حجم الجريمة التي ارتكبها اللقاء المشترك
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 20 يوماً
الثلاثاء 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 02:37 ص

لم يكن الأمر على ما يرام، هكذا فهمنا حين شاهدنا صور قادة اللقاء المشترك وهم ينتظرون دورهم من أجل التوقيع على المبادرة الخليجية، فتلك الملامح الحزينة تخبرنا جيدا بأنه هنالك خطأ فادح على وشك أن يقع، و كان من المفترض بتلك السحنات أن لا تؤثر على موقفنا تجاه فداحة وخطر توقيعهم على مستقبل بلاد أوشك أن يتخلص من أسوء نظام عرفه في تاريخه كله، أقول من المفترض مستثنيا بذلك كوادر اللقاء المشترك الذين وعلى ما يبدو تأثروا كثيرا بتلك الملامح الحزينة والباكية وتعاطفوا جدا معها وفهموا أنهم أرغموا على الموافقة والتوقيع لأنه هنالك ضغوطات كبيرة عليهم، وإنهم ومهما فعلوا فهم قادة وطنيون ولا يتراكضون أبدا خلف المناصب أو الوزارات.

لذا خرجت الأقلام تصف هذه المبادرة بما يشبه صلح الحديبية ( وهذا استمرار لمسلسل توظيف الدين في كل المتناقضات السياسية ) على اعتبار أنها خطوة أولى " نحو فتح مكه " وأن أهم أهداف الثورة اليمنية قد تحققت وهي عزل علي عبدالله صالح من السلطة، وأيضا خرجت أقلام _وهنا المفارقة العجيبة_ تنتقد تلك المبادرة بندا بندا ثم تختم ما تكتبه بمدح من قام بالتوقيع عليها على اعتبار أنهم وطنيين، أما مقياس الوطنية التي يجب أن تكون مرجعية نحتكم إليها فتلك أشياء لا علاقة لنا بها ولا يجب أن نسأل عنها.

لا أعلم هل  يدرك أحد حجم جريمة وضع التوقيع على تلك المبادرة، هل هنالك من يشعر بالغبن والقهر عندما يرى العالم كله يتآمر على أنقى ثورة معاصرة ثم تأتي المعارضة التي أدعت أنها مع الشعب حاملة معولها لتمنح علي عبدالله صالح ضمانات ليست له وحسب، بل لكل أفراد عائلته ونظامه وقادته العسكريين المتورطين بجرائم ضد الإنسانية والتي مازالت حتى الان تريق الدماء وتهدم المنازل بشكل يثير الدهشة ويطرح العديد من التساؤلات حول ما هية تلك المبادرة وما جدواها الفعلي أن كانت لا تخلص البلاد من النظام الفاسد أو على الأقل تستطيع أن توقف القتل اليومي والممنهج.

بعد ثلاثة أيام من توقيع المبادرة عاد علي عبدالله صالح إلى اليمن ومارس مهامه التي سمعنا أنه تنازل عنها لنائبه وأصدر عفوا عن كل من تورط بالقتل أثناء الثورة، وقبلها قام بتوجيه وزير الداخلية بضبط الأمور الأمنية ، ثم نسمع تصريح من المبعوث ألأممي جمال بن عمر يفيدنا بأن المبادرة الخليجية لن تقوم بعزل أي أحد من أسرة الرئيس أو أبناؤه أو أقاربه، وأنه من حقهم ممارسة العمل السياسي أسوة بأي مواطن آخر، بمعنى أدق أنه من المحتمل أن يقوم أحمد علي بترشيح نفسه في أي منصب كعضو في مجلس النواب أو لرئاسة الجمهورية مثلا ، وهو الآن قد يستلم حقيبة الدفاع في التشكيل الحالي للوزارة. وبطبيعة الحال وبما أن قانون الانتخابات واللجنة العليا هي ذاتها التي تم تفصليها على قياس النظام السابق، وبما أن كل القرارات تؤخذ بالتوافق وما تعطل منها ترحل إلى ما بعد الانتخابات أو تعرض على نائب الرئيس ليبت فيها، فأن الأمر ينذر بمدى الجرم الذي أرتكبه قادة أحزاب المعارضة وكيف قبلوا بدور صغير جدا أمام ثورة كبيرة كانت من الممكن أن ترفعهم إلى مصاف العمالقة، لكن وعلى ما يبدوا بان الصغير لا يرضى إلا بالأدوار الهامشية والتافهة.

كيف تكون حكومة وفاق وطني ؟!

نسمع هذه الأيام أنهم بصدد تشكيل حكومة وفاق وطني يترأسها محمد سالم باسندوة، وعبارة ( وفاق وطني ) هي عبارة  توحي بأنها حكومة تشارك بها كل أطياف العمل السياسي ولا تستثني أحد، وهذا غير صحيح، فالمشاركون في هذه الحكومة هم أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام فقط، حتى أن أعضاء المجلس الوطني لم يجتمعوا ولم يصوتوا على الموافقة، و باسندوة أتخذ قراره بشكل فردي بالتوقيع باسمهم، طبعا هذا إذا افترضنا أصلا بان هذا المجلس مازال شيء موجود ويمارس مهامه! ونحن نعلم جيدا بأنه فشل منذ تأسيسه وأن أكثر من نصف أعضائه أعلنوا انسحابهم منه بسبب انحيازه وبشكل كبير للتشكيلات القبلية والأسرية والعسكرية المؤثرة، ثم كيف نسميها حكومة وفاق وطني وجميع المظاهرات في كل المدن ترفض هذه المبادرة والحراك الجنوبي والحوثيين لم يشاركوا فيها!؟ وهؤلاء هم أهم الأعمدة السياسية في الثورة اليمنية.

وبما أن المبادرة لم تتعرض للقضية الجنوبية ولم تذكر وضع الحوثيين ولم تتحدث عن مطالب الثورة التي كانت اقلها محاسبة مرتكبي الجرائم، فهذه المبادرة ومن وقع عليها من قادة اللقاء المشترك مرفوضة بل تعد من أكثر المبادرات عداوة للثورة وللشعب اليمني وأنها غرست خنجرا في ظهرها من جهة كان يٌعتقد أنها حليفة ومساندة لمطالبه العادلة.

ذاكرة الشعوب متينة، والتاريخ يستطيع أن يحاكم، ولا أعتقد أن أحدا سينسى تلك الوجوه التي سافرت الي الرياض وجلست في طاولة ملكية لتوقع على أذل مبادرة وتشارك في مؤامرة دولية ضد أكثر الشعوب التي أذهلت العالم بمدنيتها و سلميتها.

الشعب اليمني يستحق أن تنجح ثورته وأمسها حاجة للتخلص من هذا الإرث السياسي الأسود، وأما وقد أنضم ألان إلى السلطة أحزاب اللقاء المشترك وصار يمثل وجهة نظرها( نظر السلطة) ، فهذا يعني أنه ورغم حجم الخيانة تم تطهير الثورة وغربلتها وصارت تعبر عن طموحات الإنسان اليمني العادي وهذا يكفيها شرفا أن تبقى حتى تحقق كل أهدافها.