تقوية الولاء الوطني!
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 12 يوماً
الأحد 20 يوليو-تموز 2008 02:22 م

 لا يصنع الهوية الوطنية، الخصائص المميزة لأي وطن من الأوطان جيل من الأجيال، ولذلك فإن مسئولية المحافظة عليها تقع على عاتق كل الأجيال. صحيح أن الانتماء الوطني الذي هو شعور وإحساس لدى كل مواطن لكن الصحيح أيضاً أن هذا الشعور والإحساس قد يكدره ما قد يتراكم فوقها من أدران ولذلك فإن إزالة ذلك هي مسئولية كل وطني واع ومخلص من خلال العمل على تقوية الولاء الوطني.

الولاء الوطني الذي هو التزام من قبل المواطنين تجاه وطنهم. ولذلك فإن تقويته تعمل على المحافظة على الهوية الوطنية وعلى تنمية الانتماء الوطني.

فالولاء الوطني ما هو الحقوق والواجبات التي تترتب على كل من الهوية الوطنية والانتماء الوطني فإذا كانت هذه الحقوق متوازنة مع الواجبات فإنها تعمق كل من الهوية الوطنية والانتماء الوطني. أن ذلك ضروري لأنه في مقابل أي حق من الحقوق التي يتمتع بها أي موطن هناك واجب من الواجبات. فإذا لم يتحقق هذا التوازن فإن الولاء الوطني قد يصيبه الضعف والوهن. وعلى وجه التحديد فإن التوازن يختل عندما تتم المطالبة بحقوق بدون القيام بالواجبات. ويتضح ذلك جلياً عندما يتم مطالبة مؤسسات الدولة بالحقوق مع عدم إعطائها الاحترام الذي تستحقه.

فالولاء الوطني هو عقد بين الوطن والمواطنين يحدد كل من الحقوق والواجبات ووسائل تحقيقها. فما الدستور إلا تعبير عن هذا العقد. فهو الذي يحدد أهم الحقوق والواجبات. ويتفرع عن الدستور منظومة قانونية متكاملة توضح وتفسر العلاقة بين الحقوق وبعضها البعض والواجبات وبعضها البعض وكذلك ما قد يترتب على كل منها من مزايا والتزامات. فالولاء الوطني هو تعاقد طوعي بين المواطن وبعضهم البعض. ولذلك فهو ليس مفروضاً فرضاً ولا متحيزاً ومن المفترض تبعاً لذلك أن يؤدي المواطنون واجباتهم عن رضا وقناعة كما يحرصون على التمتع بحقوقهم.

تتمثل أهم الحقوق الوطنية في حق الحياة الكريمة وحق العيش على تراب الوطن بحيث لا تستطيع أي جهة مهما كانت بطريقة تعسفية أو تحكمية حرمانه من هذا الحق عن طريق النفي أو الإقامة الجبرية أو منعه من التنقل فيه إلا بواسطة القانون. ومن أهم هذه الحقوق كذلك فإن حق العمل الذي يرغب به المواطن، لا تقل أهمية عن الحقوق الأخرى المتمثلة بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية. فالمواطنون جميعاً متساوون في هذه الحقوق فلا يجوز التميز بينهم لأي سبب من الأسباب أو أي اعتبار من الاعتبارات.

وتتمثل أهم واجبات المواطنة في واجب حماية الوطن من خلال الذود عن كامل سيادته واستقلاله وكذلك السعي للدفاع عن سمعته وأيضاً العمل على رفع اسمه بين الأوطان. فالمواطن الصالح لا يتردد بالتضحية بماله ونفسه رخيصة من أجل أن يحيا الوطن كريماً وعزيزاً وحراً وأبياً وكذلك فإن من الواجبات الوطنية المبادرة إلى التآزر مع المواطنين الآخرين في حال تعرضهم للأزمات والكوارث، فالمواطن الصالح أيضاً هو الذي يدعو ويمارس عملية التكافل بين الأغنياء والفقراء، فقوة الولاء الوطني تساعد على تعاون مواطنيه على البر والتقوى.

يتحقق التوازن بين الحقوق والواجبات من الموازنة بين المجال العام والمجال الخاص، ولذلك فإنه لا ينبغي أن يطغي أحدهما على الآخر، فلا ينبغي أن تطغي الحقوق الوطنية على الحقوق الخاصة سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو على مستوى المؤسسات الاجتماعية فالحقوق والواجبات الوطنية ينبغي أن تركز على تلك الحقوق والواجبات الأساسية، وما عدا ذلك فإنه يترك للمواطن وللمؤسسات الاجتماعية والمدنية وقد تكون الحقوق الوطنية شاملة مثل حق الإنسان في الحياة وفي التملك وقد يكون محدوداً مثل حق الترشيح للمناصب السياسية المتاح فقط لمن تتوفر فيه الشروط والمتطلبات الدستورية والقانونية.

وكذلك فإنه لا ينبغي أن تطغى الواجبات الخاصة على الواجبات الوطنية، فالتكافل والتآزر يكون واجباً وطنياً في حال حدوث كوارث كبيرة، أما في الحالات الفردية والعادية فإن ذلك متروك للدين والعادات الاجتماعية، فالتكافل بين أفراد الأسرة وبين الجيران ينظمه الدين، وكذلك فقد تكون الواجبات عامة مثل عدم الخيانة العظمى والدفاع عن سيادة الوطن ضد أي غزو أجنبي وقد تكون محدودة مثل دفع الضرائب لمن يقدر عليها والعمل في المؤسسات العسكرية والأمنية في حال عدم وجود ضرورة للتعبئة العامة.

وحتى يستطيع كل المواطنين التمتع بالحقوق الأساسية فإنه يجب عليهم القيام بالواجبات الضرورية بغض النظر عن اختلافاتهم وتبايناتهم، أما في الحقوق غير الأساسية والواجبات غير الضرورية فإنه يسمح بالتباين بين منطقة وأخرى، فعلى سبيل المثال فإنه يجب أن تكون حقوق مثل اختيار مكان العيش ونوع العمل مكفولة للجميع وكذلك واجبات الدفاع عن الوطن ودفع الضريبة فأما الحقوق الأخرى فيمكن التمايز فيها وفقاً للظروف المحلية والاجتماعية المختلفة.

ولتمكين المواطنين من التمتع بأكبر قدر من الحقوق والتعاون على تأدية كل الواجبات على أكمل وجه فإنه لا بد من إيجاد مؤسسات عامة تتولى التنسيق بينهم وإدارة جهودهم المشتركة في سبيل تحقيق ذلك في الحقيقة هو الهدف الأساسي لمؤسسات الدولة المختلفة سواء على المستوى المركزي أو المحلي.

وعلى الرغم من وضوح الولاء الوطني في الدول الديمقراطية العريقة فإنه بخلاف ذلك في العديد من الديمقراطيات الناشئة مثل اليمن، وربما يرجع ذلك إلى الخلط الواضح بين الولاء الوطني والولاء الشخصي، فالولاء الوطني هو لمؤسسات الدولة وليس لذات الأشخاص الذين يكلفون بإدارتها أما الولاء الشخصي هو الولاء لذات الأشخاص الحاكمين، ونتيجة لذلك فإن البعض قد يتهرب من القيام بواجباته الوطنية إذا لم يكن على وئام تام مع من يدير مؤسسات الدولة والعكس أيضاً صحيح وعلى الرغم من تحول بعض هذه الدول إلى دول ديمقراطية فإن هذا الخلط لا زال قائماً، ونتيجة لذلك فإن الولاء لمؤسسات الدولة إما أن يكون مطلقاً أو منعدماً بحسب علاقة المواطنين بمن يدير مؤسساتها، ولقد ترتب على ذلك أن عنت العديد من هذه الدول من انقسامات حادة أي أن مواطنيها ينقسمون بين الولاء الكامل وعدم الولاء.

ولقد ترتب على ذلك بروز العديد من الظواهر السيئة في العديد من دول الديمقراطيات الناشئة ومنها اليمن ولعل من أبرزها اتساع ظاهرة التهرب عن دفع الضرائب والتساهل في حماية المال العام وعدم اكتراث البعض في الأضرار التي تلحق بالمرافق العامة وعدم حرص البعض على نظافة الشوارع والأماكن العامة.

ومنها تعمد البعض تحقير بعض مؤسسات الدولة لا لشيء وإنما لأن المكلفين بإدارتها هم من المنافسين السياسيين، إذ أن هذه المؤسسات تمثل الكل واحترامها هو دليل على قوة أو ضعف الولاء الوطني، فقوته تعمل على الفصل بين العلاقات الحزبية والشخصية والعلاقات المؤسسية فحتى لو كان رئيس الدولة من الحزب المنافس فإن على أحزاب المعارضة وأتباعها تقديم الاحترام الواجب له باعتبار ذلك حقاً لمؤسسات الدولة التي يرأسها فأي مواطن يشغل هذه الوظيفة فهو في كثير من تصرفاته يمثل الشعب بكامله وعدم التعامل معه على هذا النحو هو في الحقيقة إهانة لكل الشعب، له وظيفة محددة والسلطة القضائية لها اختصاصات معينة، وبالتالي فإنه لا يحق لأحد تجريح رئيس الجمهورية لأنه فقط من القوى السياسية المنافسة، ونفس الأمر ينطبق على تعامل بعض القوى السياسية مع بقية مؤسسات الدولة والعاملين فيها.

ومنها عدم مراعاة الخطاب السياسي لبعض القوى السياسية للمصالح العليا للوطن، إنها لا تفرق بين نقدها للحزب الحاكم أو الحكومة وبين تشويهها للوطن، ونفس الأمر ينطبق على خطاب العديد من الصحف والصحفيين المحسوبين على هذه القوى أو الذين لديهم موقف من الحكومة، ومن أمثلة ذلك تضخيم وتسييس هذه الوسائل للقضايا الجنائية البحتة مما نتج عن ذلك تشويه سمعة اليمن، فالولاء الوطني يحتم على هؤلاء حماية سمعة الوطن ومصالحه العليا.

ومن أجل تقوية الولاء الوطني اليمني فإنه لابد من العمل على إزالة كل أو بعض هذه التشوهات من خلال القيام بالخطوات التالية:

أولاً: من خلال السعي الدائم لتقوية الحقوق الوطنية وتوفير المناخات المناسبة لتشجيع المواطنين على القيام بواجباتهم الوطنية، ولذلك فإنه من الضروري التفاعل بشكل إيجابي مع التعديلات الدستورية المقدمة من فخامة رئيس الجمهورية حفظه الله فالحاجة ماسة له وخصوصاً فيما يتعلق بالحكم المحلي من حيث توضح العلاقة بين الحقوق والواجبات الوطنية والمحلية والعلاقة بين السلطات المركزية والمحلية.

فعلى جميع القوى والأحزاب السياسية التخلي عن التمترس وراء شعاراتها السياسية المتمثلة في جدلها العقيم حول أفضلية النظام البرلماني على النظام الرئاسي، فكلا النظامين يتشابهان بما لا يقل عن 80% من خصائصهما، وبما أن النظام الرئاسي هو الذي طبق في اليمن لفترة طويلة فإنه هو الأصلح لها، فهذه بهدف إقامة نظام برلماني غير مجد ومكلف من حيث الموارد المالية والوقت الضروري لعملية الهد والبناء، وبدلاً من ذلك فمن الأفضل للوطن أن يتم التركيز على الحقوق والواجبات في التعديلات الدستورية.

ثانياً: تطوير مزيد من الضمانات للحقوق وأداء الواجبات الوطنية، وفي هذا الإطار فإنه لا بد من العمل على إيجاد توازن ممارسة المواطنين لحقوقهم الوطنية والخاصة بما يتفق مع الولاء الوطني، فحرية التعبير لا تتطلب أبداً إهانة الوطن أو تشويهه أو إشاعة الكراهية أو المناطقية أو السلالية أو غيرها من الممارسات غير الوطنية وكذلك فإن حرية النقد لا يعني حرية التجريح.

إن من أهم الضمانات الربط بين الحقوق والواجبات فلا يمكن التمتع بحقوق المواطنة في حال التقاعس عن القيام بواجباتها، فحق الحصول على الخدمات الاجتماعية مرتبط بواجب دفع الضرائب، وكذلك فإن حق التمتع بالكرامة مرتبط بواجب الدفاع عن سيادة الوطن، وأيضاً فإن حق المساواة أمام القانون وفي الفرص مرتبط باحترام القائمين على حماية ذلك من موظفي الدولة بمختلف مستوياتهم.

ثالثاً: إصلاح الثقافة والوعي السياسي، ان ذلك ضروري للتميع بين الحق الخاص والحق العام وبين الواجبات الخاصة والواجبات العامة، فضعف ذلك هو الذي جعل بعض الأحزاب السياسية تغلب مصالحها الخاصة على المصالح العامة وبدلاً من أن تسعى لتقوية الولاء الوطني فإنها تعمل على إضعافه، ومن أجل تحقيق ذلك فإن على الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة أن لا تنشر أي مادة تعرض المصلحة الوطنية للخطر، فالسماح بذلك سيعمل بدون شك على إضعاف الولاء الوطني وبالتالي تعرض الوطن للفتن، يجب كذلك التأكد من أن كل المنظمات المدنية تعمل لتقوية الولاء الوطني وليس لإضعافه.

رابعاً: تطبيق الدستور والقانون بصرامة وعلى الجميع ولذلك فإنه يجب أن تخضع جميع أدبيات وخطاب وممارسات الأحزاب السياسية للدستور والقانون، بذلك فقط يمكن جعل هذه الأحزاب تعطي ولاءها لليمن أولوية على ولائها لإيديولوجياتها أو لقياداتها.

فبدون تقوية الولاء الوطني فإن الطريق إلى التحديث وإلى التطور سيكون صعباً وعسيراً.