قطر .."دوحة" لبنانية و "دوخة" يمنية!
بقلم/ اسكندر شاهر
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 25 يوماً
الجمعة 06 يونيو-حزيران 2008 08:23 م

لا يختلف اثنان أن دولة قطر تمكّنت في فترة قياسية أن تغير رؤية الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين إزاء دول الخليج الصغيرة والتي يحلو لبعضهم وصفها بـ"الدول الكرتونية" ، وأنا أمام هذا التوصيف أتساءل بعجب وذهول فبأي وصف سيصفون بلادنا (اليمن) إذا كانت دول الخليج كرتونية وبلادنا يأبى (الكرتون!) أن يضمها إلى جنباته/ جنباتها .. وما أدراك مـا "الكرتون" ؟!.

وبعيداً عن متاهة انضمام بلادنا إلى المجلس الخليجي العتيد والتي تشبه تلك المتاهة/اللعبة التي توضع في آخر المجلات العربية ليتم إضاعة الوقت في البحث عن مخرج لها وتكون الفائدة المرجوة هي إضاعة الوقت لا الوصول إلى المخرج . فقد استطاعت قطر في نجاحها الكبير على صعيد التوصل إلى اتفاق الدوحة للمصالحة الوطنية اللبنانية أن تستفيد من "الدوحة" اللبنانية في حجب وتغطية وستر "الدوخة" اليمنية التي تتمثل في فشل وساطتها بين السلطة (الإرهابية) على حد وصف الحوثيين وبين (الإرهابي) عبد الملك الحوثي على حد وصف الرئيس اليمني والإعلام الرسمي بكافة صنوفه .

وعلى الرغم مما يكتنفه فشل الوساطة القطرية في صعدة من غموض إلا أن ما هو واضح ومرئي ومسموع كاف لأن لا يُجهد أحدٌ نفسه في البحث عن أسباب فشل تلك الوساطة كما لا داعي لأن تُخصص بعض الفضائيات برامجاً لهذا الشأن وأن تستأجر وقتاً في القمر الاصطناعي لتعقد حلقة عن صراع السلطة والحوثيين في اليمن والوساطة القطرية وآفاق الأزمة .

وقبل أسابيع كنت ضيفاً على إحدى هذه القنوات الفضائية وأكدتُ –وفق رؤيتي- فشل الوساطة القطرية قبل أن تحدث هذه التطورات التي تُعد حرب خامسة و"حامسة" بالخاء والحاء.

وتساءلتُ مندهشاً كيف يصف الإعلام الرسمي اليمني وإعلام الحزب الحاكم ومن يدور في فلكه الحوثي بأنه "إرهابي" فيما يعقد اتفاقاً معه وبوساطة عربية/قطرية ، كما أن الحوثي يبادل السلطة نفس التهمة ، وهنا كيف يصح أن يعقد اتفاقا بين إرهاب السلطة وإرهاب الجماعةً ؟! وكيف تقبل قطر التوسط بين "إرهابيين" وهل نتوقع نجاح وساطة على هذا النحو وفي هكذا مسار ؟!.

نجحت قطر في خلق "دوحة" لبنانية لأنها كانت تستهدف الأزمة اللبنانية بما هي موضوع وطني عام وأزمة يشترك فيها كل الفرقاء اللبنانيين ، وكانت قطر ستسجل نجاحاً نوعياً وموقفاً رائعاً لو أنها اشترطت على الطرف اليمني الذي لجأ إليها والذي لا يزال إلى الآن يدفع ثمن وفائه المعهود للرئيس وللقيادات العسكرية المحسوبة عليه أن تكون وساطتها شاملة لكافة عناصر الأزمة اليمنية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بما في ذلك "تعز" التي تعاني من أزمة موضوعية لا يستطيع أن يختزلها مسؤولون من عيار عبد العزيز عبد الغني أو سلطان البركاني وسواهم ممن يتشدقون باسمها فأضاعوها مدينة المدن وأضاعوا مكانتها التاريخية وشوهوا حاضرها ويريدون تشكيل مستقبلها بمصادرة قواها الحية .

قطر وقعت في "دوخة" يمنية لأن وساطتها لم تأت استجابة لظروف موضوعية تلامس الأزمة اليمنية بكل تعقيداتها ولا أعتقد أنها خافية على أحد ولكنه التعتيم الممجوج والمفضوح والذي ستكشف عن أسراره الأيام المقبلة وربما سترفع القناع عن أطراف محلية وعربية ودولية أيضاً وأظن أن ذلك بات وشيكاً .

حرب صعدة هي حرب النظام وليست أزمة البلاد .. إنها حرب بيافطات لم تعد لها شرعية بعد أكثر من أربعة عقود على قيام ثورة 26سبتمبر ، إنها حرب الاستخفاف بالعقول ونهب المال العام وتحويله إلى البنوك الأجنبية كدفعة على الحساب الجاري قبل أن تجري عربة السلطة إلى خارج الحدود فأي وساطة ستنجح في حرب مفتعلة كهذه أُريد لها أن تندلع ولمـّا اندلعت وذهبت في اتجاهات خطيرة لم يكن أمام المايسترو سوى الهروب إلى الأمام وإكمال العزف على أوتارها ، و"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"! .

وأزمة الجنوب هي الأخرى أزمة النظام المنتصر العسكري والمهزوم التاريخي في صيف 94م وليست أزمة اليمن واليمنيين. إنها أزمة الراغب في الانتقال من حرب داخلية إلى حرب داخلية أخرى والذي لا يزال يخرّج العسكر ويجهّز الجيش والمؤسسة العسكرية والأمنية ولم نشهد له انتصاراً واحداً على الحدود البرية والبحرية للبلاد .

نعم ، سمعت كثيراً من العسكريين والدبلوماسيين والمسؤولين يقولون وهم في ذروة الانتشاء بالنصر المهيب بأن السلطة أعادت جزيرة "حنيش" من الجانب الإرتيري "المحتل" ، وبالرغم مما يحيط هذه المسألة قبل وأثناء وبعد أزمة حنيش مما يصلح لسلسلة مقالات ساخرة سنكتفي بترديد ما قاله المصريون ذات يوم : "يا سادات كفاية نصر .. رجعت سينا وراحت مصر" .

وأخيراً .. هل يا ترى ستتمكن قطر من إعلان فشل وساطتها وانسحابها الكامل من التوسط لحل أزمة النظام "الإرهابي" مع المتمردين "الإرهابيين في صعدة –بحسب الاتهامات المتبادلة بينهما- ولديها المعطيات الواقعية الكافية وكل الحق للقيام بهذا الإعلان لتقول بأنها ترغب في المساهمة في حل أزمة اليمن عامة وأنها ترغب في تحويل "دوخة" اليمن التعيس "إلى "دوحة" كتلك التي تحققت للبنان الجميل ؟! .

ekandarsh@yahoo.com

عن صحيفة "الوسط"

مشاهدة المزيد