حول الدور السعودي في نشأة الحركة الحوثية:
بقلم/ سعد بن عمر
نشر منذ: 15 سنة و 5 أيام
الإثنين 21 ديسمبر-كانون الأول 2009 10:49 ص

من يتدبر التاريخ اليمني الحديث وخاصة بعد تاريخ قيام الثورة اليمنية في 26 سيتمبر1962 يجد أن الدولة اليمنية شكلت عبأ اقتصاديا وسياسيا كبيرا وثقيلا على الكاهل السعودي، لا أكون مبالغا اذا قلت أن لا يوازيه أي اهتمام لدى صانع القرار في المملكة العربية السعودية ..الا ان هناك فترات قل الاهتمام السعودي الكبير بدولة اليمن وبنسبة قليلة فقط عن باقي الأوقات منذ التاريخ المشار إليه حتى الآن، ومن هذه الفترات تلك ( فترة) احتلال العراق للكويت التي كان اهتمام المملكة منصبا على هذا الحدث حتى تم أخراج الجيش العراقي من الكويت وعودة الحكومة الكويتية من الطائف إلى مقرها وإدارة شؤون الدولة من مقرها في الكويت.

فاليمن جار قريب ومحاد للبلاد السعودية وليست كأي دوله عربية سوى مع الحدود السعودية او بعيده عنها.. فهي تمثل الركن الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، وتحمل المملكة الهموم اليمنية في كل الأوقات، وكانت الأمور على الجانبين تتميز بالهدوء والتعامل الأخوي والتجاري والعمالي منذ اتفاقية الطائف في عام 1932 حتى قيام الثورة..

وفي الحرب الأهلية اليمنية بين أنصار الجمهورية الجدد مدعومين من مصر جمال عبد الناصر والملكيين المدعومين من المملكة حتى نهايتها في عام 1970 حملت المملكة العبء الأكبر من مشاكل اليمن الاقتصادية .. واستمرت المملكة بتقديم كافة أنواع الدعم الاقتصادي حتى عام 1990 عام قيام الوحدة بين الشطرين وتأييد اليمن للعراق ضد السعودية والكويت، وكان هذا الدعم والتعاون الذي توقف هو الرسمي من جانب الدولة فقط أما من جانب العلاقة بين الدولة السعودية والشعب اليمني فكانت كما هي لم تتأثر بالأحداث الرسمية.

وبعد اتفاقية جدة الموقعة بين حكومة المملكة العربية السعودية وحكومة الجمهورية اليمنية في 12/ 6/ 2000م بمدينة جدة والتي أتت استكمالا لاتفاقية الطائف الموقعة في مدينة الطائف على اثر تشكل ( المملكة المتوكلية اليمنية والمملكة العربية السعودية) والنزاع الذي وقع بين المملكتين على تركة الإدريسي ( جيزان) الذي دخلت ضمن المملكة العربية السعودية وأصبحت من اراضبها، ثم ثار بدعم وتأييد من المملكة المتوكليه بغية الاستقلال عن السعودية فكانت هذه الاتفاقية هي الأولى في علاقات البلدين التي أعقبها سلام ووئام حتى نهاية عصر الملكية في اليمن..

بعد اتفاقية جدة عام 2000م بدأت المملكة تشعر بقوة اليمن الاقتصادية نتيجة توحده واتفاقه مع كثير من الشركات البترولية العظمى والمشهورة على استخراج النفط من أراضية وخاصة ما كان منها على الحدود التشطيرية السابقة للوحدة ووصل إنتاج النفط اليمني – بعد الوحدة طبعا- إلى أكثر من 600 برميل يوميا مما أعطى الدولة السعودية الخيار الواضح برفع الدعم الحكومي عن اليمن إذ أن اليمن ( الجمهورية العربية اليمنية) قبل الوحدة كانت تعاني تهديدا مستمرا من جارتها وشطرها ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) والمدعومة من دول المعسكر الشيوعي حينها وتشكل تهديدا خطيرا لحكومة الشمال التي كانت المملكة تقف معها مساندة ومسلحة لجيشها . 

وكانت المملكة تعامل الشعب اليمني بكافة فئاته في اغلب الأحيان معاملة السعودي في المستشفيات والتعليم والإشراف على كثير من المدارس العلمية والدينية في اليمن ، ومن تلك الأمور التي تهتم بها لأبنائها ما يسمى (المناخ) وهو مصطلح يطلق على مبلغ مقطوع من الدولة يعطى للأسر السعودية سنويا مرة واحدة او يعطى شهريا لأسر هامه معدودة في المملكة كافة ، واتى اسم مناخ من طبع البدو في عهود سابقه من الحضور إلى الرياض على الجمال ثم يقوم راكب الجمل بإناخته أمام قصر الوالي فيقول أنخت بالباب رغبة في المناخ.

وقد عاملت الدولة السعودية كثير من وجهاء ومشايخ واعيان وعلماء اليمن معاملة السعوديين فأجرت لهم الرواتب الشهرية يستلمونها من إدارة مختصة بالشؤون اليمنية أطلق عليها: اللجنة الخاصة للشؤون اليمنية تتبع مجلس الوزراء مباشرة ويشرف عليها وزير الدفاع والطيران.

إلا أن هذه الرواتب كانت مجال تندر واتهام من قبل كثير من اليمنيين بان هذه الرواتب ما هي إلا نتيجة استقطاب وعماله وكانت أيضا محل انتقاد بعض المواطنين السعوديين في منتدياتهم الخاصة.

وبعد توقيع الاتفاقية أي بعد عام 2000م تم تقليص هذه الرواتب إلى ادني حدودها ، فقد خفض بعض رواتب المشايخ والعلماء والأعيان إلى النصف وحجب عن الكثير، ومن يتوفى ينتهي صرف مرتبه إلى ذويه، فإذا كان المتوفى شيخ قبيلة بحجم حاشد او سنحان أو دهم حرم ابنه الشيخ التالي هذه الخاصية وهكذا..

إضافة إلى ذالك فقد تم تقليص النفقات التي تعتمد لليمنيين في الصحة والتحويل إلى المستشفيات المتخصصة والمقاعد المخصصة للإخوة الطلبة اليمنيين في الجامعات والكليات العسكرية والصحية .

وهذه الرواتب والأعطيات التي كانت تساعد المشايخ على القيام بواجباتهم تجاه قبائلهم ولم ترد إليهم جعل الكثير منهم يتجه إلى البحث عن أي مصدر للرزق، فقادت بعضهم الخطى إلى الحوثيين فاجروا لهم المرتبات وخلعوا عليهم( الأطقم) والوجاهة التي كان البعض يبحث عنها بل أنهم وجدوا عند الحوثيين ما لم يجدوه لدى الدولة اليمنية والسعودية، وساعد ذلك الحركة الحوثية بانضمام أنصار لهم، لأن الشيخ عندما ينضم إلى الحوثيين يأخذ معه أغلب قومه ومن هنا تزايد عدد الحوثيين، بل أن الحوثيين يجهزون المنضم إليهم بأطقم وأسلحة وعتاد مما يشعر الشيخ بان له مركز مهما ورويدا.. تجده هو وحاشيته رأس الحربة للحركة في قبيلته ومنطقته.وكان البعض من هؤلاء المشايخ قد ذهب إلى ليبيا لطلب الدعم والتشجيع من الزعامة هناك ومن ذلك مشايخ على رأس القبيلتين الكبيرتين في اليمن وقد حصل لبعضهم ما ارادوا لكن لم يكن بالطريقة التي يطمعون اليها.

وفي أعقاب أحداث 11سبتمبر قامت حمله غير مبرر لها وظالمه ضد المعاهد العلمية في اليمن والذي كان بعضها يمون من المملكة والبعض أهلي وحتى الحكومي منها، فأغلقت جميعا حتى وصل الأمر إلى محاولة غلق جامعة الإيمان بالحجج المعروفة وهي دعم الإرهاب، مما ساعد هذا الانقطاع والفراغ العلمي وأتاح المجال للشباب الناشئ للانخراط في اي مدرسة مفتوحة أمامهم فوجدوا المدارس التابعة للحوثيين فدرسوا فيها وأصبحوا دعاه وقادة وإداريين متعلمين في الحركة، كما بادرت إيران باستقطاب الطلبة اليمنيين في جامعاتها وفي الحوزات العلمية الدينية والبعثات التي على حساب الإيرانيين في أماكن تحت الأشراف الإيراني في دول مثل سوريا ولبنان والمدارس الخاصة في الكويت والإمارات.

 وعلمي أن هذه المدارس والتي تتلقى تموينها من قبل دول خارجية وبإشراف المتمردين لا زالت مفتوحة في أكثر محافظات اليمن خارج إدارة وسيطرة وزارة التربية.

ومن خلال هذين البابين المشار إليهما استطاعت الحركة الحوثية أن تسد المكان الشاغر التي تركته المملكة وراءها سوى بقصد او عن سؤ تقدير للعواقب المستقبلية التي حدثت.

 ففي الوقت التي كانت المملكة تضغط لغلق المعاهد العلمية في اليمن كان الحوثيون يفتحون الجديد منها تحت مختلف المسميات والشعارات.

 وفي الوقت التي قطعت الدولة السعودية كثير من الأعطيات والمرتبات وجدها الحوثيون الفرصة السانحة بدون منافس في الحلول في المكان الصحيح لتوفر الأموال الهائلة لديهم لمن تم استبعاده او حرمانه أو عدم الموافقة على إجراء مرتب شهري يعينه على أعباء الحياة ويساعد على عدم تطلعه إلى خارج حدود الجزيرة.

وفي ذات الوقت التي قلصت الدولة السعودية من بعثاتها العلمية للجامعات السعودية من أبناء اليمن وجد المتمردين الفرصة لاستقطاب أعداد كبيرة تم بعثهم إلى جامعات معينة للعودة قادة مفكرين وعلماء على النمط الذين يرغبون وعلى الفكرة التي قامت الحركة الحوثية عليها.

بقي أن يدرك القارئ أن هذه العوامل على أهميتها في المساعدة على سرعة نشأة الحركة الحوثية في اليمن وبقوة متنامية خلال التسع سنوات الماضية لم تكن كافية، فقد ساعد ذلك ما كسبه الحوثيين من سمعة في مجال حل الإشكالات التي تقع في مناطقهم بالعدل والتراضي، مما اكسبهم شعبية لدى البسطاء والعامة، فكثير من القضايا العالقة والمزمنة بين القبائل وبين الأفراد استطاع الحوثيون من التدخل وإنهائها في أسرع وأسهل السبل والتي يتناقض ذلك مع الأداء الحكومي التي تبقى القضايا لديها بعشرات السنين خاصة قضايا الدم والخلاف على الأرض.

saadbinomar@hotmail.com