بعد موقفها التاريخي تجاه سوريا: من قلّة المروءة أن لا نقول شكرا للسعودية
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 5 ساعات و 17 دقيقة
الخميس 30 يناير-كانون الثاني 2025 09:19 م
 

عندما سقط نظام بشار الأسد، كان هناك من يرتقب بشغف أن تدير المملكة العربية السعودية ظهرها لسوريا الجديدة، لكي يبدأ في فتح النيران على المملكة، ويتهمها بممالئة النظام البائد والإعراض عن العمل من أجل سوريا جديدة بعيدًا عن النظام الفاشي الدكتاتوري السابق.

لكن القدر لم يمهل هؤلاء المتربصين، وظهر بوضوح احترام السعودية لخيارات الشعب السوري، وأنها لا تعمل من أجل أنظمة حاكمة في سوريا، وإنما من أجل الشعب السوري نفسه، والذي فتحت السعودية أبوابها لأكثر من ثلاثة ملايين من أبنائه، كمقيمين لا لاجئين، وأدمجتهم في المجتمع السعودي ومكنتهم من العمل، وقدمت لهم خدمات مجانية في مجالي التعليم والصحة، وتلك حقيقة لا يستطيع إنكارها إلا متربص يغض البصر عن الإيجابيات لشيء في نفسه.

أعلنت المملكة على الفور احترامها لخيار الشعب السوري، ومساندته ودعمه في إقامة سوريا الجديدة، والعمل على تحقيق الاستقرار في هذه الدولة المنهكة، لإدماجها في المحيط العربي من جديد بعد أن أحدث النظام السابق فجوة بين سوريا والحاضنة العربية بسبب ممارساته الوحشية بحق شعبه.

بعض الدول تحجم عن التلاقي مع الإدارة السورية الجديدة بسبب خلفيتها الدينية، ولا تعبأ بالترصّد الخارجي الذي يحيق بسوريا، لكن السعودية قد سلكت طريقا مختلفا يتفق مع مكانتها في الأمة، إذ حرصت على تفويت الفرصة على أن يكون للقوى الخارجية موطئ قدم في سوريا يعرض وحدتها للتفتيت والانقسام.

وقبل كتابة هذه السطور بساعات، وصلت إلى مطار دمشق الدولي، الطائرة الإغاثية الخامسة عشرة، ضمن الجسر الجوي السعودي الذي يسيره مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، تحمل على متنها المواد الغذائية والطبية والإيوائية، ما يعكس جدية رغبة المملكة في مساندة الشعب السوري بعيدًا عن الشعارات الجوفاء التي لا محل لها من الواقع.

أثلج صدري، وصدور كل من يأمل في علاقات وطيدة بين أقطار الأمة، تلك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إلى دمشق قبل أيام، إذ التقى بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، وكانت زيارة ثرية مثمرة، تضمنت تصريحات الأمير فيصل عن هذه الزيارة ما يبشر بالخير، ويؤكد عزم المملكة على العمل بالنهوض بسوريا الجديدة.

فمن ذلك، أنه سطّر شهادة تاريخية بحق القيادة السورية التي تُكال لها الاتهامات بالميليشياوية والعنصرية والطائفية، حيث ثمّن الأمير خطوات الإدارة السورية في انفتاحها على كل شرائح المجتمع.

كما أن الأمير قد صرح بأنه جاء إلى دمشق للتعرف من الأشقاء السوريين مباشرة على احتياجات الشعب السوري، بما يعكس حالة الاستعداد السعودية للدعم المفتوح للشعب السوري.

والأهم من ذلك أن وزير الخارجية السعودي قد أكد عقب اللقاء بأن بلاده سوف تجري مناقشات مع أمريكا وأوروبا للمساعدة في رفع العقوبات عن سوريا، وشدد في مؤتمر صحفي مع نظيره السوري أسعد الشيباني، على أهمية الاستعجال في رفع كافة العقوبات بطريقة تضمن تدفق الاستثمارات إليها، لإتاحة الفرصة لنهوضها واستقرارها والعيش الكريم، مبشرًا بأنه يسمع رسائل إيجابية في هذا الشأن، وهذا بدوره يكشف استثمار المملكة لعلاقاتها في رفع العقوبات عن سوريا.

وتأتي زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق، بعد زيارة قام بها نظيره السوري أسعد الشيباني إلى الرياض في مطلع هذا الشهر على رأس وفد يضم وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات أنس خطاب، لبحث عدد من الملفات التي تهم البلدين.

أصداء هذه الزيارة كانت مبشرة بالخير، ظهر ذلك خاصة في تصريح الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي الذي يبرز اهتماما سعوديا عالي المستوى بالشأن السوري وبناء سوريا الجديدة، حيث قال أنه آن الأوان أن تستقر سوريا وتنهض، وتستفيد مما لديها من مقدرات وأهمها الشعب السوري الشقيق، كما وصف الأمير خالد اللقاء مع الوفد السوري بأنه مثمر، مضيفًا: “لقد عانى إخواننا وأخواتنا في سوريا سنوات من الحروب والدمار والوضع المعيشي الصعب”.

وأما قائد الإدارة السورية أحمد الشرع الذي عاش سنوات طفولته في السعودية وأعرب عن حنينه إلى زيارتها مجددا، فقد أكد سابقا على الدور السعودي لاستقرار سوريا، وأشاد بمواقفها التي اتخذتها من أجل سوريا والتي من شأنها تحقق الاستقرار لها.

توجهات المملكة لاحتواء سوريا وبنائها من جديد، لابد وأن يكون إجماعًا عربيا حتى نفوت الفرصة على التدخلات الأجنبية الرامية لتقسيم سوريا، وهو الأمر الذي يهدد بضرب استقرار المنطقة بأسرها.

الدول العربية مدعوّة كلها إلى التعاضد مع سوريا وإعادتها إلى البيت الكبير، وهي فرصة سانحة كذلك لجميع الدول العربية في الاستثمارات داخل الأراضي السورية، فلا يعيبها البحث عن مصالحها وتبادل النفع مع الأشقاء.

تتفق أو تختلف مع السعودية، إلا أن الإنصاف يقتضي الإشادة بهذا المسار الإيجابي الذي سلكته المملكة تجاه سوريا الجديدة، فلننح الخلافات جانبًا، ونبحث عن كل بقعة مضيئة وسط هذا الظلام الكبير، تبعث فينا الأمل من أجل أمة واحدة موحدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون