رسائل دول الخليج من العاصمة دمشق لسوريا وللعرب وللمحور الإيراني المليشيا تجبر طلاب جامعة ذمار على إيقاف الدراسة للإلتحاق بدروات طائفية وعسكرية تشمل التدرب على الأسلحة المتوسطة والثقيلة تعرف على الأموال التي سيجنيها ريال مدريد في حال تتويجه بكأس العالم للأندية 2025؟ أول دولة أوروبية تعلن تقديمها الدعم المالي لسوريا توكل كرمان : الشرع يدير سوريا وفق الشرعية الثورية وتشكيل حكومة شاملة بُعَيْدَ سقوط نظام الأسد نكتة سخيفة خمسون قائداً عسكريًا سوريا ينالون أول ترقيات في الجيش السوري شملت وزير الدفاع.. مأرب برس يعيد نشر أسماء ورتب القيادات العسكرية 1200 شخصية تتحضر للاجتماع في دمشق لصناعة مستقبل سوريا .. تفاصيل عاجل الإنذار الأخير ... واتساب سيتوقف عن العمل على هذه الهواتف نهائياً أجهزة الأمن بمحافظة عدن تلقي القبض على عصابة تورطت بإختطاف النساء ...تفاصيل صحيفة هآرتس: الاتفاق السعودي الحوثي معضلة أمام إسرائيل في حربها ضد الحوثيين ... قراءة تل ابيب لمشهد الحسم العسكري المتأرجح
مقدمة
من الواضح ان التطور في العلاقات بين السلطنة الخليجية العمانية وجمهورية ايران الاسلامية قد تجاوزت مفهاهيم التعاون والتقارب والتصالح الى مستوى الشراكة التي تكللت بتوقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية والثقافية والعسكرية والزاعية. يبدو ان سلطنة عمان المعروفة دوليا بأنها سيدة الحياد في سياستها الخارجية قد بدأت تدير ظهرها لأشقائها الخليجيين، الذين يشعرون بالقلق من الاطماع الايرانية التوسعية، لا سيما وان التدخلات الايرانية في بلدان الربيع العربي اصبح امرا واقعا ويتسم بالتهديد المباشر لامن واستقرار دول المنطقة وهو السلوك الايراني الذي تصفه مراكز الابحاث الغربية بالمزعزع لامن واستقرار دول الشرق الاوسط.
هذه المقالة تدرس مخاوف السلطنة الخليجية العمانية من محيطها الخليجي والتي تدفع مسقط الى البحث عن شريك موثوق به في المنطقة يقف الى جانبها للتغلب على المخاوف التي تعتقد مسقط بوجودها سواء كانت حقيقية ام مبالغ فيها. تركز المقالة على استكشاف العوامل، التي تدفع سلطنة عمان الى الهروب من محيطها العربي والخليجي والارتماء في احضان النظام الايراني. وعلاوة على ذلك فان هذه المقالة تسلط الضوء على الاجندة الايرانية الكامنة وراء انشاء خط انابيب غورة جاسيك لتصدير التفط عبر بحر عمان لتجاوز التهديدات المحتملة في مضيق هرمز. بالاضافة الى التركيز على المخاطر التي تهدد دول الخليج بسبب السياسة الخارجية العمانية المغايرة.
من الطبيعي ان تشعر الدول الخليجية بالخطر من التقارب العماني الايراني، لا سيما السعودية والامارات والبحرين واليمن، التي تعبر عن انزعاجها من الموقف العماني المساند للحوثيين. ولذا فان هذه المقالة ستجيب على الاسئلة الاتية: ما الذي يدفع مسقط الى الاعتماد على النظام الايراني؟ ماهي المخاطر المحتملة التي تهدد امن اليمن والخليج بسبب الانحياز العماني الى ايران؟ ما هي الغاية الايرانية من انشاء خط انابيب غورة جاسك؟ كيف تستغل ايران علاقتها بمسقط لغرض دعم الحوثيين؟
اطلالة على التعاون العماني الايراني المشترك
سجلت العلاقات العمانية مع إيران شكلاً مغايراً لما هي عليه حال علاقة دول الخليج بإيران، التي يمكن وصفها بغير المستقرة، إذ تميزت العلاقة العمانية الإيرانية بالتعاون والشراكة، بلغت مع مساهمة عمان في صياغة الاتفاق النووي بين الغرب وإيران مستوى كبيراً، ويضاف إلى انتهاج عمان سلوكاً منفرداً ومختلفاً عن باقي دول الخليج في الملف الإيراني، تعاملها مع الملف السوري؛ فقد أبقت على علاقتها مع نظام بشار، وكان تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين كناية عن نظرة عمانية مختلفة، ظهرت مجدداً من خلال حيادها إزاء قيام التحالف العربي ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، وامتناعها عن المشاركة أو حتى التصريح ضد ما قامت به جماعة الحوثي.
في الوقت الذي تجاهر فيه ايران بالعداء لعدد كبير من البلدان العربية، بسبب الطموحات الايرانية التوسعية في المنطقة العربية، حيث تنخرط طهران عسكريا في الصراع الدائر في لبنان والعراق وسوريا واليمن. فقد عبر الساسة الايرانيون عن اطماع بلادهم في السيطرة عندما اجتاحت الميليشيات الحوثية الايرانية العاصمة اليمنية، جاء ذلك على لسان مندوب مدينة طهران في البرلمان الايراني علي رضا زاكاني المقرب من المرشد الاعلى اية الله علي خمنئي، عندما قال ان طهران باتت تسيطر اليوم على العاصمة العربية الرابعة في اشارة واضحة الى اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء. في هذا الوقت نجد سلطنة عمان تغرد خارج السرب منفردة في علاقات متينة مع ايران.
واتسم دور عُمان، وسط العداء العربي الإيراني، بلعب دور الوسيط، تجلى ذلك خلال جهود الوساطة العُمانية في أعقاب حرب الخليج الأولى بين الأطراف المتنازعة، ورفضها الدعوة لمقاطعة طهران. كما لعبت دورًا في الوساطة بين السعودية وإيران. وعلى الصعيد الدولي، كان لعُمان دور أيضًا في المباحثات السرية مع القوى الغربية لتسوية الملف النووي الإيراني، وفي عام 2011 توسطت سلطنة عمان للإفراج عن الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران. التصريحات الإيرانية تبدي قدرا من الحرص على تقوية الأواصر مع مسقط، إلا أنه بات ينظر إلى هذه العلاقة كمصلحة إيرانية؛ لاستغلال حياد عُمان، وضمان عدم مساندة اشقائها الخليجيين في أزمات المنطقة. تشير بعض الدراسات الى أن طهران تعمل على إثارة مخاوف المسؤولين في سلطنة عُمان من الرياض، لتصوير المملكة على أنها عدوة السلطنة، وذلك لتسهيل عقد العلاقات الاقتصادية معها.
وتذكر احد الدراسات أن طهران تستغل موانئ السلطنة، لتحويلها إلى مركز للشركات الإيرانية، لأنها تسعى إلى اختراق الأسواق الآسيوية والعربية الجديدة، كما يرى مراقبون أن لإيران مصلحة بالنفوذ في عُمان لدعم الحوثيين في اليمن ضد السعودية والإمارات. أن ما يتردد عن إقامة جسر بري بين طهران ومسقط، ليس هدفه التجارة بين البلدين بقدر ما هو الربط بين إيران ومصالحها باليمن ودعمها للحوثيين. في المجال العسكري، وقع البلدان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون العسكري ونفذ الجانبان العديد من المناورات العسكرية المشتركة. وعلى صعيد التبادل التجاري تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين في السنوات الاخيرة واجتاحت الشركات الايرانية السوق العمانية. في الجانب الثقافي ابرم الطرفان اتفاقا يقضي بتزويد عمان بالخبرات الايرانية في مجال السينما. وعلاوة ذلك ابدت ايران استعدادها لمساعدة عمان في مجال الري الزراعي وبناء السدود، والاهم من ذلك مد خط الانابيب لنقل الغاز الايراني الى سلطنة عمان حيث تنوي الاخيرة الاعتماد على الغاز الايراني بدلا من اشقائها الخليجيين.
العوامل التي تجعل عمان تولي وجهها شطر ايران
يشعر القادة العمانيون ان بلادهم تواجه جملة من التحديات او التهديدات من قبل جيرانها الخليجيين، لا سيما السعودية والامارات والحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من الرياض وابوظبي. وفي الوقت نفسه يشعر الساسة العمانيون ان جمهورية ايران الاسلامية هي الطرف الوحيد، الذي لم يظهر اي اطماع اقليمية وانما أقدم على المساعدة ماديا ومعنويا وعسكريا. بعد وفاة السلطان قابوس ارتفعت المخاوف العمانية من الامارات بعد المزاعم التي تفيد باكتشاف شبكة تجسس اماراتية تهدد الامن العماني، فضلا عن الاتهامات العمانية للامارات بمحاولة السيطرة على منطقة رأس مسندم العمانية، اذ يزعم الساسة العمانيون ان الامارات قد سيطرت على كل الموانئ المحيطة بالمنطقة مما ادخل رأس مسندم ضمن جيوب خريطة الامارات بشكلها الحالي. من جانب لم ينسى العمانيون الغزوة السعودية على واحة البريمي في خمسينيات القرن الماضي عندما كانت الواحة تقع ضمن حدود عمان وقبل ان تصبح جزءا من التراب الوطني الاماراتي. وعلاوة على ذلك تتخوف سلطنة عمان من التغول العسكري السعودي حاليا في محافظة المهرة اليمنية المتاخمة للحدود العمانية، وهذا ما يدفع عمان لمساندة الحوثيين ضد السعودية والامارات.
فيما يخص الوجه الاقتصادي للعلاقة بين عمان وإيران فلا يبدو أنه أقل أهمية من البعد السياسي، أن التعاون في مجال الطاقة هو الأهم في علاقات البلدين الاقتصادية، إذ وقَّع البلدان اتفاقاً يقضي بمد خط أنابيب لتصدير الغاز الإيراني إلى عمان، حيث سيصل حجم الصادرات منه إلى قرابة 10 مليارات متر مكعب سنوياً، وفي جانب التبادل التجاري بين البلدين بلغ حجمه سنوياً مليار دولار تقريباً، في حين أشار وزير التجارة والصناعة العماني إلى أن هناك 259 شركة إيرانية تعمل في عمان، وهو ما يؤكد الأنباء حول اتفاق الجانبين على إنشاء غرفة تجارية مشتركة لتعزيز التنسيق والتبادل التجاري، وقد نقلت صحيفة تفاهم الإيرانية، وهي مقربة من الرئيس روحاني، تصريح حميد جيت جيان، وزير الطاقة الإيرانية، بعد لقائه أحمد بن محمد الشهي وزير شؤون البلديات والمجاري المائية بعمان، بأن إيران لا ترى أي حدود أو شروط مسبقة لمساعدة عمان في بناء السدود وحل مشكلات الري هناك.
أما فيما يخص الجانب السياسي، يبدو أن سلطنة عمان قد ارتضت بشكل أو بآخر مجلس التعاون الخليجي وحاله القائم بالتعاون دون المضي إلى ما هو أبعد من ذلك، ويمكن أن يتسبب أي تقارب أو تشكيل وحدات تضع سياسات أكثر وضوحاً وإلزاماً لأعضاء المجلس، بإخلال وبعد عن سياسة عمان المتصفة بالحياد والبعد عن مسارات المواجهة والعداء، وهو ما اتضح جلياً لدى دعوة الملك السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض عام 2011 إلى انتقال المجلس من التعاون إلى الاتحاد وضرورة ذلك، حيث قوبلت تلك الدعوة بالرفض العماني الذي جاء على لسان وزير خارجيتها، والتهديد بالانسحاب من المجلس حال المضي نحو هذه الخطوة، ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن سيف المسكري، وهو دبلوماسي عماني سابق، قوله: "لا الشعب العماني ولا قيادته سيوافق على الذوبان في كيان أكبر"، وبرز على السطح أيضاً الخلاف العماني الإماراتي مع باقي دول المجلس فيما يتعلق بالعملة الموحدة والسياسة المالية للمجلس، فقد أبدت عمان تحفظاتها على مشروع العملة الموحدة، في حين أكدت وجود فروق وخروقات في تعاملات بعض دول الخليج، وبعد أن استضافت عمان القمة الخليجية عام 2008 لم يحضر السلطان قابوس أياً من القمم التالية، ما قد يبدو إشارة إلى عدم الرضا العماني عن اتجاه السياسة الخليجية.
فيما يخص الوجه التاريخي، منذ وقت بعيد جمعت طهران ومسقط علاقات ثابتة فمنذ انضمام سلطنة عمان إلى مجلس التعاون الخليجي قبل 34 عاما، حرصت الأخيرة على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الجانب الإيراني الذي تتسم علاقاته مع أغلب دول التعاون الخليجي بالتوتر، وقد سبق لقابوس أن زار طهران في 1971م، في زمن الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي كما قدم الأخير دعما لوجيستيا وعسكريا للأول في حرب ظفار (1965 ـ 1975م). وتطور هذا المشهد عقب الانتخابات الإيرانية الرئاسية 2009م، المثيرة للجدل والتي أعقبتها حركات احتجاجية واسعة؛ فقد استقبلت طهران في 9 أغسطس/آب 2009م، للمرة الثانية السلطان قابوس ليكون الزعيم العربي الوحيد الذي استمر في السلطة واحتفظ بعلاقات مع الإيرانيين حتى بعد أن تغيرت الإدارة السياسية في طهران من النقيض لأقصاه. إنَّ تلك العلاقة المتينة التي تربط بين الطرفين العُماني والإيراني لا تعني أن عُمان غير مدركة للتهديد الاستراتيجي الذي يمكن أن تمثله دولة بحجم إيران لأمن المنطقة، إلا أنها تدرك في الوقت ذاته أن التعامل مع هذا التهديد المحتمل لا يكون باستعداء الأخيرة والتعامل معها كخصم أزلي، أو بالتعاطي معها بلا واقعية تفترض سهولة إلغائها وإقصائها من أي تفاهم إقليمي، وبالتالي فقد كان الخيار العُماني مستندًا في التعاطي مع إيران ببراغماتية تفترض أن التعاون وإبقاء الحوار مفتوحًا مع قوة إقليمية كإيران أجدى لأمن الخليج من استعدائها أو مقاطعتها.
وبالنسبة للبعد الديني، فالكتل الإثنية والثقافية في الداخل العماني لها امتدادات خارج الحدود الجغرافية، وهذا يفرض على صُنّاع السياسة الخارجية استبطان المصالح والارتدادات المرتبطة بتلك الامتدادات العرقية والثقافية، فالإباضية أدت دوراً مهماً في تشكيل التاريخ السياسي الحديث لسلطنة عُمان، ولا زالت المضامين الفكرية لهذا المذهب تؤثر في توجهات السياسة العُمانية المعاصرة، المحلية والإقليمية. إلى جانب وجود كتلة سنية، وأقلية شيعية، لذلك تتجنب الانحياز إلى أحد الأطراف الإقليمية، تخوفا من انعكاساته الداخلية عليها، إذ يمثل الجو الطائفي في الإقليم عاملا مساعدا في حرص سلطنة عمان على أخذ مسافة متساوية من جميع الأطراف في النزاع الإقليمي الحالي. وتفادت عمان أن تكون طرفاً في أي تحالف أو ترتيب طائفي، وعززت حيادها لتطور علاقات موثوقة مع جميع الأطراف وهو ما سمح لها بلعب دور مختلف عن أي دولة خليجية أخرى. فمن جهة تتخوف عُمان من توسع النفوذ السلفي فيها، خصوصاً مع خروج أحاديث عمانية متخوفة من هذه النقطة تحديدا ومشيرةً إلى عمل بعض الشخصيات الدينية السعودية على نشر المذهب الوهابي والفكر السلفي في البلاد. ومن جهة اخرى كانت عمان تنظر الى الرغبة الايرانية في مد النفوذ الشيعي اقل خطرا عليها فكلتا الدولتان كانت بحاجة الى دعم الاخر وبناء علاقة حسن جوار خوفا من الرغبة السعودية في التوسع.
مخاطر الاختراق الايراني للخليج من البوابة العمانية
تتزايد المخاطر المحيطة بدول الخليج، وتتعاظم التهديدات من حولها، سواء الخطر الإيراني أو خطر التنظيمات المتطرفة، وحتى تقف دول الخليج لحماية أمنها الإقليمي، فإن فرصة التقائها تحت سقف سياسة واحدة خيار إيجابي لضمان توحيد الجهود المتنوعة ضد تلك التهديدات، ولعل التحرك بصفة جامعة في شكل وحدة متناسقة سياسياً مكسب استراتيجي قد يؤدي التفريط فيه إلى احتمال وقوع أخطار تعصف بأمن دول الخليج. أثار الموقف العُماني الأخير المعارض للاتحاد الخليجي، الكثير من الغضب في الأوساط الخليجية، والدهشة في الوقت نفسه، واتسم بالحدّة غير المعتادة من الدبلوماسية العُمانية المعروفة بهدوئها؛ حيث أعلن يوسف بن علوي، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في الحكومة العُمانية، في منتدى الأمن الخليجي الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة في ديسمبر 2013، أنَّ عُمان لن تكون جزءًا من الاتحاد الخليجي في حال قيامه، ولوح بانسحاب السلطنة من مجلس التعاون الخليجي فيما إذا أصرت دول الخليج العربية على المضي قدمًا في مشروع الوحدة. ومما ضاعف من الغضب الخليجي تجاه الموقف العُماني الصارم، تزامنه مع المزيد من تقارب السلطنة مع إيران، والدور الذي لعبته عُمان مؤخرًا كوسيط بين إيران والولايات المتحدة الأميركية والذي أسفر عن اتفاق جنيف التاريخي بين طهران ودول 5+1 في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
ترى مسقط أن اعتبارات الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية هي المحدد الرئيسي الذي يملي سياسات السلطنة الخارجية، فإن أي صدام إقليمي، سيشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقرار عُمان وأمنها الداخلي. ومن جهة أخرى يعتقد القادة العمانيين، إن إيران لم تشكّل خطرًا على استقرار عُمان الداخلي ولم تحاول تقويض وحدتها الوطنية بأي شكل من الأشكال، وامتازت علاقتها بعُمان بدرجة من الندية تناسب المزاج العُماني ونزعته التاريخية نحو الاستقلال. وهذا ما لم تنجح في إدراكه، فهمًا وممارسة، بعض الدول الخليجية.
فالعلاقات العُمانية مع بعض دول الخليج متوترة للغاية لا سيما مع الإمارات والسعودية، التي تتهمها عمان بمحاولة فرض نفوذها على الدول الخليجية. ترى مسقط ان مقتضيات الأمن القومي العماني لا ترتبط بأمن دول الخليج، فسواحل إيران لا تبعد إلا مرمى حجر عن السواحل العُمانية، والدولتان تتحكمان معًا في واحد من أهم المعابر المائية في العالم، اقتصاديًا وأمنيًا؛ حيث يمر من مضيق هرمز ما يزيد على 40% من النفط الخام في العالم. وجهة النظر العمانية بخصوص مقتضيات الامن القومي لدول الخليج العربية ينم عن تفسير قاصر واناني لحقيقة الخطر الايراني، الذي لن يستثني احد في نهاية المطاف بما في ذلك سلطنة عمان نفسها.
لعبت العلاقات العُمانية الإيرانية دورا مهما في تآكل الحصار الدولي والإقليمي على إيران، واعتبر البعض تلك العلاقات على أنها محاولة من عُمان للتخلص من الهيمنة السعودية. وهذا يتجلى في سلسلة من المناورات البحرية العمانية- الإيرانية التي نفذت في خليج عمان، وهدفت إلى تحسين التعاون بين البلدين. بالاضافة الى توقيع اتفاق مبدأي قيمته مليار دولار أمريكي لمد أنبوب غاز بطول 350 كم من إقليم "هرمزغار" الإيراني إلى المركز الصناعي العماني في صحار. تخطط إيران، من ناحية أخرى، للاستثمار في قطاع البتروكيماويات في ميناء جديد متكامل في سلطنة عمان والمنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم وسط عمان. ولذلك يمكن القول بأن ما حصل هو محاولة من عمان للخروج من دائرة نفوذ مجلس التعاون الخليجي، وهذا التوجه العماني في السياسة الخارجية المغايرة للاجماع الخليجي يسهل لايران التغلغل في المنطقة ويمكنها من التهديد المباشر للامن القومي الخليجي.
العلاقة بين سلطنة عمان والحوثيين
عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية عند انطلاقتها في مارس 2015، واتضح موقفها المعارض للتدخل العسكري الإقليمي في اليمن، وتبرر السلطنة رفضها المشاركة في “عاصفة الحزم” إلى عدة أسباب؛ من بينها: التزام مسقط بسياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين، وتجنب الصراعات الإقليمية والدولية، وسعيها لتأسيس علاقات وثيقة مع جميع الأطراف اليمنية؛ كي تتمكن من القيام بدور الوسيط لإنهاء الحرب في اليمن. في الواقع، تجدد عمان تمسكها الرسمي بالقيادة الشرعية لليمن وبوحدة أراضيه، لكنها تتمسك في المقابل بعلاقات جيدة مع جماعة الحوثيين. وتتهم عمان كل من السعودية والامارات بتأجيج الحرب في اليمن ودعمهما فصائل مسلحة تتبنى أجندات متعارضة مع مساعي السلام.
تواجه عمان تحديات جيوسياسية تتمثل في الوجود العسكري السعودي في محافظة المهرة المتاخمة لحدودها، كما تعتبر مسقط سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على جزيرة سقطرة تحدي اخر للامن القومي العماني. في هذا الإطار تتموضع علاقة عمان بجماعة الحوثي على قاعدة التقارب في الرؤية “الجيوسياسية” ليغدو دعم بقاء الحوثيين أقوياء في إطار دولة واحدة تفرض سيطرتها على جميع أراضيها صمام أمان للسياسة العمانية في وجه المخاطر الجيوسياسية الراهنة والمستقبلية القادمة من اليمن. تتسم العلاقة بين سلطنة عمان وجماعة الحوثي بالتنوع، ويحرص كلا الطرفين على استمرار هذه العلاقة من موقع الحاجات الآنية المتبادلة، وبالنظر أيضا إلى ما تحققه من منفعة مشتركة على المدى المتوسط تتمثل في تعديل ميزان القوة الإقليمية في منطقة الخليج وجنوب شبه الجزيرة العربية، وكبح الطموحات الإقليمية لكل من السعودية والإمارات في بحر العرب وخليج عدن والمحيط الهندي وباب المندب. وبصفة عامة تتركز العلاقات بين عمان وجماعة الحوثي في ثلاثة جوانب أساسية.
تستضيف عمان ما يشبه من الناحية الفعلية “بعثة سياسية دائمة” لجماعة الحوثي في مسقط، حيث تقيم في العاصمة العمانية بصورة مستمرة قيادات سياسية حوثية، وتقدم عمان لتلك القيادات كافة التسهيلات، بما في ذلك إتاحة حرية التواصل السياسي الدولي لها، واللقاء بسفراء الدول المعنية بالشأن اليمني، وعقد مباحثات سرية مع دبلوماسيين من دول مختلفة، ومغادرة الأراضي العمانية إلى طهران للقاء مسؤوليها ثم العودة إلى مسقط. ورغم النظرة السائدة لعمان كوسيط محايد في ملف الحرب في اليمن، إلا أن الكثير من مواقفها تشي بأن ما تحمله من تصورات للسلام وإنهاء الحرب يقترب بشكل أو بآخر من التصورات التي لدى الحوثيين. يصف الحوثيون الدورالعماني بالمحايد والنزيه، وهم مطمئنون عموما إلى ما ينطوي عليه الموقف العماني من تأكيد لتصوراتهم بشأن التسوية السياسية. وأبدى الحوثيون برجماتية عالية في التعاطي مع سياسة السلطنة تجاه إسرائيل، فلم يهاجموا تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في حملاتهم الإعلامية كما فعلوا مع بعض دول تحالف دعم الشرعية في اليمن.
منذ سنوات توالت تقارير صحفية واتهامات على لسان مسؤولين يمنيين بشأن وجود شبكات أسلحة ومعدات عسكرية إيرانية يجري تهريبها من عمان إلى الحوثيين في صنعاء. أما عمان فنفت مطلقا مرور أي أسلحة من أراضيها متجهة إلى الحوثيين. اعتبر فريق الخبراء الدوليين المعني باليمن، أن رغبة سلطنة عمان بالبقاء محايدة وبمنأى عن النزاعات هي رغبة موضوعة على المحك. واستطرد الفريق: "تلقينا معلومات أن أربعة أشخاص سافروا عبر عمان إلى إيران عام 2015م، وأفاد أحدهم علنا أنه تلقى تدريبا بحريا في بندر عباس (في إيران)، ثم قام بتهريب الأسلحة للحوثيين". وقال إن "بيانات نظام تحديد المواقع العالمي، تشير إلى أن مهربي الأسلحة يقومون بنقل الأسلحة من سفينة إلى أخرى داخل المياه الإقليمية العمانية". ولفت تقرير الخبراء، إلى مصادرة الأسلحة والمكونات المهربة التي وصلت براً إلى اليمن من مدينة صلالة عام 2019م. وقال إن "الفريق يواصل التحقيق في تهريب ثلاثة أطنان من مكونات الطائرات المسيرة، وغيرها من المكونات ضبطت في محافظة الجوف شمال اليمن. وأضاف، علمنا أنه جرى تسليم الشحنة من مطار مسقط الدولي في 2 ديسمبر 2018م وتم تصديرها في نفس اليوم إلى المنطقة الحرة بصلالة، مشيرا إلى أنه يواصل التحقيق في تسلسل العهدة فيما يتصل بالشحنة بعد وصولها إلى صلالة. وقال التقرير أن سلطنة عمان لم ترد على استفسارات، فريق الخبراء.
خط انابيب غورة جاسك الايراني
اعلنت ايران في 19 مايو 2021م، انها بدأت بضخ النفط من حقول غورة الواقعة في غرب البلاد الى ميناء جاسك المطل على بحر عمان عبر خط انابيب طوله 1000 كيلو متر يسمى خط انابيب غورة جاسك. يعد المشروع واحدا من اكبر المشاريع الاستراتيجية الايرانية بتكلفة ما يقارب ملياري دولار، والذي حظي باهتمام المرشد علي خامنئي. يحقق المشروع لإيران مكانة خاصة خارج الخليج، ولأول مرة يتم تصدير النفط من بحر عمان بهدف تقليل الاعتماد على مضيق هرمز وتسهيل الوصول إلى العملاء الأجانب. يوفر المشروع فرصا فريدة من نوعها لتعزيز القوة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية الإيرانية في المنطقة وتنمية التجارة فيها، تقليل الاعتماد وتعزيز السيطرة على مضيق هرمز.
خط انابيب غورة جاسيك يتميز بموقع جغرافي فريد يغني شحنات النفط الإيرانية عن المرور بمضيق هرمز، مما سيزيد بشكل كبير من سيطرة إيران على هذا المعبر الاستراتيجي. وهذا سيغير قدرة إيران على المناورة في مضيق هرمز من مختلف الجوانب الاستراتيجية والعسكرية، لأن الكثير من اللاعبين السياسيين والاقتصاديين في المنطقة والعالم كانوا يعتقدون لحد الآن أنه نظرا لأن صادرات النفط الإيرانية تعتمد تماما على مضيق هرمز، يستطيعون من خلال تواجدهم في هذه المنطقة تعطيل صادرات البلاد النفطية بالإضافة إلى خلق التوتر فيها. أحد أهم الأبعاد التجارية لهذا المشروع هو الوصول بشكل أسرع إلى المياه الدولية المفتوحة والمحيطات، وهو خيار أكثر جاذبية للزبائن الأجانب من جهة، وللشركات العاملة في مجال التجارة وشحن ونقل البضائع من الجهة الأخرى. وفي الحقيقة هناك إمكانية تحقيق نتائج مربحة لكلا الجانبين في هذا المجال، والتي تؤدي من جهة الى تيسير وصول إيران إلى الأسواق الضخمة في الهند والصين، ومن ناحية أخرى توفر الوقت وتقلص الفترة الزمنية لتنفيذ عملية النقل وتقلل من التكاليف التجارية للزبائن الأجانب.
تتصاعد حدة التوتر في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة ومن ورائها القوى الغربية، في الوقت الذي تبرز فيه الأهمية الحقيقية لمضيق هرمز الممر المائي الإستراتيجي. وتأتي هذه الأحداث في إطار تهديدات إيرانية قديمة ومتوالية بإغلاق “هرمز” والتي بدأت جولتها على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي هدد بإحكام السيطرة على المضيق ومنع تصدير نفط الخليج للعالم، تبعها تصريحات مشابهة لعدد من القادة العسكريين، لا سيما وان دول الخليج العربية تصدر 90% من نفطها عبر مضيق هرمز وهو ما نسبته 40% من تجارة النفط العالمية. مع استمرار العقوبات الأميركية على إيران في أعقاب الانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو/أيار 2018، اعتمدت طهران على إجراءات خرق العقوبات -التي ثبتت فعاليتها- لمواصلة تصدير كميات متزايدة من النفط الخام. وعلاوة على ذلك شعرت ايران ان التوتر في المنطقة قد يؤدي الى نشوب حرب وقد يتم اغلاق مضيق هرمز، ولذا فكرت طهران بانشاء غورة جاسك لتجاوز هذه المشكلة، والشيئ نفسه فعلته السعودية بمد خط انابيب لنقل النفط الى سواحل البحر العربي والمحيط الهندي عبر الموانئ اليمنية في محافظة المهرة.
الخاتمة والتوقعات
من الواضح ان سلطنة عمان التي كانت توصف بسيدة سياسية الحياد في المنطقة لم تعد اليوم كذلك، بعد الانحياز الواضح الى ايران، والذي تجلى من خلال ابرام اتفاقيات تعاون وشراكة بين الجانبين. التفرد العماني في الهرولة نحو ايران يمثل تهديدا واختراقا ايرانيا واضحا للامن القومي الخليجي من البوابة العمانية. في السنوات الاخيرة اصبحت عمان تتوجس من جيرانها الخليجيين وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، وهذا تجلى في رفض عمان فكرة الاتحاد الخليجي والعملة الخليجية الموحدة، وايضا رفضها المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية لمساندة الحكومة اليمنية الشرعية. أظهرت عمان ميلا واضحا الى الحوثيين في الصراع الدائر في اليمن، فهي تستضيف بعثة حوثية دائمة في مسقط وتبذل عمان كافة التسهيلات لتلك البعثة بما يخدم الاجندة الحوثية والايرانية في حرب اليمن. تعمل مسقط في الخفاء على مساند الحوثيين ضنا منها ان التدخل السعودي الاماراتي في اليمن يهدد امنها القومي. تعمل السلطنة على تهريب الاسلحة للحوثيين سرا وتنكر هذا العمل رغم الادلة التي قدمها فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن في تقاريره الاخيرة. فيما يخص خط انابيب النفط غورة جاسك الايراني، يبدو ان ايران تسعى من خلاله الى تعزيز سيطرتها على مضيق هرمز وربما تتوقع طهران حربا وشيكة في المنطقة قد تؤدي الى اغلاق المضيق وفي هذه الحالة فان المتضررين هم البلدان العربية الخليجية المصدرة للنفط. نتوقع ان تمضي السلطنة العمانية في تعزيز علاقاتها مع ايران ورفع وتيرة الاعتماد على طهران في السنوات القادمة، وهذا يعني ان مسقط سوف تدير ظهرها لمحيطها الخليجي نظرا للمخاوف المزعزمة.