الحراك الجنوبي وثورة اليمن الشعبية
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 7 أيام
السبت 19 مايو 2012 03:46 م

تعالت المطالب الحقوقية لأبناء المحافظات الجنوبية إثر المظالم التي تعرضوا لها بعد حرب صيف 94م، لكن سلطة صنعاء بدلاً من الاستماع إلى تلك المطالب وتقديم الحلول المناسبة لها عمدت إلى إنكار وجودها وتجاهلها؛ وسوفت في معالجة ما تم الاعتراف بوجوده منها. وأدى ذلك إلى تطور مفردات القضية الجنوبية من مطالب حقوقية إلى أن أصبحت قضية سياسية بامتياز، خصوصاً بعد اتخاذ الحراك الجنوبي بعداً منظماً منذ العام 2007م.

تجدر الإشارة إلى أن اللقاء المشترك في البرنامج الانتخابي لمرشحه في الانتخابات الرئاسية 2006م الأستاذ المناضل فيصل بن شملان كان قد تبني كثير من مطالب القضايا الحقوقية التي كان يطالب بها أبناء الجنوب؛ سواءً الخاصة منها بالجنوبيين أو تلك التي تتخذ بعداً وطنياً على مستوى أراضي الجمهورية اليمنية. وقد ساعدت المهرجانات الانتخابية لمرشح المشترك في تلك الانتخابات على كسر حاجز الخوف لدى المواطن اليمني؛ ذلك أنه لأول مرة تابع المواطنون نقداً لاذعاً لسلطة الرئيس السابق على عبدالله صالح عبر وسائل الإعلام الرسمية.

ونستطيع القول أن ذلك بدوره قد انعكس على القضايا المطلبية الجنوبية وعمل على ارتفاع سقفها وصولاً إلى إعلان الحراك الجنوبي السلمي في العام التالي للانتخابات الرئاسية. وقد كان لشهداء الحراك الذين سقطوا خلال احتجاجاته السلمية دور كبير في حشد مزيد من التآييد لمطالبه على مستوى جنوب اليمن وشماله، حيث تولدت قناعات كبيرة لدى أبناء الشعب اليمني بأن إصلاح الأوضاع في ظل سلطة الرئيس صالح لم يعد ممكناً، وهو ما أدى إلى ارتفاع شعار "التغيير بدلاً من التشطير" أثناء انعقاد مؤتمر التشاور الوطني الذي نظمه اللقاء المشترك في 2009م؛ ومن رحمه ولدت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني برؤيتها التي قدمتها للإنقاذ الوطني.

ورغم أن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر قد عجلت باشتعال ثورة اليمن الشعبية السلمية في فبراير 2012م إلا أن الثورة اليمنية قد استمدت جذوتها الحقيقية - بدرجة رئيسية- من الحراك الجنوبي السلمي، وكانت مقدمات الثورة الشعبية اليمنية قد بدأت بالظهور قبيل اندلاع أحداث الثورة التونسية عندما دعت لجنة الحوار الوطني إلى هبة شعبية ضد نظام صالح، وهو ما جعل وسائل إعلام النظام اليمني تخرج ساخرة وبعناوين عريضة تقول بأن الهبة الشعبية التي دعت لها أحزاب المشترك قد اشتعلت في تونس بدلاً عن اليمن.

وبالعودة إلى الأهداف التي أعلنها شباب المجتمع اليمني وقواه الحية لثورتهم الشعبية السلمية سنجد أن تلك الثورة قد تماهت مع أهداف الحراك الجنوبي السلمي وتبنتها؛ مع فارق أن الثورة أردت تعميم تلك المطالب والأهداف على مستوى الوطن اليمني بأكمله، لكون المعاناة التي سببها نظام الرئيس السابق قد امتدت لتشمل طول البلاد وعرضها ولم تقتصر على منطقة جغرافية محددة، وبالتالي فإن الحل لكل تلك المعاناة والقضايا الناتجة عنها من وجهة نظر الثوار لا يكمن بانفصال الجنوب عن الشمال - وفقاً لدعوات بعض أطراف الحراك الجنوبي- لكنه يكمن بترحيل النظام السابق الذي سبب كل تلك المشاكل، ومن ثم التوافق على صياغة جديدة لدولة الوحدة اليمنية في إطار دولة مدنية ديمقراطية لامركزية، قوامها العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، والشراكة الوطنية في السلطة والثروة.

وكان من اللافت أن الثورة الشعبية اليمنية في بداية انطلاقتها قد قوبلت بالترحاب لدى أبناء الجنوب بمن فيهم الكثير من أطراف الحراك الجنوبي، حيث امتدت ساحات الثورة في المحافظات الجنوبية جنباً إلى جنب مع المحافظات الشمالية، الأمر الذي بدأ يدفع بتغيير المزاج الشعبي الجنوبي الداعي للانفصال إلى التخلي عن طروحاته تلك واعتبار الدولة المدنية ذات الحكم الرشيد التي يطالب الثوار بإقامتها في اليمن على أنقاض نظام صالح بديلاً مناسباً وعادلاً لتلك الطروحات.

وقد أدى كل ذلك إلى إصابة نظام صالح الحاكم برعب شديد، حيث دفع بأجهزته الاستخباراتية وآلته الإعلامية - خصوصاً التي ترتبط به بصورة غير مباشرة وتقدم نفسها على أنها مستقلة- لبث دعايتها المضللة وترويع أبناء الجنوب من الخطر الذي يشكله تبني أهداف الثورة الشعبية على القضية الجنوبية. ومع الأسف الشديد فقد تمكن اللوبي الصالحي من فرملة مزاج الشارع الجنوبي المؤيد للثورة إلى حد كبير؛ خصوصاً بعد أن تبنت بعض أطراف الحراك الجنوبي موقفاً معادياً للثورة وتعاملت معها كشأن شمالي لايخص الجنوبيين؛ ونظرت إلى ساحاتها في الجنوب على أنها صارت طرفاً معادي للحراك.

لكن تطور الأحداث برحيل صالح وانهيار نظام حكمه الاستبدادي الفاسد تحت ضربات الثورة الشعبية وانتقال صلاحياته إلى رئيس جنوبي؛ إلى جانب تكون مزاج رسمي وشعبي لدى أبناء الشمال يؤيد تولي أبناء الجنوب لأهم المناصب المفصلية لدولة الوحدة اليمنية، يفترض أن يساعد على دفع أبناء الجنوب المنادين باستعادة دولتهم الجنوبية على الاتجاه نحو الطروحات الأخرى المنادية بحل القضية الجنوبية في إطار دولة الوحدة، خصوصاً إذا استبق الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني مؤتمر الحوار القادم باتخاذ قرارات شجاعة تعيد الحقوق المسلوبة من أبناء الجنوب لأصحابها؛ وعلى رأسها الأراضي المنهوبة، ومعالجة قضايا المسرحين من مناصبهم ووظائفهم المدنية والعسكرية؛ حتى يشعر أبناء الجنوب بأن الحاضر صار أفضل من الماضي؛ وأن المستقبل القادم سيكون بالتأكيد أفضل منهما معاً.

نقول ذلك وأملنا أن يستشعر إخواننا في الجنوب الدور الملقى على عاتقهم في هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي يمر به الوطن اليمني ككل، ذلك أن أهداف الحراك الجنوبي ومن ورائها أهداف الثورة الشعبية قد صنعت مزاجاً شعبياً عريضاً لتأييد بناء دولة مدنية حديثة في اليمن، وليس بخافٍ أن انفصال الجنوب سيؤثر سلباً على التقدم صوب بناء بنية المجتمع المدني الديمقراطي المتطور في الشمال، حيث ستجدها القوى التقليدية فرصة سانحة للاستفراد بالشمال وإخضاعه لهيمنتها.

خصوصاً ونحن نرى هذه الأيام بعض القوى المشيخية الموالية للرئيس السابق وهى تشن حرباً مسعورة ضد رئيس حكومة الوفاق الوطني باسندوة، لكونه قد صرح بأنه لن يسلم لأولئك المشائخ المليارات الطائلة التي كانوا يتقاضونها منذ عشرات السنين من دون بقية أبناء الشعب اليمني؛ ويطالبون باستمرارها كحق مكتسب يرونه لأنفسهم ثمناً لما سماه بعضهم نضالهم ضد الأتراك؛ وظل يصب في خزائنهم قرابة قرن من الزمان ولايريدون له الانقطاع..ومن يدري فقد يفاجئنا أولئك المشائخ بالقول بأنهم هم من حرر اليمن من الفرس والأحباش والرومان قبل ظهور الإسلام، وبالتالي مطالبتهم بقبض الثمن بأثر رجعي ومستمر إلى أبد الآبدين.. ولا أدري إن كانوا يدركون بأن الثوار والمناضلين لايمُنون على شعوبهم وأوطانهم ويطالبونها بأجر ماقدموا لها من خدمات؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لصاروا مجرد مرتزقة يستخدمهم من يدفع أكثر.

خلاصة القول: بأن نضالات الحراك الجنوبي ومن بعده الثورة الشعبية إنما هي وسائل خاضها الشعب اليمني في جنوبه وشماله من أجل غاية أسمى تتمثل بدولة مدنية رشيدة؛ توفر لأبنائها حياة حرة وكريمة، بعد الاعتذار عن أخطاء الماضي من مختلف أطرافه، وتصحيح اختلالات الحاضر، وبناء أسس سليمة وعادلة تمكننا من الانطلاق صوب مستقبل زاهر وآمن.

وإذا كان الحراك قد رفع تلك الأهداف على مستوى الجنوب فإن الثورة الشعبية قد قدمت لنا فرصة تاريخية سانحة لتعميمها على كل التراب الوطني لليمن.. فهل سيلتقط عقلاء هذا الشعب تلك الفرصة السانحة؟ أم سيضيعونها كما ضيعوا غيرها من الفرص؟..إجابة ذلك السؤال ستتجسد لنا من خلال ما سينتجه لنا مؤتمر الحوار الوطني القادم ولجنة صياغة الدستور التي ستنبثق عنه..وإنا لمنتظرون.