اقتسام تركة الرجل المريض!
بقلم/ علي الجرادي
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 18 يوماً
الخميس 07 يناير-كانون الثاني 2010 05:24 م


أنتجت السياسة اليمنية أزمات داخلية كثيرة «دعوة للانفصال، تمرد، فقر، عنف، فساد، انقسامات اجتماعية خطيرة»، ثم قامت بتهديد الإقليم بل وأحيانا بتصدير الأزمات نحو الخارج، فكان الرد الطبيعي من القوى الإقليمية والدولية تفكيك الأزمات المتجهة نحوها ومحاصرتها في الداخل وصولا إلى أن تكون الساحة اليمنية ساحة حرب دولية..

ملخص الوقائع..

تعاني إيران من ضغوط خارجية بخصوص برنامجها النووي قد تدفع الغرب للموافقة على ضربها عسكرياً، وعلى الصعيد الداخلي تواجه ثورة مضادة لأول مرة في تاريخها المعاصر، لذلك قررت إيران تبريد الملفات الساخنة في المحيط الإقليمي «لبنان، الحوثي، الجزر الإماراتية» حيث وفدت لاريجاني رئيس مجلس شوراها المقرب من المرجع الروحي خاميني إلى القاهرة لمنحها دورا إقليميا فيما يخص جزر الإمارات وملف الحوثي مع الرياض فيما منحت ملف الحوثي مع صنعاء لدولة قطر.

سارعت صنعاء إلى إرسال وزير خارجيتها إلى الرياض ثم خلال أسبوع أعلن الرئيس الخمسة الشروط القديمة مضيفا إليها بندا سادسا يتصل بعدم الاعتداء على الأراضي السعودية لوقف القتال مع الحوثي ثم تبعه ترحيب حوثي واعتبرها خطوة إيجابية على طريق الحوار، في اليوم التالي سطرت صحيفة الثورة ما يشبه الاعتذار الرسمي لقطر في الصفحة الأولى بينما سطرت صحيفة الجمهورية ما يشبه الاعتذار لكل دول الخليج باستثناء قطر ومن المقرر أن يكون يوم أمس الاثنين وزير الخارجية اليمني في قطر.

وجنوبا حاولت الحكومة خلط ورقة الحراك بالقاعدة وأطلقت عليه اسم «الحراك القاعدي» فتلقفت بريطانيا الملف بدعوة شركائها الدوليين إلى عقد مؤتمر بخصوص اليمن في 28 من الشهر الحالي تزامنا مع مؤتمر بخصوص أفغانستان وسارعت صنعاء للترحيب ورمت بشباكها باحثة عن المال بالحديث عن بيئة الفقر التي تنتج التطرف دون إدراك للعواقب المترتبة كأن يقع اليمن تحت الوصاية الدولية!! ويتضح أن صنعاء قد استقدمت المخابرات الأمريكية للحماية تحسبا من مواقف قبائل الشمال التي ساءت علاقتها بالسلطة على خلفية الحروب الست مع الحوثي!!

السعودية.. إسدال الستار على المشهد الأول

مثلت عودة سلطان بن عبدالعزيز تحولا في طريقة التعامل السعودي مع أزمة الحوثي حيث يمتلك خبرة عقود في التعامل مع الشأن اليمني، وقبلها فوجئت المملكة بعصابات تحترف القتال، حسب تعبير ضابط سعودي رفيع وصف ما يجري بأنه حرب حقيقية، وهناك شكوك واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية السعودية تجاه جدية صنعاء في حسم الحرب مع الحوثي لست جولات دعمت خلالها الرياض صنعاء ماليا ولوجستيا ثم أفاقت على وقع احتلال الحوثي لأراضيها ما فسرته على أنه «تصدير» لأزمة الحوثي باتجاه حدودها الجنوبية وفي منطقة حساسة حيث الطائفة الشيعية الممتدة إلى المنطقة الشرقية في الأحساء والدمام حيث حقول البترول، لذلك لم يكن من خيار بعد فشل استئصال «عصابات التسلل» سوى إبداء المرونة تجاه إيران والحوثي والقبول بإيقاف دعمها لصنعاء في حربها ضد الحوثي والاكتفاء بتأمين حدودها وربما تشرع ببناء السور العازل عما قريب.

لكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير إذ يترتب على هذه الاتفاقات مساعدة الحوثي في تثبيت سيادته على الحدود والشروع في بناء بنيته التحتية وهو ما يعني أن الأزمة لم تنته بعد، وما يحدث ليس إلا إسدالاً للستار على المشهد الأول.

صنعاء في ضيافة الشيخ حمد.. «العود أحمد»!!

أدركت صنعاء أن اتفاقات إقليمية تم إبرامها بمعزل عن الطرف الأساسي في الأزمة «الحكومة اليمنية» وهي نتيجة طبيعية للشكوك والارتياب التي تساور مختلف الأطراف تجاه سياسة صنعاء الإقليمية التي اعتمدت سياسة «استخدام الجميع كروتاً ضد الكل» كامتداد لنفس السياسات الداخلية.

وحين شعرت صنعاء أن الرياض حسمت أمرها باتجاه حل ملفها مع الحوثي -ربما بمعزل عنها- وما سينتج عنه من توقف الرياض عن دعم صنعاء كأهم نتائج الحوار مع الحوثي الذي سيلتزم بالانسحاب من الأراضي السعودية وتأمين الحدود معها في حدود سيطرته وبدون تمويل سعودي، فإن صنعاء لا تستطيع خوض حرب مع الحوثي وهي تعيش ضائقة مالية مع استمرار تنامي الفساد وتضاءل معدل إنتاج النفط، فسارعت لتسطير شكر وتقدير لدور قطر في حرب 94م ومساندة اليمن الواحد، وذلك فيما يشبه الاعتذار والعودة لاتفاقية الدوحة وهي التي وصفتها من قبل بأنها جعلت من الحوثي ندا لها، فكيف سيكون الحال عندما يتفاوض الحوثي مع السعودية؟ هل سيكون بمثابة إعلان الاستقلال -كما يقول الزميل عبدالملك شمسان- وسبق أن كتبت في الشهر الأول من اندلاع الحرب السادسة بعنوان «الدوحة وإن طال السفر» فليس أمام صنعاء سوى عض أصابع الندم على موقفها السابق والتوقيع بأصابع الأمل على الاتفاقية!!

للأسف، صنعاء خسرت الرياض والدوحة، وحتى طهران لم تمنح صنعاء «ملف امتياز» كالآخرين وهي التي قامت بالتغطية على دور طهران في دعم الحوثي، فصنعاء تقترب من الرياض على حساب الدوحة، وتقترب من طهران على حساب الرياض، وهكذا تفقد حلفاءها واحدا تلو الآخر في طريقها لجني أرباح مادية سريعة انعكست فشلاً في إدارة الدولة وارتدت الأوراق التي حاولت استخدامها ضد الآخرين إلى نحر مشروع الدولة اليمنية المهدد بطريقة الإدارة من الداخل!!

الحراك والقاعدة.. للخارج رأي آخر!!

أسلوب تعامل الحكومة مع ملف «القاعدة» لا يختلف كثيرا عن سائر ملفات الأزمة الوطنية، فللأسف قامت الحكومة بتضخيم دور القاعدة في البلد عن طريق عقد ندوات مغلقة من قبل مراكز أبحاث، وتم استدعاء سفراء غربيين وتحريض ضد اليمن، وقامت أجهزة أمنية بالاتصال بقنوات ووسائل إعلام إقليمية ودولية لاستضافة شخصيات تقوم بتضخيم دور القاعدة في البلد، وكل ذلك من أجل الحصول على أموال ومساعدات والأهم هو الاستقواء بالشرعية الدولية ضد الأطرف الوطنية في الداخل، فتقوم بكسب ولاء الخارج وقمع الفعاليات الحزبية والمدنية والصحفية والمنظمات في الداخل.

ويأتي ترحيب الحكومة اليمنية بدعوة رئيس وزراء بريطانيا والمجتمع الدولي لعقد مؤتمر في لندن يوم 28 لدعم صنعاء في مكافحة الإرهاب جريا على عادتها في جلب الأموال وتقديم خدمات للخارج لمنحها مشروعية البقاء في الداخل وستدرك صنعاء قريبا أن «بريطانيا» ستقوم بفك الارتباط التي حاولت صنعاء ربطه بين الحراك والقاعدة. وأن تفاهمات قد تنشأ بين قيادة الحراك والمجتمع الدولي، وأن «بريطانيا» التي أعادت نصب «فيكتوريا» إلى ساحة التواهي عام 2004م تطمح للعودة إلى عدن، وتحديدا تحت واجهة الوصاية الدولية ومكافحة الإرهاب ولن تكون سلطنة عمان بعيدة عن قضية الحراك الجنوبي فبالإضافة إلى ما يربطها بالإدارة البريطانية فإن تجربة الحوثي مع السعودية نُصب عينها، وهي ترقب الحراك في الجنوب وسواحل القرن الإفريقي المتخمة بملفات «المخدرات، القاعدة، اللاجئين».. ولا ننسى السيطرة الدولية -ومنها بريطانيا- على خليج عدن وسواحل مضيق باب المندب، وبذلك ستكون صنعاء أمام مرحلة انكشاف جديدة كتلك الأوراق المحروقة التي تم اللعب بها مع الإقليم من قبل.

ومؤخرا يبدو أن الإدارة الأمريكية قررت أن تكون اليمن ساحة حربها الجديدة مع القاعدة لأسباب تتصل -ربما- باستراتيجية أوباما في أفغانستان حسب رأي الأستاذ عبده محمد سالم، وحكاية «عمرو عبدالمطلب» والطالب النيجيري الذي حاول تفجير الطائرة الأمريكية فيها من الغموض الكثير، فهو حاصل على تأشيرة دخول للولايات المتحدة من سفارتها في بريطانيا صالحة لمدة عامين، وتنقل بين دبي وأثيوبيا وبريطانيا، وأبلغ عنه والده من قبل، وأتفق في هذه النقطة مع ما طرحه الأستاذ علي الآنسي رئيس جهاز الأمن القومي في برنامج المشهد ليلة الأحد الماضي في الفضائية اليمنية.

ويمكن لليمن إرسال فريق أمني للتحقيق مع عبدالمطلب بموجب الاتفاقيات الأمنية فما يلوح في الأفق أشبه بمؤامرة دولية تجعل من اليمن محطة حرب دولية قادمة وستكون السلطة في اليمن أول ضحاياه!!

النتائج القادمة.. أزماتكم ردت إليكم!!

أنتجت السياسة اليمنية أزمات داخلية كثيرة «دعوة للانفصال، تمرد، فقر، عنف، فساد، انقسامات اجتماعية خطيرة»، ثم قامت بتهديد الإقليم بل وأحيانا بتصدير الأزمات نحو الخارج، فكان الرد الطبيعي من القوى الإقليمية والدولية تفكيك الأزمات المتجهة نحوها ومحاصرتها في الداخل وصولا إلى أن تكون الساحة اليمنية ساحة حرب دولية، ثم سيتم فتح ملفات من طراز «تهريب المخدرات» و»تهريب السلاح»!!

وفي ظل هذه الأزمات المفتوحة، يبدو أن السلطة وبعض أحزاب المشترك الخاسرون على المستوى المنظور، أولاً بفعل سياسة استخدام الكروت، وثانياً «بعض أحزاب المشترك» لبحثها عن حل وطني لا يعني دول الإقليم والعالم في المرحلة الآنية، وإذا كانت صنعاء تجني مرارة اللعب على التناقضات فإن الإقليم -وأعني به جميع دول الخليج العربي- عليها أن لا تكرر نفس اللعبة وتكتفي بتقاسم النفوذ والحصص في الساحة اليمنية وفقا لحسابات ضيقة، فاليمن الذي يفوق الخليج بسكانه سينفجر ليطيح بالخارطة الجغرافية الموجودة حاليا، فمعظم دول الخليج هي بمساحة وعدد سكان مديرية واحدة في اليمن.

و»الانفجار» نحو الخارج لم يعد فرضية وهمية، فسلطنة عمان بمحاذاة المهرة على خط تهريب دولي، والرياض بمحاذاة الحوثي، وكلتاهما تدرك معنى أن تكون بجوار بلد فقير ومسلح وقبلي كاليمن. وبدون أن يحزم الإقليم ومن ورائه مصالح الدول الكبرى وجهتها السياسة باتجاه حل وطني ليمن واحد ومستقر يضمن أبناءه شراكة عادلة في الثروة والسلطة والتمتع بحقوق المواطنة المتساوية، بدون ذلك سيكون اليمن كبركان يقذف حممه نحو الخارج!!