محمد حسنين هيكل ...المقوم الذاتي والاسطورة ... أم الظاهرة المصنوعة والوهم ( 1 ) ؟
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 13 سنة و أسبوع
الجمعة 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 03:18 م

جزء كبير من الزعماء والساسة والكتاب وغيرهم لم يصلوا الى هذا المصاف الذي يُذكرون فيه بهذه الهالة على مقومهم الذاتي بل صنعتهم بالكلية او ساهمت بالجزء الأكبر أدوات أخرى تعمل في إطار استراتيجية دولية وقد تكون اقليمية .

ولذلك فلا تُصَبْ بالدهشة إن اطّلعت على خبايا احدهم عن قرب في ذات فرصة أو كشفته الحوادث كعادتها فوجدت هذا الذي ذاع صيته وقيل عنه عاصفة حتى لكأنه سد الافق أجوفا وفارغا من مستلزمات العظمة في مطلبيها الاخلاقي والعلمي المثمر ، الا ما كان ما هو عند العادي من الناس .

وبافتراض وُجد لدى هذا الصيحة شيء من الابداع والتراكم والملكة والمكانة العلمية ، فذلك لا يرفع مقامه ولو كان مقداره كالجبال وله فيه الفرادة والحصر إن لم يتوازى مع أساس اخلاقي .

لم يكن الشاب محمد حسنين هيكل لحظة انطلق يمتلك ملكة ما في أعماقه تميزه عن اقرانه ليزعموا انه كان غريبا وملفتا للنظر منذ كان يحبو فيتتأتا مرورا به بين الغلمان يشاغبون وهو يتأمل وفتى لديه همة وعريكة وقصص ، حتى يقال عظيما بفطرته ومكونه تشهد له أوائله .

بل كانت له ملكة أخرى سار بها الكثيرون زعماء وساسة ومفكرين وكتاب وغيرهم حتى زعموا كانت لهم الغلبة وسدوا الافق دونما مقوم موضوعي آخر تسيل منه الثمرة ، إمتلكه غيرهم ، ومع ذلك غاب هؤلاء ، وتصدر أولئك .

انطلق هيكل في خطوه الاول وعلى فمه ابتسامة لزجة وكل همه وهدفه البحث عن الفرصة الرافعة من أي جهة ، وقد كانت بالفعل متاحة على وقع الحرب المشتعلة بين العرب واسرائيل ، إقتنصها هذا المغامر كونه مراسلا يُغطي من ساحة المعارك.

وبين الاتون وعلى تلك الساحة التقى المراسل الاعلامي الطموح بقائد كتيبة عسكرية متميزا عن اقرانه بسمته الخاص ، قليل الكلام ، عميق الفكرة والنظرات ، وله طبيعته التي تختلف ، فدار النقاش وتكرر ، والتقت النظرات في تشاكل عجيب ، ثم امتزجت الطباع .

أحس هذا بأهمية ذك والقابلية التي لديه في مجال الاعلام والراي العام ، والصناعة والتسويق ، وأدرك ذك بفطنة عجيبة أهمية الدور الذي سيلعبه قائد عسكري على هذا النحو ، تبدو عليه أمارات من القيادة ، والسياسة ، والبسطة قد تؤهله لدور محوري وغير عادي على بيئة هي مركز الصراع والحراك الاقليمي والدولي ، لديها جمهورها الواسع المتحفز ، وتعاني فراغا قياديا من النمط الذي يحسن الاثارة والدغدغة .

تصافح جمال عبدالناصر مع محمد حسنين هيكل ، ثم تداخلا في عناق عجيب امتد من لحظتها ولا يزال في صورة عجيبة ذات طقوس كهنوتيه يلتزم بها الحي وفاء للميت الآخر.

صنع هيكل لناصر قُداسا ، ثم هيكلا كعجل بني اسرائيل نفخ فيه ما ظنها روحا تدب ، خيل له ولاتباعه أن له خوارا يملأ الساحة , بل وفي ظن هيكل أنه ومع ذي الخوار لا يزالا يسدان الافق ..

لزم محمد حسنين هيكل الرئيس عبدالناصر في حله وترحاله ، فكان آلته الاعلامية ، ومُنظّره الخاص في كثير من المجالات ، وقارئه للاستراتيجية الدولية والاقليمية ووسواسه في كثير من القضايا .

وصحبه في زياراته الدولية والاقليمية ، وعاش معه كل القضايا الساخنة الداخلية والخارجية ، وقد كانت في جُلها ذات اهتمام دولي وحرج ، فضلا عن ان شخص عبدالناصر ذي الكاريزما الغير عادية أصبح مثارا للاهتمام الدولي في كل صغيرة وكبيرة زد ببيئة دولية غير مستقرة تموج بالحرب الباردة وتتجه الى ان تتبلور في نظام دولي جديد ، ساهم ناصر فعلا في صياغة بعض جزئياته سواء على مشهد الحرب الباردة او تشكيل كتلة عدم الانحياز .

في هذه الاثناء تعرف هيكل على الرؤساء والزعماء والساسة في الغرب وتحديدا القطبية الثنائية حينها ، والاهم من ذلك الدوائر الوسيطة في صناعة القرار لدى هذه القوى ، سواء كانت أمنية ، أو اعلامية ، او مراكز بحث ، او برلمانيين ، او ساسة ومثقفين .

إذ أن القرار الغربي يتخلق من مؤسسات ووسائط مختلفة ، وهذه مسلمة يدركها العقل الجمعي لصناعة القرار هناك ، وعلى ذلك كان التعاطي الخارجي مع هيكل على هذا النحو ، في الوقت الذي كان فيه هيكل يجهد في تسوبق نفسه لهذه المؤسسات تحديدا وهو الفطن على انه عقل عبدالناصر ، ومدخلات قراره ، وان لديه من الذهنية السياسية المرنة والتي تتحدث باستمرار ما ليس عند غيره من نخبة ناصر ومصر .

ثم انطلق هيكل في تشبيك نفسه مع الاهم من مؤسسات الغرب والعالم ، بل وجاءت إليه الحيوية منها تسعى ، وشبكته بنفسها .

عند هذه النقطة وُلد محمد حسنين هيكل في الحضن الدافئ والحيوي للزعيم عبدالناصر ذي الكاريزمية الغير عادية والتي شغلت العالم ، وقد اعطاه ناصر بلا حدود في مجال الراي والمعلومة والصناعة والتسويق على حميمية واعتقاد ربما سبق في ظنه ان هيكل هو السامري لعجله ذات يوم بعد ان يقضي هو .

ومع معية بيئة دولية ساعده موقعه من ناصر ان يأخذ منها المعلومة والوثيقة ويبني معها الصداقة ومنها الرصيد والثراء .

وهكذا انتشر هيكل وذاع صيته بعد ان بسط يده على المحرر ، والصادر والوارد واستولى على الوثيقة صغيرة كانت أو كبيرة لمرحلة هي اهم واخطر المراحل في السياق الدولي .

حتى أصبح ارشيفا مكتظا فيه العربي ، والاسيوي ، والافريقي ، والاوربي، وثنائية القطبية ، وعدم الانحياز .

وبعد ان تُوفي ناصر ، سوّق هيكل نفسه انه الوحيد المطلع على سره ، والامين على ارثه القومي والنضالي ، فاتجهت اعناق المثقفين والساسة في العالم اجمع نحو هذا الاسطورة الذي في راسه تاريخ ووثائق مرحلة ، وفي بطنه اسرار ومعلومات خطيرة لم تكشف عنها الموساد بعد او السي أي ايه وشقائقها .

حتى هرع اليه الباحث ، وحن اليه القومي العتيق والناشئ .

واصبحت أي مقالة يكتبها هيكل تُثير الاهتمام ، والتحليلات ، والذيوع .. واي كتاب له يباع بسعر مضاعف ، بل وتتسابق عليه دور النشر ، ودور الترجمة ، حتى ساعدت هذه على الترويج له في السوق لمقاصد ربحية .

 غير أن هيكل كما يبدو للمراقب ظلــ .......يتبع ...