حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله تحذير خطير في أحدث تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين تترأسه اليمن
مأرب برس – النداء
* كيف يمكن حماية الرئيس و«سنحان» من السلطة؟
* على مدى العقدين الماضيي
ن؛ تأسس الحضور الذهني لـ«سنحان» في النفسية اليمنية على حقيقة انتماء الرئيس لها. اليوم أصبح لها حضور آخر: قوة العدوان.
* ما يقوله نافذو بلاد الرئيس: من يحكم اليمن ليس علي عبدالله صالح أو «سنحان»، بل نحن
لم تكن واقعة قتل الطفل طه العواضي العملية الأولى، التي يرتكبها بعض أبناء «سنحان» استقواء بالدولة، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة. غدت «سنحان» اليوم عصبة أكثر مما هي منطقة. بمعنى أبسط: لم تعد بلاد الرئيس ومنطقته فحسب، بل صارت نزعة جماعية دافعة للخروج على القانون تحت حافز الاحتماء بعصبة النفوذ، المتولد عن ظل المنطقة الباسط سيطرته على السلطة.
على مدى العقدين الماضيين؛ تأسس الحضور الذهني لـ«سنحان» في النفسية اليمنية على حقيقة انتماء الرئيس لها. اليوم أصبح لها حضور آخر: قوة العدوان. والشاهد أن عدد الحوادث التي دخلها، خلال الخمس السنوات الماضية، اشخاص من «سنحان» ضد أفراد من مناطق أخرى ارتفع بشكل ملفت. اعتاد المنتمون إلى بلاد الرئيس الخروج من جميع تلك الحوادث، منتصرين يحظون بتسويات مُرضية تعفيهم من المثول بين يدي العدالة. وقد أدت تلك التسويات إلى تشجيع المتنفذين في هذه المنطقة على ارتكاب المزيد من الإعتداءات، دون أن يكلفوا أنفسهم حتى الإلتفات إلى دماء الضحايا، التي يتركونها خضراء خلفهم.
ظهر الجبروت المعتمد على الشعور بالتميز المناطقي في جريمة قتل الحامدي، الذي ازهقت روحه بشكل دموي بشع لانه «لغلغي» تطاول على شخص من بلاد الرئيس! كانت الحادثة بشعة ومهينة للرئيس وجميع اليمنيين. ارتكب اشخاص من «سنحان» حوادث مشابهة من قبل، بيد أنه كان يجري احتواؤها في الظل، بفعل تدخل شخصيات عليا في الدولة. في قضية الحامدي، لعبت الصحافة دوراً كبيراً، فاتسع نطاق السخط الشعبي، وتم تسليط الأضواء على «سنحان» كقبيلة وقوة نفوذ تزداد قائمة ضحاياها يومياً. لأول مرة جعلت جريمة قتل الحامدي، الرئيس أمام مآزق انتمائه المناطقي. كان على الرئيس أن يؤكد أنه يمني أكثر منه «سنحاني»، ذلك أن موقف مناطقي حساس كهذا يقتضي من الحاكم، أي حاكم، إثبات دوره كقائد لإدارة دولة قانون ومؤسسات، أكثر منه قوة حماية خاصة لأبناء قبيلته، ومخلصاً لهم من المآزق والأزمات.
لعلي عبدالله صالح مزايا وخصال كثيرة؛ لهذا كنت أتمنى أن يتخذ موقفاً آخر غير الذي اتخذه في تلك القضية. لا أظن أن الرئيس اختار أن يكون «غرَّاماً» من «سنحان» عن أن يكون زعيماً وطنياً لكل اليمنيين. وأظن أنه لم يمارس ضغوطاً على أولياء دم الحامدي، أو قابل الحادثة ببرود المشجع على مثيلات لها. إن الذكاء، الذي يتمتع به الرجل، يجعلني أجزم أنه تألم كثيراً لما حصل للحامدي. لكن ذلك لا يكفي. نقل كثيرون حرصه لإرضاء اولياء دم الحامدي. وإن كان هناك من شهادة حق تقال هنا، فهي أن الضغوط مورست على أولياء دم القتيل من قبل وسطاء آخرين ينتمون لذات منطقته.
لقد تم إحراج الرئيس بالقضية، ولا أظن أنه شارك في إعطاء القاتل «فلوس» لدفع الدية. هناك قادة كبار من «سنحان» شاركوا في الدفع، وذلك عمل خيري لا ضير منه سوى انه عطل سير العدالة، التي يفترض أن الرئيس حاميها.
لم ينس الناس الجريمة، إلاَّ أن عدداً من أبناء «سنحان» اختلقوا قضية جديدة تذكر بهم كمنطقة حاكمة بإمكانها أن تقتل طفلاً على قارعة الطريق. لم يكن الطفل طه «لغلغي» من «حبيش»، بل عواضي ينتمي إلى قبيلة مقاتلة لديها أكثر من (5000) رام، طبقاً للتسمية ا لتي تروق صديقي العزيز محمود ياسين.
هل الرئيس مشكلة لـ«سنحان»
أم «سنحان» مشكلة للرئيس
مرة أخرى؛ الرئيس في الواجهة، بسبب انتمائه المناطقي، مع أن المفترض أن ينظر له الناس كزعيم ينتمي لجميع مناطق اليمن. لماذا على الرئيس أن يدفع ثمن انتمائه المناطقي، رغم أن الإنتماء مسألة ليس بإمكان أحد الفكاك منها؟ لماذا عليه أن يتحمل مسؤولية أشخاص خارجين على القانون لمجرد أنهم من منطقته، مع أن الخروج على القانون روتين يومي يُرتكب من قبل مئات ينتمون إلى مناطق أخرى؟
ساعد انتماء الرئيس إليها على جعل «سنحان» تحت طائلة الرقابة الدائمة، واضفى حساسية مفرطة تجاه الأعمال التي ترتكب من قبل ابنائها. ولا شك ان الشعور بالظلم جعل الناس يتعاملون مع كل ما يصدر عن أهل «سنحان» النافذين على أنه استقواء بالدولة أو بدعم منها. النافذون في كل مكان، فلماذا لا يتم التركيز إلا على كل ما هو محسوب على «سنحان»؟ الأهم: لماذا على الرئيس أن يكون طرفاً في أي خلاف ينشب بين «سنحاني» وشخص آخر من أبناء اليمن؟ هل الرئيس مشكلة لـ«سنحان» أم «سنحان» مشكلة للرئيس؟
مع الأخذ في الإعتبار الأوضاع البائسة التي يعيشها عدد كبير من ابنائها؛ إلاَّ أنه يمكن القول أن «سنحان» استفادت بشكل كبير من حكم الرئيس صالح. لقد تدرج كثير من المنتمين إلى هذه المنطقة إلى مواقع قيادية لا يستحقونها، وحصل آخرون على تسهيلات كبيرة جعلت منهم رجال اعمال ومالكي «مؤسسات»، لا علاقة تجمعهم بالخدمات التي تقدمها!
صعدت «سنحان» مع الرئيس وارتفعت به. كان لعلي عبدالله صالح، المعروف بقدرته القيادية وحنكته، أن يحكم بدون «سنحان»، لكن هذه ما كان لها أن تكون على الحال الذي هي عليه اليوم بدونه. هناك ضريبة تدفعها مناطق الرؤساء في العالم الثالث، لكن ذلك لا يساوي شيئاً مقارنة بالإمتيازات والتسهيلات التي تتحصل عليها.
على الدوام كانت «سنحان» مشكلة بالنسبة لكثير من اليمنيين؛ شأن مناطق رؤساء العالم الثالث. تضاعفت «سنحان» اليوم كمشكلة مع اليمنيين، لكنها تتبدى كمشكلة أكبر بالنسبة للرئيس.
قدم علي عبدالله صالح نموذجاً فريداً للقائد المتسامح. أدى ذلك إلى تفريخ مئات النافذين في طول اليمن وعرضها. بشكل خاص فرَّخ الأمر نافذين كبار من «سنحان» وأضفى على عدد كبير من أبنائها نوعاً من الحصانة المتعالية، بددت حق المواطنة المتساوية بخلق معنيين واقعيين لها؛ أحدهما لأبناء منطقة/ قبيلة الرئيس، وأخرى لبقية اليمنيين.
في الوعي الشعبي؛ كانت «سنحان» تعني الإستفراد بالحكم والإستيلاء على الوظائف الهامة والثروة. اليوم أصبحت أداة للإذلال والإهانة والقتل.
طوال (29) عاماً كان يكفي أن تكون من «سنحان» لتضمن عدم عداء الناس لك، وسير المعاملات التي تريد. وخلال هذه الفترة كان يكفي أن تكون «سنحاني» مُتطلع لتضمن الحصول على منصب رفيع في الدولة، أو العمل في حاشية الرئيس وحرسه المرفه.
لا تخرج «سنحان» عن ثقافة مجتمعات العالم الثالث، إذ سارت عملية توسع نفوذها في أجهزة السلطة وفق نمط مفهوم، سانده تسليم بقية اليمنيين بشرعيته ومبرراته. وكما هو معروف للجميع؛ فقد كان لبلاد الرئيس تأثير معنوي كبير دفع كثيرين إلى ادعاء انتمائهم لها. ما الذي يجعل مواطنين عاديين يدعون بأنهم من «سنحان»؛ غير الشعور بها كقوة حماية أو كأداة لإرهاب الآخرين والحصول على امتيازات خاصة؟
اعتمد الرئيس على اشخاص من «سنحان» في إدارة دولته، وذلك أمر مفهوم، وكان بالإمكان تسديد الإلتزامات المترتبة عليه. في الوقت الراهن تعدد طامحو هذه المنطقة فاتسع نفوذهم مشكلين كانتونات حماية للمعتدين وعصابات نهب الأراضي.
تقويض لشرعية الرئيس
حافظ الرئيس على رجاله القدماء من أبناء منطقته، لكن هؤلاء لم يحافظوا عليه. إن حماية ظهر الرئيس يكون بالإلتزام بالنظام والقانون. ويبدو واضحاً اليوم أن دعم قتل الابرياء وتشجيع عصابات البسط على الأراضي يثير سخطاً عاماً تجاه الرئيس، الذي يدفع منفرداً فاتورة ذلك.
تمر «سنحان» بمرحلة انتقالية هامة. ورغم أن رجال الرئيس المنتمين لها حافظوا على مواقعهم كوجاهات وقادة معسكرات، إلاَّ أن شعورهم بانتقال قواعد اللعبة إلى قبضة فاعلية جديدة للحكم دفعهم إلى توسيع حضورهم القبلي؛ لحماية وتكوين نافذين صغار يُستخدمون كأدوات لضمان تدفق أكبر قدر من الأموال عبر البسط على الأراضي وإختلاق المشاكل والعقبات أمام الحياة الطبيعية للناس.
لقد كانت «سنحان» طوال الفترة الماضية بلاد الرئيس، فيما هي اليوم منطقة الحكم الوحيدة. وهي إذ تصدِّر الخوف وتعاظمه، يوماً بعد آخر، لدى بقية أبناء الشعب، تقول إنها تحكم، ليس عبر علي عبدالله صالح، بل عبر الإذلال والقتل، والشاهد ما جرى الأسابيع الماضية.
بعد أيام من قتل الطفل طه العواضي، تم قتل الشاب منصور الشهاري ظهراً، مطلع مارس الجاري، في قلب صنعاء، على أيدي مجموعة يقودها نجلا قائد عسكري كبير من «سنحان». كان الحادث مؤلماً أكد فيه نافذو «سنحان» أنهم لن يتراجعوا عن صياغة مشروعهم كقوة للقهر، ليس بإمكان أحد الوقوف أمامها أو محاسبتها، حتى بمجرد السؤال. قوة قهر لا تهتم بالرئيس والتزامه الأخلاقي بحماية رجال دولته من بقية المناطق.
أسس اللاشعور سلوكاً يومياً لدى عدد كبير من أبناء «سنحان» بأنهم جماعة متميزة عن بقية اليمنيين، رضي الرئيس أم لم يرض. والواضح أن هؤلاء يريدون أن يجذروا في الوعي العام رسالة مفادها أن من يحاول الدفاع عن كرامته أمامهم سيدفع ثمناً كبيراً: حياته.
شخصياً؛ لم أصدق أن الرئيس تعصب مع أبناء منطقته ضد قبيلة العواضي؛ ذلك أن الرجل، الذي تميز بشرف الخصومة، لا يمكنه أن يتعصب مع أشخاص قتلوا طفلاً أعزل عمره (11) سنة.
أفنى علي الشاطر (خال منصور الشهاري) عمره في خدمة الرئيس بإخلاص وتفانٍ جعله عرضة لسهام الساخطين على الحكم، ثم وجد نفسه معتدى عليه دون أن يستطيع فعل شيء. ماذا يعني أن يقتل ابن شقيقة علي الشاطر ويعجز عن إيصال القاتل إلى القضاء؟ ماذا يعني أن يعجز الشيخ ياسر العواضي عن إيصال قتلة ابن عمه إلى القضاء؟ هناك أكثر من معنى للأمر، بيد أن رسالة واحدة: إهانة الرئيس عبر إهانة رجاله المقربين. وتأكيد أن بقية أبناء البلاد مهما بلغت مكانتهم في نظام الحكم يظلون مجرد موظفين لدى اصحاب السلطة الفعليين: نافذي «سنحان». وإذ ما أمكن الإسترسال يمكن وضع إضافة هامة: كل ما يقوله نافذو بلاد الرئيس: إن من يحكم ليس علي عبدالله صالح، أو «سنحان»، بل نحن! إن هؤلاء لا يكنون أي احترام للرئيس، الذي يظهرونه غير مهتم بحياة مواطنيه وحماية رجاله، رغم انه معروف بالوفاء لمن يخدمونه.
يريد نافذو «سنحان» أن يضعوا فرقاً واضحاً بينهم كأصحاب حكم، وبين العاملين في خدمة هذا الحكم. ويريدون أن يرسخوا في أذهان الناس فكرة أساسية: أن الرئيس يمكن أن ينحاز إلى أصغر «سنحاني» ضد أكبر رجال دولته لمجرد أنهم ليسوا من «سنحان».
بعد 29 سنة، أثبت الرئيس أنه الرجل الأول في البلاد، فجاء هؤلاء يهدمون كل ذلك. إنهم يقوضون شرعيته ويظهرونه مناطقياً متعصباً. إنهم يقوضون شخصيته كزعيم دولة، ويدمرون كل الإنجازات التي حققها. يريد الرجل ان يكون نموذجاً لزعامة وطنية كبيرة، وهم يريدون له أن يكون من «سنحان». قدم نفسه كرجل بحجم وطن، فيما يُراد له أن يكون رجل بحجم منطقة.
ما الذي يمكن أن يقوله الناس وهم يرون أن رموزاً كباراً في السلطة يعجزون عن حماية دماء أُسرهم، ويفشلون، تالياً، في احالة القتلة إلى العدالة؟ ببساطة؛ سيقال إن الرئيس يحمي أبناء منطقته، وذلك ما لا نرضاه لرجل ما زلنا نكن له احتراماً، رغم اختلافنا معه.
مصنع لإنتاج الكراهية والحقد
تعرفت إلى عدد من أبناء «سنحان»، قبل أكثر من عام. أتذكر أني قلت حينها لأصدقاء إن هؤلاء يستحقون أن يحكموا البلد. دُعِّمت هذه الصورة بشهادات كثيرين أكدت الأخلاق العالية لأبناء هذه المنطقة، وأصالة معدنهم.
الأسبوع قبل الماضي؛ استفسرت الصديق علوي السقاف عن أبناء «سنحان»، لعلمي أنه عمل لفترة طويلة كمدرس في منطقتهم. قال علوي: هم جداً راقيون ومدنيون مقارنة ببقية القبائل المحيطة بصنعاء.
أشعر بالأسى تجاه الكراهية التي يكنها غالبية اليمنيين لـ«سنحان» كمنطقة وبشر. هناك شرفاء في «سنحان» لا يستحقون غضب ولعن الناس.
بدأت الكراهية تجاه «سنحان» كنتيجة طبيعية لإحساس غالبية الشعب بأنها اغتصبت الثروة والحكم. تضاعفت الكراهية حتى غدت موجة من العداء والحقد. يشعر اليمنيون اليوم أن دماءهم وكرامتهم مستباحة من قبل عدد من نافذي هذه المنطقة، خاصة وأن جبروت هؤلاء طال شخصيات كبيرة في البلد. والحال أن غالبية اليمنيين أبدوا تعاطفهم الواضح مع آل العواضي كموقف مسبق من «سنحان» وكرهاً لها.
في جريمتي قتل الطفل طه، والشهاري؛ وصل العدوان حداً سافراً ومهيناً لأبناء «سنحان»، الذين يفخرون بشجاعة جدهم الذي حمل «السحب وهو حامي». أين شجاعة «السنحاني» (الجد) من قتل طفل أعزل ومهاجمة شاب وقتله بعد أن وُضع في موقف اشبه بالإستسلام؟ إن هؤلاء يسيئون لـ«سنحان»، ويعملون كمصنع لإنتاج الكراهية والحقد تجاه الرئيس، الذي يقول الناس إنه سبب كل الاعتداءات، التي ترتكب من قبل جماعات من أبناء منطقته ضد العزل والضعفاء والأطفال. أنهم يقدمون «سنحان» كمجموعة من الجبناء.
جُرح شُبان وشابات في جريمة قتل الشهاري، دون ذنب سوى المرور في مكان الجريمة. صار العدوان يتم على الناس لمجرد مرورهم في نفس الشارع والفضاء الذي يوجد فيه اشخاص من «سنحان»!
هؤلاء النافذون يحاولون إظهار الرئيس وكأنه ليس قائداً وحدوياً. حتى «العوجة»، أيام حكم صدام حسين لم ترتكب مثل هذه الاعتداءات ضد بقية العراقيين. كان القتل يمارس هناك من قبل مؤسسة النظام، وليس مزاجياً وقبلياً طبقاً للحاجة الفردية ورغبة العدوان والسطو، كما هو حاصل هنا.
تجربة «سنحان» موجودة تاريخياً، وهي لا تقود إلا إلى شيء واحد: تدمير النظام الذي تستقوي به. إن هؤلاء أشد خطراً على دولة الرئيس علي عبدالله صالح من أتباع الحوثي وإرهابيي تنظيم «القاعدة»، ذلك أنه يقاتل في صعدة مستنداً على شرعية شعبية، فيما نافذو منطقته يجردونه من كل شرعية في صنعاء.
أكثر من بقية المناطق اليمنية يحتاج الرئيس خارطة طريق حقيقية، للتخلص من نافذي «سنحان». أهالي «سنحان» يحتاجون أكثر من خارطة طريق تفتح لهم آفاقاً جديدة للسلم مع بقية أبناء الشعب وتريحهم من ضغائن الحقد والكراهية.
لقد صارت سنحان عبئاً على الرئيس أكثر مما هي عبء على اليمنيين. والأرجح أن الرجل، الذي قرن فترة حكمه للبلاد، طوال الـ(29) عاماً، برفع الشعارات المعادية للمناطقية، بات يدرك اليوم مقدار الحرج الذي يسببه له عدد من أبناء قبيلته غير المستوعبين للالتزامات، التي يفرضها كرسي الحكم على الجالس فيه: الترفع عن العصبوية القبلية، وتحقيق المواطنة المتساوية لجميع أبناء شعبه.
كان القادة العظماء أكثر تشدداً لتطبيق العدالة ضد ذويهم. لا نطلب من الرئيس أن يكون متشدداً تجاه أبناء منطقته، بل نطلب منه أن يمارس سلطاته كمسؤول عن دماء الناس وتطبيق القانون.
يجب أن تتوقف اعتداءات نافذي «سنحان»، وذلك لن يكون إلاَّ بإلقاء القبض على قتلة العواضي والشهاري والحامدي وتقديمهم للعدالة.
يحتاج الرئيس إلى إعادة ترتيب الوضع الداخلي لمنطقته عبر تصعيد قادة جدد يحلون مكان مراكز القوى القديمة، يكونون أداة لبناء الثقة من جديد بين «سنحان» وبقية مناطق اليمن. آن الآوان كي يتقاعد مثيرو الأزمات، وصار واجباً على الرئيس أن يثبت لأبناء شعبه أنه صاحب السلطة الحقيقية، وذلك لن يكون إلا بتقليم اظافر نافذي بلاده. صار على الرئيس أن يضع فاصلاً بينه وبين هؤلاء. عليه أن يكون ممثلاً لأبناء حبيش والبيضاء وحجة قدر تمثيله لأبناء «سنحان».
من مصلحة الرئيس أن يبني فاعلية جديدة للحكم بعيداً عن التحالفات القديمة، التي ما زالت تفتعل الأزمات من الثكنات ومجالس القات. لا نطلب منه أن يستبعد جميع أبناء منطقته من المركز القيادية والسلطة، فهناك مسؤولون منها قدموا نماذج جيدة للكفاءة والإدارة. بإمكانه، لو أراد، أن يجعل من جميع أهالي «سنحان» قادة معسكرات ورؤساء دوائر ومؤسسات حكومية. شريطة أن يكونوا مؤهلين ويحترمون القانون ويكفون أيديهم عن دماء الناس.
إن إغلاق قضايا القتل الحالية، واستمرار الوضع على ما هو سيرفع وتيرة الثأر بجعلها مناطقية أكثر مما هي أسرية.
كان بإمكاننا أن نفرح للذي حصل للشاطر والعواضي لأن ما جرى لهما يعطي مؤشراً على أن النظام يتجه نحو مواجهات وتصفيات في نطاقه الداخلي. وكان بإمكاننا أن نعتبر ما جرى فرصة للشماتة بالشاطر والعواضي، لكن ذلك لا يمت للأخلاق بصلة ويعبر عن بلادة وقلة عقل. إننا، كصحفيين، نؤسس لعلاقة جديدة مع النظام، قائمة على الشراكة والحوار. لقد ولت أيام الاستنفار والمواجهة بين السلطة والصحفيين، وصارت البلد بحاجة شراكة فاعلة بين جميع الأطراف.
naifhassan5@hotmail.com