|
بإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين طويت واحدة من أطول وأكثر صفحات تاريخنا العربي المعاصر جدلا وإثارة، بل وحيرة في عملية تقويمها، فالرجل ذهب ومعه من الأسرار الشيء الكثير كما يعتقد معاصروه، بل ومساعدوه ورجاله الذين كانوا، كما يقال، آخر من يعلم بما يعد له ويدبره من خطط وسياسات، وستظل أسئلة لا تنتهي تدور في أذهاننا حول العديد من الخلفيات الحقيقية عن حربه مع إيران طوال ثماني سنوات (1980 - 1988) والأهم منها الخلفيات الحقيقية لغزوه الكويت واحتلاله لها. وكل هذه الأمور، أو بعضها، كان يمكن أن تتكشف لو استمرت وطالت محاكمة الرجل وامتدت لتشمل مختلف القضايا التي ورط بها نفسه وشعبه وأدت إلى هذه النهاية الدراماتيكية، التي تعتبر الأولى من نوعها بالنسبة لزعيم عربي، ولا أظنها ستتكرر بهذه الطريقة مرة أخرى.
منذ إلقاء القبض عليه وحتى إعدامه مرت ثلاث سنوات هي الأقسى والأصعب عليه في كل ما مر به في حياته الحافلة. ففي شهر ديسمبر/كانون الأول 2003 أعلن الحاكم الأمريكي السابق للعراق (بول برايمر) بأسلوب تمثيلي هوليوودي القبض على الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في مخبأ تحت الأرض، الأمر الذي جعل وسائل الإعلام المختلفة وبالذات المعادية لصدام تركز على المخبأ أكثر من التركيز على الرجل نفسه، وتعتبر أن تخفيه في مخبأ تحت الأرض أمر معيب في حقه مع أنه الشيء الطبيعي، فأين يريدون منه الاختباء في قصر مشيد أم الفرار خارج العراق؟ بالتأكيد فإن صدام كان يعلم جيدا أن عملية الإمساك به لم تكن أكثر من مسألة وقت طالما اختار البقاء داخل العراق وعدم الخروج منه.
ومنذ القبض الهوليودي عليه مضت ثلاث سنوات وهي فترة طويلة في التحضير لمحاكمة في قضية تعتبر هامشية بالنسبة لقضايا أخرى أكثر خطورة منها، وأظن أنه أمر مقصود بلاشك، لأن هذه المحاكمة لم يكن مطلوبا منها أكثر من تأجيج المشاعر الطائفية والمذهبية ضد عهد صدام بأكمله، والغريب أن الحكومة العراقية، بالتفاهم مع الاحتلال الأمريكي، حرصت على المجيء بقضاة أكراد ليحكموا في هذه القضية، لتبدو أحكامهم وكأنها انتقام لمجزرة (حلبجة) إلى جانب (الدجيل)، وهذا المسلك في الحقيقة لا ينفي عنها صفة (الطائفية) بقدر ما يعززها ويؤكدها.
تصوروا أن صدام حسين بعد هذا العمر كله (كان على وشك بلوغ السبعين من عمره بعد أربعة شهور)، وبعد كل حياته السياسية الزاخرة بالاغتيالات والتصفيات الجسدية حتى لصهريه، والحروب المختلفة تتم محاكمته وإعدامه على ذمة قضية يرى قانونيون وسياسيون أن فيها ألف لبس قانوني، باعتبار أن ما حصل في (الدجيل) كان محاولة اعتداء عليه في الأصل تبعها رد فعل من حكومته تجاه المتواطئين في محاولة اغتياله، ومن ثم أليس إصرار الاحتلال والحكومة العراقية على محاكمته في هذه القضية تهدف تحديداً إلى إثارة النعرات الطائفية والمذهبية في إطار ما هو مخطط للعراق؟
الحقيقة أن من الصعب جدا قبول فكرة اتهام صدام حسين بالطائفية، لسبب بسيط هو أن الرجل كان في الأصل قوميا علمانيا هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه قمع كل التيارات الإسلامية السياسية السنية والشيعية على السواء، فكيف يمكن أن يكون طائفيا؟ لقد كان صدام حسين بعثيا بلاشك، ومعروف أن حزب البعث ضم في صفوفه أعضاء وقادة من السنة والشيعة والأكراد حتى لحظة سقوطه قبل ثلاث سنوات على يد الاحتلال الأمريكي، ثم إن ضحاياه ينتمون إلى كل الطوائف من دون استثناء، فلماذا إذن تم اختيار تنفيذ حكم الإعدام يوم عيد الأضحى، من دون أن يجد المراقبون والمحللون أي مبرر موضوعي للاستعجال في تنفيذ الإعدام إلا لتأجيج الصراع المذهبي والطائفي؟
هناك الكثير من الشك في أن استعجال المالكي وحكومته تنفيذ إعدام صدام هو بهدف تهدئة موجة المقاومة التي تسود الشارع العراقي، فصدام ربما بقي طوال السنوات الثلاث الماضية التي قضاها معتقلا رمزاً لطرف أو بعض أطراف المقاومة، لكنه بالتأكيد لم يكن قادرا على إدارتها وتسييرها وتوجيهها من معتقله، ومن ثم فإن غيابه لن يكون له أي تأثير في مسارها، خاصة أن الجزء الأكبر والأكثر فاعلية في المقاومة الإسلامية هو من خارج صفوف البعث، بل إنه يعتبر أن البعث هو المسؤول عما وصل إليه العراق حاليا، ناهيك عن أن البعث في نظر مجموعات المقاومة هذه حزب علماني كافر. وعلى ذلك كيف سيؤدي إعدام صدام إلى تخفيف حدة العنف في البلاد إذا كانت المقاومة ليست مرتبطة به أصلا؟ وهل المالكي لا يعرف ذلك؟
*عن صحيفة الخليج
في الأربعاء 10 يناير-كانون الثاني 2007 07:14:56 ص