السلفية في خطابها الجديد ....خروج من التيه إلى الرشاد
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 14 يوماً
الأربعاء 21 مارس - آذار 2012 05:19 م

إن تجديد الخطاب لأي حركة أو تيار سياسي هو مظهر من مظاهر الصحة تفرضه المتغيرات الكثيرة على الساحة السياسية والثقافية ولعل أكثر الحركات الدينية إثارة للجدل هي الحركة السلفية ؛ ليس على مستوى اليمن فحسب ولكن على مستوى العالم الإسلامي ذلك أنها تتشابه في مفردات خطابها رغم اختلاف الظروف والبيئات ، لأن مفردات ذلك الخطاب – عند البعض منهم - ظلت مفردات جامدة تطغى عليها نبرة متشنجة بأسلوب متشدد قابع في زاوية حادة قد ألقى على نفسه الستار عن طريق الفتاوى الجاهزة التي ضيقت على نفسها وعلى غيرها دائرة المباح لتتسع دائرة الحرام مابين معصية أوبدعة ، وحتى مجرد الإشارة إلى السلفية بنقد مهما كان يسيرا فإن ذلك يعتبره البعض منهم جناية على الدين وأهله وطعنا في فهم السلف ، يوجب حدا أو تكفيرا أو تفسيقا ومن ثم الحكم عليه بخروجه من مذهب السلف جملة وتفصيلا وإلقاء التهم في وجهه جزافا دون نقاش أو حوار ...

ورغم ذلك فقد ظهر من بين السلفيين أنفسهم من خالف تلك الأفكار الجامدة وخرج عن تلكم المفاهيم القاصرة مما أحدث جدلا أوسع في الوسط السلفي وبناء عليه تعددت المدارس السلفية في البلد الواحد وكثر الجدل بينها وانتشرت الردود وتقاذف البعض منهم التهم فيما بينهم ، حتى جاء الربيع العربي بثوراته المباركة فانقسم المنهج السلفي مابين مجموعة لم تزدد إلا جمودا وصلابة في تعاملها مع الواقع الجديد وأعلنت انضمامها للطغيان تحت مسمى (طاعة ولي الأمر ) ومن ثم تحريم الخروج عليه وأخذت تصفي حساباتها مع المخالفين لهم من قبل ، وكان (حكم التكفير ) بالمرصاد لمن كان يخالفهم في الأسلوب والطريقة وخاصة (جماعة الإخوان المسلمين ) فقد كفروا كثيرا من رموز الجماعة ، غير أنه ووسط هذا التيه الفكري الذي تعيشه بعض رموز الجماعة وبعض مدارسها فإن هناك بعض المدارس السلفية كانت على وعي بالأحداث من حولها فما إن سمعوا نداء الثورة حتى استجابوا لهذا النداء وإن اختلفت أساليبهم في تأييد الثورة ،فمنهم من انضم إلى ساحاتها المنتشرة في مختلف المحافظات مشاركا ماديا ومعنويا ، لأنه مؤمن بأن الحركة السلفية ينبغي أن تستوعب المتغيرات التي تمر بها الأمة وأن تتعامل مع هذه المتغيرات بما يكفل بقاء أصالتها ؛ لأن أولئك الذين لا يبرحون المنبر مطلقين تصريحاتهم معلنين الأحكام الجاهزة في التحريم أو التبديع إنما هم يحكمون على أنفسهم بالخروج على الأمة لتبقى أصواتهم أصوات نشاز تفنى مع تتابع المتغيرات متجاوزة تلكم الأصوات .

وهذا ما أدركه جمع من دعاة السلفية في العالم الإسلامي في مصر وفي الكويت ؛ واليوم هاهم دعاة السلفية في اليمن ينطلقون نحو آفاق المستقبل يحملون آمالا وتطلعات تتناسب مع مرحلة جديدة تحتاج إلى أن يتحدوا جميعا بحثا عن طريق الرشاد وخروجا من التيه الفكري برؤية علمية وموضوعية تحافظ على أصالة منهجها بروح العصر لتتعايش مع الجميع وتتعامل مع الأفكار الأخرى بخطاب يتسم بالحوار والحكمة واضعة نصب عينيها قول الله – جل وعلا - : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ...) ....

وإن دل هذا على شيئ فإنما يدل على إن الإخوة الذين بادروا لإعلان هذا الحزب يدركون حجم التحديات التي تواجهنا جميعا ، وتواجه الحركة السلفية خصوصا ، ومما ينبغي علينا جميعا وسط هذا التحديات أن نتحرك عمليا وعلميا غير غافلين عن الخطاب الإعلامي الرشيد الذي يجمع ولا يفرق ويؤلف ولا ينفر ويدعو إلى اليسر لا إلى العسر ، مراعيا المقاصد الشرعية موليا وجهه شطر الأولويات متجنبا الانجرار إلى معارك هامشية تضر بالخطاب السلفي أكثر مما تنفعه ، وهو مدعو أكثر مما سبق لأن يشارك بإيجابية في جميع قضايا المجتمع مستوعبا الكفاءات الوطنية التي أنبتها بلدنا الطيب ليأخذ بهذه الكفاءات نحو الإبداع والتفكير الإيجابي والابتكار الخلاق ، يملك رؤية عميقة يستشرف بها المستقبل من خلال بوصلة الرشاد التي يمسكها ؛ واضعا ضمن أولوياته أسئلة النهضة ومشكلات الحضارة ببصيرة واعية تهديه سبيل الرشاد في تعاطيه مع القضايا الكبرى للأمة ، متخذا التحليل العلمي لها الذي يجنبه الوقوع في الزوايا الحادة والحرجة .

ومما يحمد للإخوة في (اتحاد الرشاد السلفي ) عقدهم لمؤتمر علمي ناقشوا فيه بعض القضايا العلمية المهمة التي كانت سببا في إحجام الكثير عن الدخول في المعترك السياسي ، ليكون هذا الاتحاد نقطة تحول مهمة في تاريخ الحركة السلفية ليكون صوتا مؤثرا وفاعلا يقود المجتمع ويمسك بزمام المبادرة مع قضايا الأمة مشاركا في بناء الوطن وتنميته وصناعة نهضة حضارية ثقافيا وفكريا وماديا يمهد لغد أفضل يجد فيه أبناؤنا مانحلم به نحن ونتطلع إليه .....ولا يزال الأمل باقيا في قلوبنا مادامت الحكمة اليمانية هي رائدة مسيرتنا الحضارية وهي مصدر إلهامنا مقترنة بالإيمان ...