آخر الاخبار

رسائل دول الخليج من العاصمة دمشق لسوريا وللعرب وللمحور الإيراني المليشيا تجبر طلاب جامعة ذمار على إيقاف الدراسة للإلتحاق بدروات طائفية وعسكرية تشمل التدرب على الأسلحة المتوسطة والثقيلة تعرف على الأموال التي سيجنيها ريال مدريد في حال تتويجه بكأس العالم للأندية 2025؟ أول دولة أوروبية تعلن تقديمها الدعم المالي لسوريا توكل كرمان : الشرع يدير سوريا وفق الشرعية الثورية وتشكيل حكومة شاملة بُعَيْدَ سقوط نظام الأسد نكتة سخيفة خمسون قائداً عسكريًا سوريا ينالون أول ترقيات في الجيش السوري شملت وزير الدفاع.. مأرب برس يعيد نشر أسماء ورتب القيادات العسكرية 1200 شخصية تتحضر للاجتماع في دمشق لصناعة مستقبل سوريا .. تفاصيل عاجل الإنذار الأخير ... واتساب سيتوقف عن العمل على هذه الهواتف نهائياً أجهزة الأمن بمحافظة عدن تلقي القبض على عصابة تورطت بإختطاف النساء ...تفاصيل صحيفة هآرتس: الاتفاق السعودي الحوثي معضلة أمام إسرائيل في حربها ضد الحوثيين ... قراءة تل ابيب لمشهد الحسم العسكري المتأرجح

كيف نصنع ما نريد : العلم في مؤسسة الدولة
بقلم/ د. محمد محمد الخربي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 30 يوماً
الثلاثاء 31 يوليو-تموز 2012 12:16 ص

قراءات في النهضة اليمانية

إن أبرز القوانين التي تحفظ حداثة الدولة وتطورها هو قانون العلم ، فكل هياكل المؤسسات المكونة لكلية الوطن أو الأمة هي أولاً وأخيراً تدين كليةً بحياتها للعلم وحقوله المتعددة ، وكل حقل ينتج رؤية دقيقة في بناء المجتمع الإنساني بلا مواربة ، ويعمل على تحديد فضاءَات المؤسسات وعلاقاتها فيما يعرف يومنا هذا بالوحدة الوظيفية للأداء ، ضمن معادلة جدلية ثنائية تسمى المدخلات والمخرجات وبينهما تتم عملية جوهرية وسطية تسمى المعالجات .

ولذلك كان القانون الدستوري / والإداري والمالي والبحري وهلم جرّ، وأصبحت جميع منظمات بناء الدولة المجتمعية تخضع وبعمق شديد لإطارات هذه القوانين العامة ومضامينها النوعية ، فكان حتماً مبدأ الفصل بين السلطات في ضوء القوانين التعقيدية، مع احترام أسس الرقابة والشفافية التي تحددها بجلاء هذه القوانين العامة.

ولا يمكن لأي دولة مدنية حداثية أن تبلغ مرتبة النظام والتناسق دون تفعيل حقيقي لهذه الهياكل.

ويبقى الدستور هو الآلة الحافظة والمرتبة لمفهوم التوازن والجدوى بين كل هذه العلائق القانونية في إطار مايسمى بتنظيم السلطات وتكاملها كماً وكيفاً دون تداخل أوتنافر أو ضيم ينتج من قصور المنفذ أو المترجم للنصوص .

ومن المعروف أن بلادنا (الجمهورية اليمنية) أصبحت تملك مدونة لايستهان بها من هذه النصوص التي صيغت وتبلورت وفق أحدث ماهو متاح في الأنظمة الراقية ،إلا أنه شتان بين وجود النص وتفعيله ، ولابد من مرحلة التوظيف والتطبيق ، فيما يمكن أن نسميه حقول الحاجات والتجريب ، دون استنساخ أو محاكاة أو تقليد أعمى ، لأن إدعاء الشيء غير صدقيته، فكل الدول تدعي ،ولكنها في مستوى الممارسة أياً كان مجالها المجتمعي تزداد تراجعاً وتخلفاَ وانهياراَ .

ولعل هذا هو ما أصاب مؤسسات بلادنا منذ زمن طويل ، أي بدءًا بالدول التي حكمت قبل الإسلام ومروراً بعهود الأئمة وانتهاءً بالأنظمة الثورية الجبرية ممثلة بحركات التحرر الوطنية والقومية بشكل عام.

ونعتقد أن اليمن لم يحظ حتى الآن بفرصة حقيقية تتناسب مع حجم الأدوار التاريخية العملاقة التي قدمها للتاريخ البشري ، خاصة إبان ازدهار حضاراته المعروفة وأشهرها دولة سباْ التي قدمت أرقى الأنظمة الشوروية على الإطلاق في وقتها آنذاك ، ولكنها لم تكن واعية بصفة متكاملة للديمقراطية في اختيار الحكام من قبل الشعب .

ونقصد بفرصته الحقيقية أي أنه عرف آنذاك نماذج متطورة من الدولة القائمة على (المؤسسة العلمية) ،فلما دخل الإسلام زهد أهله في الحياة محبة في زاد الآخرة ، واندفعوا إلى خدمة الإسلام ونشر رايته في كل أنحاء العالم ، وهم يتعالون عن ذاتهم ومتطلباتهم وواقعهم ، مما دفع هذا الأمر ثلة من الحكام والأئمة لاستغلاله ، وسرقوا مقدراته واستنزفوا خيراته ، وقدموا أسوأ الأمثلة في إدارة حكم اليمن ، دون تقوى أو قانون واضح أو حدود لصلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية ، وتمادى هؤلاء الحكام في تسخير قواه بما يخدم مصالحهم الذاتية ، ضاربين بعرض الحائط بكل مايمكن أن ينفع البلاد والعباد ، وصارت اليمن تدريجياً مجرد رهنية والناس مجرد أسرى لحكمهم العائلي .

  فلما قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ، كان هناك أمل كبير في استعادة هذا المشروع الحضاري وإعادة القوانين إلى نصابها السليم وتسخير العلم في خدمة الإنسان والمؤسسات ، ولكن النتيجة هي أن رجالاً جدداً أعادوا السيناريو نفسه، وفصلوا أنفسهم عن هموم أبناء شعبهم ، فكان هذا من شأنه احتكار جميع السلطات في يد واحدة ، وهذه اليد لاتملك أدنى مقومات الأهلية التي يجب توفرها في الحاكم المسلم وهي :العلم والعدل والإيمان والتقوى والتخصص والنضوج العقلي والكفاءة النفسية .

  فمما سبق ندرك إدراكا حتميا أنه لايمكن لدولة مدنية حداثية أن تستقيم في اليمن إلا باعتماد معايير العلم التي من جوهرها تقديم الكفاءة والجدوى والامتياز ، وهي فضاءات لاتتوفر إلا في نماذج محددة داخل المجتمع اليمني ضمن مؤسسات الدولة العلمية والأكاديمية ، وهاهو الله يمنحنا اليوم فرصة تاريخية عبر ثورة يمانية مباركة ومن خلال شباب طاهر مفعم بالطموح والأمل والصدق والعزم ، حتى ننهض ونراجع جميع حساباتنا .

وأرى – ولله الأمر من قبل ومن بعد – أن على الشعب اليمني بمختلف فئاته وشرائحه أن ينخرط في حركة وعي نهضوية شاملة قائمة على العلم وقوانينه التي لا تتعارض ولا تتنافى مع الدين ، بل هي من جوهر إسلامنا الحنيف ، حيث يكرس الله عز وجل ثلثي قرآنه في مسائل العلم والمعرفة بشتى مجالاتهما ، بل ويؤكد المولى تبارك وتعالى القاعدة الجوهرية لخلافة الأرض قائلا :"هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون" . وهو نص يجعل القيادة الاستخلافية بيد الذين يعلمون ، وهذه هي الولاية التي ارتضاها لعباده في مختلف المجتمعات البشرية فمن أخذ بها سما وعلا ، ومن أعرض عنها هوى وغوى .

  ولاريب أننا في مفترق طرق وأن جميعنا يتوق إلى تشييد يمن عظيم لايقهر في زمن الغلبة فيه للعلم وأخلاقياته المعرفية في شتى الميادين ، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نبلغ هذه الغاية إلا بالبدء في مؤسسة الدولة والمجتمع والإنسان على مبادئ السنن العلمية .

لقد آن الآوان حتى نتحرر من عبودية الجهل والفقر ونؤسس ونؤصل لدولة تسود العالم خلال الألفية الثالثة بدون منازع.

إن الأشياء العظيمة في حياة الشعوب إنما تصنعها لحظات طويلة ومؤلمة من المعاناة ، واليمانيون كانوا ومازالوا أكثر الدول والشعوب معاناة ، وعليهم أن يتوقوا إلى الحياة الكريمة والرفاة الاقتصادي وسيادة النظام على الجميع دون تمايز مهما كان نوعه أو باعثه .

وأجد نفسي مدفوعا بقوة كي أضع جملة من الآليات الواقعية في بناء هذه النهضة اليمانية المنشودة ، إن كنا ندرك قيمة العلم وقوانينه في إدارة حياتنا وتصريف شؤوننا ، إن العلم الصحيح يؤدي إلى الإيمان الصحيح وينتج أخلاقا معرفية تتوافق شكلا ومضمونا مع جوهر تعاليم ديننا الحنيف .