|
مأرب برس - خاص
لا يستطيع الحزب الحاكم أن يبقى حاكما دون اعادة النظر في رهانات البقاء من جهة ونجاحات الاصلاحات السياسية المتفق عليها مع المعارضة من جهة أخرى، وأن يقود هذه الإصلاحات بنفسه ويصر على انجازها وفقا للخيارات التالية:
- تبني قناعات جديدة : أن يقبل الحزب الحاكم بالفوز بالسلطة بالنسبة المطلقة بدلا من الأغلبية الكاسحة، وهي نسبة تبدأ من 51% ، وهذا يقتضي منه أن يفرق بين الفوز العلمي الذي يكون الامتياز علامة محبذة فيه، بينما علامة الامتياز الانتخابي تكون مثارا للشك وطعنا في مصداقية الانتخابات ونزاهتها. وبما أن نسبة الفوز بـ 51 % تؤدي إلى النتيجة ذاتها للفوز بنسبة 99% . فلماذا لا تستقر القناعة لدى الحزب الحاكم بترك مساحة كافية للمنافسة وتأسيس ملعب سياسي بالمقاس والمعايير الدولية بدلا من اللعب في ممرات ضيقة هي أشبه بشوارع حارات المدن القديمة والأحياء الشعبية.
- طرح بدائل جديدة: إعادة النظر في البدائل الانتخابية للمرشحين : يمتلك المؤتمر الشعبي العام شخصيات قيادة نزيهة وذات تجربة وقدرات فائقة ، لكنه في تجربته السابقة وبملاحظة كل اليمنيين كل من منطقته وبالملموس والمحسوس اتجه للمراهنة على شخصيات ضعيفة تجيد فقط مسخ الجوخ وحمل المباخر، وهي خيارات أثقلت كاهل القيادة السياسية (= صاحب القرار ) وأفسدت الأداء السياسي وأصابت البرامج السياسية للحكومة في مقتل. لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وصار التعثر في كل مناحي الحياة هو السمة البارزة ، وإعادة النظر في البدائل القيادية والإدارية ضرورية لعودة الحزب بقوة في المرحلة المقبلة ولكن بقوة 51 حصانا في المائة بدلا من قوة 100 حصان في المائة ، فالبحث عن خيارات سياسية تحضى بالمصداقية والفعل السياسي الناجح خير من المراهنات الفاشلة على أهل الولاء والثقة بدلا عن الكفاءات المكدسة في مخزن الاحتياط الحاكم .
- دعم الحزب الاشتراكي والأحزاب المنافسة في مواضع التوتر ( في الجنوب وفي صعدة) فالحزب الاشتراكي بحضوره القوي سيحقق الحفاظ على الوحدة بدلا من النشاز الذي نسمعه حول الانفصال ، وهذا يقتضي اعادة النظر في قيادات الخارج للعودة والمنافسة الحقيقية حتى لا يكونوا عود ثقاب ضد الوحدة والاستقرار السياسي النسبي والمقبول مع اشتراطات تحسين الأداء، وهم لن يكونوا إلا حلقة في تنافس سياسي يحول بينهم وبين طرح مشاريع تستهدف اليمن ، وليس بالضرورة أن نفكر بالحفاظ على الوحدة بوسائل أمنية وتوازنات سرعان ما تنهار بين أيدينا لنكتشف أننا أخطأنا من حيث لا ندري، مثل دعم الشباب المؤمن على حساب الإصلاح ( مواجهة الفكر الديني بالفكر الديني ) وحياد السلطة كحكم عادل ومرجعية بين المتنافسين بدلا من الدخول كطرف منافس، إن دخول السلطة كطرف منافس للأحزاب في أماكن التوتر يجعل من السلطة تبحث عن طرف داخلي أو خارجي للتحكيم والاحتكام إليه ( مثل تدخل قطر بين السلطة والحوثين في نزاع صعدة ).
- ضرورة التسليم بالاتجاه الصادق نحو الديمقراطية الحقيقة بديلا عن الاقتتال دون رجعة ولو اقتضى الأمر إلى التخلي عن السلطة سلميا في أي معركة انتخابية، لأن الديمقراطية كاختراع سياسي بديع إنما جاءت لتحل إشكالية الصراع السلطة بالعنف والاقتتال إلى التنافس السياسي السلمي عن طريق الانتخابات، وهذا يقتضي منا أن نتوقع يوما ما وصول المعارضة إلى الحكم وخروج الحزب الحاكم من السلطة وهذا حقها، وهذا هو قانون اللعبة الديمقراطية، لقد كان نموذج نلسون مانديلا نموذجا رائعا فقد خرج من سلطة جنوب أفريقا إلى رحاب العالم كزعيم لن ينسى ، إن ما قام به من تخلي طوعي عن السلطة وتأسيس ديمقراطية فعلية يشبه ما قام به جورج واشنطن أول رئيس للولايات الامتحدة الأمريكية حينما رفض الترشح للانتخابات الرئاسية مرة ثالثة بالرغم من أن الدستور يبيح له ذلك وقال قولته المشهورة إننا نؤسس لحضارة جديدة وعالم جديد.
- الثقة بالنفس : لدي قناعة لو أن المؤتمر الشعبي العام أعطى للمعارضة كل ما تطلبه، وسلم إليها اللجنة الانتخابية كاملة ، وحرص على أن يتطابق فعلها مع الوقائع واصلاح كل ما ينبغي اصلاحه ، فإن المعارضة لن تستطيع الفوز بالسلطة حاليا ، ليس لأنها غير مؤهلة ولكن لأن الثقافة السائدة في اليمن لاتزال ثقافة تقليدية ترفض التغيير وتخشى منه أو من المجهول، وإن الأصوات الحادة التي نسمعها في خطاب المعارضة السياسية والإعلامية لا تمثل سوى نخبة المجتمع التي تعرف بعضها بعضا ولا يعرفها الجمهور العام بل الجمهور الخاص وهو قليل، وبالتالي فإن المؤتمر الشعبي العام سيفوز دون تزوير أو تحايل ولكن بنسبة مطلقة فوق الخمسين في المائة ودون الستين، وهي نتيجة تضمن له تشكيل الحكومة منفردا والهيمنة على السلطة وتعزيز الشرعية والاستمرار ، وعليه أن يثبت جدارة تصاعد أسهمه من خلال ( إعادة النظر في طرح البدائل ) ابتداء من المرشحين لمجلس النواب مرورا بالمرشحين في المجالس المحلية وانتهاءا بأعضاء الحكومة ، وليكن صارما في تنفيذ برنامج حكومي يتطابق فعليا على مستوى الأداء والكفاءة، بحيث يعيد الثقة في الخطاب السياسي الرسمي ويحيد الصحافة الحكومة بتحويلها من صحافة حزب حكومي إلى صحافة دولة وليضعها بتنافس حقيقي مع صحافة الأحزاب والصحافة الأهلية المستقلة بالاعتماد على المؤهلات والإمكانات المهنية.
- بقاء الرئيس الصالح في السلطة : من القناعات السائدة والأكيدة أن الرئيس الصالح لايزال يشكل صمام أمان لاستمرار العملية السياسية ، وبالتالي فإن التجديد الرئاسي له لدورة رئاسية جديدة ليس مخلا إذا كان حضوره يمثل شرطا للاستقرار وتطور الحياة السياسية. إننا أمام خيارين : إما أن نتشبث بتطبيق صارم للديمقراطية على حساب الاستقرار ولو أدى ذلك إلى الفتنة الداخلية أو الاقتتال ، أو نتبع المرونة في تطبيق الديمقراطية التي نمنح فيها رئيس الجمهورية استمرارا في السلطة على أساس قبوله بناء أسس الديمقراطية السليمة في مواقع أخرى : كالبرلمان والمجالس المحلية واستقلالية منظمات المجتمع المدني وتحييد الادارة والاعلام الرسمي ومؤسسات التعليم من أي صراع سياسي. لو نجحنا في تحقيق هذا ، سيأتي الوقت المناسب لنكون مستعدين إلى الانتقال إلى التنافس السلمي على منصب رئاسة الجمهورية دون مخاطر تهدد البلاد ، ولو كان يعلم الصوماليون أن زوال سياد بري سيطيح بمشروع الدولة لما ثاروا ضده وهم في اقتتال على مدى 18 عاما يبحثون عن بصيص أمل لآعادة شبه الدولة المندثرة.
- تعزيز مشروعية السلطة : ينبغي أن تعلن الأطراف المتوافقة على تأجيل الانتخابات للملأ برنامج عمل محدد بفترات زمنية ، كل فترة منها يتم انجاز موضوع أو ملف معين من الملفات الموضوعة للنقاش، وإعادة النظر لانجاز كل المهمات خلال عام من تاريخ الاتفاق ، وأن أي تأخير قد يتسبب في تجدد الصراع واستمراره مما قد يعلق الديمقراطية.
- الاستبداد الملعون : نحن جميعا ضد الاستبداد بما في ذلك السلطة المستبدة تعلن أنها ضد الاستبداد ، ولكن التخلص من الاستبداد يبغي أن يكون على حساب استمرار مشروع الدولة وتطويره وليس على أساس هدمه ، إن الأصوات الغاضبة التي تدعو اليوم هنا وهناك إلى الإنفصال ندعوها أن تتذكر أنه لو انفرط عقد الوحدة ستبدو فداحة الكارثة وخطورتها على الإنسان اليمني وسنعود لنتحسر على ما اقترفناه في حق أنفسنا وفي حقوق الأجيال ، لكننا ينبغي أن لا نسمح لأنفسنا بالوقوع بخطأ الخيارات المتهورة ..
والمطلوب منا جميعا وبشجاعة سلطة أولا ، ومعارضة ثانيا ، وأفراد ثالثا: أن نعالج أسباب الغضب والتطرف في الخطاب ، أن نقيم دولة الحق والعدل ،وأن نرفع المظالم عن الناس وأن لا نسمح لفئة قليلة أن تستمر في النهب والفساد والظلم ، هؤلاء الداعون إلى الانفصال اليوم كانوا ذات يوم أكثر الدعاة إلى الوحدة فلماذا نعاقبهم على خطأِ دعوتهم اليوم بسبب أخطائنا في حقهم دون أن نتذكر حسن نيتهم بالأمس، إننا لم نستطع هزيمة القوات الجنوبية في حرب 1994 – وهي قوات يمنية ووطنية بامتياز - لأننا أقوياء ولكن الغالبية العظمى في الجنوب بما في ذلك المقاتلين لم يكونوا راضين عن الانفصال فكان الناس بحيادهم يشكلون دعما لخيار الوحدة، وهذا هو سبب انتصار الوحدة اليمنية عن أي بديل آخر، ولا تزال الفرصة سانحة أمامنا بإعادة الأراضي المنهوبة لأصحابها وتحسين أوضاع الناس في الجنوب خاصة وبقية اليمن عامة وإقامة العدل وتعزيز سلطة القضاء التي سنحتكم إليها جميعا وتقوية الحزب الاشتراكي كشريك في قيام الوحدة والحفاظ عليها ، قد لايكون الحزب الاشتراكي اليوم شريكا في السلطة ولكنه صمام أمان لاستمرار الوحدة، والدليل على ذلك أنه يواجه ضغوطات شعبية لاتخاذ قرار المواجهة والانفصال ولكنه اختار طريقا مشروعا وهو البقاء في ظل الوحدة والديمقراطية ويطالب بصياغة جديدة للشرعية وهذا مطلب شرعي .
الخاتمة : لماذا الحزب الحاكم ؟ لأنه بيده كل السلطات وهو المسؤول عن السياسيات التي يقرها ومسؤول عن العثرات والإخفاقات، وهو وحده يتحمل تبعات مخرجاته السياسية التي ليست محل رضا أو إقناع. وهو وحده بيده القدرة أن يصلح البلاد والعباد أو أن يتسبب في إهلاك الحرث والنسل، وعندما تصل المعارضة إلى السلطة ستتوجه سهام النقد إليها بذات الطريقة التي نوجهها اليوم وغدا وبعد غد إلى أي حزب يحكم.
د. فيصل الحذيفي
hodaifah@yahoo.com
في الثلاثاء 10 مارس - آذار 2009 10:34:15 م