حيث الإنسان يصنع السعادة لصانع سعادة الأطفال.. رحلة التنقل بين محطات الألم والحرمان.. تفاصيل الحكاية
بشكل عاجل الرياض توفد طائرة خاصة الى مطار سيئون وتستدعي رئيس حلف قبائل حضرموت وقائد قوات الحماية الحضرمية
في موقف مخزي.. الرئاسة الفلسطينية تدين تصرفات حماس وتصفها بـ ''غير المسؤولة''
حسن نصرالله «يعيد» طبيبة لبنانية علوية من أمريكا الى لبنان بالقوة
اليمن تعلن موقفها من القصف الإسرائيلي على قطاع غزه
الحوثيون ينهبون مخازن برنامج الغذاء العالمي بمحافظة صعدة
الكشف عن اسم قيادي حوثي قُتل في الغارات الأمريكية الأخيرة
سلسلة غارات أمريكية دمرت مخزنًا سريًا استراتيجيًا داخل معسكر للحوثيين في الحديدة
تقرير حقوقي شامل بين يدي العليمي.. توجيهات رئاسية بتسهيل عمل لجنة التحقيق الوطنية والتعامل بمسئولية مع ما يرد في تقاريرها
شرطة مأرب تقيم البرنامج التوجيهي الرمضاني لمنتسبيها في الوحدات الأمنية بالمحافظة
توصف الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها «الأسوأ في العالم» وعلى الرغم من ذلك، ورغم الجهود المبذولة لمواجهة هذه الأزمة إلا أن الجزء الأكبر منها يظهر في مناطق سيطرة الحوثيين في شمال البلاد، وأحد أهم أسباب هذه الأزمة في تلك المناطق يرجع إلى ما تطرق إليه المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفد بيزلي في تصريحه الشهير:
«الحوثيون يسرقون الطعام من أفواه الجياع في اليمن».
والمتابع للأزمة الإنسانية في اليمن ولسلوك الميليشيات الحوثية يخرج بحقيقة مفادها ما أشار إليه الكاتب والحقوقي اليمني همدان العليي في كتابه المهم: «الجريمة المركبة، أصول التجويع العنصري في اليمن» وهذه الحقيقة هي أن الأزمة الإنسانية في البلاد «كانت نتيجة سياسة التجويع والإفقار المتعمد، لتحقيق أهداف مختلفة» وأن هذا التجويع قائم على أسس عرقية، حيث إن المعونات الإنسانية تصل إلى الأسر الحوثية والأسر الأخرى التي يجمعها وأسرة الحوثي روابط سلالية، ما يحرم ملايين اليمنيين من هذه المعونات التي تكدست بها مخازن المؤسسات العامة التي يسيطر عليها الحوثيون الذين يتحكمون بطرق توزيعها بما يخدم توجهاتهم المبنية على أسس عنصرية، على اعتبار أنهم وحدهم المخولون
ـ دينياً وجينياً
– بجمع أموال الزكاة والأعشار والأخماس والمعونات وتوزيعها على مستحقيها، حسب رؤيتهم الفقهية لهؤلاء المستحقين، وهي رؤية تعطي «الخمس» على سبيل المثال للأسر التي يرونها من ذرية «أهل البيت» دون غيرها في عموم مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، وهو تصنيف عرقي يتم على أساسه توزيع المساعدات.
وهذا «الفرز العرقي» على المستوى الاقتصادي له ما يقابله على المستوى السياسي، حسب الفقه الهادوي لمؤسس «الإمامة الهادوية» في اليمن الإمام الهادي يحيى بن الحسين الذي قدم إلى البلاد في القرن الثالث الهجري، على أساس أنه مُحكَّم في خلاف بين قبيلتين يمنيتين، ولما أصلح بينهما تحول من حكم إلى حاكم، ثم نادى بنفسه إماماً، ثم قال بنظرية «حصر الإمامة في
البطنين» ليحصر السلطة في ذريته من بعده، حيث إن المقصود بالبطين ذرية الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وفاطمة بنت النبي عليه السلام الذين يعد الهادي نفسه وذريته من نسلهما، وشرط «حصر الإمامة في البطنين» هو أحد الشروط اللازمة فيمن يتولى منصب «الإمامة» حيث تم حصر السلطة والثروة في أسر بعينها منسوبة إلى سبطي النبي، على أسس جينية خالصة.
وكان لهذا الحصر العنصري للحكم والاحتكار السلالي للمال آثاره المدمرة على النسيج الاجتماعي اليمني منذ مجيء الهادي إلى اليوم، حيث لم يُسلّم اليمنيون بأن حكم بلادهم من حق مجموعة من الأسر التي جعلت منها «أرض جباية» ومن شعبها «ضلالاً هداهم الله بالهادي يحيى بن الحسين».
وكانت النتيجة صراعات ليست بعيدة في أسبابها عن الصراع الذي يشنه الحوثيون اليوم على بقية اليمنيين، منطلقين من منطلق «الحق الإلهي» لهم في السلطة والثروة. ولكي تتضح الصورة أكثر، يمكن العودة إلى قصيدة الإمام عبدالله بن حمزة الذي يعتبر مرجعية الحوثيين الفقهية والعقدية، حيث ينفي ابن حمزة أن تكون الإمامة في غير «البطنين» ومثبتاً أن حكمه فيمن قال بغير ذلك القتل والتمثيل، وذلك في رده على نشوان بن سعيدي الحميري الذي كان لا يؤمن بـ«حصر الإمامة في البطنين» وأنها تصح في عموم المسلمين، الأمر الذي جعل ابن حمزة يوضح أن الإمامة ليست في اليمني القحطاني نشوان الحميري، لأنه لا ينتسب إلى «العرق الطاهر» قبل أن يحكم عليه بقطع لسانه وقتله، يقول ابن حمزة في حكمه على نشوان:
أما أنا فإن حكمي فيهِ أن يقطعوا لسانه من فيهِ ويؤتموا في ضحوةٍ بينهِ إذ صار حقَّ الغير يدَعيهِ إلى أن غالى هذا الإمام في دعواه بقوله: صرنا بحكم الواحد المنانِ نملك أعناق ذوي الإيمانِ ومن عصانا كان في النيران بين يدي فرعون أو هامان لم يُجعل الكلبُ سواء والأسد فاطرحوا ثوب العناد والحسد يا قوم ليس الدر قدراً كالبعر ولا النضار الأبرزي كالحجر يقول الدكتور أحمد عبيد بن دغر في تقديمه لكتاب الكاتب والباحث اليمني همدان العليي «الجريمة المركبة» الذي سبق ذكره:
«لقد تسببت الحروب الأهلية الناتجة – في أغلبها – عن ادعاء سلالة أحقيتها في حكم اليمن وامتلاك رقاب اليمنيين باسم الدين في تخلف هذا البلد الكبير والعظيم، وما لحق بأهله من عوز وفقر وجوع».
ويقول همدان العليي «إن مشكلة هذه السلالة أنهم جعلوا العرق أو العائلة هو الملة والمذهب وهو الدين والدولة والعقيدة، وحصروا نجاة اليمنيين في الإقرار بالدونية العرقية إزاء عرق السلالة المقدس».
وقد رصد الباحث عادل الأحمدي بعض المظاهر التي تتجلى فيها عنصرية هؤلاء السلاليين على مستويات مختلفة، فعلى المستوى السياسي لهم وحدهم السلطة، وعلى المستوى الاقتصادي لهم وحدهم الخمس، ولهم الزكاة يجبونها، وعلى المستوى الاجتماعي لهم ألقاب تدور حول الشرف والسيادة، وحتى على مستوى الأهازيج والأناشيد والشعر فإنها يجب أن تبدأ بذكرهم وتقديسهم. وفوق ذلك فإنهم ميزوا أنفسهم بنوع من السلام يقوم فيه من يصافحهم بتقبيل أياديهم وركبهم، واستحسن بعض فقهائهم تقبيل الأقدام في نمط من العادات لم يكن موجوداً لدى اليمنيين قبل أن يجعله السلاليون ضمن العبادات التي يتم بها التقرب إلى الله، كما نطالع في الآراء الفقهية لبدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي وغيرهما. وحتى على مستوى الموت فإن قبورهم ينبغي أن تكون مميزة في الممات عن قبور غيرهم من اليمنيين، حيث يتخذون أضرحة مميزة ومرتفعة على الأرض تميزهم عن عمن سواهم في الممات، كما كانوا مميزين في الحياة عن باقي اليمنيين.
ولا شك أن كل هذه المظاهر العنصرية التي يتسم بها الحوثيون فكراً وممارسة هي التي فجرت الحرب، إذ أن أي شعب لن يقبل بجماعة ترى أنها مميزة عنه، وأن الله جعل لها حقاً إلهياً في سلطته وثروته، لا لشيء إلا لأنهم يدعون «الانتساب الجيني» إلى النبي الكريم الذي يمارسون باسمه سياسات تخالف «الانتساب الديني» إليه.
وبطبيعة الحال فإن الامتدادات الإقليمية لذلك المشروع تأتي ضمن مخطط أشار إليه نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق نصر طه مصطفى بقوله إنه مشروع «يرتكز على استثارة العصبيات كمقدمة لمشروع تمزيق واسع النطاق، بعضه يعتمد على إثارة العصبية الدينية في الدول متعددة الأديان، وآخر على العصبية المذهبية، ونموذج آخر يعتمد على العصبية العرقية السلالية والعصبية القبيلة والعصبية المناطقية والجهوية» كل ذلك سعياً لإسقاط الدول وتمزيق المجتمعات وإدخالها في حروب أهلية تضعف قواها، ليسهل فيما بعد تحكم الإيرانيين بها عن طريق وكلائهم المحليين، كما نشاهد في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.