المنسيون في غوانتانامو
بقلم/ سارة عبدالله حسن
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 23 يوماً
الإثنين 27 مايو 2013 05:00 م

لم أكن أتخيل أنني سأسمع ذات يوم أن سعيد (شقيق صديقتي الراحلة بعد معاناة مع السرطان)، والذي لطالما عرفته طيّبًا خلوقاً خفيف الظل، وبعيداً عن التشدد الديني، لم أكن أتخيل أنه سيكون أحد نزلاء جوانتانامو،

وبالرغم من أن محكمة استئناف أميركية قد أمرت في ديسمبر 2009 بإطلاق سراح اليمني سعيد حاتم لكون أن السلطات الأميركية لم تنجح في إثبات انتمائه إلى تنظيم «القاعدة» أو إلى حركة "طالبان"، إلا أن سعيدًا ما زال حتى اللحظة خلف قضبان ذلك الكابوس ولم تفلح كل النداءات للسلطات الأمريكية ولا الوقفات الاحتجاجية في اليمن، ولا مناشدة أهالي المعتقلين للرئيس اليمني أو الأمريكي في تغيير شيء أو تقديم بصيص أمل في إطلاق سراحه هو وبقية المعتقلين هناك، ومع الأيام أضحت كل وعود أوباما في حملاته الانتخابية بشأن إغلاق معتقل جوانتانامو مجرد شعارات انتخابية زائفة مثلها مثل شعارات الحديث عن العدالة والحرية في أمريكا، والتي ادعت حكوماتها مِراراً حرصها على أن تتجاوز حدود ولاياتها لتطبقها على العالم أجمع لكنها في مقابل تمثال الحرية التي أهدته الملكة ماري انطوانيت للأمريكيين، وكان رمزًا للاستقلال والحرية تجاوزت أمريكا حدود ولاياتها فعلًا، ولكن لتنشئ أسوأ رموز الظلم والقمع وانتهاك حرية وحقوق الإنسان في تاريخها.. معتقل غوانتانامو.

ويتمتع هذا المعتقل بسمعة سيئة وسلطة مطلقة لوجوده خارج الحدود الأمريكية، في أقصى جنوب شرق كوبا، حيث يبعد 90 ميلا عن فلوريدا، ولا تنطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان، إلى الحد الذي جعل منظمة العفو الدولية تقول إن معتقل جوانتانامو الأمريكي يمثل همجية هذا العصر.

ويشكل اليمنيون، الذين يبلغ عددهم 86 معتقلًا غالبية السجناء الـ166 الموجودين حاليًّا في المعتقل، ولم يكن سعيد حاتم هو الوحيد الذي حكمت المحكمة ببراءته، فهناك حوالي 25 معتقلًا يمنيًا حكمت المحكمة الفيدرالية الأمريكية ببراءتهم في حين أن ستة فقط من مجموعة المعتقلين في السجن هم من يواجهون تهمًا فعلية لم تتم محاكمتهم بها بالفعل، وقد يحصلون على حكم فيها بالإدانة أو البراءة، مع الإشارة إلى أن هناك 21 طفلًا كانوا قد اعتقلوا في هذا السجن، الذي وصل عدد سنوات حجز النزلاء الموجودين فيه حالياً، ومن ضمنهم سعيد، إلى 12 عاماً، وقد توفي تسعة معتقلين خلال هذه السنوات داخل المعتقل..

ومنذ فبراير الماضي بدأ سعيد وعدد آخر من المعتقلين إضرابًا عن الطعام وازداد عدد المضربين عن الطعام حتى تجاوز المئة والثلاثة، وبرغم إنكار السلطات الأمريكية لهذا الإضراب في البداية إلا أنها عادت واعترفت به في حين ما زالت حتى الآن تمارس عمليات تغذية المضربين قسراً، حيث تعرض على الأقل ثلاثون منهم للتقييد والتغذية بالقوة، وعبر أنابيب تُدخل الطعام عبر الأنف لتصل إلى المعدة، وهي عملية مؤلمة للغاية ومثيرة للغثيان والتقيؤ، وقد ساءت حالة اثنين منهم حتى الآن وأودعا المستشفى.

يقول أحد المعتقلين اليمنيين - اسمه ياسين إسماعيل - اعتراضًا على التغذية القسرية للمعتقلين: "لا أريد أن تتم تغذيتي بالقوة، لكن إذا كنتم تصرون على ذلك فافعلوه بطريقة إنسانية على الأقل".

أما حسين المفردي فقال: "عاملوني مثلما تعاملون (حيوان) ايغوانا أو مثل الحشرات،

والايغوانا حيوانات محمية في غوانتانامو، ويعاقب القانون من يقوم بصيدها بغرامة قدرها عشرة آلاف دولار.

ولم تكن التغذية القسرية هي التعذيب الوحيد الذي لا يزال يُمارَس حتى اللحظة في المعتقل إذ ما زال المعتقلون يشكون من عمليات تفتيش تشمل مناطق حساسة في الجسم وحرمان من الأغراض الشخصية واستفزاز الجنود المتعمد هناك للمعتقلين بتدنيس المصاحف والتلاعب بها .

كان أوباما في السابق يُحمّل مجلس الشيوخ سبب عجزه عن إغلاق المعتقل، لكن مجلس الشيوخ منح وزارة الدفاع الأمريكية السلطة لإطلاق سراح كل المعتقلين الذين حصلوا على أحكام بذلك، ومنهم86 معتقلًا من مجموع الـ 166 معتقلًا الموجودين حاليًّا في غوانتانامو، وقد استطاعت كثير من الدول، ومنها المملكة العربية السعودية أن تضغط لإخراج المعتقلين من مواطنيها من هناك، بينما تقف اليمن عاجزة حتى اللحظة عن فعل شيء لمواطنيها في ذلك المعتقل، رغم عدم ثبوت أية تهمة عليهم وحصول 25 شخصًا منهم على حكم إطلاق سراح من محاكم أمريكية، في حين ما زالت الحكومة الأمريكية تطلق طائراتها الدرونز (طائرات بدون طيار) على أراضينا لتمارس التعسف وانتهاك القوانين نفسها، القتل دون إدانة أو محاكمة، القتل خارج إطار القانون، كما تمارس مع أبنائنا في جوانتانامو الاعتقال دون إدانة أو محاكمة، الاعتقال خارج إطار القانون، وما زالت – أيضاً - تمارس الكذب والدعاية الإعلامية ذاتها بأنها حكومة لبلد الحريات والقانون.

مشاهدة المزيد