إفراج الحوثيين عن موظفة أممية بعد خمسة أشهر من الاحتجاز أغنياء استفادوا من فوز ترامب بالرئاسة مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟ دولة عربية تفرض الحجاب على جميع النساء اعتباراً من الأسبوع المقبل السعودية تعتزم إطلاق مشروع للذكاء الاصطناعي بدعم يصل إلى 100 مليار دولار سعيا لمنافسة دولة خليجية الفائزون في الدوري السعودي ضمن الجولة العاشرة من الدوري السعودي للمحترفين المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يكشف عن توقعات الأمطار والأجواء الباردة في اليمن مظاهرات في مارب وتعز تندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وتدعو الضمير العالمي إلى وقفة شجاعة مع غزة
تكرر في الآونة الأخيرة ظهور بعض فناني العرب، بملابس تشبه إلى حد بعيد ملابس النساء، وهيئات شاذة عن ثقافتنا العربية والإسلامية، وهذا أثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن هذه الفئة يتم تصديرها إلى الواجهة باعتبارها قيمة وطنية.
لكن هذه المظاهر العبثية ليست الأولى من نوعها، وليست هي الأخطر على الإطلاق؛ فالفن في البلدان العربية قد أحدث تأثيرا سلبيا بالغا في مجتمعاتنا لا تخطئه العين، سواء على صعيد العلاقات الأسرية وشؤون المرأة، أو اتجاهات الشباب وسلوكياتهم، وابتعد هذا المجال كثيرا عن التوجه الهادف، الذي كان من الممكن أن يحدث طفرة أخلاقية وقيمية في المجتمع إذا حسن استخدامه وتوجيهه. في الوقت الذي يتصدّر فيه أهل الترفيه (الفن) لمواقع القدوة
والتأثير والخوض في الشأن العام، يغيب العلماء على اختلاف تخصصاتهم عن الصورة، فلا تعرف هذه الأجيال عنهم شيئا، ولا تقدرهم الدول بمعشار ما تقدر به أهل الفن وأنا هنا لا أهاجم الفن وأهله ولا أقيِّمه، بل أروم البحث في كيفية انتقال هذه الفئة من كونها معنية بالأساس بعملية ترفيهية الغرض منها التسلية، إلى كونها الفئة المتصدرة والقوة الناعمة للعديد من البلدان العربية، والواجهة الثقافية والاجتماعية، والشريحة التي تمثل البلاد في الملتقيات والمؤتمرات الدولية.
نعم، الفن الدرامي والغنائي مجال ترفيهي، بل كان في السابق مهنة تأنف منها العائلات وتستنكر التحاق أبنائها بمجالها، وهناك العديد من الفنانين القدامى قد تبرأت منهم عوائلهم لأنهم اتجهوا إلى الفن الدرامي والغنائي.
لكن المسار انتهى بصعود هذه الفئة إلى مواطن التأثير، وشاع الترنم بمقولة “الفن رسالة”، رغم ما يشوب إنتاجها من اختراقات للمنظومة القيمية والأخلاقية والهوية الثقافية للمجتمعات العربية؛ فلا أدري ما هي تلك الرسالة التي ينطوي عليها الفن، الذي يُهوِّن على الجماهير شأن الرذيلة والمخدرات والبلطجة والبطش والفساد الخلاقي؟.
وعلى ضآلة ثقافة معظم المنتسبين لهذه الشريحة، فإنهم يتناولون بأريحية كاملة القضايا الكبرى التي تقع خارج نطاق تخصصهم، وتخوّلهم شهرتهم العريضة أن يخوضوا في مسائل وفتاوى دينية، ونوازل وقضايا سياسية، دون النظر إلى نأيهم عن الأدوات التي تبيح لهم الخوض فيها. أضف إلى ذلك، تسليط الأضواء الإعلامية على حياتهم الخاصة من زواج وطلاق ومناسبات وخلافات وجنازات بشكل مثير للدهشة والريبة، حيث تصبح هذه التفاصيل الدقيقة العارية من الفائدة هي حديث الجماهير. وفي الوقت الذي يتصدّر فيه أهل الترفيه (الفن) لمواقع القدوة والتأثير والخوض في الشأن العام، يغيب العلماء على اختلاف تخصصاتهم عن الصورة، فلا تعرف هذه الأجيال عنهم شيئا، ولا تقدرهم الدول بمعشار ما تقدر به أهل الفن، وربما عاش أكثر هؤلاء العلماء في شظف من العيش، بينما يرفل أهل الفن في رغد منه، ويمتلكون الطائرات الخاصة وأساطيل السيارات والأبنية السكنية والأموال المتكدسة في المصارف، لمجرد أنهم يقومون بأعمال ترفيه وتسلية. ماذا قدم أهل الفن والدراما حتى يكتسبوا هذه الأهمية البالغة التي تطغى على الاهتمام بأهل العلم، سواء كانوا علماء في الشريعة أو الطب أو الكيمياء أو علوم الفضاء أو أي فرع آخر؟.
ما هي إنجازاتهم التي استفادت منها البشرية؟
وما هي أعمالهم التي استحقوا بها تخليد أسمائهم لدى الشعوب؟. لم يقدموا للجماهير شيئا سوى أنهم كانوا بمثابة “الحبوب المخدرة”، التي وضعتها الأنظمة والأيادي الخارجية المغرضة التي هيمنت على السينما، في كؤوس الشعوب، لإلهائها عن قضايا الأمة العظام، والركون إلى الدعة والراحة، وهي كما يؤكد عالم الاجتماع ابن خلدون من أسباب سقوط الدول.
بالنظر إلى النموذج المصري، باعتبار مصر رائدة في هذا المجال والأقوى تأثيرا في البلدان العربية، ندرك كم وظّفت القيادةُ السياسية أهلَ الفن، في عهد عبد الناصر، فيما يعرف بقضية انحراف المخابرات ارتياد أهل الفن مواقع التأثير لم يكن بسبب تحولات اجتماعية وثقافية محضة، بل بتدخل البعد السياسي بشكل فج، إذ تم توظيف هذه الشريحة سياسيا، لتوجيه الرأي العام وفق ما تتطلبه السياسات الرسمية، اعتمادا على قوة تأثير الأعمال الفنية على المشاهدين، وأضحت قوة ناعمة لدول تنقل ثقافتها للتأثير على الشعوب الأخرى، التي تتعرض للمواد الفنية الضارة في معظمها، أو -أقل ما يقال فيها- إنها غير ذات نفع. وبالنظر إلى النموذج المصري، باعتبار مصر رائدة في هذا المجال والأقوى تأثيرا في البلدان العربية، ندرك كم وظّفت القيادةُ السياسية أهلَ الفن، في عهد عبد الناصر، فيما يعرف بقضية انحراف المخابرات، وكان من جملة هذا الفساد إنشاء فريق السيطرة، الذي كان يضم العديد من أهل الفن بغية الحصول على معلومات من شخصيات لامعة مصرية وعربية. واستفادت السلطة العسكرية منذ ما يعرف بثورة يوليو 1952م من أهل الفن في الترويج للثورة وضباطها وسياستها، وتحسين صورتها على حساب الحقبة الملكية، كما استغلها الراحل أنور السادات في إبراز توجهاته الجديدة وطمس معالم الحقبة الناصرية وصبغتها الاشتراكية، والترويج لانفتاحه الاقتصادي، إلى جانب إبرازه كبطل للحرب والسلام مع الكيان الصهيوني.
ثم في عهد مبارك، تم توظيف الأعمال الفنية في مواجهة الدولة مع التيار الإسلامي بفصائله، وإحداث عملية مفاصلة شعورية بين مكونات الشعب مع هذا التيار.
ثم أخير، في عهد ما بعد ثورة يناير 2011م وعودة السلطة العسكرية عقب الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، تولى أهل الفن مهمة ملاحقة جماعة الإخوان، والترويج لسياسات النظام وتوجهاته، والعمل على تجميل صورة المؤسسة العسكرية والأمنية في أعين الجماهير، وتصدروا المشهد أكثر من أي عهد مضى. وأعود للقول، أنني لست هنا لأصب جام سخطي على أهل الفن، لكنني ضد أن يكون هذا هو مستوى إدراك ووعي الجماهير، وأن تحتل طبقة، أقل ما يقال فيها إنها لا تفيد المجتمع، هذه المساحة الهائلة من الاهتمام.
وأنا ضد أن تتصدر هذه الفئة، التي لا أجد لها وصفا غير أنها معنية بمجال ترفيهي، مواقع التأثير؛ لأن هذه المواقع لابد وأن يرتادها أهل العلوم والثقافة والبناء والتطوير، فهذا ما يفيد الدول وينهض بها، وهذا ما ينبغي أن يتربى عليها شبابنا، لا على إفناء الأعمار في اللهو والتسلية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون