د. عبد الله الفقيه .. النظام الرئاسي سيقود البلاد إلى دوامة
بقلم/ الإهالي
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 23 يوماً
الأربعاء 03 أكتوبر-تشرين الأول 2007 02:38 م


حاوره:علي الجرادي : 

أثارت مبادرة الأخ رئيس الجمهورية ردودا متناقضة من قبل النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة، وقسمت المشهد السياسي بين مؤيد بشكل مطلق إلى معارض بشكل قوي وإلى متحفظ. الأهالي قررت استجلاء غموض المبادرة ودوافعها وأبعادها من خلال حوار لا تنقصه الصراحة مع الدكتور عبد الله الفقيه أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء والذي يعتبر واحدا من أكثر المتابعين لتطورات المشهد السياسي اليمني.. فإلى الحوار .

توقيت المبادرة:

* هل تمثل مبادرة الرئيس مفاجأة؟

- بالطبع لا.. ليس بالنسبة لي شخصيا.. الرئيس تقدم بمقترحات مشابهة إلى مجلس النواب قبل انتخابات سبتمبر 2006م ثم قرر بعد ذلك تجميدها... وهناك حوار جار بين الحزب الحاكم واللقاء المشترك حول العديد من القضايا ومن بينها التعديلات الدستورية.. وقد انقطع الحوار في البداية بسبب سفر أمين عام الحزب الحاكم ثم بسبب أحداث الجنوب... وكان من المفترض أن يستأنف الحوار لكن خلافات في صفوف الحاكم عرقلت الحوار.. ومن الواضح أن عملية إقالة ضمنية لصف واسع من القيادات المؤتمرية التي كانت تشارك في الحوار قد تمت إما عن طريق تعيينها في مواقع تنفيذية أو غير ذلك..

* أليس غريبا أن يستبق الرئيس نتائج الحوار مع اللقاء المشترك ويطرح هذه التعديلات؟

- من الواضح أن الرئيس غير راض عن ما تم إنجازه في حوار الحاكم واللقاء المشترك حتى الآن.. والرئيس بالطبع يخوض عدة مباريات في نفس الوقت.. هناك مباراة يخوضها مع المنافسين والطامحين داخل حزبه وهي الأخطر.. وهناك مباريات مع أطراف أخرى.. ويريد الرئيس أولا وقبل كل شي وكأي حاكم عربي آخر أن يضمن البقاء في موقعه.. ولذلك من الصعب أن يفسر الإنسان التصرفات بالاعتماد على ما يجري بين الرئيس واللقاء المشترك فقط.. فقد فرغ الرئيس أمين عام حزبه للحوار مع المشترك، لكن تصاعد الخلافات داخل الحزب الحاكم وغياب الثقة بين الأجنحة المختلفة ربما دفع الرئيس إلى أن يطرح المبادرة ويدعو إلى الحوار بنفسه لضمان عدم خروج الأمور عن السيطرة.. والإشكالية هنا هي أن الرئيس ينزل بثقله كله خلف تعديلات إشكالية في مجتمع إشكالي كما يقول زميلي الدكتور محمد الظاهري. ومن الواضح أن التعديلات بشكلها الحالي أو بأي شكل آخر لا مستقبل لها في ظل التعقيدات السياسية القائمة..

* لكن هذه هي الفترة الأخيرة للرئيس؟

- ولهذا فإن الرئيس يريد تعديل الدستور اليوم قبل غد ليعمل على التمديد لنفسه بطريقة أو بأخرى، فإذا تم له ذلك يمكنه بعدها أن يفكر بالأمور الأخرى.. ولعل عجلة الرئيس تنبع من إدراكه بأن القادم أسوأ من الماضي كما تنبأ بذلك أمين عام حزبه قبل فترة... لكن عجلة الرئيس قد لا تكون مناسبة لأنها تضعفه أمام منافسيه أو على الأقل تجعله معرضا للإحراج..

* هل يعقل أن يكون هم الرئيس الأول هو البقاء في السلطة في هذه الظرف؟

- للسلطة قوانينها التي تفرض نفسها على الجميع والحاكم العربي لا يستطيع الحياة خارج السلطة.

دوافع المبادرة

* ما هي من وجهة نظركم دوافع تقديم المبادرة؟

- تختلف الدوافع باختلاف الفاعلين السياسيين ودوافع الرئيس غير دوافع الأجنحة الأخرى داخل الدولة أو داخل الحزب الحاكم.. فلم يعد النظام يفكر بعقل واحد أو يتكلم بذات الصوت.. هناك تخبط واضح والمبادرة إحدى علامات ذلك التخبط

* بالنسبة للرئيس؟

- يسعى الرئيس من خلال المبادرة إلى التمديد لنفسه في السلطة كما قلت والى إضعاف مجلس النواب.. ويبدو أن الأطراف الأخرى تعرف ما يفكر فيه الرئيس وتعمل على استغلال ذلك لصالحها.

* وكيف سيضعف مجلس النواب؟

هذه حيلة قديمة.. طبقها السادات في مصر وطبقتها أنظمة أخرى من قبل... توزيع السلطة التي يملكها شخص على شخصين يعني الإضعاف للاثنين معا.. وكذلك الحال بالنسبة للسلطة التشريعية في اليمن... اليمن ليست بحاجة إلى ثنائية برلمانية.. لا يوجد أي مبرر لقيام مجلسين سوى المزيد من الإفقار للبلاد.. اذا كان الهدف هو توسيع المشاركة.. فلماذا لا يتم توسيع العضوية في مجلس النواب.. وإذا كان الغرض هو تمثيل الفئات الاجتماعية المختلفة فالانتقال إلى نظام القائمة النسبية الانتخابي سيحقق ذلك.. السؤال هو ما هو نوع التمثيل الذي سيأتي به المجلس الجديد؟.. أما أن تقول لي أن المجلس الثاني سيمثل المحافظات فهذا ضحك على الدقون.. فكيف تختلف عمران عن صعدة والجوف عن مأرب وتعز عن إب والمحويت عن الضالع؟....إذا كان الغرض هو المزيد من الأعباء على موازنة الدولة، فيكفي الناس لجنة مكافحة الفساد والامتيازات الفلكية التي خصصت لأعضائها...

* تكلمت عن دوافع الرئيس.. فماذا عن دوافع الأجنحة الأخرى للمؤتمر؟

- ربما أن البعض يسعى لتصعيد الخلافات أو الحراك السياسي كما يسميه ويأمل أن تتحول الخلافات والتباينات القائمة على الساحة إلى صراع حول الدستور.. ومن المعروف في العمل السياسي أن الصراع الاجتماعي عندما يتحول إلى صراع حول الثوابت كالدستور، مثلا فإنه يصبح عصيا على الحل ويزيد عندئذ احتمال انهيار المجتمع السياسي وانزلاق الجماعات السياسية إلى العنف... والبعض يأمل في تحقيق مكاسب لجناحه.

* هل أفهم من كلامك أن هناك أجنحة داخل المؤتمر تدفع بالوضع نحو الانهيار؟

- ليس عنوة بالضرورة والله أعلم بالنوايا.. لكن هناك قوى ترى أن إثارة مسالة التعديلات الدستورية في هذا الوقت بالذات يمكن أن يحقق لها العديد من المكاسب. وبعض تلك القوى تأمل أن تتحقق مكاسبها عن طريق اللقاء المشترك. فتصليب موقف اللقاء المشترك سيصب في صالحها.. والمشكلة أن هناك مغامرة كبيرة في هذا الجانب... ففي النهاية قد يجد الجميع أنفسهم في وضع أسوأ مما كانوا عليه....

* من هي تلك القوى بالتحديد؟

- نفس القوى التي أقنعت الرئيس باستهداف حلفائه من مشايخ وأحزاب وفئات اجتماعية والتي أقنعته بخوض منافسة على كرسي الرئاسة العام الماضي.. وربما تكون هي نفسها التي أقنعته بتبني هذه التعديلات التي تفتح أبوابا ليس من المناسب فتحها في هذا الوقت بالذات..

اللقاء المشترك

* ما موقف اللقاء المشترك من المبادرة؟

- ليس واضحا بالنسبة لي حتى الآن... اللقاء المشترك لن يستطيع الحوار مع الرئيس مباشرة.

* ولما لا؟

- الرئيس لا يفاوض ولكنه يفرض الأمور على الناس.. ولك أن تتخيل نوع الحوار حينما يدعو الرئيس أمين عام الإصلاح والاشتراكي ثم يدعو ممثلين لـ17 حزباً وهمياً لم أسمع عنها أنا ومعي دكتوراه في السياسة..

* بإمكان ممثلي اللقاء المشترك طرح وجهة نظرهم على الأقل؟

- للرئاسة تأثير على الناس وهناك صداقات وعلاقات ود وتربط أمناء عموم المشترك بالرئيس والطلب الرئاسي للأحزاب قد ركز على أمناء عموم المشترك والمفروض أن يتم الحوار مع أمين عام الحزب الحاكم وليس مع الرئيس لأنك عندما تحاور الرئيس لا تعرف هل تحاور رئيس الجمهورية أم تحاور رئيس الحزب الحاكم..

النظام الرئاسي

* دعنا نركز على المبادرة ذاتها... البند الأول ينص على أن «النظام السياسي للحكم نظاما رئاسيا كاملا»... ماذا يعني ذلك؟

- الفرع التنفيذي في النظام اليمني الآن مقسم إلى جزئين... هناك رئيس للدولة وهو رئيس الجمهورية ورئيس للحكومة وهو رئيس مجلس الوزراء.. في النظام الرئاسي الكامل يتم إلغاء الجزء الثاني وتتركز السلطة بيد رئيس الدولة الذي يصبح رئيسا للدولة وللحكومة.. وهذا يعني في الحالة اليمنية أن رئيس الجمهورية سيكون بالنسبة لسلطة تنفيذ القوانين الكل في الكل.. أي هو السلطة التنفيذية...

* أليس هذا ما هو موجود على ارض الواقع في اليمن؟

- بلى الفرق الوحيد هو أن النظام الرئاسي الكامل سيضفي الطابع الدستوري والقانوني على احتكار السلطة التنفيذية الذي هو قائم على صعيد الواقع..

* ما هي مزايا النظام الرئاسي؟

- يسمى النظام الرئاسي بالنموذج الأمريكي لأنه مطبق في الولايات المتحدة الأمريكية... وتعتبر أمريكا الدولة الوحيدة التي حقق فيها هذا النموذج نجاحا... تم تبني النظام أيضا من قبل الدول الواقعة في الحديقة الخلفية لأمريكا وهي دول أمريكا الجنوبية، وفي بعض الدول التي وقعت تحت النفوذ الأمريكي في آسيا مثل الفلبين وغيرها... وأبرز مزاياه هو «الفصل بين السلطات» وبحيث أن الرئيس يصبح مسئولا أمام الشعب الذي ينتخبه بشكل مباشر... ويعين الرئيس الوزراء ويصبحوا مسئولين سياسيا أمامه وليس أمام البرلمان... ولا يستطيع البرلمان محاسبة الرئيس إلا في حالة الخيانة العظمى وبإجراءات مطولة. أما الوزراء فهم مسئولين أمام الرئيس سياسيا.. ولا يستطيع الرئيس حل البرلمان... وأهم مزايا النظام الرئاسي من وجهة نظري هي أن سلطة تخصيص الأموال تعطى للبرلمان... كما أن تعيين كبار المسئولين بما في ذلك الوزراء وقادة الجيش وقضاة المحاكم والسفراء وغيرهم تصبح شراكة بين الرئيس والبرلمان.. فالرئيس يرشح والبرلمان يوافق أو يرفض كما نتابع بالنسبة للحالة الأمريكية.. بالنسبة للجهاز المدني فهو محايد سياسيا ولا يوجد في النظام الأمريكي إعلام دولة.

* أليس من الواضح أن الرئيس يريد فقط إضافة تلك المادة إلى الدستور بدليل أنه لم يتحدث عن أحكام أخرى؟

- بغض النظر عن نوايا الرئيس فالنص على نظام رئاسي كامل لا بد أن يعني إعادة بناء النظام بشكل تام... وإضافة تلك المادة فقط سيتطلب إعادة كتابة ثلثي الدستور على الأقل. أضف إلى ذلك أن الرئيس دعا إلى حوار مفتوح وهو ما يعني أن لا خطوط حمراء حول أي مسألة.

* وهل هذا هو المطلوب؟

- إعادة كتابة الدستور مسالة حتمية لأن الدستور القائم كتب أصلا في زمن غير هذا الزمن وتعرض للكثير من التشوهات بفعل التعديلات المتتابعة. بالله عليك كيف أطلب من الدكتور بافضل أو من علي ناصر محمد أن يدافع عن الوحدة اليمنية إذا كان دستور دولة الوحدة يحضر على كل منهما الترشح للرئاسة بسبب زواج كل منهما من أجنبية... بغض النظر عن ما فعله الدكتور البيضاني فإن منعه من الترشح في الانتخابات الأخيرة هو مهزلة دستورية وعلامة من علامات الانحطاط الذي تعيشه البلاد... أنا لا أدعو إلى إعادة كتابة الدستور في هذه المرحلة لكن إذا أرادوا تعديله فهذه هي القضايا التي سيطرحها الناس.. وهذه أهم من شكل النظام..

 * وما المشكلة إذا؟

- من الصعب إعادة كتابة الدستور في الظروف الحالية وفتح الجدل حول الموضوع سيعمق من أزمات البلاد... لا بد أولا من السيطرة على الأسعار وحل المشاكل القائمة في المحافظات الجنوبية وحدوث حوار جاد وعميق بين كافة القوى السياسية من رئيس وحزب حاكم ومستقلين وغيرهم.. ولا بد من إعادة بناء الإجماع حول شكل الدولة.. فإذا تم الاتفاق بعد ذلك على إعادة كتابة الدستور فلا بد من إعداد آلية وطنية لكتابته يتمثل فيها مختلف القوى على الساحة..

* إذا كان الرئيس يعتبر الأفكار التي طرحها عبارة عن مبادرة وليس قرارا رسميا.. ألا يعني ذلك أن الباب مفتوح أمام الجميع للحوار؟

- صحيح.. لكن الحوار حول تعديل أو إعادة كتابة الدستور يختلف عن الحوار حول القضايا والمشكلات القائمة... الوضع في اليمن بحاجة إلى حوار حول المشاكل والتحديات القائمة.. لا بد من محاولة الإجابة على بعض الأسئلة الهامة.. فما هي مثلا المخاطر المحيطة بالوحدة الوطنية؟ وكيف يمكن التغلب على الفقر والفساد؟ وكيف يمكن لليمن أن تندمج في محيطها الإقليمي؟ هذه هي جذور المشكلات القائمة والتعديلات الدستورية تأتي كنتيجة وليس كبداية للحوار... أما أن يتحاور الناس حول تعديل الدستور أو إعادة كتابته ويضعون كل المشكلات خلف ظهورهم فذلك هروب من المشكلات ولا يقود في أوضاع مثل التي نحن فيها سوى إلى المزيد من التصعيد والمزيد من الاختلاف.. أنا شخصيا أتمنى أن يتم الدعوة إلى مؤتمر وطني لمناقشة المخاطر المحيطة بالوحدة اليمنية والتفكير بحلول لها..

* عودة إلى النظام الرئاسي... هل تعتقد أن الرئيس جاد؟

- الله وحده يعلم بالنيات.. أما التجربة فتقول «لا.» ربما طرح النظام الرئاسي الكامل للرئيس بشكل مختلف وفهمه بشكل مغاير... هذا احتمال..

* وماذا عن الأجنحة الأخرى؟

- الأجنحة الحزبية تفضل النظام البرلماني ولكنها لا تريد الإفصاح عن تفضيلاتها حتى لا تخسر الرئيس... وتفضل أن تتخفى خلف غطاء اللقاء المشترك لتتمكن هي بعد ذلك من استثمار أي تحول لصالحها... وهناك أجنحة تفضل الرئاسي بما يتفق ومصالحها..

* بغض النظر عن مواقف القوى المختلفة، هل يصلح النظام الرئاسي لليمن؟

- النظام الرئاسي الكامل لا يصلح لبلد شديد التنوع مثل اليمن.. فما حدث في صعدة خلال السنوات الماضية وما يحدث في الجنوب الآن وتجربة اليمنيين وغيرهم من الشعوب خلال الـ45 عاما الماضية كلها تشير إلى أن النظام الرئاسي إن تم تبنيه في أي مرحلة سيدخل البلاد في دوامة كما حدث في دول أخرى.. اليمن مجتمع متعدد قبليا ومناطقيا ومذهبيا وعرقيا وسياسيا.. هذه حقيقة موضوعية وليست رأيا سياسيا والذين يقولون بغياب التعددية في المجتمع اليمني عليهم أن يبينوا لنا.. لماذا أقروا بها في الدستور ولماذا حرب صعدة؟ ولماذا تتصاعد الأصوات المطالبة بالانفصال؟ التعددية الاجتماعية بحد ذاتها ليست مشكلة بل هي نعمة.. لكن التعددية تصبح مشكلة حين يتم الاستئثار بالثروة والسلطة وفرض الإرادة واحتقار القوى الأخرى.. هذه التعددية تعني أن النظام البرلماني هو الأصلح للبلاد مع العمل على وجود رئيس غير حزبي يمثل رمزا لليمنيين جميعا وعامل توحيد للبلاد...

* هل يملك الرئيس الأغلبية السياسية والبرلمانية لتمرير التعديلات التي يريدها؟

- في الوقت الحالي لا.

* هل يمكن للرئيس بناء إجماع حول التعديلات المقترحة؟

- لا.

* هل يستطيع فرض الأمر الواقع؟

- قد يفرضه على قادة اللقاء المشترك لكنه لن يستطع فرضه على الشارع وإذا قرر المضي في الأمر فإنه قد يحدث انقسامات واسعة في الأوساط السياسية والشعبية.

تمثيل النساء

* هناك أيضا بند ينص على تخصيص 15% من مقاعد مجلس النواب للنساء... ألا يعتبر ذلك خطوة متقدمة؟

- بغض النظر عن تبني نظام برلماني أم رئاسي فإنه لابد من تبني نظام انتخابي مختلف عن النظام الحالي. نظام الدائرة الفردية بشكله الحالي يخدم فئة اجتماعية معينة هي الفئة التي لا يصل عددها حتى إلى واحد في المائة من سكان البلاد. ويعمل النظام الحالي ضد التطور وضد الأحزاب وضد الديمقراطية وضد النساء وضد الوحدة الوطنية ويخلق فئة صغيرة جدا من الأغنياء وغالبية ساحقة من الفقراء المسحوقين ويجعل السلطة وراثية في طبقة اجتماعية معينة وهو يعيد خلق الإمامة من جديد تحت يافطة الجمهورية ويمنع حدوث أي تماسك اجتماعي. أنا مع إعطاء النساء أكثر من ذلك شريطة أن ينص الدستور على نظام انتخابي يقوم كليا أو جزئيا على التمثيل النسبي ويمكن الأحزاب من التكيف مع نصوص الدستور بدلا من خلق فتنة وطنية ومزايدة باسم حقوق النساء.

* هل أنت مع اشتراط أن يكون عضو مجلس النواب خريج جامعة؟

- أنا ضد اشتراط أن يجيد عضو مجلس النواب القراءة والكتابة في بلد أكثر من نصف سكانه البالغين أميين، فما بالك باشتراط أن يكون خريج جامعة... لقد جربنا الراديكالية السياسية وجربنا الجمود السياسي والأفضل الآن أن نسلك الطريق الواقعي... تحويل النظام الانتخابي إلى النظام النسبي مثلا يعطي الأحزاب مرونة كبيرة في اختيار ممثليها ويجعل الناخب هو الحكم في مثل هذه الأمور.

الفيدرالية

* هناك من يقول أن «الفيدرالية» تطل برأسها من خلال المبادرة وإن باسم مختلف؟

النظام الرئاسي مرتبط بالفيدرالية.. والثنائية البرلمانية مرتبطة بالفيدرالية أيضا ومن الواضح أن المبادرة قد تم اعتمادها في واشنطن وما عليك سوى مراجعة كشوف الرحلات التي قام بها المسئولون إلى واشنطن خلال الأشهر الماضية... والفيدرالية ليست كفرا ولا تمثل تحول إلى دين جديد حتى يسارع البعض إلى إدانتها.. المشكلة الأساسية مع الفيدرالية تكمن في غياب الشروط الموضوعية للفيدرالية في اليمن.. فاليمن لا يمكن أن تصبح أمريكا قبل أن يكون اليمن.. في أمريكا كل ولاية كانت دولة قبل قيام الفيدرالية وعلى هذا الأساس فإن الفيدرالية ضمنت لكل ولاية عضو في الدولة الجديدة مصالحها.. في الهند كل ولاية لها لغة خاصة.. فعلى أي أساس سيتم فيدرالية اليمن؟ هناك أساس واحد وهو شمال وجنوب... فالشمال كان دولة والجنوب كان دولة إلى قبل 17 سنة... والمشكلة في اليمن في ظل التوجهات والأوضاع الحالية هي أن الفيدرالية ستصبح شئنا أم أبينا معادلا للانفصال... وينطبق نفس الأمر على الحكم المحلي واسع الصلاحيات.. الحديث عن الفيدرالية والحكم المحلي وغيره لن يصب سوى في سلة تصعيد مشاكل البلاد... وعلى افتراض الأخذ بالحكم المحلي فإني سأحتاج بشهادة الدكتوراه التي أحملها إلى 50 سنة من الإقامة في عدن حتى أتمكن من أصبح عدني بحسب التعريف الذي قدمه أحد سكان عدن للعدنيين في ندوة خاصة بالحكم المحلي واسع الصلاحيات.

* لكن هناك شبه إجماع على أهمية الحكم المحلي واسع الصلاحيات في عملية التنمية؟

- ما هو موجود هو تخبط كبير حول الحكم المحلي. لا أحد يريد أن تصبح اليمن مثل ألمانيا بسمارك والحديث عن عقد لبناء خمس مفاعلات نووية بقيمة 15 مليار خلال العشر سنوات الماضية ستثبت الأيام أنه مجرد «تهريج» غير مسئول هدفه ضرب استقرار البلاد وتحريض الدول المجاورة والمجتمع الدولي ضد الشعب اليمني.. وهذا التهريج يوسع الفجوة بين اليمن وجيرانه ويكرس الصورة النمطية عن القيادة اليمنية.. ومن العجيب أن النظام اليمني ذاته هو الذي يسوق مثل هذه الخزعبلات..

فكرة الحكم المحلي نمت وترعرعت في بلاط السلطة ثم تم تسويقها للنظام السياسي عبر خبراء البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والبنك الدولي ووكالة التنمية الأمريكية... مشايخ المؤتمر يريدون أن يضمنوا بناء إقطاعيات في مناطقهم مشابهة للإقطاعية التي بناها الرئيس على مستوى المركز... يريدون سلطات مطلقة وتوريث للسلطة بنفس الطريقة التي تتم في المركز.. والبعض ينظر إلى الحكم المحلي كمرحلة نحو الاستقلال....ولن يختلف الحكم المحلي كثيرا عن نموذج النظام القائم...

لقد تمتعت القبائل وشيوخ الإقطاع في اليمن بشكل مستمر بما يشبه الاستقلال الذاتي في إدارة مناطقهم دون تدخل من أي سلطة مركزية. وقد حاولت الأنظمة الجمهورية المتعاقبة فرض سلطة الدولة المركزية. لكن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح الكبير لأن شيوخ القبائل عملوا وبشكل مستمر على مقاومة تلك المحاولات. وقد كانت النتيجة هي بقاء الأوضاع على ما كانت عليه في الكثير من المناطق وعدم تمكن الدولة المركزية من إحداث التحول المطلوب على كافة الصعد. واليوم نريد أن نحول الدويلات القائمة على أرض الواقع إلى دويلات مستقلة بقوة الدستور والقانون.. هذا هو التخريف السياسي بعينه..

* لكن ليس كل اليمن مشايخ؟

- أنا معك في ذلك.. وهذا يخلق مشكلة أخرى... فالمناطق المؤهلة للحكم المحلي هي المناطق التواقة للانفصال... هناك تباين في مستوى التنمية البشرية في اليمن. هناك منطقة قد تكون مؤهلة لأن تحكم نفسها مثل عدن وهناك منطقة في الوسط وهناك مناطق في المؤخرة... تفاوت التنمية القائم بين المناطق اليمنية لا يحله الحكم المحلي بل الدولة المركزية... دولة المواطنة المتساوية والنظام والقانون... الدولة التي يقال فيها الفاسدون ولا يرقون... وهذا هو ما نفتقر إليه.. الدولة المركزية القوية التي تتركز فيها السلطة في برلمان يمثل مختلف القبائل والمذاهب.. أما الحكم المحلي فهو عودة إلى الوراء وليس خطوة إلى الإمام في معظم المناطق اليمنية... فمن الذي سيحاسب الشيخ محمد احمد منصور عندما يصبح محافظا لـ إب أو الشوافي عندما يصبح محافظا لتعز أو غيرهم؟ من الذي سيحاسب أحد المحافظين المنتخبين عندما يجعل من أبناء قبيلته حرسا خاصا أو عندما يشتري بموارد المحافظة قصورا في الخارج؟ في بعض المناطق سيملك بضعة أشخاص المحافظة كاملة...

* هل يعقل أن يكون الجميع على خطأ؟

* هناك حالة يأس بين الناس من النظام القائم... وهناك كثيرون يقولون إذا كانت الدولة المركزية تعني سيطرة فئة معينة على كل شي وتقسيم المجتمع إلى فئتين: فئة تملك كل شي وفئة ليس لديها شي فإن الحكم المحلي هو الأفضل وقد يجنب البلاد السيناريوهات الأسوأ كالسيناريو العراقي مثلا. ورغم منطقية هذا الطرح إلا أن الخوف هو أن يكون اليمنيين مثل المستجير من الرمضاء بالنار..

الدور الخارجي

* على ذكر العراق، ما هو الموقف الخارجي من كل ما يدور في اليمن؟

- للأسف أن النظام اليمني في بعض الأحيان يشعر بدونية كبيرة تجاه الخارج والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص.. وهذه مسالة في منتهى الخطورة وخصوصا إذا ما أدرك الواحد منا جهل الأمريكيين بأوضاع اليمن وأحواله..

* ماذا تقصد بالدونية؟

- الشعور بأن ما يأتي من أمريكا أو ما توافق عليه أو ما تدعمه هو الأمر الصحيح والنافع للشعب اليمني.. والواقع أنه ليس كل أمريكي أو متأمرك ذهبا.. لأمريكا مصالح ولنا مصالح والأمريكيون لا يعرفون عن اليمن غير ما يحدثهم به أعضاء السلطة في اليمن.. وللعلم فإن ما يعرفه الأمريكيون عن اليمن لا يكاد يساوي ما يعرفونه عن العراق..

* وماذا عن الموقف الإقليمي؟

- وبالنسبة لموقف الجيران وغيرهم فإنه يتشكل من خلال سلوك النظام... وتخيل نفسك صانع قرار في دولة مجاورة لليمن وتسمع أن اليمن ستتحول خلال عشر سنوات إلى دولة «نووية» وأن اليمن ستعيد خدمة الدفاع الوطني وأن الجيش هو الموظف الأول لليمنيين... فماذا سيكون شعورك وكيف ستتصرف؟ ستقول لي أن الجميع يعرف أن المسألة كلها «تهريج في تهريج» وسأقول لك أن الخارج يتعامل بجدية مع كل ما يقال وخصوصا بعد التجارب الصعبة في الثلاثين سنة الماضية..

* هل هناك سيناريو أمريكي أو إقليمي محدد؟

- ليس واضحا في هذه اللحظة ولكنه مرشحا للتبلور في المرحلة القادمة وربما في اتجاه لا يخدم بالضرورة مصالح الشعب اليمني خلال الأجل الطويل.. المبادرة المطروحة تحتوي على بصمات أمريكية.. ومصالح الجيران والمجتمع الدولي تتبلور في اتجاه إعادة النظر في شكل الدولة اليمنية أو على الأقل في اتجاه إعادة النظر في شكل الوحدة اليمنية... الأمريكيون عبروا عن ذلك بصراحة في أكثر من موقف... ومن غير المستبعد أن يكون هناك توجه لإسقاط النظام القائم في اليمن في إطار ترتيبات جديدة لتوازن القوة في المنطقة.. والحل بالطبع ليس أن نلعن الخارج ونبدأ في توزيع التهم في الداخل.. الحل هو التعامل مع المشاكل القائمة في الداخل بالعقل والمنطق ومن منطلق المسئولية وعلى قاعدة المواطنة المتساوية..