة وإقناع دول الجوار أنهم لا يزالون يمتلكون نفس وكروت اللعب وقدرة علي تفجير الموقف أكثر فاتت التغييرات في المبادرة كل مرة لتكون أكثر إرضاء لطرف السلطة مع انخفاض مؤشر الخوف من ردة الفعل الشعبية خصوصا أن المعارضة السياسية التقليدية – المشترك – التي تصدرت لعبء المفاوضات ترتبط بعلاقات قوية مع دول الجوار أتاح لتلك الدول القدرة علي الضغط والمساومة ومحاولة الخروج مما تعتبره أزمة بأفضل صورة تخدم مصالحها في اليمن .

هذا المسار السياسي والذي كان من المفترض أن يجنب البلاد العنف ويوقف التدهور أصبح غطاء لمزيد من العنف والقتل بتصريح مفتوح في ظل تحول المبادرة إلي مجرد تقاعد مريح لصالح يوقع عليه متى شاء ليعفيه من أي مسالة قانونية هو وأسرته وعصابته إلا أن السلطة الحاكمة وبعقليتها الدموية لم تدرك أن مزيد من العنف سوف يولد مزيد من المقاومة والإصرار علي إسقاط بقايا النظام ورفض هذه الضمانات وسيستثير المجتمع الدولي الذي لن يتحمل لفترة أطول إبقاء الملف سعوديا خالصا .

فالمجتمع الدولي له حساباته الخاصة ومصالحة وهو ينظر بشكل ابعد من السلطة في اليمن أو أنظمة الخليج وبعد الانكشاف الذي أبداه النظام عندما احرق ورقة القاعدة التي استفاد منها كثيرا في بناء علاقات مباشرة مع الغرب بعيدا عن الوصاية الإقليمية السعودية عليه وحصل من خلالها علي كثير من المساعدات المادية والدعم السياسي وكان يعول عليها في تسويق موضوع التوريث إلا أنها تحولت لتؤثر بشكل عكسي نتيجة استخدامها المفرط وتحول الإستراتيجية الغربية للتعامل مع المنطقة من خلال قراءة أمزجة الشعوب والتأثير عن طريق اللعب علي تطلعاته وأمال الشعوب لمحاولة الحصول علي حلفاء أكثر موثوقية يعبروا عن قطاعات شعبية حقيقية مما يخدم مصالحهم بشكل أفضل .

مما سبق كان جمود المسار السياسي وصعوبة أن تكون المبادرة طريق للحل في ظل نظام دموي يعتقد إن الضمانة الوحيدة له البقاء في السلطة مما شكل مدخل للتدخل الدولي عن طريق قرارات مجلس الأمن والتي لا يجب التعويل عليها كثيرا في ظل وجود إمكانيات عسكرية ومادية للنظام الأسري علي الأرض وكذلك عدم الرغبة في التدخل المباشر نتيجة للرفض الشعبي لهذا التدخل ,,ويراهن النظام بشكل احمق عندها انه سيصبح في وضع المعزول دوليا ولكن سيبقى متسلطا علي الشعب كليبيا والعراق في عقد التسعينات خارج الإرادة الدولية مع اختلاف الظروف ألان .

الخيار الثالث والذي قد يؤدي إليه تطاول الثورة واستمرار العنف وفقدان الصبر الشعبي أمام استهتار النظام بالدماء وفهمه الملتوي للسلمية وكذلك سعي النظام إليه كمخرج له من الأزمة السياسية وفقدان الشرعية الذي يعاني منه هو الحرب الأهلية ,, وللسلطة الحاكمة تجربة مسبقة بذلك وهيا حرب صيف 94 مع شركاءه السابقين في السلطة , لكن النظام الدموي لا يدرك أمرا مهما واختلاف جوهري بين الوضع ألان والوضع حينها وهو الخلل الذي ساعد مع ظروف أخرى علي إعطائه إمكانية التفوق علي الجيش الجنوبي الأفضل كفاءة وتسليحا وهي العقيدة القتالية للقيادة الجنوبية حينها كانت الوصول إلي مرحلة يستطيع فيها التفاوض كأحد طرفي حرب ليخرج بتسوية مرضية وهو نفس ما يطمح له صالح ألان ويقع في نفس الخطاء لإدراكه انه لا يستطيع الحسم ضد الشعب بأكمله فيدخل حرب أهلية ويسقط ضحايا من الطرفين سيمكنه من الدخول في المفاوضات كأحد أطراف الحرب وعندها يكون الكل مدان بوجهة نظره ويمكنه أن يفرض شروط تضمن له البقاء كمكون في نظام ما بعد الحرب بشكل شبيه لفرقاء الحرب الأهلية في لبنان ,, والحرب الاهلية خيار مدمر وسيكلف سقوط أعداد ضخمة من الضحايا ناهيك عن تدمير كل ما له قيمة في البلد ليفاقم مأساتها بعد التدمير المنهجي لمقدراتها الذي مارسه نظام صالح لمدة 33 عام.

لكنه لا يدرك أن الحرب ستكون خسارته الفعلية لأنها لن تكون حرب أهلية بين مكونات المجتمع كحرب 94 ولكن حرب عصابة قاتلة مع كل مكونات وقطاعات الشعب اليمني ,,ولن يتوقف هؤلاء حتى يقضوا عليه وعلى عصابته ولن يكون مصيره وأولاده وعصابته اقل سوء من مصير القذافي وأولاده حيث أن خيار الحرب لم ينقذ سلطتهم الأسرية وكذلك لم يقبل الثوار التفاوض أو التوقف أو تقسيم ليبيا إلي شرق وغرب كما كان يطمح القذافي .

وهذه الخيارات ليست الخيارات الوحيدة كما يتصور البعض ولكن هناك خيارات أخرى للحل دون الإخلال بالسلمية وتشارك فيها القوى الحزبية والشبابية المستقلة متمسكة بالثورة كحل وحيد لما نعانيه سنناقشها في الجزء الثاني إن شاء الله .