عبء القبيلة ... غياب العدالة 2-2
بقلم/ غادة محمد أبولحوم
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 9 أيام
الإثنين 16 إبريل-نيسان 2012 07:43 م

النظام القبلي لم يبنى علي باطل لهذا لسنا في حاجة لمحاولة القضاء عليه وإنما نعمل علي توسيع دائرة القبيلة إلى أن تنطوي تحت نظام اكثر شمول وهي الدولة .

المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا جزء كبير منها يعود لغياب قانون الدولة و ضعف أعراف القبيلة على حد سواء نتيجة سياسة النظام السابق الذي انتهج سياسة تفريخ القبائل وإضعافها من خلال الحروب والثارات والنزاعات من جهة وإهمالها وتغييب التنمية عنها من جهة اخرى ، كما كان لوجود الاحزاب دور كبير في انقسام القبيلة و تفككها .

تتهم القبيلة الان بالتخريب والإرهاب ومن امثلة ذلك الاعتداءات المتكررة على ابراج الكهرباء واختطاف السياح الأجانب وهنا يجب ان نقف قليلاً مفكرين في اهم اسباب هذه الاعمال التخريبية , لندرك ان ما يحدث سببه غياب وجود دولة قويه تعمل على فرض وجودها وتنفيذ قوانينها ودستورها على الجميع. الجهات التي تنفذ تلك الاعمال معروفة بل ان اسماء المنفذين والمتورطين في تلك الجرائم موجودة لدى اجهزة الامن والدولة لكن لا احد يحرك ساكن تجاههم او محاولة ضبطهم وإيقافهم .

لو نظرنا علي سبيل المثال للكهرباء ، فهي تمر من مناطق لا زالت الى اليوم محرومة منها لتنير غيرها و هي في ظلام دامس يجعل المنطق يقف معهم قهرا. اي مأساة هذه التي تجعل منا المستفيدين ، مقارنة بمن هم اكثر حرمان . فنحن بنسبة لهم برغم جميع معناتنا و حرماننا نعد مواطنين من الدرجة الاولي .

معاناة الاخرين لا تعنيهم لأنهم في الاساس في معاناة أزلية لم تحظى بالاهتمام. وأصبحوا "مخربين" في نظر دولة لم تبني لهم كي يستطيعوا إدراك ما أضرار التخريب.

لا أدافع عن اعمال التخريب فهي ليست الحل و لكن النظر في المشكلة بإنصاف وواقعية وتجرد هو جزء هام من الحل الذي قد يكون مستقبلا . وما الكهرباء وغياب عدالة التوزيع فيها إلا احد الامثلة التي توضح غياب الرعاية والمساواة التي تنتهجها الدوله تجاه القبيلة وأبنائها .

المشكلة يسهل سردها ، ولكن الحل يأتي من خلال طرح جميع وجهات النظر و بتعاون كل الجهات المعنية سواء الدوله ومؤسساتها الرسمية او القبيلة ومن يمثلها. شخصيا ارى ان الحل اولا ً يتمثل في منع التخريب بمختلف انواعه و اين كانت مبرراته ودوافعه . يجب ان يكون هناك رادع قوي وإجراءات عقابية صارمة لا تستثني احد. ولا يجب القبول بمساومة او حوار مع اي طرف ينتهج التخريب والإرهاب . لابد من ان يعرف الجميع ان التخريب عمل مخالف للقانون وانه لن يكون وسيلة لتحقيق اي مطالب حتى وان كانت عادلة.

لا يجب ان يكون هناك اي تهاون او تعاطف مع من يضر بالمصالح العامة . وبالمقابل يجب على الدولة ان تسرع في ايجاد مشاريع خدمية وتنموية لأبناء المناطق القبلية وان تسير وفق خطة زمنية محددة ومدروسة يكون اهدافها ايجاد وتوفير الخدمات لأبناء تلك المناطق بما يمكنهم من الشعور بالعدالة والرعاية والمساواة كغيرهم من ابناء المجتمع .

يجب ان يكون هناك تعاون بين الدولة و القبيلة في القضاء على مثل هذه الاعمال. على الحكومة ان تقوم بعملية التواصل مع شيوخ القبائل و التنسيق معهم حول بعض الاجراءات الوقائية والأمنية لحماية تلك المنشآت الخدمية الهامه . وعلى وجهاء القبائل ايضا ان يلتزموا بعهود على انهم سيعملوا من اجل التصدي للمخربين و تسليمهم للعدالة لتطبيق القانون بحقهم واخذ العقوبات التي تتناسب مع جرائمهم .

اذا استطاعت الدولة ايجاد قانون قوي يسري علي الجميع بشكل شجاع وحاسم لا يفلت تحته احد من العقاب , وفي حال وجود نوع من الوعي والإدراك لدى الجهات التي تقوم بتلك الاعمال ان التخريب لا يمكن ان يجني سوى العقاب من الحكومة و النبذ داخل القبيلة فان مثل تلك الاشكاليات قد تنتهي تدريجيا وبصوره متسارعة حتى تنتهي تماما وتختفي.

بالمقابل ايجاد طريقة تكون قادرة علي تلبية المطالب بشكل صحيح تتلاشى فيها الأساليب التخريبية و الغير قانونية. لا يكون فيها تهاون او مماطلة ولا وعود كاذبة. لأن التخريب ليس بالأمر الهين و هو يشكل عبء علي المتسببين فيها ، في حال وجود بديل قانوني وعملي فلن يعد هناك حاجة للجوء لمثل هذه الاعمال .

كما ان من الاهمية ايضا معرفة دور القبيلة الفعلي و دور الشيخ فيها ، و معرفة حقوق افراد القبيلة و واجباتهم بما يخلق توازن في مجتمع قبلي يكون مبني علي اسس صحيحة و مساندة المجتمع لهذه الأعراف وخصوصياتها والاستعداد لتقبلها على اساس انها لا تتنافى مع قيام دوله حديثة تسهم في بناء دولة السيادة و القانون. والابتعاد عن خلق عداوات مع القبيلة لمجرد العداء والابتعاد عن كل ما يثير النعرات المناطقية والقبيلة والعنصرية ورفع الشعارات اللامدروسة التي قد تنعكس سلبا على الوضع بصورة عامة. فالقبيلة احد مكونات الشعب اليمني منذ القدم ومن غير المعقول ان يخرج البعض للمطالبة بحلها واقتلاعها . فالقبيلة جزء لا يتجزءا من نسيج المجتمع اليمني بمتخلف مكوناته وشرائحه المتنوعة .

وأخيرا يحب ان نضع في الحسبان ان الفترة الراهنة هي فترة ذهبية وهامة يتجسد فيها تغيير كبير وعظيم احدثتة ثورة الشباب السلمية. وعلينا ايضا ان نعرف ان الحاضر الذي نعيشه يحتاج منا ان لا نحمل النظام الجديد اعباء الماضي ومشاكله. فمن غير المعقول ان نتوقع التغيير سريعا و حلول فورية متجاهلين ان الثورة قامت ضد نظام صالح وكان الفساد الشامل المنتشر بشكل مخيف في كل مؤسسات الدوله اهم اسبابها.

يجب إعطاء الحكومة الوقت لأنها ليست فقط مطالبه ببناء الوطن و الذي لم تتفرغ بعد له، فهي لازالت تحاول التخلص من عقبات النظام السابق و أركان نظامه بالإضافة الي كل المعضلات الناتجة هنا .

على الجميع التحلي بالصبر و تقديم التنازلات و اعطاء الحكومة الفرصة و الوقت الكافي للقيام بالإصلاحات المطلوبة .