المجلس الوطني لحسم الثورة أم لحسم قضية الجنوب؟
بقلم/ علي سعيد الأحمدي
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 13 يوماً
الإثنين 05 سبتمبر-أيلول 2011 06:17 ص

لعله مما يثير العجب بشدة ردة الفعل غير المتوقعة وغير المسبوقة على البيان الصادر عن الشخصيات الجنوبية الممتنعة عن المشاركة في المجلس الوطني. وذلك من قبل العديد من المثقفين والسياسيين من إخواني أبناء الشمال, خصوصاً من كنا نعول عليهم كثيراً في صناعة مستقبل زاهر ومشرق للبلاد بعد بزوغ شمس الثورات العربية المباركة. لقد أيدنا ولا نزال نؤيد كشباب ثوريين الفكرة المبدئية للمجلس الوطني الذي سيتولى مهمة قيادة الثورة والتعجيل بإنهاء وإسقاط نظام الاستبداد السابق الذي أذاق اليمن الويلات . بل إنني شخصياً أثق بأن البديل المناسب حالياً للنظام والذي كان يكثر من ترديد أنه لا يوجد له بديل هو لجنة الحوار الوطني .

في البداية اعلن الحوثيون عدم مشاركتهم في المجلس الوطني ثم تلاهم الرابطيون ثم تلتهم قائمة الـ23 وبعدهم قائمة قيادات ثورية منهم توكل كرمان وغيرهم كذلك , ولم نسمع أي ردة فعل ترقى لما حصل مع الجنوبيين ولم نسمع تخويناً ولا اتهاماً لتلك الشخصيات بالقصور أو أنهم طابور خامس ومتآمرين مع الخارج لإجهاض الثورة. إذاً ما الفرق بين الفريقين وما هو السبب الحقيقي في ردة الفعل هذه والتي أعادت الاصطفاف الجهوي والزخم الانفصالي بطريقة لم يفعلها حتى رفع الأعلام التشطيرية ولا مسيرات الحراك التي تقدر بالآلاف في مدينة عدن.

إن المتأمل في سيل المقالات وردات الفعل التي حصلت يجد أن أكثر ما حرك هذا الموضوع ليس الانسحاب نفسه قدر ما هو التبرير للانسحاب. وربما أكثر المبررات إثارة للردود هو طرح موضوع المناصفة في المجلس وفي أي تشكيل قادم يضم الجنوبيين والشماليين.

أرى أن ما جرى كان ردة فعل غير صحيحة وغير منضبطة أدت الى خسائر نفسية كبيرة في صفوف الجنوبيين والذي ذهب الكثير منهم الى أن ما جرى كشف لهم عن أن العقلية الشمالية الوصائية على الجنوب لا تزال باقية كما كانت . وأن ما جرى إبان الثورة من رفع للافتات القضية وتسمية جمعة باسمها لم يكن سوى دغدغة للمشاعر وتخدير حتى استتباب الأمور وبعدها يتم فرض الحل الذي تراه قيادات الشمال المشتركية ومعها شركاؤها أو أتباعها الجنوبيون.

طالبنا مسبقاً وفي بداية الثورة بتبني رؤية مبدئية من قبل قيادات الثورة في صنعاء تعطي للجنوبيين الدور الأكبر في حل قضيتهم وتبني جسور الثقة مجدداً خصوصاً مع ارتفاع الزخم الوحدوي في بداية الثورة ولكن لا حياة لمن تنادي فكل ما نسمعه هو سنعطي وسنمنح وسنحل وسنشرك - بحسب منير الماوري مثلاً - ! وكأن الجنوبيين مجرد تابعين لا حول لهم ولا قوة . وكأن قوة الفرقة والمال الذي ربما لا يملك مثلها الجنوبيين تعطي لتلك القيادات كل الصلاحية لقبول ماتريد ورفض ما تشاء حيال قضية الجنوب . ماذا كان سيضر قيادات الثورة الشبابية أو قيادات الأحزاب الشمالية لو أنها تبنت طرحاً مثل الآتي: «حل قضية الجنوب بما يُرضي أبناء الجنوب» ولا حظوا أنني قلت يرضي ولم أقل يرتضيه أبناء الجنوب حيث أبقيت في الأول دوراً مهماً لأبناء الشمال في المشاركة في الحل مع حفظ الحق لأصحاب القضية والمعنيين بها بأن يكون لهم الرأي الفصل في حلها.

إن فكرة المناصفة لم تطرح كأمر واقع منتهٍ بل هي قابلة للأخذ والرد ويمكن تعديلها مثلاً وحصرها في جوانب معينة لا تقترب من مسألة المواطنة كما فهمها الأخ الصحفي منير الماوري خطأً أو لعله فهمها لكنه فضل التظاهر بعدم الفهم ! . كل ما قدمه المصدرون للبيان هو رؤية ويمكن أن يقدم الشماليون رؤية أخرى والسلام ولا يحتاج الأمر لهذه الموجة الغريبة من التخوين والاتهامات وكأن في النفوس أمور مسبقة لا تتعلق بالحسم الثوري أضر بها هذا الموقف من الشخصيات الجنوبية.

الحسم للثورة كما يعرف الجميع إما أن يكون حسماً عسكرياً أو حسماً سياسياً . وكما هو معلوم فالحسم العسكري هو بيد اللواء علي محسن الأحمر ومعه بعض القيادات القبلية والعسكرية والحزبية وليس للجنوبيين أي دور يذكر فيه لأنه أصلاً لاتوجد عندهم اي ألوية أو قوات عسكرية أو حتى ميليشيا قتالية تتبع لحزب ما أو حركة ما . أما الحسم السياسي فما نعلمه ويعلمه الجميع أن من أعطى للنظام طوق النجاة هي المبادرات تلو المبادرات والتي كان اللقاء المشترك ولا يزال هو الجهة الوحيدة في البلاد التي تقوم بالتفاوض مع الوسطاء الدوليين والإقليمين وبقاياالنظام ولم يُستشر الجنوبيين من خارج اللقاء المشترك حيال هذه الخطوات تجاه الحسم السياسي والتي أوقعتنا فيما نحن فيه الآن .. فلماذا التباكي بأن القيادات الجنوبية التي لم تقبل بالمشاركة في المجلس قد أضرت بمسألة الحسم سواءً العسكري أو السياسي ؟!!

رأينا مخرجات الاجتماع الأول للمجلس الوطني يوم الخميس قبل الفائت (25 أغسطس) والتي لم تأت بجديد يذكر سوى نفس التهديدات والدعوات التي دأب اللقاء المشترك على إطلاقها منذ قيام الثورة. فإذا كان دور المجلس سيقتصر على نفس دور اللقاء المشترك السابق فلماذا لا يكمل اللقاء المشترك سعيه السابق كما هو ونحن من وراءه ندعمه ونؤيده ونشكره ونسأل المولى كذلك أن يشكر سعيه. لقد ظهر لنا أن هذا المجلس ولا شك سيكون مجلس يدير البلاد بعد اسقاط النظام ويقوم بحل جميع الإشكاليات وبناء شكل الدولة في المرحلة المقبلة وتوصيف المشاكل وايجاد الحلول لها من داخل المجلس كما أشار لذلك بعض من شارك في الجمعية العمومية للمجلس.

صدقوني لو كان المجلس كما أعلن عنه في البداية مجلساً للحسم الثوري فقط ولن يكون هو المسئول عن إدارة القضايا المصيرية كالقضية الجنوبية .وتم تقديم ما يطمئن أو يبني جسور الثقة عند الجنوبيين لحل قضيتهم دون وصاية عليهم لكنا جميعاً في صف المنتقدين للإخوة الممتنعين عن المشاركة في هذا المجلس لكن والوضع باقٍ كما هو بوصاية من القيادات الشمالية وحلفاؤها في الجنوب فالأمر يدعونا لأن نكون جنوبيين قبل أي شيء آخر. وكما رأينا فقد تجلت الوصاية المشتركية في اختيار قائمة المجلس الوطني ولم يكن هناك من دور لقائمة الـ 23 ولا لغيرهم ممن هم في الجمعية العمومية في اختيار تلك الأسماء ولا في وضع أهداف وأعمال المجلس والمشاركة الفاعلة والحقيقية فيه.

ختاماً هل فعلاً كان المجلس الوطني سيقتصر في دوره على الحسم الثوري أم أنه سيكون حاسماً لقضية الجنوب أيضاً كما أظهرت ردود الفعل وما سبقها من اختيار نوعي للتيارات الجنوبية والرموز والقيادات (يوجد في القائمة رئيسان جنوبيان سابقان) وكون المجلس سيحظى بالاعتراف الدولي والإقليمي ويصبح الممثل الشرعي الوحيد لليمن بشماله وجنوبه ويوجد في قائمته عدد يقارب النصف من الجنوبيين بل إن بعض الكتاب اقترح رفع نسبة الجنوبيين الى أكثر من النصف . وهذا كله بعيد كل البعد عن الشارع الجنوبي الذي يتطلع لحل عادل مرضي له. فهل كانت خطوة عدم المشاركة هي استباق وقطع الطريق على خطوة استباقية أخرى من قبل بعض السياسيين في صنعاء؟ نترك الإجابة لقادم الأيام والتي باتت تأتينا بتغيرات متسارعة غير متوقعة كمقالات الكتاب الوحدويين جداً..