الجنوب والحوثيون في واجهة اليمن الجديد
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و يومين
الجمعة 29 مارس - آذار 2013 05:59 م

تَصدُر خطاب الحراك الجنوبي والحوثيين لمؤتمر الحوار الوطني له معنى واحد ؛ أن اليمن تلتئم من جديد ، وأن دعوات العودة إلى التجزئة تخفت ، وأن عودة حروب صعدة لم تعد ممكنة.
كان الحراك الجنوبي والحركة الحوثية في أحد ملامحهما عنوانين للخروج عن النظام السياسي ، وتعبيراً صريحاً ليس فقط عن رد فعل على المظالم والإقصاءات والحروب، بل قبل ذلك تعبير عن فشل كل المؤسسات القائمة في استيعاب مطالب المجتمع وأولوياته.
كل المؤسسات كانت تعبيراً عن إرادة النخبة السياسية الحاكمة ومنقطعة عن الفئات الشعبية ومطالبها وتطلعاتها، ابتداءً من المجلس النيابي والحكومة إلى المحليات والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية والنقابات والاتحادات المهنية.. وغيرها ، فقد أنجز النظام نهاية العقد الماضي فرض هيمنته على كل أشكال التعبير والتمثيل واخترقها ، وأفرغها من مضمونها بواسطة الإدارة الأمنية التي أدار بها البلد بكل مافيه ؛ من الحياة السياسية إلى الدبلوماسية الخارجية ، مروراً بالأندية الرياضية والإعلام والمدارس وكل مناحي الحياة.
وفي ظل تصاعد حالة استقطابية عدائية لاحظنا في فترات عديدة ارتكاس الحراك الجنوبي والحوثيين إلى متاريس مدمرة للبلد والتكوينات الصاعدة ذاتها ، وجِذْر هذا الارتكاس تمثل في تحوصل وتقوقع الحِرَاكينْ حول فكرتي فك الارتباط جنوباً وحق الولاية شمال الشمال ، ومعه بدت ممكنات الطرفين التحالفية محصورة في هدف التدمير والانتحار الذاتي، فطبيعة الهدف الارتكاسية تبنى على أرضية اليأس من نيل الحقوق في إطار الوطن الواحد الآمن المستقر الذي يقبل بجميع أبنائه ومكوناته ، وعلى أرضية اليأس يستوي الموقف ونقيضه ، وتغيب التحالفات البناءة في إطار المراهنة على وطن يتسع للجميع.
الآن نتابع فرصة تاريخية يمكن أن تقلب كل ميزان القوى في اليمن الذي ظلت تتحكم به قوى النظام المهيمن في الأربعين عاماً الماضية ، والذي عمم بعد حرب 94 على كل اليمن لتنعم بفوضى النهب والرعونة والهمجية بكافة صورها.
وفي إطار مؤتمر الحوار الذي يفتح أبواب الاستماع للآخر والقبول به شريكاً حقيقياً ينفتح الأفق من جديد لإبراز المعنى الخلاق لكل المكونات والأطراف المعنية وفي مقدمتها الحراك الجنوبي والتيار الحوثي.
وطالما وعنوان الولوج إلى المستقبل هو القبول بالآخر، فذلك يحتاج من كل الأطراف إلى إنجاز مراجعات شاملة في خطابها ، فلا يستقيم أن نستبدل إقصاء الحراك والحوثيين بخطاب عدائي إقصائي يشيطن حزباً كبيراً وممتداً في كل الجغرافيا اليمنية كالتجمع اليمني للإصلاح. 
اللوحة التي نشاهدها في مؤتمر الحوار ينبغي أن تمتد إلى عمق المكونات ، بأشكال ترسخ لغة الحوار وبلورة الخلافات وفق الرؤى البرامجية ، فكل تيار أو حزب هو في جوهره يمثل مصالح فئات مجتمعية محددة ، وينبغي أن تُحدد مسافة اقترابه أو ابتعاده عن هذا التيار أو ذاك بمدى اقتراب الرؤى البرامجية للطرفين وليس بناءً على عداءات أيديولوجية مجانية ومزمنة ، أو على عداءات شخصية أو تعبئة مذهبية أو طائفية أو مناطقية. 
ولن يكون ممكناً ترسيخ هذه اللوحة الجديدة التي يعبر عنها مؤتمر الحوار إذا لم تنجز هذه الفعالية الوطنية الاستثنائية صيغة جديدة للدولة تضمن تحقيق العدالة والمساواة والشراكة في السلطة والثروة الوطنية ، الشراكة للكتل المجتمعية بكافة أطيافها وليس للاقطاعيات النخبوية الممثلة لها.
وربما تكون النخبة المشيخية العسكرية التجارية التي أثرت وتضخمت بأدوات النظام السابق على المحك الآن ، فإما أن تضع حداً لجشعها وتغولها على اليمن واليمنيين وتقبل بالوضع الجديد ، وإما أن تضع نفسها مجدداً ضد المصلحة العامة وتتحمل كل النتائج المترتبة على المكابرة والتشبث بالأوضاع المعْوَجْة.
الفرص التاريخية لا تتكرر كثيراً ، وبإمكان أغلبية الشعب اليمني أن تحول مؤتمر الحوار الوطني إلى بوابة لمستقبل مشرق وواعد بحياة افضل من هذه التي تحولت إلى سلسلة عذاب لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد !!