الولايات اليمنية المتحدة
بقلم/ مجلي احمد الجرباني
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 22 يوماً
الإثنين 26 أغسطس-آب 2013 05:01 م

الفيدرالية معناها اتحاد بـين عدة ولايات منـفصلة لتـشكـل دولة واحـدة مثـلما هو حاصل في أمريكا أو الإمارات أو الهند لكن ما يحدث في اليمن هو العكس حـيث توجـد دولة واحـدة ستـنـقسم إلى عـدة ولايات يربطها اتحاد فيدرالي وهنا يكمن الشك والخوف من تـفـتـت الدولة وتـشرذمها نـظرًا لضعـف مركـزيتها وعدم سيطرتها على كل أطراف الوطن لذا قد يكون هـذا الحـل فاشلاً بل وخـطيرًا عـلى الأمن القومي اليمني في حالة إقراره كون اليمن ليست من التماسك اقـتصاديـــاً أو عسكريـــًا أو أمنيـــًا أو سياسيـــًا أو اجـتماعـيـــًا مثـل أمريكا أو حـتى الإمارات, ولن يكون هـذا التـقسيم إلا تهديـدًا حـقـيقـيـــًا عـلى سلامة الوطن لأنه سيعـزز في المستـقبل عوامل الانـفصال نـظرًا لوجـود الثارات والعصبـيات, وتباين العادات والتـقاليد, وتعـدد الثـقـافات والخـلـفيات, وكذلك الظروف المعـقـدة والمتأزمة التي تعـصف بالبلاد و لن تـُـحـل في المنظور القـريب مهما انهمرت عـلينا أموال أصدقاء اليمن.

أنا لست ضد الفيدرالية فهي نظام رائع وخلاق لكن لن تـثمر الفيدرالية إلا في بيئة تـتـكون من نسيج اجـتماعي متعايش مع بعضه رغـم اخـتلافاته يرفـض التطرف والعنـف والعصبـية, مع وجود كيان اقـتصادي متماسك يحـتاج إليه الجميع وينـتعش به البلد, بالإضافة إلى مشروع سياسي داخـلي وخارجي واضح الملامح يرتـقي بالمجـتمع من بؤرة المشاريع الصغيرة والمصالح الضيقة إلى آفاق جـديدة تعـزز الوحدة والتـلاحم, كل هذا في ظل وجـود قوة عسكرية وأمنية واستخـباراتية تعمل على حماية الوطن والمجتمع والنظام الفيدرالي من أي تهديد محـتمل حـتى لا يستـغـل هذا الثوب الجـديد دعاة التـشطير في الداخـل أو يستـثمره الخارج لمساومة القيادة السياسة وابتـزازها في بعض المواقـف.

حضرموت الوادي والصحـراء تـشكل 36% من مساحة اليمن ومن الخـطأ الفادح جعـلها إقـليمـــًا مستـقـلاً نظـرًا لاتساعها الجغرافي الكبـير الذي يـبلغ 193032كم مما يجعلها أكـبر من دولة الإمارات وهـذا التوجه يطرح خيار الانفصال أمامها بقـوة كـلما مرت عـليها أزمة في المستـقبل, أما وقد أضفـنا إليها المهرة وشبوه ومأرب والجوف فما الذي يمنع هذه الولاية التي ستـشكل نحـو 70% من مساحة اليمن من المطالبة بالاستـقلال التام لأنها بعد هذه الإضافات ستـتجاوز مساحتها مملكة البحرين وسلطنة عمان وقطر والكويت والإمارات معـــًا مما يؤهلها لتكوين دولة حـضرموتستان حـيث تـتركز فيها الثروات النـفطية والغاز المسال والمعادن وتملك شريطــًا بحـريــًا استراتيجـيـــًا يـبلغ امتـداده نحـو 450كم يساعـدها على إنشاء ميناء تجاري وخـدمي مع العالم قـد يهمش أداء ميناء عـدن الهزيل أساســًا, وبهذه المقومات ستـتركز في هـذه الولاية مصالح الغرب الذي سيدعـم الاستـقـلال حماية لها. وثمة خـطر آخـر يكمن في العامل السيكولوجي لهذه الولاية فهي تضم قبائـل بدوية تـنـدمج عاداتها وتـقاليدها ولهجاتها مع المجـتمعات الخـليجـية، وكـذلك العامل الديموغـرافي حـيث لا توجـد كـثافة سكانية توازي المساحة الجـغرافـية الشاسعة, بالإضافة إلى وجـود جالية الحـضارمة المؤثرة في اقـتصاد دول الخـليج وتملك رؤوس أموال هائـلة قـد تـدعم التـنمية في هذه الولاية عـلى وجه الخـصوص, كل هـذه العوامل وغـيرها ستسهم في انضمام هذه الولاية إلى مجـلس التعاون الخـليجي تحـت مسمى مثـلاً مملكة الأحـقاف العربـية..!! وهناك خـوف أخـير بأن يستمر تـفـقيس اليمن وتـفريخها بحـيث تصبح مثـل حـبة أنبتـت سبع سنابل في كـل سنبلة مائة حـبة والله يضاعف لمن يشاء..!!

التأثير الغربي عـلى القيادة السياسية وعلى كواليس موفمبيك واضحـــًا من خلال هذا التـقسيم الجـديد لأن الغرب يريد تركيز مصالحه في إقـليم واحـد ولن يمانع من تأمين هذا الإقـليم عـسكريــًا من خلال تواجـد البوارج الحربـية في شواطئ المكلا أو حـتى إنشاء قاعـدة عـسكرية أكبر من القاعـدة الموجـودة حاليـــًا في دولة قـطر ولتـذهب بقـية الأقاليم إلى الجحـيم. فمثـلاً بالأمس دعـم الغرب الوحـدة حـين رأي في الانـفصال تهديـدًا لمصالحه، وهاهو اليوم يدعـم تـقسيم اليمن فيدراليــًا لأنه أدرك بأن وحـدة الشطرين باتت تهدد مصالحه, وغـدًا سيدعم استـقلال أي إقـليم من الفيدرالية حماية أيضـــًا لمصالحه. بمعنى آخـر من الخـطأ أن نـقسم من الوطن ولاية بهذه المساحة وهذا الكم الهائـل من الثـروات لأن في ذلك إذكاء لها لأن تستـقـل تمامــًا كما حـصل مع جزيرة تايوان الصناعية التي احـتمت بأمريكا وانـفصلت عن أمها الصين, وكنت أود لو أعـتمد التـقسيم على حاجـتين أساسيتين, الأولى أن تـكـون كـل ولاية بحاجة إلى الأخـرى والثانية أن يُــدمج في الولايات محافـظات شمالية وجـنوبـية. فوضع خـيار الفيدرالية في دولة مفـكـكة أصلاً يجعـل الشروع في أتـون صراعات قبلية وطائـفية وحزبـية وشطرية أمرًا بديهيـــًا وواجـبـــًا وطـنيـــًا بل وجـهادًا مقـدســـًا بـين من يرى ضرورة العودة للدولة المركزية ومن يتمسك بخـيار الفيدرالية كأحـد مخـرجات الأحـداث الأخـيرة, وإن كانت هناك تطمينات بأن الجـيش والدبلوماسية والعـملة كـلها ستـكـون واحـدة لكـنها لن تكـون شفـيعة ومثمرة في ساعة الصفر. يوجـد أكـثر من ثلاثـين نظامــًا فيدراليـــًا في العالم لسنا في حاجة لاستـنساخ أي منها وإنما يتوجـب عـلينا تطوير إطـارًا اتحاديـــًا يناسب تركيـبة اليمن وطبـيعة شعـبها بحيث يعـزز التلاحـم ويقـصي عـن الوطن شبح التـشرذم والحـرب والصوملة التي هي أسوء أنموذج في العالم للدولة المفـككة.

كانت الوحدة اليمنية هي الخطوة الاولى من اجـل تحـقـيق الوحـدة العربية الشاملة وهاهي اليوم أضحت مثـل الكائـنات أحادية الخـلية تـتكـاثـر بانـقسام الخـلية نـفسها إلى خـلايا متعـددة تستطيع التكاثر بنـفس الطريقة, أو ربما هناك خـريطة استعمارية جـديدة لتـقسيم الدول العربـية إلى دويلات صغـيرة كما يحصل في العراق والسودان واليمن وجعـل الدول الكبـيرة منها غـير مستـقرة سياسيــًا تـنشب فيها الصراعات والفـتن كما هو حاصل في سوريا ومصر.

أصحاب المشاريع الشخـصية ومن يتحـركون بالريموت كونترول لن يروا الفيدرالية إلا من زاوية \" الفـيد... ريالية \" بمعنى أنها ستكـون لديهم مجـرد فـيد ولـقاط بقـش ووسيلة إلى لي ذراع الدولة في تحـقـيق مطالبهم وكسب نـفوذ وسلطات منـشقـة عن الدولة نـظرًا لضعـف هيـبتها وقـلة حـيلـتها لينجـم عـن ذلك ميليشيات مسلحة تـقارع الدولة والجـيش. إن ما نخـشاه أن تكـون مجـرد فيدرالية شكـلية تـزيد النزاع والضعـف والتـفرقـة كالفيدرالية التي أوجـدها الاستعمار البريطاني في الجـنوب عام 1955م وإلا فما هو الضامن بأن الحـوثي لن ينصب نـفسه إمامــًا عـلى المسلمين في مناطق نـفوذه ويطالب بحكم ذاتي كما هـو حاصل مع حزب الله في لبنان؟ وما هو الكـفيل بأن القاعدة لن تؤسس إمارة إسلامية في أبـين وتـنصب القيادي ناصر الوحيشي أميرًا للمؤمنين وتـشن عـلينا غـزوة بعد غـزوة حـتى نـفيء إلى أمر الله كما حصل مع طالبان في أفغانستان؟ وما هو المانع الذي سيمنع طارق الفضلي والعبدلي والعولقي من استعادة عروش آبائهم وأجـدادهم؟ وما هو الرادع الذي سيجعل الشيخ الفلاني يترك البرميل والسلاح و قطع الطريق وعدم محاربة الدولة أو حـتى لعب دورها؟ وما هو الوازع الذي سيجـعل الناس يرون تدشين الانـتخابات في الولايات وتـشكيل برلماناتها وسيلة للتـنمية والاستـقرار وليس سببـــًا لزرع الخـلاف والكراهية بـينهم بسبب الأحـزاب المتـنافسة عـلى المقاعـد والمناصب؟ كل هذه التساؤلات تجـعـلنا نضع أيدينا على قـلوبنا مخافة أن يكون السيناريو المحـتمل من الفيدرالية هو أن ينـفرط العـقـد إلى مليشيات مسلحة ومتـنازعة بسبب غياب الدولة وفساد آليتها. فـلو وضعت نظارتي السوداء جانبــًا ورأيت نصف الكـوب الملآن لكن الوضع عودة إلى سياسة الاستعمار القديمة من خـلال مبدأ فرق تـسد, فالعالم يتعامل مع اليمن عـلى أنها عـبوة تي إن تي يتوجب تـفـكـيكها وأن شعـبها ثعابـين ينبغي إعادتها إلى أوكارها بدلاً من العـزف لها أو الرقص معها!!