|
يبدو أن اليمن أصبح بديلا لساحات الصراع التقليدية بين الدول الخليجية وملالي إيران, حيث يأتي دعم إيران لجماعة الحوثي في هذا السياق, حيث تدعم هذه الجماعة الضحلة الأفكار والمبادئ لرغبة مكبوتة منذ زمن في تطويق السعودية, تلك الدولة الضخمة بالنفط والتأييد الغربي والعربي, والمحروسة بأرض الحرمين الشريفين.
ورغم أن علاقة اليمن بإيران قوية منذ غابر الزمن, وتحديداً منذ أن استدعاهم سيف بن ذي يزن لطرد الأحباش المحتلين لعرش والده, إلا أن ذلك لم يردع الفرس عن ضرب استقرار وأمن وسكينة اليمن نكاية بالجارة الشمالية, وفي نفس الوقت فقد أضروا باليمن ليس بقتلهم لسيف بن ذي يزن - والذي تجرع من نفس الكأس الذي استورده - ولكن بجعل اليمن ساحة صراع بدلاً عن لبنان.
لبنان يبدو أنه ساحة حرب فقدت بريقها, ولم يعد يستدعي الصراعات والحروب, فقد توصل الطرفان السعودي والإيراني إلى أن الصراع في لبنان يجب أن يكون بطريقة أخرى, حيث أصبح الطرفان يعمرا لبنان وينعشا اقتصاده وينفذا الاستثمارات الضخمة فيه ويبنيا بناه التحتية. وهي حرب مكلفة اقتصادياً للطرفين ولكن اللبنانيين بوعيهم وحسهم الوطني دفعوا بالطرفين إلى مربع المنافسة في إنعاش اقتصاد بلدهم, وأخر جولة كانت من صالح الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين حينما تكفل بمصاريف المدارس لكل طلاب المدارس في لبنان, فاستحق الشكر وعظ الملالي أناملهم غيضاً من عدم تبادر مبادرة بسيطة كتلك إلى أذهانهم قبل غريمهم "الوهابي".
أما اليمن فهو ساحة صراع لا تستدعي إنفاق المليارات, حيث كسبت إيران طرفاً يؤمن بأفكار ثورتها في شمال اليمن, ولا تحتاج هذه الجماعة لمليارات الدولارات بل القليل اليسير, فهذه الجماعة تملك أصلاً أموال تجارة المخدرات والسلاح الذي يتم تهريبه إلى السعودية, وقد تكون هذه المخدرات من إيران بقصد إفساد شباب الخليج وإلهائهم عن واقعهم ومسؤولياتهم, بحيث تسهل عملية السيطرة والانقضاض مستقبلاً وهي لعمري خطة إستراتيجية تطبخها "الجمهورية الإسلامية" على نار هادئة.
كذلك فإن السعودية تكتفي في اليمن الفقير - والبالغ تعداد سكانه ما يقرب من 25 مليون نسمة - بتشجيعه على إنهاء التمرد الحوثي وإحباط مساعي وأحلام إيران. ولكن الدول الخليجية كلها لم تسهم مع اليمن في إنجاح هذه المساعي. ورغم ادعاء البعض بأن السعودية تدعم اليمن دبلوماسياً أو عسكرياً فإن ذلك لا يغطي على مسألة أن اليمن يواجه جيشاً حوثياً منظماً ومدرباً ومسلحاً يرتع في بيئة جغرافية تحاكي الطبيعة الأفغانية التي قهرت الجيوش السوفيتية والأمريكية ودول التحالف, إن كسب المعركة ليس بالسلاح فحسب, حيث أن اللاجئين أصبحوا يشكلوا ضغط كبير على الجانب اليمني لإيقاف الحرب وأصبحت معسكرات اللاجئين تتسع وحاجاتها تتضخم يوماً بعد يوم, وهو ما ينذر بكوارث صحية وإنسانية ضخمة, وخصوصا مع حلول فصل الشتاء البارد في مناطق صعده وعمران التي ترتفع عن سطح البحر 3500 متر, فلماذا لا تتكفل دول الأشقاء الخليجية بالذات ببناء المدن الجاهزة لهؤلاء اللاجئين. ألا يعد ذلك بمثابة تغيير للصورة السيئة التي رسمها الحوثي وجماعته لهؤلاء المواطنين عن الخليجيين "والسعوديين الوهابيين" تحديداً.
والغريب أن الخليجيين مشغولين باستثماراتهم ومشاريعهم "العملاقة" من فنادق ومراكز تسوق وناطحات سحاب, ناسين أن اليمن يواجه لحظات مصيرية في تاريخه المعاصر. فمن خطر جماعتين تؤمنان بأفكار رجعية وغبية تريد تحريم كل ما يمت للغرب بصله وهما الحوثة والقاعدة, إلى الحراك الجنوبي الذي يهدد بتقسيم اليمن إلى دويلات واقطاعيات قبلية, ويعتقد الكثيرين أن الحوثيين مضغة إيرانية بامتياز, في مقابل أن زعماء الحراك الجنوبي مضغة خليجية بتفوق, حيث أن الحوزات والشخصيات الإيرانية ما فتئت تتعاطف من الحوثيين وتدعو إلى نصرتهم, وكذلك من جهة أخرى فإن زعماء الحراك الجنوبي يلبسون العقال والدشداشة ويستخدمون قنوات الإعلام الخليجي ويتجولون في الخليج بتابعيات وجنسيات ويجروا المقابلات والأحاديث التي تطعن اليمن ووحدته من أراضي تلك الدول, حتى كثر الهرج المرج وصرنا نتساءل هل الدول الخليجية تقف نفس موقف إيران التي ينفي مسؤوليها الرسميون أي علاقة لهم بالحوثيين فيما رجال الدين والحوزات ينوبون عنهم في إيذاء اليمن؟, أم هل صار الخليجيون يدعمون الحراك بدون أن يدروا؟ هل طويلي العمر يدعموا اليمن في أقصى الشمال فحسب فيما هم يتجاهلون مشكلاته في الجنوب؟ لماذا يتردد ما يتردد عن دور قَطَري سلبي أو متجاهل لمشكلة الحوثيين بعد أن تم رفض مشروع مصالحتها الذي ساوى بين الحكومة الشرعية وعصابة الحوثي؟
لعلها مجرد تهيأت تراءت لي في لحظة يأس أن أذكر ما ذكرته, ولكن الخليجيون معنيون أكثر من غيرهم باليمن وبنائه والعمل على استقراره وامتصاص بطالة أبنائه, ليس عن طريق المنح والهبات, ولكن عن طريق فتح باب العمالة الذي أغلق عندما أبدى اليمن تعاطفا مع من سعدت إيران بشنقه, لا نريد أن يتبرع الملك السعودي بنفقات المدرسة لفقراء الشعب, أو لقاح الأنفلونزا, وإن كانوا يستحقونها, بل نريد فرص عمل فحسب ولا نريد فرص عمل مرتفعة الدخل, فيكفي فرص العمل تلك التي لا يمكن لشباب الخليج ممارستها, لا نريد مساعدات بل نريد استثمارات إستراتيجية, وليس مجمعات فندقية وشاليها ومراكز استجمام واستراحة لشباب الخليج الباحثين عن المتعة في جبال إب وعدن.
الشعب اليمني يستطيع أن ينتج ويبني ويعمر ويشيد المصانع والمزارع وكل المشاريع الإستراتيجية التي تحسن واقعة وتطور مستقبله, ولكنه يريد من يضعه في أول الطريق وسنجده بعدها مبدعاً وخلاقاً. وهذه مهمة الخليجيون الذين سيجدونه حينها مناسباً للدخول في مجلس التعاون ولعب دور أكبر في صياغة المعادلة الأمنية في المنطقة, وإذا كان الملك عبدالله كسب الجولة بتبرعه لجميع طلاب لبنان بالأقلام والدفاتر والحقائب المدرسية فإنه يستطيع كسب الجولة هنا في اليمن ليس بالأقلام والدفاتر ولكن بالحب والرغبة الصادقة في إخراج اليمن من أزمته.
إن القضاء على الحوثي ليس آخر المشكلات, فالقضاء على الحوثي صار وشيكاً ولكن مرحلة ما بعد الحوثي هي مرحلة خطيرة للغاية وأخشى ما أخشاه أن يتحول النصر إلى هزيمة بعد سنوات قليلة, حيث أن الفقر والبطالة والجهل وانتشار السلاح في اليمن يجعلها قنبلة موقوتة في المنطقة.
في الإثنين 02 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 05:12:36 م