تحوّل مثير.. ميتا تسمح باستخدام ذكائها الاصطناعي لأغراض عسكرية أمريكية انستغرام يطرح خيارات جديدة لتصفية الرسائل للمبدعين الجمهوريون يسيطرون على مجلس الشيوخ الأمريكي والتنافس مستمر على مجلس النواب سفينة حربية إيطالية تنضم إلى حملة حماية البحر الأحمر ترامب يفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وفق النتائج الأولية مفاجأة مدوية.. صلاح بديلا لنيمار في الهلال السعودي ترامب يعلن التقدم والفوز في 12 منطقة أمريكية … . نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لحظة بلحظة التحالف العربي ينفذ ثلاث عمليات إجلاء جوية في سقطرى الكشف عن القيادي الحوثي المسؤول عن تهريب الأسلحة الإيرانية التحركات واللقاءات العسكرية العليا.. هل قررت الشرعية خوض معركة الحسم مع مليشيا الحوثي؟.. تقرير
احمد عايض: ليس صحيحاً أن الأمريكيين يحيكون المؤامرات ضد العرب. لا أبداً، ومن السخف أن نتهم أمريكا بأنها متآمرة علينا وعلى قضايانا، لأن المؤامرات تحاك عادة في الغرف المظلمة سراً ولا أحد يعلن عنها مسبقاً كي يتيسر لها كل مقومات النجاح والتنفيذ. أما أمريكا فتفصح عادة عن مشاريعها التدميرية، وإذا شئت سمها التآمرية على رؤوس الأشهاد، وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية غوندوليزا رايس صريحة جداً أمام وسائل الإعلام العربية والدولية عندما أماطت اللثام عن المشروع الأمريكي الشهير للمنطقة العربية ألا وهو «الفوضى الخلاقة». وقد استخدمت رايس كلمة «الخلاقة» كنوع من المؤامرة المكشوفة، بينما الفوضى التي كانوا يحضرون لها كانت «هلاكة» بكل المقاييس. لكن قبل أن نتمادى في كيل الاتهامات لأمريكا، تعالوا نعود إلى الوراء قليلاً لنكتشف أن أمريكا لم تفعل شيئاً في واقع الأمر سوى الإعلان عن مشروعها التدميري، ثم تركت التطبيق والتدمير للعرب أنفسهم كي ينفذوا الفوضى الهلاكة على بلادهم وشعوبهم وبأيديهم. ولا حاجة الأمريكان. من الذي أتى بالجيوش الغربية والدولية إلى المنطقة العربية في تسعينيات القرن الماضي؟
ألم يكن الغزو العراقي للكويت الشرارة التي أطلقت الغول الذي التهم منذ ذلك الحين العديد من الدول والشعوب العربية؟ ألم يمهد ذلك الغزو التاريخي الغارق في الغباء والعنجهية لمشروع الفوضى الهلاكة التي كانت تعده أمريكا للمنطقة العربية منذ عقود وعقود؟ لا تنسوا أنه عندما أطلقت رايس المشروع، فهذا لا يعني أنه كان طازجاً وقد خرج من الفرن الأمريكي للتو، لا أبداً، فالأمريكان يضعون مخططاتهم قبل عشرات السنين من الإعلان عنها والبدء في تطبيقها. بعبارة أخرى، فقد كان الغزو العراقي للكويت بداية المشروع الذي انطلق لاحقاً كانتشار النار في الهشيم.
وكي لا يصطاد أحد في الماء العكر، لا يمكن أن نعتبر الانتفاضات الشعبية التي حدثت فيما يسمى بالربيع العربي على أنها كانت جزءاً من المخطط الأمريكي، لا أبداً، بل إن المخط استغل تلك الثورات الحالمة بقليل من أوكسجين الحرية والخبز لينفذ المخطط الشرير وللأسف بأيد عربية، فبدل أن تحقق الثورات قليلاً من آمالها، تحولت على أيدي قوى الشر إلى حروب أتت على الأخضر واليابس في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان ضمن المشروع الأمريكي المعلن، وهي تستمر الآن بأشكال مختلفة في تونس والسودان والجزائر والحبل «عالجرار».
. ولو أخذنا سوريا مثالاً، فقد نجح المشروع التدميري الفوضوي في تدمير البلد وتهجير شعبه وإعادته عشرات السنين إلى الوراء، وللأسف بأيدي السوريين أنفسهم، وقد تحول السوريون بعد انتهاء مظاهر الانتفاضة الشعبية التي لم تستمر سوى بضعة أشهر إلى مجرد أدوات في أيدي المخططين للفوضى الهلاكة على الأرض السورية، وقد تقاسم العالم الأدوار في إضرام النار بسوريا والسوريين، فهذا دعم النظام وذاك دعم قوى المعارضة، فكانت النتيجة حرباً وفوضى بأيدي السوريين أنفسهم وعلى أرضهم وأشلاء ومعاناة شعبهم الذي تحول إلى ضحايا لذلك المشروع الجهنمي. لقد انتهت الثورة الشعبية بلمح البصر، وصارت من الماضي ومنذ عشر سنوات تواجه سوريا حرباً بالوكالة أدواتها السوريون أنفسهم وفي ليبيا بدل أن يستجيب القذافي لمطالب الشعب بقليل من الإصلاحات خرج على الليبيين ووصفهم بالجرذان والكلاب الضالة كما حدث في سوريا تماماً، وبدأ بالحرب عليهم، وقد استغلت قوى الشر الوضع وراحت تغذي الطرفين كما في سوريا أيضاً. وقد تمكن القذافي ومعارضون من تنفيذ الفوضى الهلاكة في ليبيا بأشلاء وأموال الليبيين دون أن يدفع أصحاب المشروع دولاراً واحداً. لقد فعل الجيل الرابع من الحروب فعله في سوريا وليبيا واليمن وقريباً لبنان وربما السودان والجزائر وتونس.
وقد كان اليمن من أهم المسارح التي دارت عليها رحى الفوضى الهلاكة، فتحول الحراك الشعبي الذي كان يطالب بأبسط الحقوق الإنسانية إلى حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس، وفسحت المجال للقاصي والداني كي يتدخل في اليمن لتصفية حساباته مع الآخرين على أرض اليمن وبأشلاء ومعاناة شعبه تماماً كما حدث في ليبيا وسوريا حيث أصبحت الساحتان السورية والليبية مرتعاً للقاصي والداني، وكل طرف يريد أن يقتطع قسماً من الكعكة. وكما نفذ السوريون والليبيون مخططات الآخرين في بلادهم بالتناحر والتقاتل، كذلك فعل اليمنيون ليصبحوا جميعاً مجرد أدوات في مشروع الفوضى الهلاكة المنشود. لا شك أن الفوضى كانت «خلاقة» تماماً للأمريكي كما وصفتها غوندوليزا رايس، لكنها كما أسلفت كانت هدامة مدمرة للمنطقة العربية.
ويبدو أن المشروع لم يكتمل بعد والحبل «عالجرار». وكما يقول أحد المحللين فإن: «اللافت في الموضوع أن المشروع الأمريكي في الفوضى الخلاقة وُلدت فكرته من إدراك المخططين لمدى عبودية الحكام العرب للكرسي وتالياً كان مفيداً لنجاح المشروع اندلاع الثورات عليهم لمطالبتهم بالرحيل والوصول من دون أي تكلفة للهدف العميق من الفوضى وهو دول فاشلة ومدمرة». وقد حصل ذلك تماماً. نعم لقد كان التخطيط لمشروع الفوضى أمريكياً كما اعترفت رايس بعظمة لسانها، لكن للأسف الشديد، فقد تسابق العرب على تنفيذه بأيديهم موفرين على المخططين مليارات الدولارات، فالأدوات كانت الجيوش العربية وترسانتها العسكرية التي كلفت مليارات الدولارات من قوت الشعوب. هذه الجيوش لعبت الدور القذر في تنفيذ الفوضى لكن طبعاً بمساعدة قوى المعارضة المزعومة التي كانت بدورها أدوات ومرتزقة في أيدي كل من أراد لهذه المنطقة أن تتحول إلى ركام وحطام. لا تنسوا أن فصائل المعارضة السورية مثلاً كانت تتخذ من قلب المدن مكاناً لساحة حروبها مع النظام، فكانت النتيجة تدميراً للمدن وتهجيراً لسكانها. باختصار فقد شاركت الأنظمة ومعارضوها في أكثر من بلد في تنفيذ المشروع التدميري المسمى «الفوضى الخلاقة»..
لم يحدث في التاريخ أن أنظمة وشعوباً ومعارضات نفذت مخططات الآخرين في بلادها كما فعل العرب على مدى العقد الماضي. (لا تخلطوا ما يحدث اليوم بما كان سائداً أيام الغساسنة والمناذرة). لقد كان الاستعمار في الماضي يدفع تكاليف حروبه وحملاته الاستعمارية، لكن العرب، وربما لأول مرة في التاريخ، وفروا عليه حتى تكاليف الغزو والاحتلال والتخريب والنهب والسلب.