الترابي .. من التجديد إلى الشذوذ
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 20 يوماً
الأربعاء 04 إبريل-نيسان 2007 07:59 م

يوصف الدكتور حسن الترابي بأنه ظاهرة قائمة بذاتها في العمل الإسلامي المعاصر ، فيما ينظر اليه البعض الأخر بأنه الابن الروحي للغرب بعباءة اسلامية ، ويذهب فريق ثالث بالقول انه شخصية سجالية تسعى لخلق استقطابًا حوله بالشاذ من الأراء لجذب الأنظار اليه .

 والمتابع لمسيرة الترابي سواء كانت السياسية او الدينية يمكنه ان يقول انه يعد من أهم رجال الإسلام السياسي والحركي في السودان والعالم العربي والإسلامي، تولى عدداً من المناصب السياسية ، وكان قبل سجنه طرفاً ذا شأن في الحياة السياسية السودانية، ومستشاراً خاصاً لرئيس السودان، قبل ان يأمر بسجنه. و على الجانب الديني فهو أول من طرح من بين الإسلاميين فكرة إعادة صياغة
الإسلام وتكييفه بحسب العادات والأعراف والسمات الخاصة بكل شعب بحيث يصبح الإسلام نسخا متباينة بحسب طبيعة هذه الشعوب مع الاحتفاظ بالقاسم المشترك الذي يوحد بين هذه النسخ.

 الترابي والتجديد

جاء الدكتور حسن الترابي في السبعينات بمشروع فكري مختلف عن افكار سيد قطب الأب الروحي لمعظم الجماعات الإسلامية الذي كان منتشر في هذا الوقت ، مبشرًا بنظرية "التفاعل مع المجتمع"، ويصوغ خطابا إسلاميا مغايرا بل ومفارقا للخطاب الإسلامي السائد وقتها .

 وعلى الرغم من أن المشروع الفكري للترابي يقوم على اساس نفس المنطلقات التي اتخذتها الحركات الإسلامية عنوانا لمشروعاتها الفكرية ، وهي التجديد في الدين ، الا ان هذه الجماعات نظرت الي أفكار الترابي على انها خلايا سرطانية كان يجب استئصالها، فمعظمها مخالفة ومفارقة تماما لكل ما شاع واستقر في أوساط هذه الحركات بل ولدى المؤسسات الدينية الرسمية أيضا.

 فقد نظر الترابي الي الفكر الاسلامي بأنه "قديم " وكان استجابة لعصور مضت لم تعد موجودة الآن؛ فالتجديد عند الترابي يجب أن يمتد إلى كل جوانب الدين، ليصل الي أصول الفقه نفسها، وهو ما رفضه علماء معتبرون وقدموا نقدا علميا لمنهجه.

فالتراث الديني عند الترابي فيما بعد التنزيل (أي القرآن والسنة) كله من كسب المسلمين، ولا بد أن يتطور مع الأزمان تبعا لاختلاف البيئات الثقافية والاجتماعية والمادية.

 قد يصنف البعض الترابي بأنه اقرب الي الفكر العلماني منه إلى الأصولي أو السلفي ، فهو في قضايا المرأة يتبنى خطابا أقرب إلى حركات تحرير المرأة والحركات النسوية المعاصرة في الغرب منه إلى الخطاب الإسلامي أو حتى الشرقي، حتى يصل فيه إلى التأكيد على المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة حتى في أصل الخلقة !

ويرى الكثير من قيادات الحركة الإسلامية السودانية ان الترابي كان مشكلة في حد ذاته ، إذ انه كان دائم السخرية منهم ومن ارائهم وأفكارهم ، وهو ما دفع قيادات الحركة الاسلامية الي تقديم مذكرة للرئيس البشير -عُرفت بمذكرة العشرة- يطالبون فيها بتقليص سلطاته والحد من استبداديته، رغم أن كل هؤلاء القيادات كانوا من تلاميذه!

 فتاوى الترابي

 لن نركز في هذا الجزء على نصوص الفتاوى المثيرة التي يطلقها الترابي بين الحين والاخر ما بين جواز امامة المرأة الرجال في الصلاة ، وامكانية زواجها ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل يعني الدكتور حسن الترابي حقيقة ما يقول وما يثيره من خلاف ديني في امور قطعية وردت ايات كاملة عنها في القرآن الكريم ؟

 يقول حامد ابراهيم الكاتب بجريدة "الراية " القطرية :" لقد ظل الترابي في كل مرة يثير زوبعة سياسية أو قضية دينية خلافية ، فتارة يتحدث عن تفسير مغاير للواقع للاحاديث النبوية ويتحدث عن جواز امامة المرأة للصلاة ولكن لم يجد من يضع حدا لارائه ولذلك فقد ظل يتمادي أكثر فأكثر وهاهو الان يدخل مرحلة تفسير الايات القرآنية بمنظور مخالف لما هو متبع دينيا وفقهيا ولذلك فقد حان الاوان لوضع حد لاراء الترابي الذي لا يشاركه فيها اي مسلم ".

 ويضيف الكاتب :" ان الترابي ربما اراد بهذه التفسيرات المثيرة للجدل لفت الانظار اليه بعدما انزوي سياسيا واستطاع تلاميذه تجريده من كل ما يملك من سلطة وجاه ولم يتركوا له الا طريق الجدل الفقهي الذي لايريدون الدخول فيه ، ولذلك فهو في كل مرة يثير امرا ما ليقول انه موجود وحتي ولو من باب الخلاف الديني لا السياسي" .

ويقول احد كتاب جريدة "الرأي " العراقية :"السنوات الأخيرة شهدت، وما زالت، حملة منسقة تقودها الولايات المتحدة لفرض إصلاحات نوعية في بنية الفكر الديني الرسمي، عبر التحكم في نظم التعليم، وشكل تمظهر التأويل القرآني في وعي كافة المستويات الشعبية، بما يؤثر في تدجين العقلية الإسلامية، وذلك بحجة قلع جذور التطرف المنتج للإرهاب".

 ويضيف دكتور عمر سعيد : "لكن الدكتور حسن الترابي، وعلى ما يبدو، لا يأبه بهذه المعادلة ويرد على التهديد بتفعيل مزيد من الطاقات المحّيدة، حتى ولو كان ذلك متعارضاً مع موروث كامل من الفتاوى والتأويل الذي تحول في ظل غياب نقد أو معارضة من داخل المؤسسة، إلى حقائق دينية مقدسة".

ومضى بالقول "من الواضح أن الترابي سيواجه بحملة شعواء من التشكيك قد تصل بمداها حد التخوين والتكفير، وتجعله متساوقاً مع المشروع الأمريكي في تمييع وإطفاء جذوة الإسلام. مع ذلك، لا ينبغي التعامل مع هذه الفتاوى من باب التخوف من ردات الفعل أو من باب الاستخفاف بأثرها، خاصة وأننا نتحدث عن أحد أبرز منظري الفكر الأصولي المتمثل بحركة الإخوان المسلمين، وهو ضالع في بلورة مضامين الخطاب الديني المعاصر، وأحد مفسري القران الكريم، حيث يمتاز بثقافة متنوعة المشارب، تتجاوز ثقافة اللغة الواحدة، هذا ناهيك عن امتلاكه لناصية المناهج التحليلية التي توفرت عنده عبر دراساته العليا في جامعة السوربون".

 ويضيف محمد جميل أحمد الكاتب في جريدة "الحياة " اللندنية ، قائلا :" الترابي شخصية سجالية على نحو عنيف، ويمكنه أن يضخ كل معنى قابل للإثارة والتهييج في التأويلات الدينية والسياسية؛ لكي يخلق استقطاباً حوله، من دون النظر حتى في التناقضات التي تنشأ عن ذلك في مواقفه السابقة واللاحقة، ولو كانت هذه المواقف المتناقضة على نحو فظيع من الأخطاء والخطايا".

الترابي في سطور

ولد حسن الترابي في أول فبراير 1932 بكسلا بالشمال الشرقي السوداني ، نشأ في بيت متدين ، درس الحقوق في جامعة الخرطوم ثم حصل على الإجازة في جامعة أكسفورد بريطانية عام 1957 وعلى دكتوراه الدولة بجامعة السوربون بباريس في 1964. يتقن الترابي أربع لغات فبالإضافة إلى اللغة العربية يتكلم الفرنسية والإنجليزية والألمانية بطلاقة.

وقد شغل الترابي عدد من الوظائف الهامة فعمل أستاذ بجامعة الخرطوم ثم عميد كلية الحقوق ، وفي عام 1979 عين رئيساً للجنة المكلفة بمراجعة القوانين ، ثم نائب رئيس للوزراء بالسودان ووزيراً للخارجية في حكومة الصادق المهدي. .

 وقد اعتُقل في عقد السبعينيات 3 مرات خلال عهد الرئيس جعفر نميري. وكان تطبيق نميري للشريعة الإسلامية في 1983 مدعاة لتأييد الترابي له ، ثم تحالف مع الجنرال عمر حسن البشيرمن أجل الإطاحة بنظام صادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الدولة.

 وبعد سقوط نظام جعفر النميري أسس الترابي عام 1986 الجبهة الإسلامية القومية وترشح للبرلمان فلم يفز، وبعد انقلاب البشير وتحالفه مع الترابي، انفصل الترابي عن الجبهة القومية على خلفية نزاعه على السلطة والصلاحيات مع البشير، ليؤسس حزب المؤتمر الشعبي وانضم لصفوف المعارضة.

 ويتصف الترابي بأنه شخصية أثيرت حولها أحكام مختلفة وأوصاف متباينة فيرى فيه أنصاره سياسيا محنكا بارعا في تحريك الإعلام وخطيبا مؤثرا وداعية ومفكرا. في حين يرى فيه خصومه شخصا مخادعا له طموح لا يحد وخبرة في الدسائس والمؤامرات وتعلق بالسلطة.

 عن / محيط