زفة للمطبعين.. "آنا بوليس" يحسبه الظمآن ماء
بقلم/ علي عبد العال
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 4 أيام
الإثنين 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 07:52 م

"لن تُرجع المؤتمرات حقاً.. وبعد انتهاء آنا بوليس سيعود الزعماء والساسة إلى بيوتهم.. ويأوون إلى فراشهم ويبقى الاحتلال هو الاحتلال". كانت تلك هي الكلمات التي علقت بها الطالبة الفلسطينية "هالة الغفري" على زفة "آنا بوليس" التي دعا لها الأمريكيون والإسرائيليون أصدقاءهم العرب. وفي نقاش ثنائي بين الأخوين الفلسطينيين أحمد وهشام حميد، صاح أحمد في شقيقه : "هناك سيسرقون القضية الفلسطينية ويبيعوننا الوهم".

وبينما تجري مخططات التهويد بالقدس على قدم وساق، متزامنة مع تحليق الطائرات الإسرا ئيلية فوق رؤوس الفلسطينيين في غزة، لاستهدافهم، فضلاً عن غلق المعابر، وقطع إمدادات الوقود والكهرباء، ومنع العلاج عن المرضى، وتواصل الاعتقالات التي لا تستثني النساء والأطفال، واغتيال الزعامات، هلل العرب ــ وكعادتهم ــ للدعوة الأمريكية بالجلوس مع العصابة الصهيونية في "آنا بوليس".

وهو ما رحبت به إسرائيل، ولما لا، وقد رأت تسيبي ليفني ــ وزير الخارجية الصهيوينة ــ أن الحضور العربي يعزز فرص النجاح.. ووضع جورج بوش ثقله خلف آنابوليس، بل وسيعمل جاهداً على الخروج منه بدرجة "ناجح" إلا أن نجاح بوش أكيد لا يعني سوى فشل وخسران العرب، مهما حاول إفهام المجتمعين حوله أن نجاحه ونجاح أولمرت يعني نجاحهم أيضاً.

وإذ كان الاجتماع المرتقب فكرة ودعوة جورج بوش، التي تأتي بتنسيق كامل بينه وبين أيهود أولمرت، حيث قرر الاثنان معاً مطمأنيين لتبعية لا لبس فيها من جهة محمود عباس. فإن الثلاثة يعاني كل منهم تداعيات وعكة سياسية تكاد تطبق على أنفاسه. فالرئيس الأمريكي جورج بوش غارق في وحل العراق وأفغانستان، ولم يبق أمامه سوى عام واحد في السلطة، وهو يأمل أن يتمكن من التوصل لاتفاق قبل تنحيه في يناير عام 2009.. بل ويذهب مراقبون إلى أن الهدف الرئيس من مؤتمر آنابوليس، هو تحسين صورة إدارة بوش، والتهدئة من حدة الانتقادات على خلفية ما يجري في الشرق الأوسط.

ومن شأن التوصل حتى ولو إلى اتفاق جزئي بشأن دولة فلسطينية، أن يعزز التراث الذي سيخلفه بوش بعد سنوات من الجدال حول غزو العراق.. أما إذا فشل المؤتمر فسيكون بوسع الرئيس الأمريكي ــ على الأقل ــ أن يقول إن إدارته قامت بجهد حتى لو كان متأخراً.

وبالنسبة إلى أولمرت فإن الاتهامات بالفساد أخذت تطارده، والزعيم الصهيوني لا يكاد يحظى بشعبية بين الناخبين، بل ويواجه معارضة لا تكف عن توجيه لدغاتها من آن لآخر، ومن شأن قيام علاقات أفضل مع الأنظمة العربية أو الحصول منها على تنازلات أن يمكن أولمرت من تعزيز مواقفه ويخفف من قبضة الطوق حول عنقه.

أما أبو مازن الذي فقد السيطرة تماماً على قطاع غزة بعد أن سيطرت عليها حركة حماس، يشير المراقبون إلى أن فكرة المؤتمر ربما جاءت كوسيلة لتعزيز صورته، في مواجهة حركة المقاومة الإسلامية التي طردت قواته من غزة، وسيطرت على القطاع. ويحتاج أبو مازن كحد أدنى إلى إظهار تقدم ملموس في اتجاه قيام الدولة لكي يتصدى للتحديات السياسية سواء من جانب حماس أو من داخل فتح نفسها.

وفي سياق غير بعيد، يمثل حضور السعودية وسوريا ودول عربية أخرى، في آنا بوليس، فائدة قصوى لإسرائيل التي تريد مزيداً من التجارة والروابط الأخرى مع من تسميهم جيرانها العرب.

باقي زمرة الزعماء العرب كان عليهم أن يفكروا كثيراً قبل التجرؤ على رفض الدعوة الأمريكية، وربما هو السبب الذي جعلهم ينتظرون طيلة أسابيع قبل إعلان الموافقة الجماعية على حضور المؤتمر الذي سينعقد بمقر الأكاديمية البحرية في "آنا بوليس" عاصمة ولاية ميريلاند الأمريكية.

ورغم أن بعض هؤلاء كان قد أكد أنه لن يشارك، إلا أن التفكير على مهل في علاقاتهم الوثيقة والمصيرية مع واشنطن جعلتهم يخلصون إلى أن إغضاب شعوبهم أكثر أمناً من إغضاب سيد البيت الأبيض. حيث يرى خبراء ومتابعون ومعارضون لمثل تلك التحركات أن لديهم شكوكاً تجاه ما تسميه الحكومات العربية "تأكيدات" حصلت عليها. ويقولون : إن هذه الحكومات ستشارك فقط بسبب علاقاتها مع واشنطن، ونتيجة للولاء التام لسيد البيت الأبيض وحلفائه.

إذ أكدت واشنطن ومعها تل أبيب على أهمية إشراك أساطين الأنظمة العربية، وخاصة تلك التي لا تربطها علاقة بإسرائيل، مما أثار الشكوك في أن يكون الهدف الحقيقي هو تشجيع "التطبيع" وفتح الأبواب أمامه مع عدم تقديم أي شيء في المقابل، بمعنى أنه تطبيع بالمجان مع العدو المحتل في ظل استمرار عدوانه.

وقد قررت 16 دولة عربية مدعوة الحضور إلى آنابوليس لإثبات رغبة العرب "الجدية" في السلام واختبار نوايا إسرائيل، حسبما قالوا.. وبناء على ذلك، فإن كان هؤلاء العربان لا يعرفون ــ حتى الآن ــ نوايا إسرائيل، فتلك مصيبة، وإذا كانوا يعرفون وسيذهبون فتلك خديعة وخيانة لشعوبهم وأوطانهم.

وبينما لم يتمكن المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون حتى الآن، من الاتفاق على وثيقة مشتركة، صرح نبيل أبو ردينة ــ مساعد الرئيس الفلسطيني ــ بأنهم يعتبرون مؤتمر آنابوليس، نقطة انطلاق لمفاوضات الوضع النهائي التي ستؤدي إلى تحقيق حلم الشعب الفلسطيني، هكذا!!، على حد قوله. وعلى متن الطائرة التي أقلته إلى واشنطن، صرح محمود عباس بأنه متوجه إلى الاجتماع "لأحقق لشعبي الفلسطيني أهدافه وأحلامه".

وعلى جانب غير بعيد من الأحداث في المنطقة، يذهب مراقبون إلى أن أمريكا ربما تهدف فيما تهدف إلى التحريض على المقاومة الإسلامية، ولعل مكمن الخطورة يتمثل في أن انعقاد المؤتمر يتزامن مع الانقسام السياسي الفلسطيني، وسيادة حالة التشرذم، في أعقاب سيطرة المقاومة الإسلامية على قطاع غزة.

وإلى جانب الهدف السابق، تلوح مواجهة أمريكا لإيران بجبهة عربية سنية، وجدت نفسها فجأة في صف واحد مع إسرائيل. إذ يرى المراقبون أن (السلام في الشرق الأوسط) يمثل الآن إحدى وسائل بوش "لمحاولة احتواء نفوذ الراديكاليين في قطاعات مختلفة، ووسيلة لترسيخ نوع من التحالف ضد إيران وحلفائها". وربما لذلك أبدت إيران هجومها الشديد للمؤتمر على طول الخط ، واعتبره محمود أحمدي نجاد "لا فائدة له للشعب الفلسطيني، وهدفه دعم الصهاينة المحتلين". وفي اتصال هاتفي اتفق مع الرئيس السوري بشار الأسد على أن آنابوليس "محكوم مسبقاً بالفشل".