العميد مقبل يؤكد أن مشكلة الجنوب تكمن مع النظام الحالي وليس مع الشعب في الشمال
بقلم/ مأرب برس - خاص
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 22 يوماً
الأحد 04 أكتوبر-تشرين الأول 2009 06:11 م

مأرب برس- حوار/ نشوان العثماني:

ألتقيته في اليوم الأول من عيد الفطر.. على مشهد ممتع من ساحل جولد مور بعدن, تحدث الرجل بما عنده, مصرا على فكرة فك الارتباط, التي نادى بها مؤخرا علي سالم البيض.

اللقاء الذي أتى وليد الصدفة التي جمعتني بالعميد مقبل, لم يُحضّر له من قبل, قادنا إليه نقاش ساخن سبق الحوار, طرح فيه مقبل معاناته كعسكري برتبة عميد ركن, مازال معلقا بين الخدمة العسكرية التي أعيد لها نهاية عام 2007, والتقاعد الذي كان قد أحيل له في العام 2005م, شاكيا من أنه لم يتسلم راتبه منذ خمسة أشهر, لكنه أكد اليوم أنه تسلمه كاملا بعد التقائنا به.

 الجلسة العيدية التي أثارت العديد من الأسئلة أثمرت هذا الحوار..

*أين موقعك من الحراك الجنوبي؟

مقبل: أنا أحد القيادات الموجودة في الحراك, وما زلت أمين عام جمعية المتقاعدين بالضالع. سبق وإن بدأنا بهذا الحراك منذ تخلق وتشكل من خلال تعدد منظمات المجتمع المدني, واليوم لا يبحث كل واحد منا أين يكون؟ ولكن الهدف ماذا نكون؟ وإلى أين سنصل؟ فالحراك الجنوبي اليوم أصبح قوة موثوقة, وغير قابلة للاختطاف, أو تغيير الاتجاهات؛ لأن الآن تعددت القيادة, وتخلَّق المارد الجنوبي, وسيصل الحراك الجنوبي إلى هدفه مهما كان الثمن.

*كيف تقرأ مستقبل الحراك؟

مقبل: أريد تذكرتك بحاجة. من أول حين بدأت المشاكل البسيطة, كان الكثير من الناس يعولون على أن الحراك الجنوبي لن ينجح, ولكني قلت لهم (ذكر مقابلة له مع صحيفتي "الوطني" و"التحديث" الأولى تصدر من عدن, في حين تذبذبت الثانية بين صنعاء وعدن, وتصدر الآن من الأخيرة) إن الحراك الجنوبي قد بدأ ولا يمكن أن يتوقف, وهذا الحراك هو اليوم يتشكل ويتخلق, وسيصبح بكرة قوة فاعلة في المجتمع؛ والحراك بدأ من جمعيات المتقاعدين, ولكن كان شعب الجنوب يبحث عمن يوجهه, ومن ينطلق معه, وعندما انطلق الحراك انطلق شعب الجنوب, وكان الجنوب ملتف حول القضية أكثر مما هو موجود؛ لأن الحراك الجنوبي كان واسعا, أكبر مما يتخيله العقل, ولهذا برزت بعض النتوآت أو العقبات, ولكنها ستزول, بدليل وصول كثير من مكونات الحراك إلى أن توجد لها مجلس قيادة موحدة, هي مجلس قيادة الثورة الجنوبية, بغض النظر عن بعض الإخوان الذي ما زال يرى أنه لا يستطيع أن يكون في هذا المجال, ولكن نقول إن شعب الجنوب قد اختار لنفسه الطريقة التي يريدها, لأنه بعد خروج علي سالم البيض (صيف 1994م) أعطى الشرعية للجنوب, بالإضافة إلى أن القرارات الدولية الموجودة رقم "924"و"931" ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة, ومؤتمر الدول الإسلامية, وغيرها تقول لا وحدة بالقوة, إذن شعب الجنوب انتفض, وهو يقول لا نريد هذه الوحدة التي تمخضت عن حرب 1994م, والذي نتج عنها 7/7 الذي احتل الجنوب.

*هل تقول إن الحراك تأسس بعد 1994 مباشرة أم ترى أنه بدأ منذ 2007 "زمنيا"؟

مقبل: عام 2007 جاء بعد مخاض طويل وعسير, إذ بدأت هناك مقاومات فردية, وصغيرة, وكان هدف السلطة أن تقمع أي عمل لكي توصل الناس إلى الخلف, فظهرت حركة "موج" وأدت مرحلة, وظهرت حركة "حتم", لكن كان كثير من الناس يجهلون العمل التنظيمي, وكان النظام يراوغ, وطرح وعود لكثير من الناس, الذين ظلوا أسيرين لهذه الوعود, ولكن يقول المثل "حبل الكذب قصير" فاستصعبت حياة الناس, داخل المجتمع, والنظام نفسه لم يكتف بالنصر الذي حققه في ظل سكوت الجنوبيين طيلة خمسة عشر عاما, بل جعل من شعب الجنوب غنيمة له, واعتبره شعبا خانعا, ونسي أنه لا يمكن للشعب في الجنوب أن يكون خانعا, وأنه شعب لديه كرامة, فبدأ هذا النظام بتسريح الناس من مرافق العمل, أكثر من ستين مرفق حكومي, وسرّحَ دفعا من القوات المسلحة والأمن قاربت على الستة آلاف, حتى آخر دفعة كان عددها "5500" من قادة وضباط في 2005, وكنتُ من ضمنها, وسبق وإن جلست في البيت 13 سنة بلا عمل, وبرتبة عقيد, وقلنا للإخوان في الشمال أنتم الآن تمارسون انتقاما ضد شعب بأكمله جراء حرب 1972, وحرب 1979, وهذه حقيقة, على الرغم من أن شعب الجنوب سلم دولة بأكملها لهم, ووقف مع الوحدة في حرب 1994م؛ لأنه كان يحب الوحدة كثيرا, إلا إن صورة الانتقام التي كانت موجود عند النظام في الشمال.... علي مقبل مع محرر مأرب برس نشوان العثماني

*(مقاطعا) ألا تعتقد أن وقوف جزء من الجنوب إلى جانب الوحدة ربما يعود إلى تصفية حسابات عائدة إلى حرب يناير 1986م؟

مقبل: هذه لعبة لعبها النظام, واستغل النقطة الدينية في هذا الجانب.

*ولكن دعنا نكون في العمق من هذه النقطة, ففي 1994م قاتلت "أبين" مع السلطة نكاية بـ"الضالع".

مقبل: نحن شعب الجنوب عندنا مصداقية, فنحن نؤمن بالحقائق, والدين هو حقيقة ساطعة, فحين تتكلم بالدين بالعدل وما احتواه والقرآن والعدالة, فنحن نقبل هذا الكلام, وأنا إذا أخطأت بحق أحد, ومهما كان الأمر في المسألة, أعترف, وأعتذر له, فالنظام الحالي استغل الدين كأحد العوامل على النظام (الجنوبي آنذاك) باعتباره نظام شيوعي.

ولا تعتقد أن الجنوبيين رفضوا علي ناصر حين كان في الشمال, وأقول لك إن علي عبد الله صالح هو الذي خلق الفتنة, كان يقول للجنوبيين علي ناصر لا يريدكم, ويقول لعلي ناصر الجنوبيين لا يريدوك, من أجل أن يعمق الشرخ. لكن حبنا للوحدة عبر الأناشيد الرسمية, وفي المدارس وغيرها, جعلنا نسدل الستار, من حبنا للوحدة.

*اليوم, وكأحد قادة الحراك الجنوبي, إذا طرح أمامك خياران: فك الارتباط, أم تغيير النظام, أيهما ستختار؟

مقبل: الصحيح والأسهل هو فك الارتباط, لأنه من السذاجة جدا إذا قلت لك إنني مازلت أريد تغيير النظام؛ لأن من النظام, وعلى مدى ستة عشر عاما منذ 7يوليو 94م, عشعش فسادا, وعشعش أنصاره, انظر اليوم بدم بارد يقتلون الناس بالشارع, لمجرد إنهم يقولون: نريد حقنا, ولمجرد إنسان يقول: أريد ماء, فكيف أثق بهذا النظام الذي يحرض على أن هذا جنوبي معدوم يجب أن يقتل, فكيف أثق بمثل هؤلاء أن أعود لهم.

أرى أن على الإخوان في الشمال أن يعوا أن الجنوب أعطى شيئ كبير جدا, سلّم دولته على طبق من ذهب, وسلم العاصمة في أن تكون صنعاء مع أن اتفاقات الوحدة تقول إذا كان الرئيس شمالي تكون العاصمة جنوبية, وسلم شعار الجيش, والبذلة العسكرية, والرتبة, والعملة, وما بقى شيء, حتى التمثيل النيابي بجب أن يكون نصف البرلمان للجنوب والآخر للشمال, من أجل لا يتخذ أي إجراء غير عادل, لكنهم لم يكونوا حريصين على هذا الكلام.

*في المقابل.. العقل السياسي الجنوبي, لمَ سلّم كل هذه التنازلات, ولم يتسلم أي تنازل من قبل الجمهورية العربية اليمنية حينها؟

مقبل: لأنا كنا صادقين, وتغنينا بالوحدة كثيرا. كنا نفكر إن الوصول إلى الوحدة كأن الإنسان يصل إلى بيته. كنا نشعر أننا نُبَادَلُ نفس الشعور....

*(مقاطعا) ولكن ثمة قيادات أمثال حيدر العطاس كانت تطرح آنذاك أنه يجب أن يبدأ الطرفان بتوحيد برامج قبل الوحدة الاندماجية, ورُفِضَ هذا الطرح من قبل قيادات أخرى في الحزب الاشتراكي حينها, نستشف من هذا أن قيادات كانت تعرف الوضع في الطرف الآخر, ولكن قيادات أخرى زجت بالدولة للوحدة بتلك الطريقة؟

مقبل: صحيح, الحزب الاشتراكي هنا في الجنوب قَبِلَ أخواننا الشماليين كلهم, وأنت تعرف أن أي واحد يأتي من الشمال كان يحصل أكثر مننا, سيارة وبيت, و...الخ, ثم أعطيت لهم فرصة أن يحكموا في الحزب ويشاركوا في الدولة, في حين كان يسمى الجنوبي الهارب في صنعاء بـ"جنوبي مقيم", لكن هنا كنا نعطيه رئيس, فانظر هنا الوحدة طبقت بالواقع العملي, فعبد الفتاح إسماعيل طلع رئيس للجمهورية, وراشد محمد ثابت وزير, وعبد الواسع سلام وزير, ومحسن (محمد سعيد عبد الله محسن) كان وزير أمن الدولة. ونحن الجنوبيون كنا قد خرجنا من القومية ووصلنا إلى الأممية, وكنا نشعر أن الإخوان في الشمال يبادلونا نفس الشعور, وحتى عندما بدأ مسلسل الاغتيالات في صنعاء لكوادر الحزب الاشتراكي, وأولهم ماجد مرشد- أحد الضباط العسكريين, وتم اغتيال 156 من الكوادر الاشتراكية, فالحزب نفسه لم يرد على من قتلهم, لأنا كنا نقول لعل وعسى إن الأمل سيأتي, فانظر طيبة الجنوبيين, وإلى ذلك استمروا صامتين بعد حرب صيف 94م خمسة عشر سنة أيضا.

وانظر النظام الحالي في الشمال هو يسخر من أسرة آل حميد الدين, لكن الآن من هم؟ ستجد آل الأحمر, فالثورة لن تغير شيئا, وأنا أريد من الناس أن يفهموا أن هذا النظام لم يعد صالحا.

*مِن الأساس.. هل كانت الوحدة ضرورة ملحة أم هروبا من واقع؟

مقبل: الوحدة كانت خيار نحن رسمناه, بغض النظر عمن يقول إنها هروبا, لم نكن هاربين من أحد...

*(مقاطعا) أنتم أو في الشمال كل هارب مما يخيفه ربما.

مقبل: ليس هكذا بالضبط, هناك أمور نضجت عندنا في الجنوب, وعوامل سارت فترة طويلة, لأننا كنا نتكلم عن أن الوحدة مصير وقدر, وإن الشعب اليمني سيصبح دولة قوية في الجغرافيا والثروة وما إلى آخره, لكن الذي حصل أن هناك أناسا ما زالوا يعيشون عصر القرون الوسطى, وما زالت أفكارهم متحجرة, وما زالوا عند تفكير الـ"أنا", فالدولة اليوم لم تعطي الشعب حتى حبة باندول, حتى في التعليم الطالب يدفع رسوم, ونحن في الجنوب ندفع حتى على المجاري, وندفع عن خدمات في الكهرباء غير قانونية.

أخطاء الحراك الجنوبي

*نعود للحراك الجنوبي.. ما هي الأخطاء الكبيرة والفادحة التي تشعر أن الحراك ارتكبها وتريدون تصحيحها في الفترة القادمة؟

مقبل: الأخطاء هي أحيانا تحصل بطريقة غير مقصودة.. مثلا, الشعب الجنوبي, وكنتيجة للمعاناة, خرج إلى الساحات بتلهف, والقيادات كانت قليلة ومعدودة, لم تستطيع السيطرة على كل شيء, وكان الباب مفتوح أمام الناس كي يمارسوا نشاطهم, لأننا ندعي الناس كلهم للمشاركة, فبرزت هناك بعض الأفكار عند بعض الناس, وبعضها أيضا من قبل السلطة, هدفت إلى خلق شرخا بين الشمال والجنوب, لأن النظام يعرف أنه إذا لم يخلق الشرخ بين الشمال والجنوب لا يمكن أن يعيش طويلا, لكن يحاول أن يجر الصراع شمالي جنوبي, والحقيقة مختلفة تماما, ففي هذه المرحلة ندعي, وكما دعا أخونا الدكتور ناصر الخبّجي إلى أن مشكلتنا مع النظام وليس مسألة شمالي جنوبي, وكنا نقولها من زمان, لأن بعض الناس كانوا يرفعون بعض الشعارات (....) لكن ليس لنا عداوة مع صاحب خضرة, أو غيره, لأن حراكنا سلمي, رغم أننا عسكريون عندنا خبرة, وعندنا كثير من الناس الذين تجندوا فيما كان يسمى بالتجنيد الإجباري, فأغلب الناس متدربين على السلاح, أي أننا نملك الخبرة لخوض حرب عصابات لم يشهد لها التاريخ مثيلا, ولكن قلنا إننا الآن في القرن الحادي والعشرين حيث صُعِب تحديد مفهوم التحرر مع مفهوم الإرهاب, ونحن استطعنا أن نختار طريقة جديدة نقدمها للعالم, وهي النضال السلمي, وهو قابل مستقبلا لتغيير الأنظمة الدكتاتورية, وخاصة عندما سينجح في الجنوب, وأكيد إنه سينجح. والمرحلة الماضية ليست كبيرة مقارنة بثلاث سنوات, والحراك الجنوبي وصل إلى مرحلة أفضل من السابق, ولكن المرجفين وتابعي السلطة يحاولون تشويه هذه الحقيقة, ويرسمون صورة متشائمة سوداوية.

الحراك في الجنوب هو الذي سيقدم الجديد للنظام في صنعاء, لأن مسألة إصلاح النظام من داخله غير ممكنة, وأضرب لك أمثلة: الجيش المصري أتى إلى اليمن ولم يبنِ دولة بعد ثلاث سنين, ورحل بعد تضحيته بثلاثين ألف جندي. ونحن في الجنوب قدمنا دولة على طبق من ذهب, لكن الحكومة اليمنية سابقا قامت بالحرب, وبالأخير, وهي مسيطرة أتلفت كل شيء وأرجعتنا إلى الحكم العسكري القبلي.

*ذكرت حرب العصابات, وتدريب الجنوبيين على السلاح.. السؤال الذي يطرح نفسه, من أين للحراك أن يحصل على السلاح؟

مقبل: لم نفكر بعد, ولدينا القدرة على ذلك, ولكن إلى الآن نحن نقود عملا سلميا, على الرغم مما نجد من قمع, ولكم تحتاج إلى رباطة جأش وثقافة عندما ترى إنسانا يوجه إليك السلاح ويضربك, وفي ناس عندنا قادرين على انتزاع السلاح منهم, لكن حراكنا سلميا.

نحن إلى الآن ما زلنا عند النضال السلمي, لكني أريد أن أقول شيئا: نحن كنا دولة, وكان عندنا جيش وقيادات, ونحن مدربون, فإذا أردنا يوما ما من حقنا أن نتخذ قرارا بهذا الشأن, ولنا بعد ذلك طرقنا الخاصة, إلا أننا نؤكد على أن نضالنا ما زال سلميا.

استمرار العمل السلمي

*العمل السلمي إلى متى سيستمر؟

مقبل: سيستمر لفترة طويلة, إلا في حالة واحدة (.....) فالجنوبيين عنهم القدرة وسيتخذون قرارهم بالوقت المناسب.

*في الفترة القليلة القادمة, هل الحراك الجنوبي على استعداد لفتح جبهة موازية أو مستغلة لما يحدث في صعدة ربما ؟

مقبل: لا يوجد تناسق بيننا, فنحن طرحنا العمل السلمي, ولا نريد أن نثبت أن العمل السلمي فشل, وصعدة لها ظروفها, فهم يدافعون عن الأرض والعرض, ومن يموت مدافعا عن أرضه وعرضه فهو شهيد. فنحن لا نتزامن مع أحد ولنا خياراتنا وظروفنا المحيطة.

*مؤخرا تم ضرب تجمعا للنازحين في منطقة العادي بحرف سفيان, وقتل فيه ما يزيد عن 85 شخصا منهم أطفالا ونساء.. هل تشعر أن مثل هذا سيحدث لكم؟

مقبل: هذا العمل جريمة لا تغتفر في كل المقاييس الدولية, ومستشارو النظام سيكلفونه دفع الثمن, فهذه جريمة ضد الإنسانية. ولا يمكن الربط بين الجنوب وصعدة, فالجنوب يختلف كل الاختلاف, فنحن لدينا قرارات دولية, ومنها القرار رقم "924" والذي ينص أن على القوات الانسحاب إلى الحدود الشطرية, يعني أننا طرف والنظام طرف, والقرار رقم "931" يقول إن على الطرفين الدخول في مفاوضات دون قيد أو شرط, ويمنع دخول عدن.. تعتبر خط أحمر. والنظام لا يحق له أن يعبث بالجنوب كما لا يحق له أن يعبث بصعدة.

*إذن هنا النظام رافض يسلم أبناء الجنوب دولتهم التي يريدونها, الخارج صامت ربما؛ لأن اليمن لا تهمه كثيرا, والنظام لديه مصالح ضخمة في الجنوب, فما الخطوات التي سيتخذها الحراك أمام هذا المشهد؟

مقبل: شعب الجنوب عزم الهم على استعادة دولته مهما كانت كلفه الثمن, فلا يهمني أن الخارج لديه مصالح أم لا, والشركات الموجودة في الجنوب يجب أن تعرف منهم أصحاب الحق, وسنجعل المجتمع الدولي بإصرارنا أن يعترف بنا؛ لأن قضيتنا واضحة ونحن دولة. وأؤكد لك أن وجود دولتين في اليمن هو الضمان الأكيد لاستقرار. ونحن بدورنا سنحترم حقوق الجوار, والاتفاقات الدولية, والمعاهدات وسنحمي الملكية العامة والخاصة, وسنعمل على حرية التجارة, ولن نجعل التجارة محتكرة على المؤسسة الاقتصادية العسكرية, وسنعمل بكل ما هو معمول به في كل الدول, في إطار مصالح مشتركة.

*ذكرت بناء الدولة.. أرى في الحراك الجنوبي, مثلا, القومي مع السلاطيني مع الديني وغيرها من المكونات, الفضلي في أبين, أنتم في الضالع, أناس في حضرموت, وهناك خلافات داخل مجلس قيادة الثورة المشكل حاليا, وربما تكون الخلافات في العمل السياسي شيء طبيعي جدا, ولكن كيف ترى شكل الدولة القادمة في الجنوب أمام هذه المكونات؟

مقبل: هذه المكونات مسئوليتها الآن تقود إلى استعادة الدولة, وستكون هناك مرحلة انتقالية, وسيجري استفتاء شعبي لتقرير شكل الدولة التي ستكون فيها تعددية سياسية يسودها النظام والقانون, ومن الخطأ أن أقول لك أننا سنبني الدولة كذا وكذا. ونحن في الجنوب تصالحنا وتسامحنا من خلافاتنا التي دفعنا ثمنها, ولا نريد للخلافات أن تستمر, فمن هو جدير بأن يكون في الدولة ومجلس النواب وغيرها, فلن يوجد مانع لأي إنسان يريد ذلك. وطارق الفضلي هو جنوبي, واختار الحراك السلمي, وأعلن أمام الناس, وأقسم على ذلك. لقد نسينا الماضي, ويجب أن نبدأ صفحة جديدة. والخلافات التي بدت الآن, هي خلافات مرحلية, متعلقة بزيد أو علَّان.

*ألا تخشون من توظيف الورقة الدينية ضدكم مرة أخرى؟

مقبل: لا. الماضي كان مختلفا, والناس عرفت الصح من الخطأ, والنظام كان قد استغل الورقة الدينية في الداخل والخارج للتخويف من الحزب الاشتراكي, وأدرك الناس أن كثيرا من القيم الطيبة التي كانت عند الاشتراكي قد أنهيت. في هناك مجلس للإفتاء في الجنوب اصدر وثيقة من تسع صفحات, يؤكد فيها واجب الجنوبيين في الدفاع عن أرضهم وعرضهم, ويجب على الإخوان في الشمال ألا ينصاعوا لولي الأمر الظالم.

*في المقابل, الطرف الآخر أيضا عنده فتوى دينية بعدم السماح بالانفصال.

مقبل: لا. الشمال ليس من حقه أن يتكلم على شعب الجنوب. فالشمال طرف ونحن طرف, وهذه دولتنا, فأنا يهمني خمسين نفر من الجنوب يقولون نريد الوحدة, لكن لا يهمني 20مليون من الشمال يقولون نريد الوحدة؛ لأنها ليست حقهم.

*لا أقصد الحق الشرعي, وما قصدته أن الحروب توظف أي شيء؛ لتنتصر.

مقبل: سيوظفها شهر شهرين, لكن الحقائق الساطعة ستظهر, مثلما حدث لأصحاب الحلوى (قتلى العسكرية) لتحويل الصراع شمالي جنوبي...

*(مقاطعا) ما رأيك بهذه القضية؟

مقبل: هذه القضية ارتكبتها الأجهزة الرسمية, فما علاقة صاحب الخضرة أو صاحب الحلوى أو أي إنسان؟ نحن نقول للأخوة في الشمال أن ينأوا بأنفسهم مما يحاول أن يزج بهم النظام؛ لأننا مستقبلا نريد أن تكون بيننا علاقات أخوية وتجارية. ونقول هاتوا أيديكم واسقطوا النظام العسكري الذي ظل يعبث بكم ثلاثين سنة, ويدمر الآن صعدة أمامكم وأنتم تتفرجوا على هذا الأمر.

*ارتكب النظام, برأيي, خطأ كبيرا عندما دعم القبائل وجيّشها؛ لمحاربة الحوثيين في عمران وصعدة, فربما يدفع للجنوب قبائلا من الشمال, وخصوصا من المناطق الحدودية..

مقبل: أكثر الناس في الشمال قد وعوا, بغض النظر عن بعضهم.

الحزب الاشتراكي والقضية الجنوبية

*أين موقع الحزب الاشتراكي من الحراك الجنوبي اليوم؟

مقبل: الحزب الاشتراكي مثله مثل أي حزب في الساحة, والحراك الجنوبي هو إطار عام جامع, فنحن الآن نكوّن حاملا اجتماعيا من كل منظمات المجتمع المدني, وليس حاملا سياسيا, وكثير من الاشتراكيين والرابطيين (حزب رابطة أبناء اليمن "رأي") ناشطون وبارزون في الحراك, فما عندنا أي اعتراض عن أي أحد. فالأحزاب في المرحلة الانتقالية تقدم برامجها للشعب, ومن يختاره الشعب ويستحسنه فيا هلا وسهلا.

*انتم كيف تقرءون موقف الحزب الاشتراكي, هل هو مع القضية الجنوبية, أم مع القضية اليمنية بشكل عام؟

مقبل: أنا لا أتحدث عن الحزب, ولكن أقول لك أن بعض عناصره موجودة وفاعلة في الحراك, فالحزب الاشتراكي جزء من الجنوب, ومن الخطأ أن أنأى بنفسي عن حاجة أرى أنها ظلم وعدوان على الآخرين, فهو جزء من الجنوب...

*(مقاطعا) تقصد أن السياسة العامة للحزب ترى الخطأ, ولا...

مقبل: (مقاطعا) لا أقصد هكذا, فالحزب الاشتراكي مثله مثل أي حزب, والأحزاب سيأتي دورها ما بعد استعادة الدولة.

*ولكن الحزب الاشتراكي يعتبر الممثل الشرعي للجنوب في الوحدة اليمنية.

مقبل: دخل ممثلا شرعيا للجنوب, وكنت أرى أن الحزب الاشتراكي ما كان من المفروض أن يدخل الانتخابات وكان يجب عليه تبني القضية الجنوبية التي جاءت الحرب واحتلت الجنوب.

*إذا سألتك من هو رئيسك؟

مقبل: علي سالم البيض.

البيض واللجوء الدولي

*دعنا ننتقل للوضع الدولي, من الذي ساعد البيض في حصوله على حق اللجوء الدولي؟

مقبل: يجب ألا نتعامى عن الظروف, فعلي سالم البيض صمت فترة, وكان شعب الجنوب صامت, وقضيتنا مهما صمتنا فهي حيوية. وجواز اللاجئ الدولي لم يعط إلا لثلاثة أشخاص على مستوى العالم, من بينهم علي سالم البيض.

*إذن هناك جهات أو أطراف أو دول ساعدت علي سالم البيض على الخروج من صمته الطويل, وحصوله على اللجوء الدولي؟

مقبل: إن سكت البيض كنا سنقول إن هذا جبان وساكت, ولما خرج نقول إن في جهة ساعدته, فالذي ساعده هو شعب الجنوب....

*(مقاطعا) لنتفق أن شعب الجنوب ساعده, ولكن هناك جهة خارجية.

مقبل: صمود شعب الجنوب هو الأساس. انظر كوسوفو, حين كانت ضمن صربيا, هل كان معقولا أن تصبح دولة مستقلة, لقد بدأت بثورة سلمية ونضال مسلح, وخرجت دولة مستقلة, بفضل إرادتهم. نحن عندنا قضية كبيرة, لكن من لا يريد أن يراها فهو لا يراها.

*هل تعرف لماذا اختار علي سالم البيض ألمانيا مقرا له؟

مقبل: هذه شعوب ديمقراطية.

*ولكن لماذا ألمانيا دون غيرها من الشعوب الديمقراطية, كأمريكا وفرنسا وبريطانيا مثلا؟

مقبل: لو كان ذهب أمريكا أو بريطانيا فالنظام لديه صداقة مع هاتين الدولتين, وكانوا سيقولون عنه عميل أمريكا, وسيأتي على ظهر دبابة كما حدث في العراق. لكن ألمانيا الآن تحتضن البيض كما تحتضن الحوثي أيضا, أضف إلى ذلك أن البيض لديه جواز "لاجئ دولي" فمن حقه أن يذهب إلى أي مكان, حتى اليمن, ومن واجب الحكومة اليمنية أن تستقبله, لكنه لا يشرفه أن يأتي إلى اليمن في تقديري.

*ماذا يعني لكم حيدر أبو بكر العطاس وعي ناصر محمد؟

مقبل: هم جنوبيون, ومسئوليتنا جميعا, حتى العامل العادي, أن نتلاحم, لأن هدفنا استعادة دولتنا.

*علي سالم البيض يطرح مسألة فك الارتباط, في المقابل يطرح علي ناصر والعطاس خطابا أكثر اعتدالا, هل هناك اختلاف أم توزيع أدوار؟

مقبل: يعني بعض الناس يريدونا نتكلم بكل شيء على المفتوح, ما نبقي لأنفسنا حتى حاجة, أولئك يلعبون, وأصحابنا أيضا يلعبون. فنحن لنا سياستنا. عندنا إستراتيجية وعندنا تكتيك. العطاس ليس جاهلا, ولا علي ناصر, والأخير قال مؤخرا إن شعب الجنوب هو صاحب الحق.

*إذا طرح حل دولي أن تستمر الوحدة في ظل رئيس جنوبي؟

مقبل: أأتِ بأي واحد يكون مسئول على جماعة, وهم كلهم رافضينه, فكيف يكون؟ أضرب لك مثلا: العطاس تعرض لمضايقات كانت ستصل لحد القتل..ياسين سعيد نعمان, ضربوه بالـ"آر بي جي".

موقف الولايات المتحدة

*أنتم في الداخل كيف تقرءون توجه الولايات المتحدة الأمريكية, هل هي مع فك الارتباط؟

مقبل: الولايات المتحدة لديها معاهد دراسات, وهم يدرسوا هذا الكلام, وهذه المعاهد تقول إن الاستقرار في المنطقة يجب أن يكون عبر دولتين, لأن النظام في صنعاء لم يستطع السيطرة على الاستقرار في المنطقة, وعندما نستعيد دولتنا سنكون قوة توازن في المنطقة, ولن نعتدي على أحد, وستكون علاقتنا بالشمال كعلاقة أي دولة.

*الإدارة الأمريكية في آخر خطاباتها العلنية تؤكد على وحدة واستقرار اليمن؟

مقبل: هذا كلام يقال....

*(مقاطعا) ولكنه قيل علنيا.

مقبل: حتى لو قيل بالعلن, لكن حقيقةً الوحدة لا يمكن تكون مقبولة وهي ليست ناجحة.

*إذا كان الجنوب أخذ بالقوة, فلن يعاد إلا بالقوة وفق مبدأ معروف.

مقبل: نحن للآن نعرض السلم, ونريد العالم أن يفهم أننا نبحث عن السلم, واليوم الأمم المتحدة أصدرت قرارات بحق الأقليات, فما بالك نحن دولة. ومن مصلحة النظام اليوم أن يقوم بأسرع وقت ممكن ليعلن فك الارتباط مثلما فعل جمال عبد الناصر مع سوريا, فعلى الأخوان في الشمال, والقوى المثقفة, والخيرة والصحفيين, وكل القوى الوطنية أن يعرفوا أن عليهم إجبار النظام على الاعتراف بهذا.

*ما موقف دول الخليج من القضية الجنوبية؟

مقبل: نحن نطمئن دول الخليج, ولدينا نظرة ثانية للحياة في المجتمع, ولن يكون لنا عداء مع أي دولة, وسنكون عامل استقرار, وسنحرص على عوامل الأمن والاستقرار الدولي, وسنتبادل المصالح المشتركة.

*ماذا بشأن الأراضي التي تم التنازل بها للمملكة العربية السعودية؟

مقبل: نحن نعترف في الذي تم مع دول الجوار, ولا نريد مشاكل مع أحد.

رسائل سياسية

*نعود للداخل, ما رأيكم بموقف اللقاء المشترك من القضية الجنوبية؟

مقبل: نحن نشكر اللقاء المشترك لأنه طالب بالاعتراف بالقضية الجنوبية, لكن المشترك حين يقول نريد القضية تحت سقف الوحدة, وكأن القضية الجنوبية لا تعنيهم, فنحن نقول يجب أولا استعادة الدولة في الجنوب.

*إذن ما الرسالة التي توجهها للقاء المشترك أولا؟

مقبل: شكرا على اعترافهم بالقضية الجنوبية, ولكن أقول لهم يجب أن تكونوا أكثر منطقية, فلا يمكن للقضية الجنوبية أن تحل في هذا الإطار الذي مللنا منه. فهدف شعب الجنوب استعادة دولته, ونصيحتي لهم ألا يجعلوا النظام يجر الشمال والجنوب إلى دوامة فيما بينهم.

*رسالتك للحزب الاشتراكي ثانيا؟

مقبل: الحزب الاشتراكي عليه مسئولية تاريخية كبيرة جدا, وهو يعرفها, ولا أريد أن أتحول إلى موجه له, وأنا أشكر كل من ساهم من الحزب الاشتراكي في الحراك الجنوبي, كوطنيين جنوبيين.

*رسالتك إلى الجنوبيين الموجودين في السلطة ثالثا؟

مقبل: أقول لهم آن الأوان, وعليهم بالتفكير في المسئولية الملقاة عليهم, حتى وإن حظوا بشيء فقد حظوا به نتيجة الحراك, وهم جنوبيون, وسيظلون عند النظام الحالي جنوبيون, حتى وإن قدموا مهما قدموا, فأقول إن الفترة الحالية يجب على كل إنسان أن يقرأها بنفسه بتجرد وتمعن, وبعدها فمن حق كل إنسان أن يضع نفسه حيث يريد.

*ما هي الخيارات؟

مقبل: الخيارات عليهم هم أن يتخذوها, لا أريد أن أتحول إلى واعظ لهم, فهم عارفون بما في عمق السلطة, فعليهم مسئولية أخلاقية وأدبية وإنسانية.

*أخيرا ما تقول لمكونات الحراك الجنوبي اليوم؟

مقبل: لقد زدت أملا وتفاؤلا في أنها استطاعت أن تصل إلى قاسم مشترك تحت إطار قيادة الثورة السلمية في الجنوب. وأقول لهم أن يضعوا القضية الجنوبية فوق كل الاعتبارات, والمسائل الشخصية والذاتية, فكلنا مكملون لبعضنا, لأجل أن نصل إلى الهدف.

 

*ما بين الأقواس الكبيرة () من إضافات المحرر.

**الفراغات لم يكملها الضيف.