الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله تحذير خطير في أحدث تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين تترأسه اليمن مسلحون حوثيون وزنبيات مدججات بالأسلحة نفذوا مهمة إختطاف موظف يمني في السفارة الأمريكية بصنعاء
لا يُعد التعاطف إزاء ما جرى لليهود في الهولوكوست تفسيراً مقنعاً لاستمرار الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، إذ إن العقل الأمريكي عقل نفعي، لا يُعوّل كثيراً على اللطم والبكائيات، قدر ما يرى الفرص والاستثمار، وبالتالي فإن التفسير النفعي للمساندة الأمريكية لإسرائيل لا يبعد عن الصواب، إذا ما وضعنا إسرائيل في موقعها الحقيقي، كطليعة لقوى الهيمنة الغربية في المنطقة العربية.
ومع ذلك، فإن الاتكاء على التفسير النفعي يستدعي بعضاً من العوامل الأخرى المتمثلة في الجذور الأيديولوجية والدينية الكامنة في بنية المجتمعين وتركيبة العقلين: الأمريكي والإسرائيلي، حيث تتغلف المصلحة بغلاف الدين، وتأخذ القيم شكل الأيديولوجيا.
وفي البحث عن تلك الجذور تتحتم العودة إلى أوروبا القرن السادس عشر، حين تشكل الفعل الديني الأبرز، مع ظهور مارتن لوثر بأفكاره الاحتجاجية ضد الكنيسة الكاثوليكية، ثائراً على الطريقة النفعية التي وظفت بها الكنيسة الدين لصالح طبقة الملوك ورجال الدين، ومن تلك الحركة الاحتجاجية ولد تيار تحول فيما بعد إلى مذهب ديني كبير، تمثل في البروتستانتية التي مثلت انشقاقاً عن الكاثوليكية، والتي (أي البروتستانتية) تعرضت ـ لاحقاً ـ لانشقاقات لا حصر لها بعد توسعها وانتشارها في بلدان شمال أوروبا.
وبالتركيز على إنكلترا نلحظ أن البروتستانتية ظلت تتناسل لفرق كثيرة، ومن هذه الفرق ما عرف باسم (Puritanism) أو «التطهُّرية» التي انتمى إليها المتطهرون البيوريتانيون، وهم جماعة أصولية بروتستانتية بدأت باكراً مع بداية القرن السادس عشر.
وكان تطور البروتستانتية وفرقها المختلفة مرتبطاً بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إنكلترا وأسكوتلندا، حيث أسهم صعود الطبقة البرجوازية ومحاولاتها التمرد على الأروستقراطيين من ملوك ورجال دين إلى اتخاذهم بعض الفرق البروتستانتية المتمردة كيافطات دينية للطموحات السياسية والاجتماعية، وقد دعم البيوريتانيون ثورة البرجوازيين ضد الملوك ورجال الدين الذين مثّلوا الطبقة الارستقراطية حينها، وانخرطوا (البيوريتانيون) ضمن ثورة أوليفر كرومويل مؤسس أول «جمهورية انكليزية» وجدت ضمن منظومة سميت حينها بـ«الكومنويلث الإنكليزي» سنة 1649، واستمرت حتى استعادة الملكية عام 1660.
تعرض البيوريتانيون لاضطهاد شديد من قبل الأسرة المالكة «آل ستيوارت» والكنيسة الأنجليكانية البروتستانتية التي أقرتها الملكة اليزابيث الأولى لتوحيد المكونات الدينية، ومع ذلك ظل البيوريتانيون يرفضون تلك الكنيسة، ويتهمونها بأنها لم تتخلص بشكل كاف من التقاليد الكاثوليكية الرومانية التي دخلت على المسيحية، كما يعتقدون.
وقد مر خروج البيوريتانيين على الكنيسة بعدة مراحل، حيث بدأ الخلاف مع السياسات الملكية في عهد إليزابيث الأولى، ثم رأوا أنه لم يعد هناك مجال لإصلاح الكنيسة، فأعلن بعضهم «الانفصال» عنها في عهد جيمس الأول الذي هيأ لإرسالهم للأراضي الجديدة في أمريكا الشمالية، ثم تطور هذا الخلاف إلى صدام في عهد تشارلز الأول، وانتهى الأمر بتشدد الكنيسة والملك إزاءهم، مع طرد مسؤولين محسوبين عليهم، ومنعوا من ممارسة شعائرهم، ثم انتهى الأمر أخيراً بكثير من الجماعات البيوريتانية للهجرة، هرباً من الاضطهاد إلى «أرض الميعاد» الجديدة، في أمريكا الشمالية التي كان لهم دور بارز في تأسيس العديد من مستعمراتها في القرن السابع عشر.
من هنا كان لا بد من وقوف شعب «أرض الميعاد الأمريكية» مع شعب «أرض الميعاد الإسرائيلية» لأن أرض الميعاد الأمريكية والإسرائيلية ما هي إلا انعكاس لنموذج «أورشليم» السماوية
وقد شهد هذا القرن بدايات الاتجاهات «الصهيونية المسيحية» عند البيوريتانيين، في بريطانيا والولايات المتحدة، حيث رأوا ـ مع وطأة الاضطهاد ـ أنهم هم «الإسرائيليون الجدد» وأن ملك إنكلترا هو فرعون، وأن بريطانيا هي مصر الفرعونية، ولا بد لهم من «الخروج» من مصر إلى أرض الميعاد «أرض كنعان الأمريكية» التي يجب انتزاعها من الكنعانيين الجدد/الهنود الحمر» تحقيقاً للوعد الإلهي، وذلك بعبور البحر الأحمر/المحيط الأطلسي، للذهاب لتحقيق نبوءة الكتاب المقدس عن «مدينة فوق التلة» تكون منارة للناس في «أورشليم الجديدة» أو الولايات المتحدة.
ومع الزمن تكرست لدى البيوريتانيين حالة تقوقع نفسية واجتماعية عمقت لديهم قناعات الانفصال التطهري عن المكان «إنكلترا» والزمان «القرن السابع عشر» وتمكنت منهم الأفكار التي عمقت غربتهم الزمانية والمكانية، وأصبحوا يبحثون عن «الخلاص» و«أرض الميعاد» و«صهيون الجديدة» وتلبستهم حالة «إسرائيلية» خالصة، ووسعوا مصطلح إسرائيل لينفتح على «البروتستانت الأنكلو- ساكسون البيض» الذين هاجروا كـ»حجاج» إلى الأراضي المقدسة الجديدة، في الولايات المتحدة، حيث «تحول بعضهم إلى «توراتيين» وعدُّوا أنفسهم «شعب الله المختار» الذي يحمل رسالة العبرانيين القدماء، ونظروا إلى دولتهم في نيوإنكلاند (الأمريكية) على أنها «إسرائيل الجديدة».
وأثناء رحلة بعض المهاجرين أو «الحجاج البيوريتانيين» إلى أمريكا، وعلى ظهر السفينة التي حملتهم إلى خليج مستشوستس وعظهم القس البروتستاني صمويل ويكمان، بقوله: «إن أورشليم كانت، لكن نيوإنكلاند (المستعمرة الأولى شمال شرق أمريكا) هي الموجودة الآن، وإن اليهود كانوا، لكنكم أنتم (البيوريتانيون) شعب الله المختار وعهد الله معكم، فضعوا اسم نيوإنكلاند مكان اسم أورشليم» ولشدة تماهيهم مع التاريخ العبراني، حاول البيوريتانيون ـ وإن لم ينجحوا ـ جعل اللغة العبرية لغة رسمية لدولتهم الجديدة.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الأفكار المؤسسة لـ«الصهيونية المسيحية» قد سبقت الهجرات البيوريتانية إلى أمريكا، حيث دعا عالم اللاهوت البريطاني توماس برايتمان عام 1588 إلى عودة اليهود إلى «الأراضي المقدسة» تحقيقاً لنبوءات «الكتاب المقدس» كما جاء في كتابه عن «يوم القيامة» قبل تشكل «الصهيونية اليهودية» بثلاثة قرون، بعد أن مهدت «الصهيونية العلمانية البريطانية» لانتقال «الصهيونية» من المسيحيين إلى اليهود، مع ظهور تيودور هيرتزل، وتكريس هذا النهج بانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897.
وعلى الرغم من أن الطوائف البيوريتانية في أمريكا انتهت إلى اعتناق مجموعة من الرؤى والأفكار العنصرية، وهو ما أدى إلى تلاشيها، إلا أن العقائد والأفكار لا تموت، وإنما تتحلل لتعود للظهور في تربة دينية وأيديولوجية أخرى، وهكذا استمرت تلك العقائد والرؤى – مع بعض التحورات اللازمة – في أفكار وتوجهات ما بات يعرف بالمسيحيين الإنجيليين في أمريكا، ورثة البيوريتانيين «التوراتيين» وهؤلاء الإنجيليون هم أكبر طائفة مسيحية في البلاد، ويشكلون نسغ الحياة الدينية التي تؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، وهم يؤمنون بالكثير من العقائد حول عودة اليهود إلى فلسطين، وقيام دولة إسرائيل، كشرط لعودة المسيح الذي سيحكم ألف عام، وغيرها من الأفكار التي يؤمن بها «البيوريتانيون الجدد» الذين أعادوا شحن المصطلحات بمفاهيم مطورة عن مفاهيم أجدادهم العقائديين الذين هاجروا من إنكلترا، حيث زاوج المعاصرون بين أرض الميعاد الأمريكية وأرض الميعاد الفلسطينية، وجعلوا مفهوم «شعب الله المختار» منطبقاً على الأنجلو ـ سكسون واليهود على السواء.
من هنا كان لا بد من وقوف شعب «أرض الميعاد الأمريكية» مع شعب «أرض الميعاد الإسرائيلية» لأن أرض الميعاد الأمريكية والإسرائيلية ما هي إلا انعكاس لنموذج «أورشليم» السماوية، حيث تتجسد فكرة الخلاص المسيحي» و«المدينة على التلة» التي تنير لكل الأمم طريقها، وحيث يساند النموذج الأمريكي العالمي النموذج الإسرائيلي الإقليمي، بما أنهما تحقيق لوعد الرب الذي سيتكلل بعودة «المسيح المخلص» لقتل أعدائه، وفتح الأبدية أمام إسرائيل اليهودية ـ الأمريكية الجديدة، على يد تحالف الصهيونيتين المسيحية واليهودية المتجسد في تحالف «اليمين المسيحي» في أمريكا مع اللوبي اليهودي هناك، دعماً لإسرائيل وضد أعدائها الجدد الذين هم نسل أعدائها البائدين.
نختم بتصريح لافت لوزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو قال فيه عن الرئيس السابق دونالد ترامب إن «الرب أرسل ترامب لإنقاذ اليهود» في تجسيد واضح للدعم غير المحدود الذي تقدمه أمريكا بصفتها «أرض الميعاد» المسيحية لإسرائيل بصفتها «أرض الميعاد» اليهودية، وبصفة الاثنتين تجسيداً لـ«أورشليم السماوية» التي يحكمها المسيح الملك.