اليمنيون بين تقريرين
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 6 سنوات و 6 أشهر و 13 يوماً
السبت 21 إبريل-نيسان 2018 09:38 ص
 

عند انتهاء فترة عمله مبعوثا أمميا في اليمن قدم الموريتاني السيد إسماعيل ولد الشيخ تقريره الختامي نهاية شهر فبراير من هذا العام، ويوم الثلاثاء الماضي ١٧ أبريل قدم خلفه البريطاني مارتن جريفيثس أول تقرير له عن مشاوراته مع الأطراف المعنية يمنيا في الداخل والخارج وإقليميا وكذا مع عدد من فئات المجتمع من النساء اللاتي أشاد بما طرحن من أفكار (بأكبر قدر من الوضوح والإسهاب)، والشباب، والساسة.

في تقريره الأخير قال ولد الشيخ: «إن ما ينقص هو التزام الأطراف بتقديم التنازلات وتغليب المصلحة الوطنية.. وألا ننسى أن هناك سياسيين من كافة الأطراف يعتاشون من تجارة السلاح واستغلال الأملاك العامة لأغراض شخصية». جريفيثس في تقريره الأول أعلن «أن الحل السياسي لوضع حد لهذه الحرب هو فعليا متاح»، وأوضح بشكل جلي الحاجة إلى وضع جنوب اليمن كجزء أصيل من أي مفاوضات قادمة.

اتفق المبعوثان على أن المشكلة ليست في عدم وضوح محددات فرص السلام ولا الخطوات التي يعرف الجميع مسارها، لكن اليمنيين، كل اليمنيين، يعلمون علم اليقين أن قادة الحرب الأهلية وممثليهم الحزبيين والسياسيين أخرجوا هذه الحرب العبثية المدمرة عن أهدافها المعلنة وصارت مصدر ارتزاق وتكديس ثروة، ووسيلة انتقام واسترجاع حق مزعوم عند أغلبهم.

صار الشأن اليمني حاضرا ومعه أحوال اليمنيين في كل المحافل الإقليمية والدولية كقضية إنسانية تتقدم أهداف المتقاتلين، في الوقت الذي يغيب هذا البعد عن المتحاربين المحليين، ويكفي أن نستمع إلى وسائل الإعلام اليمنية من الطرفين وهي تفاخر بأعداد القتلى من (الانقلابيين) و(المرتزقة)، لكن ما يغيب عن أذهانهم أن هذه الأفعال قد طالت كل بيت يمني بعيد عن ساحة المعارك وأغراضها، وصار من الصعب النظر إلى مستقبل لا يحمل معه آثارا مدمرة على ما تبقى من خيوط تماسك المجتمع اليمني إنسانيا.

الأطراف اليمنية المتحاربة حولت الحرب إلى ساحة كبرى من تبادل المنافع، والكل يعلم عن الشبكات التجارية والمصالح المالية التي تربط بين بعض المسؤولين (الشرعيين) و(الانقلابيين) وممثليهم من رجال الأعمال، والتي تعمل بهمة ونشاط وتحت حماية الطرفين على تنامي المكاسب الذاتية.

وتتنازع قيادات حملة السلاح اليمنيين رغبات متضادة لا يجمع بينها سوى الأحقاد والأخذ بالثأر والأطماع تحت شعارات وطنية لم يعد المواطنون يكترثون كثيرا لها، فثلاث سنوات من الحرب ونحن ندخل في عامها الرابع، لم تزد الناس إلا يأساً من الذين يرفعون شعارات كاذبة وإلى جانبها السلاح، حتى صار اليمني فاقدا ثقته ولم يعد يعول على أي إنجاز يعود عليه بالنفع والأمان.

ما عرضه السيد جريفيثس من ملامح خطة يمكن لها أن تؤدي – في رأيي – لوقف هذه الحرب، تعتمد بشكل كبير على ما طرحه وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري في نهاية العام ٢٠١٦.

خطة كيري لم تكن حلا سحريا، لكنها كانت تشكل تحركا بعيدا عن النصوص التي يعترف المجتمع الدولي بأنها صارت واجبة التعديل، وسيكون من السذاجة التعويل على قرارات مجلس الأمن التي لم تسترجع حقا ضائعا واحدا لم تسنده إرادة دولية قوية وقبل ذلك إرادة وطنية ترتفع بالبلد فوق المصالح الشخصية.

السؤال الذي لا يجد اليمني وربما العالم جوابا مقنعا له عند قادة الحرب الأهلية: ماذا أبقيتم للأجيال القادمة من أمل يعيشون على ضوئه؟.