قائمة أكبر 10 شركات عالمياً
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 11 سنة و أسبوعين و 4 أيام
الإثنين 21 أكتوبر-تشرين الأول 2013 11:23 م

في سبتمبر من عام 2009 بدا أن ما بات يعرف باسم "مؤسسة أميركا " America Inc قد تحطم وزال من الوجود، فمن بين أكبر 10 شركات في العالم من حيث القيمة السوقية كانت هناك 3 شركات أميركية فقط وهي: "إكسون موبيل" و"مايكروسوفت" و"وول مارت". خضعت القائمة آنذاك لهيمنة شركات عملاقة مملوكة للدولة مثل "بترو تشاينا"، و"تشاينا موبايل" و"آي سي بي سي"، وهو بنك صيني. ووصلت شركة "بتروبراس"، وهي شركة نفط وغاز تديرها الحكومة البرازيلية إلى المركز التاسع. وعانت أميركا حالة انحسار وتراجع إثر اندلاع أزمة الرهن العقاري الثانوي، وقد تمكنت ما يطلق عليه بـ"رأسمالية الدولة" من إزاحة الشركات الخاصة من قمة العالم، هذا فضلاً عن حدوث تحول شديد في مراكز الثقل والقوة الاقتصادية في العالم لتميل نحو الدول الناشئة.

وأظهرت التطورات أن تلك السنة أن كانت نقطة تراجع حادة أصابت للشركات الأميركية، لذا فإن عودتها من جديد تعد حدثاً متميزاً.

اليوم غدت 9 شركات من أكثر الشركات قيمة على مستوى العالم أميركية المنشأ، وهو مستوى لم تتمتع به الولايات المتحدة على مدار عقد كامل من الزمن. وبإلقاء نظرة إلى أكبر 50 شركة سنجد أن حصة أميركا تقل كثيراً عما سبق لكنها لا تزال تهيمن على ما فوق 50 في المئة، كما أنها بدأت في الآونة الأخيرة بالتقدم نحو مركز أعلى (كما هو مبين في الشكل رقم 1). ومع استعادة الاقتصاد لطاقته خصوصاً من خلال الغاز الحجري الرخيص، وتحسن سوق الأسهم الأميركية ساد تفاؤل في الأجواء الاقتصادية الأميركية ونشطت الشركات الكبرى مجدداً.

في الثاني من شهر سبتمبر الماضي، أعلنت شركة "فيريزون" للاتصالات، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، أنها سوف تسيطر بصورة تامة على ذراعها اللاسلكية وشراء شريكتها العملاقة البريطانية "فودافون". وبقيمة تصل إلى 130 مليار دولار تعتبر هذه الصفقة ثالث أكبر الصفقات عالمياً، كما أنها تكشف مدى عمق أسواق الرسملة الغربية وتطورها في السنوات القليلة الأخيرة- وقد تمكنت "فيريزون" من إصدار سندات بقيمة 49 مليار دولار، وتتمثل خطوتها التالية في تحويل أسهم "فيريزون" إلى مساهمي "فودافون" البريطانية. وفي اليوم التالي قالت شركة "مايكروسوفت" إنها اشترت شركة "نوكيا" الفنلندية المتعثرة المتخصصة في تصنيع الهواتف المحمولة... وكانت "نوكيا" خلال الـ13 عاماً الماضية في المركز الـ16 بين أكبر شركات العالم، وبذلك أصبحت الولايات المتحدة مهيمنة اليوم على صناعة الاتصالات اللاسلكية.

موجات الهبوط والصعود

الدول ليست في حاجة إلى شركات عملاقة كي تصبح ناجحة: وتكمن قوة ألمانيا في شركاتها المتوسطة الحجم، وتشعر كندا براحة في العيش بدون شركات كبرى. ثم إن الهيمنة في قوائم التميز يمكن أن تتبخر بسرعة. وعلى سبيل المثال وفي شهر مايو من سنة 1987 وقبل أن تنهار البنوك اليابانية، كانت اليابان تستحوذ على 8 من بين أضخم 10 شركات على مستوى العالم. كما أن شركة "طوكيو للطاقة الكهربائية"، التي كانت ثالث أكبر شركة في العالم، أصبحت اليوم تساوي عشر قيمتها المسجلة في فترة الذروة يومذاك، وتعرف الآن على نطاق واسع بفعل الكارثة التي حلت بمحطتها النووية في فوكوشيما.

في عام 2000، ومع بداية انفجار فقاعة الشركات التكنولوجية المعروفة "دوت- كوم"، كانت "سيسكو" و"أوراكل" (وهما من عمالقة التقنية) ضمن أعلى 10 شركات. وبين عامي 2005 و2007 تحرك بنك "سيتي غروب"، و"إيه آي جي" و"بنك أوف أميركا" في حلبة الـ10 الكبار صعوداً وهبوطاً- وقد خضع الثلاثة الكبار لعملية إنقاذ مالية باستخدام أموال دافعي الضرائب قبل نهاية ذلك العقد. ومع بداية العقد التالي أدى الحديث عن "دورة فائقة" تطرأ على السلع والبضائع مدفوعة بالطلب الصيني إلى انضمام شركة التعدين الأسترالية "بي اتش بي بيليتون" إلى أكبر 10 شركات- بيد أنها تراجعت اليوم إلى المركز الـ27.

الفوران الأميركي

من جهة أخرى، يعتقد كثيرون في قطاع الأعمال أن وجود شركة ما ضمن أكبر الشركات في صناعة ما هي من الأمور المهمة إذا كانت الشركة تنافس في اقتصاد العولمة.

وعلى الرغم من إنجاز أميركا المؤسساتي يرجع، في جانب منه، إلى شيوع فكرة الطراز الأميركي بين المستثمرين- ما أدى إلى ارتفاع الدولار وانتعاش أسعار الأسهم بقوة هذه السنة- فقد كانت هناك 3 عوامل أكثر عمقاً عملت على تحقيق ذلك الإنجاز:

العامل الأول، يتمثل في مزيج أميركا من المرونة والديناميكية. صحيح أن هناك حرساً قديماً- شركة "إكسون" المنتجة للطاقة، و"جنرال إليكتريك" و"جونسون آند جونسون"، التي تعمل في قطاع الرعاية الصحية- كان جميعه ضمن أكبر 10 شركات أو قريباً من ذلك قبل عقد مضى، كما أن بينها شركات تتباهى بأن لها تاريخا يعود إلى أربعة قرون، غير أن المؤسسة المالية القديمة تفجرت. فمؤسسة "ويلز فارغو" التي كانت أكبر جهة إقراض في الولايات المتحدة بات ينظر إليها كما لو كانت مصرفاً ريفياً في عيون خبراء وول ستريت، كما تراجعت شركتا "كوكا كولا" و"فايزر" عن الشريحة الأولى، لكن "شيفرون" ومن خلال تحسين سجلها المروع في عمليات الاستكشاف أصبحت ثاني أكثر شركات النفط قيمة في العالم.

وقد تخلت شركتا "إنتل" و"آي بي إم" عن مركزيهما المتقدمين بين أكبر 10 شركات في العقد الماضي لمصلحة "غوغل" و"أبل" (كما هو مبين في الشكل رقم 2) على الرغم من أن "آي بي إم" قد تتمكن من العودة إلى مستواها السابق. وتعتبر "مايكروسوفت" الشركة الوحيدة التي تمكنت من البقاء في عالم التقنية. ويبدو أن ثمة قدرا أكبر من الفوران والاضطراب بين أكبر الشركات في الولايات المتحدة بقدر يفوق بقية أنحاء العالم.

شركة التريليون دولار

العامل الثاني الأكثر عمقاً يبرز من خلال أداء أوروبا الضعيف. ولا تزال سويسرا وبريطانيا تحتفظان بحصة غير متناسبة من الشركات ضمن شريحة أكبر 50 شركة بما في ذلك شركات مثل "نستله" و"روش" و"بنك إتش إس بي سي" و"بريتش بتروليوم". ولكن لدى بقية دول أوروبا 4 شركات فقط ضمن أعلى 50 شركة. ويشكل الأفضلية القديمة المتعلقة باهتمام الأوروبيين بالتمويل المصرفي أكثر من اهتمامهم بأسواق الأسهم جزءاً من القصة، وربما كانت الصعوبة المتعلقة بالاندماج عن طريق عمليات الاستحواذ عبر الحدود عنصراً غير مساعد في هذا الأمر، فضلاً عن أزمة اليورو أيضاً التي أضرت بشدة "بنك سانتاندر" وشركة "تليفونيكا" للاتصالات، وهما شركتان من إسبانيا كان لديهما عمليات ضخمة في أميركا اللاتينية وقد أحرزتا تقدماً قوياً قبل خمس سنوات من اندلاع أزمة اليورو.

أما العامل الثالث هو صعود وهبوط الشركات المملوكة للدولة، خصوصاً الصينية. في سنة 1997 تم إدراج شركة "تشاينا موبايل" في أسواق الأوراق المالية الصينية، وفي العقد التالي أصبحت شركات صينية ضخمة عدة ضمن الشركات العامة المدرجة- بما في ذلك البنوك الكبرى في البلاد. وبلغ الفوران ذروته في عام 2007 عندما أقدمت شركة "بترو تشاينا" النفطية التي كانت مسجلة في هونغ كونغ والولايات المتحدة على تداول أسهمها في سوق شنغهاي. ومن ثم فقد أصبحت ولفترة وجيزة الشركة الوحيدة في التاريخ التي تبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار. وإذا جمعت أعلى الشركات المملوكة للدولة بين قائمة أكبر 10 شركات على مستوى العالم من حيث القيمة في 2009 بعضها مع الآخر ستصل قيمها الإجمالية إلى 3.7 تريليونات دولار.

وقد هبط إجمالي قيمة الشركات المملوكة للدولة في قائمة الشركات العشر الكبرى على مستوى العالم اليوم إلى 1.5 تريليون دولار، وتساوي "بترو تشاينا" الآن 233 مليار دولار فقط. وتعكس هذه الخسارة الكبيرة بشكل واضح التقييمات الأولية السطحية، والهبوط في أسعار السلع والبضائع، وموجة الهبوط في الأسعار الحالية في الأسواق الناشئة. غير أنها قد تظهر أيضاً ازدياد حذر المستثمرين وقلقهم إزاء الشركات المملوكة للدولة وذلك لأسباب جوهرية بقدر أكبر.

كانت شركة "غازبروم"، وهي شركة طاقة روسية تخضع لإدارة الكرملين، تعرضت إلى هبوط في قيمتها يعادل ثلاثة أمثال أرباحها السنوية، وذلك مقارنة بهبوط قدره 11 مرة بالنسبة إلى شركة "إكسون". كما أن سعر سهم أحد مصارف الصين المصنف ضمن أكبر ثلاث مقرضين في البلاد- وهو بنك الصين- يجري تداوله في الأسواق بأقل من قيمته الدفترية، علاوة على ذلك فإن المصرفين الآخرين لا يبعدان كثيراً عن ذلك المستوى. وخفضت قيمة شركة "تشاينا موبايل" مقارنة مع نظيراتها العملاقة في آسيا- وفقاً لقول جيمس راتزر من شركة "نيو ستريت ريسيرش" المتخصصة في التحليلات المالية. كما أن شركة "فال" البرازيلية الكبرى المتخصصة في الأنشطة التعدينية والمناجم تقل في قيمتها عن منافساتها العالمية مثل "بي إتش بي بيليتون" الأسترالية و"ريو تنتو".

روابط حكومية

وربما يرجع ذلك الى كون الجوانب السلبية للعلاقات الودية مع الحكومة أصبحت أكثر وضوحاً. وفي الثاني من شهر سبتمبر الماضي خضع جيانغ جيمن، وهو رئيس سابق لشركة "بترو تشاينا" للتحقيق معه بتهمة "شبهة ارتكاب انتهاكات إدارية خطيرة"، وهو تعبير رسمي يستخدم في الصين قد ينطوي في غالب الأحيان على اتهامات بالكسب غير المشروع. وينتاب القلق أوساط مديري صناديق الاستثمار من أن تضطر "تشاينا موبايل" إلى الاستثمار في شبكات اتصالات غير مربحة من أجل المصلحة الوطنية الأكبر، حسب تعبير المحلل راتزر. ويخشى العديد من المستثمرين من أن تكون طفرة الإقراض المحفزة من قبل الحكومة خلال السنوات الخمس الماضية قد دفعت بنوك الصين إلى تكبد أحجام كبيرة من الديون المعدومة. وتبقى تلك البنوك متحفزة لالتقاط حصص في عمليات اكتتاب عامة لأسهم شركات خاصة تبعد فيها عن الأسهم العامة الراكدة.

تلك قصة مماثلة في أماكن أخرى أيضاً. يعتقد "معهد بيترسون" للاقتصادات الدولية، وهو مركز بحثي مرموق، أن هناك مبلغاً قدره 40 مليار دولار تخسرها شركة "غازبروم" الروسية سنويا نتيجة ممارسات الكسب غير المشروع وعدم الكفاءة، مشيراً إلى أن تلك العوامل قد تكون السبب وراء انهيار أسعار أسهمها.

رهانات الخارج

ترى أقلية من حملة الأسهم في شركة "بتروباس" البرازيلية أن تدخل الحكومة قد أضر بالأرباح من خلال إرغام الشركة على استخدام موردين محليين، وفرض تنظيم لأسعار التجزئة، وإملاء الدور الذي تقوم به في استغلال حقول النفط البحرية (الأوفشور) العملاقة في البلاد.

قد يبتهج المروجون الأميركيون أمام النتيجة التي تشير إلى عودة شركاتهم ومؤسساتهم إلى الهيمنة مجدداً، لكن يتعين عليهم أن يتذكروا أن النصر عند هذا المستوى يأتي من أماكن وبقاع بعيدة. وأصبحت الشركات الأميركية الناجحة عالمية بقدر أكبر، ووصل 6 منها إلى قائمة أكبر 10 شركات- بما في ذلك "غوغل" التي تبيع في الخارج بأكثر من مبيعاتها في الداخل. وفي كل الحالات على وجه التقريب ترتفع نسبة المبيعات الخارجية بصورة ثابتة. ويتوقع رئيس جنرال إليكتريك، جيف ايميت، أن خليفته ربما لن يكون أميركي الجنسية. ومن بين أكبر رهانات شركة "شيفرون" هو حقل غاز في أستراليا يدعى "غورغن" وليس الغاز الصخري في الوطن.

ولكن هيمنة أميركا الجديدة ليست مؤكدة، فمن خلال قياسها عبر عينة أكبر كقائمة أكبر 50 شركة، يظهر هبوط حصتها ودرجة تعافيها أقل جلاء. وتوجد شركتان مملوكتان للدولة، وهما "آي سي بي اس" و"تشاينا موبايل"، خارج قائمة أكبر 10 شركات، كما أن من ضمن الشركات التي تم تصنيفها بين المراكز 11 و30 تبلغ النسبة الأميركية أقل من النصف. ولعل ما هو أكثر أهمية أن الشركات الأميركية لم تعد مهيمنة من حيث الأرباح (كما هو مبين في الشكل رقم 3). وحتى إذا كانت أسعار أسهمها فاترة أو أكثر سوءاً فإن معظم الشركات العملاقة في الأسواق الناشئة زادت بصورة ثابتة من أرباحها- وقد تضاعف بشكل تقريبي الدخل الصافي السنوي لشركة "تشاينا موبايل" في غضون خمس سنوات ليصل إلى 20 مليار دولار.

الحذر الاستثماري

يقيم المستثمرون اليوم شركات أميركا الكبرى عبر دخلها وبقدر يفوق تقييمهم للشركات في أماكن أخرى، وربما يرجع ذلك إلى اعتقادهم في قدرتهم ورغبتهم لتخصيص موارد فعالة والتحكم في أنفسهم كما لو كانوا مساهمين وديين. ومن خلال تحسين طريقة إدارتها تستطيع شركات أخرى ذات أرباح كبيرة رفع تقييمها والتقدم على قائمة الكبار. وينطبق هذا على البعض من شركات القطاع الخاص- مثل "فولكسفاغن" و"سامسونغ"- التي لديها سمعة وتصنف ضمن معايير عدم الشفافية والجودة المتوسطة نتيجة لذلك، وهو أمر ينطبق كذلك على شركات كبرى مملوكة للدولة.

ثمة تلميحات إلى حدوث تغيير. فقد سمحت "بتروبراس" لمستثمري الأقلية بتعيين مدير لمجلس إدارتها. وأشارت رئيستها الجديدة ماريا داس كراكاس فوستر إلى أنها سوف تكون أكثر حذراً في استثماراتها. وتحدثت حكومة روسيا عن جعل الشركات المملوكة للدولة تدفع حصص أعلى من توزيعات الأرباح على مساهميها بهدف فرض درجة أكبر من الانضباط عليها. ويشير الإصلاحيون في الصين إلى رغبتهم في مواجهة جماعة الضغط الصناعي القوية. ويقول تقرير شبه رسمي صدر في سنة 2012 بالتعاون مع صندوق النقد الدولي تحت عنوان "الصين في 2030 "، إن السماح للشركات الحكومية بالعمل بأسلوب تجاري أكبر يمثل هدفاُ رئيسياً. والنموذج الهجين الذي يجعل الشركات عرضة للمساءلة من جانب المستثمرين والسياسيين قد لا يكون مرضياً ولكن يمكن تحسينه