القاعدة واليمن... استراتيجية خاصة
نشر منذ: 17 سنة و 11 شهراً و 5 أيام
الجمعة 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 08:50 م

بعد فترة طويلة من السكون – وفقاً لحساب وطريقة اداء التنظيم – عاد «القاعدة» الى الساحة الإعلامية اليمنية في شكل ملفت خلال الأشهر الأخيرة.

بدأ الأمر بإعلان الحكومة اليمنية في 5 شباط (فبراير) اكتشاف فرار أبرز مطلوبي ومحكومي التنظيم ضمن 23 آخرين من سجن الأمن السياسي (الاستخبارات).

ولم يمض وقت طويل، حتى أعلن في 15 ايلول (سبتمبر) عن إحباط أول محاولة تفجير لمؤسسات اقتصادية يمنية، وشملت المحاولة منشآت للغاز والنفط في محافظتي حضرموت ومأرب.

وبعد الإعلان بأيام أعلن عن كشف مخططات لاستهداف منشآت غربية في صنعاء، واعتقلت خلية اتهمت بالتخطيط لها، وبعد أسابيع وتحديداً صبيحة الأول من تشرين الأول (اكتوبر)، أعلن عن قتل أحد أبرز الشخصيات التي بقيت على قيد الحياة من تنظيم القاعدة وهو فواز الربيعي، مع آخر كانا مع أحد اثنين من الفارين من سجن صنعاء.

واختتم الأمر، السبت الماضي، بإصدار محكمة الاستئناف الجزائية قرارها تأييد الحكم بسجن ابو عاصم الأهدل المتهم بتمويل عمليات تنظيم القاعدة في اليمن، ثلاث سنوات، تبدأ من يوم اعتقاله، ما يعني انه لو لم يستأنف الحكم فإن الأهدل سيكون حراً خلال أيام، إذ قضى في السجن منذ اعتقاله في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 العقوبة المقررة.

ومع تشكيك المعارضة اليمنية بكل ما حدث ويحدث في علاقات الحكومة بـ «القاعدة»، ومنها التقليل من حقيقة المواجهة، بل واعتبار عمليات صافر والضبة «مجرد فبركة سياسية استخدمها المؤتمر الشعبي العام لدعم مرشحه للانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 20 ايلول، فإن هذه المؤشرات وحين تضاف الى الأخبار المتتالية عن تصاعد نجم المحاكم الإسلامية في الصومال، تؤكد ان اليمن على بوابة «فترة» جديدة من العلاقة بين المؤسسة الرسمية، «أمنية ومدنية»، وخلايا القاعدة. فترة قد تصبح فيها اليمن بالنسبة الى القاعدة المكان الذي كانت تمثله دول الخليج، حيث كانت اليمن «منطقة المواجهة» التي تتوج عمليات لوجستية تتم في دول الجوار الشمالي. أو لنقل انه ينقل اليمن الى المكان الذي تقف فيه سورية بالنسبة الى العراق، وذلك بحسب ما يرى مراقبون يمنيون.

ويؤكد ذلك إعلان الحكومة في 29 تشرين الثاني اعتقال خلية لتهريب السلاح للمحاكم الإسلامية في الصومال من وعبر اليمن، علماً بأن الخلية لم تكن يمنية خالصة بل توزع أعضاؤها على الجنسيات اليمنية والأسترالية والدنماركية والألمانية. أحدهم، الدنماركي، تلقى تعليماً «في اللغة العربية» لمدة ثلاثة أشهر في قسم الوافدين التابع لجامعة الإيمان التي يرأسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني الذي يصنف غربياً بأنه الأب الروحي لزعيم القاعدة اسامة بن لادن، وهو لا ينفي موقفه من الغرب وأميركا، خصوصاً أنه كان ينفي أي علاقة لوجستية بالقاعدة وقياداتها، على رغم نفي الجامعة علمها بأي من انشطة الدنماركي، ونفيها ان تكون لخلية تهريب الأسلحة «علاقة بها».

ومع تكرار الرئيس صالح زيارته للجامعة ذاتها وإشادته برئيسها، الذي وصفه أخيراً بأنه «قطب من أقطاب الثورة» وهي الصفة التي كان يمنحها صالح للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، فإن «مخاوف» يمنية عدة تتحدث عن تجدد السباق بين طرفين (الحكومة والقاعدة) يحاول كل منهما تسجيل النقاط «في سياق مواجهة لا تنتظر نهايتها بالـ «الضربة القاضية»، ما لم يعتمد اليمن استراتيجية شاملة تضيف الديني والاقتصادي والإداري والقانوني للسباق الأمني.

القاعدة واليمن... استراتيجية خاصة

ميز تنظيم القاعدة أداءه عالمياً – وليس فقط يمنياً – بأن أهدافه تتجه اولاً الى مصالح الدول الغربية ومؤسساتها (أميركا أولاً)، وإذا كان الاستنفار الذي فرضه النجاح المدوي لعمليات 11 ايلول عالمياً، فرض على بن لادن وجماعته الخروج من التزامهم عدم «إيذاء الجيوش» العربية والإسلامية وإبقاءها لتكون «ذخراً» لدولة الخلافة، ما سبب استهدافاً كبيراً لـ «المؤسسات الأمنية للدول العربية»، فإن تتالي الضربات الموجعة للقاعدة من قبل التحالف الدولي، مع بقاء رأسي التحالف المؤسس للتنظيم، بن لادن والظواهري أحياء، قاد أخيراً الى نمط جديد من العمليات تمثلت في استهداف اهم مرافق الاقتصاد، وبالذات ما له علاقة بالنفط.

ومع ان عمليتي 15 ايلول الماضي في اليمن اتتا في السياق ذاته، فإن من المهم الإدراك ان هذه العمليات شكلت تطوراً جديداً بين الطرفين في البلد والتنظيم.

فعلى رغم الصوت المرتفع للحكومة اليمنية في مواجهة القاعدة والإرهاب، وعلى رغم ان ساحل عدن كان أول ساحة للإرهاب الدولي الذي استثمر، ظل اليمن بلداً محمياً من القاعدة، إلا في ما يلامس القوى والمصالح التي يصارعها هذا التنظيم. ومع عمليات كبيرة سواء قتل 3 سياح بريطانيين وأسترالي واحد من قبل جيش عدن ابين (في 1998) أو قتل الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني او ثلاثة أطباء أميركيين (وقعتا في كانون الأول/ ديسمبر 2002)، فإن هذه العمليات كانت ذات طابع محلي لا علاقة له بالقاعدة وإن اتفقت مع عمليات التنظيم في تفاصيل كثيرة.

ويذكر ناصر البحري وهو يمني رافق بن لادن، ويقيم حالياً تحت الإقامة الجبرية في العاصمة صنعاء، أن بن لادن وجه أنصاره الى ان يبقوا في اليمن «بعيداً من عملياتهم». وبحسب البحري فإنه حتى عملية البارجة الأميركية «كول» كانت خطة «الشيخ اسامة (ان يتم ضربها) في المياه الدولية، لكن خطأ فنياً بسيطاً في عملية الرقابة عجل ضربها في ميناء عدن».

ومع احتفاء التنظيم تالياً بنجاح استهداف «كول»، عبّر بن لادن عن اسفه لأن الحادث لم تتوافر له ظروف النجاح إلا في اليمن، ونقل عنه حرفياً «اليمن لا يتحمل آثار مثل هذه العمليات».

الحفاظ على المخزون

ولا يعكس هذا الأمر مجرد «تعاطف» قاعدي مع البلد الفقير، بل يكشف نوعاً من التواطؤ (من طرف واحد) بين التنظيم المطلوب دولياً والبلد الذي تعتبر حكومته جزءاً من حلف دولي في محاربته.

فإضافة الى ان اليمن البلد العربي الأول الذي لم يتغير خطابه الديني والسياسي – تجاه قضايا الإرهاب – على رغم تعرضه لهزات عنيفة أضرت بأمنه واقتصاده وسمعته الدولية منذ ما قبل 11 ايلول، فإن بن لادن يعتبر ان اليمن مخزن مهم للمجاهدين وفقاً للنبوءة التي تنسب للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) من ان اليمنيين هم «مدد» الجهاد.

ويشتكي قادة أمنيون من «تناقض» مهمتهم أمنياً وسياسياً مع الإطار النظري للخطاب العام في البلاد. وتمكن ملاحظة أن مع تضمين الرئيس علي عبدالله صالح حديثاً واضحاً عن مكافحة الإرهاب في برنامجه الانتخابي، فإن هذه القضية لم تحضر في الخطاب العام طيلة ثلاثة أشهر من الحيوية السياسية التي شهدها اليمن تحضيراً للانتخابات الرئاسية التي وضعت أوزارها في 20 ايلول الماضي.

وجاء الحكم الابتدائي، الذي أيدته محكمة الاستئناف، ببراءة خلية «الزرقاوي» من تهمة «الإرهاب» ليؤكد شكاوى هؤلاء القادة الذين تحدثت إليهم «الحياة».

فحكم القاضيين اليمنيين لم يحكم ببراءة 14 يمنياً و 5 سعوديين هم أعضاء الخلية، بل ببراءة مشاركتهم العراقيين مقاتلة الأميركيين. وتحدث القاضي صراحة عن أن مقاتلة اليمنيين للأميركيين في العراق ليست تهمة بل هي واجب ديني بحسب المنظومة الدستورية والقانونية اليمنية.

ومع الفارق بين «حزب التحرير» و «تنظيم القاعدة»، يمكن هنا الاستشهاد بدفاع أحد أعضاء الحزب أمام محكمة يمنية العام قبل الماضي، ضد اتهامه بـ «عدم الإقرار بنظام الحكم الدستوري في اليمن، والدعوة لدولة الخلافة الإسلامية». رد حينها المتهم بهدوء: «لست أنا من يدعو الى الخلافة الإسلامية فعلماء اليمن ومناهجه الدراسية، وحتى رئيسه يدعون لإقامة الخلافة، وقد انضممت للحزب لأنني أريد أن أعمل لتطبيق هذه الدعوة».

من هنا، وعلى رغم النجاح الكبير الذي حققته الحكومة اليمنية في إدارة المواجهة مع تنظيم القاعدة خلال السنوات من «كول» حتى اغتيال فواز الربيعي، فإن التنظيم – وعبر بيان غزوة بدر- عاد ليؤكد أن العوامل التي ساعدت على نشوء الجيل الأول من التنظيم ذاته «لا تزال قائمة».

ويوجه السياسي علي سيف حسن انتقادات لاذعة لـ «المجتمع اليمني وبخاصة السياسي منه» لـ «عدم اهتمامه بمواجهة القاعدة منهجياً». ويقول لـ «الحياة» إن «من دون إستراتيجية يمنية محلية لنبذ الإرهاب سيظل اليمن مهدداً بالمشكلات عينها».

«غزوة بدر»... نظرة في الخلفية الحاكمة

يذكر أن «غزوة بدر» على ميناءي «الضبة الصليبي» و «صافر» التابع لشركة «هنت» الأميركية في محافظتي حضرموت ومأرب (شرق وشمال شرقي اليمن)، حسبما تضمنه أول بيان عن «جناح قاعدة الجهاد في اليمن»، ونشر الثلثاء في 7 الشهر الجاري، فجّرت مفاجأة كبرى في مسار أداء القاعدة تجاه اليمن، وفي علاقة التنظيم و «البلد الأم» لمؤسسه أسامة بن لادن.

البيان تحدث وللمرة الأولى عن «المرتدين» الذين يوالون «الغرب الصليبي» في اليمن، ووصف الرئيس علي عبدالله صالح بـ «الطاغوت».

وعلاوة على القضية الآنية الأهم وهي تحمل مسؤولية محاولة تفجير أهم ميناءي نفط يمنيين، فإن التفجيرات الأخيرة استهدفت منشآت يمنية حيوية، ولو قدر لها النجاح وعرضتا مصفاة صافر وميناء الضبة النفطي لأي خطر فإن المواطن اليمني سيتأثر في شكل مباشر. وتبع العمليات قتل الحكومة اليمنية لفواز الربيعي وهو يمني من مواليد المملكة العربية السعودية عام 1979، ورافق محمد عطا وعرف زياد الجراح وتدرب مع أبو مصعب الزرقاوي في معسكرات القاعدة في أفغانستان، وأعلنت المباحث الفيديرالية الأميركية في شباط 2002 انه أخطر مطلوب لها، وله شقيقان أحدهما في غوانتانامو، والآخر معتقل لدى أجهزة الأمن اليمنية.

وحسبما ذكره والده لـ «الحياة» فإنه سافر الى أفغانستان تأثراً بعلاقته بقيادات يمنية حضته على الجهاد ضد الأميركيين. وسافر بعد خروج الروس وبعد عودته الى اليمن من السعودية في 1990، ولم يعتقله اليمنيون إلا مطلع العام 2003 في محافظة أبين. وهو أحد رفاق عمر الفاروق أحد الأربعة الذين فروا من سجن أميركي في قاعدة باغرام الأميركية في أفغانستان العام الماضي، والذي اشرف على ضرب مقر للاستخبارات الأميركية في فندق باردايس في العاصمة الإندونيسية جاكرتا وتفجيرات بالي المتزامنة في تشرين الأول 2002، قبل أن تقتله قوات بريطانية في العراق.

وعلى رغم فراره من الأمن السياسي فإن والده يؤكد أن فواز زاره في مشفاه في قلب العاصمة صنعاء بعد أربعة أشهر من هربه.

مشاهدة المزيد