تحذير البنك الدولي من انزلاق اليمن نحو أزمة إنسانية واقتصادية حادة تقرير أممي يكشف تعزيز قوة الحوثيين نتيجة دعم غير مسبوق تقرير أممي يؤكد تمرد الانتقالي عسكرياً على الشرعية مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر
أغرب ما يجري في اليمن، أن المؤسسة الرسمية في واد ومجريات الأحداث وواقع الحياة العامة ومعاناة الناس في واد آخر .. كل شيء في الوطن ينهار ويتعرض للتدمير ومؤسسات الدولة تتفرج ببرود قاتل، وكأن الأمر لا يعنيها، لا من قريب ولا من بعيد، وهو- بالتأكيد- من أغرب ما يمكن أن يحدث في أي بلد من بلدان العالم .
ففي الوقت الذي تتقاتل فيه المليشيات المسلحة للسيطرة على المعسكرات والمحافظات، والمدن حيث تتساقط الجثث في الشوارع والأحياء، وتُفخَّخُ النقاط الأمنية ويذبح المواطنون والجنود، وتنسف البيوت والمؤسسات في أبشع مظاهر العنف وتداعياته لا تقرأ ولا تسمع في اخبار الاعلام الرسمي اليمني إلا ما يجلي الانظار ويبهج النفوس، ويشنف الآذان، وكل شي " تمام التمام " و "سمن على عسل" - كما نقول نحن اليمنيون.
وهنا يبرز دور الاعلام من خلال صياغة ومنتجة الأخبار المفرحة والصور الوردية، التي تعبر عن "سعادة اليمن السعيد !!"،، وتعكس واقعا مزيفا لمجريات الاحداث في البلاد، عبر اشارات اخبارية رئاسية خفيفة وناعمة تعتبر إن ما يجري في البلاد هو مجرد" مماحكات وتجاذبات سياسية تؤثر سلبا على الأداء الحكومي والسكينة العامة"، ليثبت قادة البلاد ويؤكدون لأبناء الشعب الذي ينزف دما أن الوطن بخير ولا ينقص المواطنين إلا سلامة وأمن وأمان هذه القيادات "التاريخية" التي تسهر ليل نهار على سعادة ورفاه الشعب اليمني و تعمل بكدها وعرقها على "تنفيذ مخرجات الحوار الوطني" !!!.
فالرئاسة والحكومة منهمكتان في اصدار القرارات والتعيينات، وصرف ما تبقى من ميزانيات واعتمادات مالية للعام الجاري، والترتيب للمشاركة في فعاليات دولية من نوع مؤتمرات "حماية طبقة الأوزون" و " حماية اللهجات السواحلية الافريقية من ألاندثار" و" مخاطر انتاج التوليد بالطاقة الذرية " مع أن اليمن يفتقد في الاصل لتوليد الطاقة الكهربائية بالطرق التقليدية .
أما أحزاب التقاسم والمحاصصة "الوطنية" فهي الأخرى تتزاحم على كعكة الحكومة الجديدة، وتعيش حالة استنفار وهوس لا مثيل له، بحثا عن حقيبة وزارية أو منصب "دسم" على روائح الجثث وركام مخلفات النار.
والغريب المضحك والمبكي في آن، أن هذه الأحزاب التي ليس لبعضها أعضاء أو حتى مناصرين تعيش هستيريا اصدار البيانات والتصريحات النارية التي تحذر من "الاقصاء والتهميش، وتندد بأساليب الاستحواذ، والإلغاء" .. فهي تناضل وتنافح من اجل البقاء في "السلطة" أو الوصول اليها، لكنها بالمقابل ليست معنية بما يجري من سفك للدماء وخراب للبيوت وتدمير للوطن والدولة، وليست معنية حتى بالتحذير من مغبة ما يجري، فذلك أمر ليس في حسابها ولا يعنيها في شيء.
ولعل الحال هو نفسه مع اللجنة الأمنية العلياء، التي تمثل أمل وطموح الشعب اليمني في انقاذه وإخراجه من محنته، فأهم القرارات التي خرجت بها في ظل هذه المواجهات العبثية التي تجري في اكثر من خمس محافظات يمنية، وينزف الدم اليمني فيها بغزارة كما في مدن ومديريات البيضاء، واب ، وذمار، وحضرموت، هي " قرار استمرار منع الدرجات النارية من السير في العاصمة" حماية لأمن الدولة من الانبعاثات السامة لهذه الدرجات التي تملأ الشوارع ضجيجا، ومنعا لما يقلق مواكب الوزراء وكبار المسئولين، حتى وان كان الثمن قطع ارزاق الاسر المعدمة، ومنع من تبقى من البسطاء والمحرومين من أبناء الوطن من البحث عن دخل يومي يؤمن لهم ولأسرهم لقمة عيش كريمة وآمنة.
فلا شيء يقلق في هذا البلد السعيد، سواء أن هناك دولة منهارة، وانفلاتا أمنياً ضاربا اطنابه في كل مكان، ووحدة مهددة، ومدارس وجامعات مغلقة، ومواطنون يقتلون، ومليشيات مسلحة تتسابق على إحراق وتدمير ما تبقى من وطن .. ما يعني أن كل شيء تحت سيطرة الدولة والرعاة الدوليين والإقليميين، الذين يراقبون تنفيذ المبادرة الخليجية، ويرقبون التحركات المريبة للمعرقلين .. إذ أن ما يهم الدولة في صنعاء اليوم هو فقط " مخرجات الحوار الوطني" وما عداه فهو "مماحكات" لا يعني الرئاسة ولا يعني الحكومة، ولا الداخلية ولا الدفاع امره.
تلك هي حال صنعاء، المدينة الجميلة التي تسكن في قلب التاريخ، وتقاوم نتوءات العصر وشبق عشاق لا يفهمون في العشق، ولا صلة لهم بالحداثة ومعطيات العصر .. انها صنعاء "المليحة" في شعر البردوني، و"الحزن والفرح" في شعر المقالح، لا يزال في احشائها وطن يبتسم، وإنسان يحلم بيمن يعيش زمنا لا مكان فيه للفوضى، ولا متسع فيه للعبث واللامبالاة.
رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية