ما زلت سلفياً .. ولكن ؟
بقلم/ عدنان الحبيشي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 10 أيام
الجمعة 29 إبريل-نيسان 2011 10:29 م

حقيقة لم أكن أريد أن أطرق هذا الموضوع مرة أخرى لأن هناك ما هو أولى منه ... لكن ردود الفعل على مقالي السابق ( لم أعد سلفيا بعد هذا الحوار ) وما تضمنه وما حصل حوله من أخذ ورد، بل وطعن في النيات ومن شطحات من الاتجاهات المتعاكسة، هذه الأمور أجبرتني أن أكتب لأبين قصدي بعد أن كنت عزفت عن ذلك بسبب تلك الاتهامات والالزامات حتى أنزل فيّ بعض من علق على المقال هذه الآية ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهة خسر الدنيا والآخرة .. )، والبعض اتهم وطعن في النية، وجاءتني النصائح وطلبات المراجعة من هنا وهناك فجلست بعد ذلك أستغفر الله وأتوب إليه من هذا الذنب العظيم الذي وقعت فيه، طيلة الأيام الماضية وبعد أن هدأت نفسي رجعت للمقال وقرأته مرة أخرى فلم أجد فيه ما يوجب كل هذا التضخيم والتهويل، بل أيقنت أن أغلب من فهم ذلك الفهم لا يعلمون أن من البدائع في علم البديع الذي يعتبر من أهم علوم البلاغة ما يسمى "بتأكيد الفكرة بما يشبه تقرير ضدها" فنفي صفة ما ثم تقرير ضدها في الأخير عند علماء البلاغة فن بديع في الكلام له حركة في النفس تشبه الجزْر الذي يعقبه مدٌّ يغطي ما انحسر، أو كما فهم بعض المشائخ حفظهم الله أنه قد يكون من باب التشويق، المهم أنه هناك مخرج فلم كل هذه الطعونات ؟؟؟

ولا أزكي نفسي وأقول بأني معصوم من الخطأ بل أعترف بأن الموضوع أو المقال كان قاصرا لعدم ذكر جهود العلماء الذين كانت مواقفهم واضحة وصريحة وقد اعترفت في تعليقي على المقال بهذا الأمر لكن وللأسف لم يكن ذلك كافياً لبعض من رد على مقالي بمقال أو تعليق سواء كان المقصد من كاتبه التشهير أو التوضيح إلا أنه في كل الأحوال هناك تأكيد أو شبه تأكيد – من هؤلاء الكتبة - على ما يسمى بالسقوط والتخلي عن المبادئ !! والله المستعان

وعليه فأنا أؤكد ثباتي على المنهج السلفي وأقول وبكل فخر أنا سلفي على منهج السلف الصالح، المنهج الحق الذي هو منهج الإسلام الحق في فهم القرآن والسنة ... وعلى المنهج السلفي الحق الذي هو ليس حكرا على طائفة معينة من الناس ... وعلى المنهج السلفي الحق الذي هو ليس بجماعة من دخلها كان سلفياً ومن فارقها فليس بسلفي !... وعلى المنهج السلفي الحق الذي هو الإسلام الصحيح الذي فهمه الصحابة والسلف الأوائل ... نعم أنا سلفي ولست متحزباً لجماعة اسمها سلفية فلان أو علّان، نعم ( أنا مسلم على منهج الكتاب والسنة بفهم الصحابة وسلف الأمة )، فالسلفية الحقة ليست إلا اختصاراً لهذه الجملة وإلا فالأصل هو الإسلام كما قال تعالى ( هو سماكم المسلمين .. ) وكما قال سبحانه ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) .... فمعنى كوني سلفي أي تأكيد على أني مسلم على منهج الكتاب والسنة بفهم الصحابة وسلف الأمة، نعم أنا سلفي ولا أسمح بتشويه رموز الأمة وتاريخها كما يفعل الرافضة وغيرهم ممن ابتدعوا أو حرفوا ... نعم أنا سلفي أفتخر بتاريخ أسلافي العريق العظيم الذين أقاموا دولة الإسلام ولم يظلموا ... وأفتخر بأجدادي الذين كانوا هم الروّاد ... الذين فتحوا بلاد الشرق والغرب لا بالسيف وحده بل بسمو رسالتهم وعظيم أخلاقهم وإنصافهم وعدلهم، نعم أنا سلفي أفتخر بتاريخ أمتي وبأجدادي الأحرار الذين تحرروا من رق الوثنية وجعلوا دولة الإسلام الدولة الرائدة العزيزة المهيبة التي أخضعت الأكاسرة والقياصرة لحكم الإسلام الحق العدل ...

ومع هذا فإنه ليس عيبا أن أضع يدي على موضع الجرح – في نظري - فالصفات التي ذكرتها في مقالي السابق ليست من السلفية الحقة في شيء ، أو – إن صح التعبير – تناقض بعض مبادئها ولا يستطيع أحد أن ينكر وجود الخلل فالعصمة ليست إلا للأنبياء ولا يلزم أن أذكر كل من اتصف بصفة من تلك الصفات بعينه بل يفهم من خلال سياق الكلام أين يتجه المقصد ... والمنهج النبوي يخالف ذلك فإن خالفته وفصلت سيدخل ذلك في ما يسمى بـ "الشخصنة" وإن وجهت الكلام للمنهج فهو أبعد عن الصواب لأن المنهج لا يتغير وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.. وإن وجد خطأ فهو خطأ شخصي !! لا يمس المنهج بحال، وعند نقد هذا الخطأ أو ذاك فستعلو أصوات نشاز تستاء من النقد لأنها تقدس الأشخاص وتضرب عليهم هالة من العصمة والتبجيل الممقوت و التصرفات الساذجة التي لا تمثل المنهج السلفي الحق وإنما تمثل أصحابها الذين يضفون على أنفسهم عصمة المنهج .

وعليه فأنا أؤكد على أن المنهج السلفي – كما أسلفت – هو المنهج الحق، وأرجوا أن لا يفهم من كلامي فتح الباب للطاعنين في العلماء فهم ورثة الأنبياء والله عز وجل هو من اختصهم وهو من رفع درجتهم ومنزلتهم في الدنيا والآخرة ولكن كما قال شيخنا الفاضل الشيخ أ.د. ناصر العمر حفظه الله (استقلال التفكير لا يعني الشغب والمخالفة، والرجوع إلى العلماء والمربين لا يلزم منه التبعية والتقليد، دون وعي أو تفكير، كلا طرفي قصد الأمور ذميم ) انتهى

لذلك فأنا أرجوا من علمائي الأفاضل حفظهم الله جميعا في يمننا الحبيب أن تكون كلمتهم موحدة في مثل هذه النوازل والأزمات والمعضلات، وصحيح أن الخلاف في المسائل الاجتهادية التي لم يثبت فيها نص لا إنكار فيها بخلاف المسائل الخلافية التي ثبتت فيها نصوص إلا أنه برأيي الشخصي أن الأمة الآن وفي ظل هذا الواقع والظروف بل والأزمات والمعضلات ... بحاجة إلى أن تكون لها كلمة واحدة من علمائها الذين هم قادتها ... ومن أدى اجتهاده إلى مخالفة الأكثرية من العلماء فنرجوا - على الأقل - أن يجتنب الفتنة لتلافي الانصدامات الفكرية التي تؤدي إلى مزيد من الفرقة والنزاع التي نهانا الله عنها والتي تؤدي بدورها إلى مزيد من الانقسامات التي تقف في الاتجاه المعاكس من البناء الاجتماعي وجمع كلمة الأمة بحيث نستطيع أن نتعايش مع الواقع بل نستطيع – إن شاء الله - من خلال ذلك أن نعيد للأمة عزتها ومجدها .

وقد أعجبتني جدا كما أعجبت غيري فكرة شيخنا وحبيبنا الشيخ الفاضل عقيل بن محمد المقطري حفظه الله حينما دعى لأن تكون للسلفية قيادة عالمية لها موقف واحد فقال حفظه الله ورعاه ( تتوالى الأحداث وتتغير مجريات الأمور ، فتظهر المخالفات بين الأحزاب والاتحادات بين الدول لعلمهم أن الاتحاد قوة .. وأن التفرق ضعف وهوان، وصدق الله إذ قال : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) وقال : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا … ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار )، وبالرغم من صفاء المنهج السلفي إلا أنه وليومنا هذا ورغم تكالب الأعداء على الإسلام وعلى الدعوة السلفية على وجه الخصوص ، لم تزد هذه المحن الدعوة إلا انقساما وانشطاراً .. فكل يوم تظهر لنا جماعة أو يبرز لنا تيار، وكان الأجدر بهذه الفصائل أن تجتمع وتتدارس مواطن الخلاف فيما بينها فتخرج بحلول شرعية خاصة وأن الدعوة السلفية تقوم على العلم .. ومن ثم تبرز لها قيادة عالمية تقودها ويكون لكل بلد قيادة قطرية، وإذا نظرنا في المقابل وجدنا الدعوات الضالة المنحرفة عن منهج الحق لها قيادات قد تتمثل أحياناً بدول، فهاهم الرافضة تمثلهم دولة ،، وهاهم القرامطة يعامل رأسهم كأنه رئيس دولة، وهاهم الصوفية لهم قيادتهم، آمل أن يصل ندائي هذا إلى العقلاء في قيادات العمل السلفي في العالم ليبدأ العمل لإبراز هذه القيادة. والله من وراء القصد ،، ) انتهى

وفي الأخير : إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فخذوا الحق وانتقدوا الخطأ بالأسلوب الراقي الذي يعكس أخلاقنا كمسلمين ...

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه