محمد صلاح في طليعتها.. صفقات مجانية تلوح في أفق الميركاتو الشتوي عاجل :حلف قبائل حضرموت يتحدى وزارة الدفاع والسلطة المحلية ويقر التجنيد لمليشيا حضرمية خارج سلطة الدولة مصابيح خلف القضبان.... تقرير حقوقي يوثق استهداف الأكاديميين والمعلمين في اليمن الإمارات تعلن تحطم طائرة قرب سواحل رأس الخيمة ومصرع قائدها ومرافقه بينهم صحفي.. أسماء 11 يمنيًا أعلن تنظيم القاعدة الإرهـ.ابي إعدامهم مكافئة للاعبي المنتخب اليمني وهذا ما قاله المدرب بعد الفوز على البحرين تعديل في موعد مباراة نهائي كأس الخليج في الكويت إضراب شامل في تعز احتجاجًا على تأخر صرف المرتبات ارتفاع ضحايا حادث تحطم الطائرة المنكوبة في كوريا إلى 127 قتيلا دولة عربية تسجل أكبر اكتشاف للغاز في عام 2024
مأرب برس – الشرق الإوسط
يكاد يجمع اليمنيون، على اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم، على أن الأزمة السياسية التي تعيشها بلادهم حاليا، وتداعياتها الاقتصادية الخطيرة، تركت آثارا سلبية لا تخفى على حياتهم المعيشية، وفاقمت النفقات والأعباء الملقاة على عاتقهم، وذلك نتيجة للارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع والخدمات الأساسية.
كما لا يختلف اليمنيون أيضا، سواء من المتحمسين منهم للاحتجاجات المطالبة بالتغيير، أو من المؤيدين للنظام الحالي على أن طول أمد الوضع السياسي المحتقن الذي يدخل شهره الخامس، وانعكاساته على الاقتصاد اليمني ببنيته الهشة أصلا ومؤشرات أدائه المتذبذب، فرض واقعا معيشيا واقتصاديا فوق طاقة الجميع، وجعل الكل يجأر بالشكوى من أعباء حياة لم تعد تحتمل.
والسؤال المطروح بإلحاح هذه الأيام في المجالس والملتقيات العامة والخاصة، دون أن تتوفر له إجابة، هو متى ستنجلي هذه الأزمة وتعود الحياة إلى طبيعتها قبل اندلاع الاحتجاجات في فبراير (شباط) الماضي، فمعظم الناس تعطلت أعمالهم وأنشطتهم التي فيها كسب رزقهم، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية القائمة التي شلت حركة الحياة بوجه عام، وجعلت الناس يعيشون حالة هي مزيج من الخوف والتوتر والقلق بسبب مراوحة الأوضاع بين التصعيد حينا والتهدئة حينا آخر، ودون أن يلوح ضوء في نهاية النفق.
لكن الأزمة السياسية التي ضربت الاقتصاد اليمني في مقتل، لا تقتصر على انعكاساتها المعيشية ومضاعفة معاناة الناس، لكنها تمتد إلى ما هو أبعد لتضع الاقتصاد اليمني على شفير الهاوية كما يتبين من خلال جملة من مؤشرات الأداء، خلال هذه الأزمة، فقد تراجعت أسعار صرف العملة اليمنية أمام الدولار، ليفقد الريال 20 في المائة من قيمته أمام الدولار ليصل إلى 241 ريالا للدولار الواحد، وترتب على ذلك ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات الأساسية بنسب بلغت 30 في المائة على مستوى الحضر و60 في المائة في الأرياف، كما ارتفعت أسعار المحروقات بنسبة 500 في المائة بعد توقف إنتاج البلاد من النفط نتيجة تفجير خط أنابيب الصادر بفعل جماعات مسلحة في محافظة مأرب، الأمر الذي اضطرت معه الحكومة إلى الاستيراد لتأمين احتياجات البلاد من المشتقات النفطية والغاز، بتكلفة تصل إلى 500 مليون دولار شهريا.
ونتج عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية ارتفاع أجور النقل والمواصلات بنسب تراوحت ما بين 50 و60 في المائة، كما أدى شح المتاح من هذه المشتقات إلى تذبذب خدمات الكهرباء والمياه وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.
غير أن مطلع الأسبوع الحالي شهد استقرارا نسبيا في أسعار المحروقات، بنسبة 50 في المائة في السوق الموازية (السوداء) وذلك عقب إعلان المملكة العربية السعودية عن تقديم 3 ملايين برميل من النفط هبة لليمن، بواقع 100 ألف برميل يوميا وعلى مدى 3 أشهر، وقد بدأت الشحنات الأولى من هذا النفط بالوصول إلى الموانئ اليمنية بالفعل، وبينما توقعت مصادر في وزارة النفط اليمنية انجلاء أزمة المحروقات خلال الأيام القليلة القادمة، تذهب أوساط اقتصادية يمنية إلى أن عودة أسعار المشتقات النفطية إلى مستواها المعتاد، تحتاج وقتا طويلا، فالكميات التي ستصل من السعودية لا تفي بأكثر من 60 في المائة من استهلاك اليمن اليومي، كما أن أزمة المحروقات أوجدت خلال شهور الأزمة سوقا موازية نشطة عزز منها ضعف الرقابة على الأسواق، وشرائح عريضة مستفيدة من هذه السوق السوداء، لا يمكنها التخلي بسهولة عن سوق كهذه بأرباح قياسية، لذا ستحرص على استمرار الأزمة، وافتعال المزيد من أسبابها، مستغلة الفجوة بين المتاح والمطلوب.
أمين المعمري (25 عاما)، سائق تاكسي، كشف عن أن أجور التاكسي ارتفعت بنحو الضعف منذ بداية الأزمة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات 5 أضعاف عن سعرها المعلن (من 75 ريالا إلى 350 ريالا للتر الواحد) موضحا أنه مضطر لرفع الأجرة لأنه يشتري المحروقات من السوق السوداء، وليس لديه وقت أو استعداد للوقوف لمدة يومين في طابور طويل من أجل شراء البنزين بالسعر الرسمي، ولم يستبعد وجود تواطؤ بين أصحاب محطات المحروقات وسماسرة السوق السوداء، للحصول على أرباح أكثر.
وشملت تأثيرات الأزمة السياسية على الاقتصاد اليمني تراجع حركة التجارة الداخلية بنسبة 70 في المائة وهو أمر يرجعه نائب رئيس الغرفة التجارية في أمانة العاصمة، محمد صلاح، إلى الاضطرابات السياسية وتدهور قيمة الريال اليمني، مما أدى إلى إحجام الشركات المنتجة والمصدرة في الخارج عن التعامل مع وكلائها اليمنيين، كذلك أدى ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمستهلك إلى تراجع الطلب على السلع والبضائع.
كذلك دفعت الأزمة الاقتصادية شركات القطاع الخاص إلى تسريح 60 في المائة من موظفيها بعد توقف الأنشطة التجارية والاقتصادية والسياحية والعقارية، بإعطائهم إجازات مفتوحة بعضها نصف راتب والبعض الآخر من دون راتب إلى حين عودة الأمور إلى طبيعتها.
لكن الانعكاس الجاد للأزمة السياسية على الاقتصاد اليمني يتمثل في تراجع احتياطات اليمن من العملات الصعبة من 5.9 مليار دولار نهاية عام 2010 إلى أقل من 3 مليارات دولار نهاية مايو (أيار) الماضي، قابلة للنفاذ خلال أقل من عام واحد ما لم يتم رفدها باحتياطات من مصادر جديدة، وهو أمر غير مؤكد في الوقت الراهن نتيجة توقف صادرات البلاد من النفط والبالغة 280 ألف برميل يوميا، ويعد توقف صادرات اليمن النفطية أمرا كارثيا بالنسبة للاقتصاد اليمني، إذ تشكل صادرات اليمن النفطية نحو 92 في المائة من إجمالي حجم الصادرات، و75 في المائة من الموارد العامة للدولة، و32 في المائة من الناتج الإجمالي، كذلك يضاعف توقف تصدير النفط وتراجع عائدات العملة الصعبة من عجز الموازنة العامة للدولة للعام الحالي 2011، الذي قدرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بنحو 3.75 مليار دولار، فضلا عن تأثير تراجع الاحتياطات النقدية على قيمة صرف الريال اليمني أمام الدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وللأزمة الاقتصادية التي تعصف بحياة المواطن اليمني تأثيرها الواضح على فئات عريضة من الفقراء ومحدودي الدخل في بلد يعيش نحو 43 في المائة من سكانه تحت خط الفقر وتصل معدلات البطالة إلى 25 في المائة من إجمالي قوة العمل في البلاد، بينما لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور المائة دولار شهريا.
تقول أم علاء، موظفة ثلاثينية، إن الارتفاع الكبير في الأسعار منذ بداية الأزمة شكل عبئا إضافيا على راتبها وراتب زوجها، الذي يذهب أكثر من نصفه لإيجار المنزل، ولا يكفي المتبقي من الراتبين لتأمين الاحتياجات الضرورية لأسرتها المكونة من 5 أطفال، موضحة أنها اضطرت إلى إنفاق جل ما ادخرته خلال السنوات الماضية، لتأمين مستلزمات المعيشة خلال الأزمة، والاحتفاظ بكميات من المواد التموينية بعد أن لاح شبح حرب أهلية في الأفق.
ويبدو أحمد محسن الصلوي، صاحب بقالة، متشائما بشأن دعوات التغيير السياسي، لأن القادم الجديد سيكون أسوأ من وجهة نظره (التغيير دائما يؤدي إلى الأسوأ، وانظر إلى تجارب الدول التي أصرت على تغيير حكامها نجدها اليوم تتباكى إلى أيام تلك الأنظمة)، أحمد قال إن مبيعاته انخفضت إلى أكثر من النصف بعد الأزمة بسبب اقتصار الزبائن على شراء الضروريات نظرا لارتفاع الأسعار، وهو يتمنى أن تزول الأزمة اليوم قبل الغد وتعود الحياة إلى طبيعتها.
في المقابل ترى «ن.ع»، طالبة جامعية، أن المعاناة الاقتصادية والمعيشية التي يتحدث عنها البعض، أمر طبيعي فالتغيير بحاجة إلى تضحيات وتحمل، وهناك من قدموا أرواحهم من أجل ذلك ولا بد أن يسهم الكل في دفع ضريبة التغيير إذا كانوا يريدون مستقبلا أفضل.
أما الحاج أحمد المعمري الذي اضطر إلى إغلاق مطعمه الذي هو مصدر رزقه الوحيد و5 عمال كانوا يعملون لديه، بسبب انعدام الغاز وارتفاع أسعاره 3 أضعاف، فيبدو متذمرا من طول الأزمة السياسية، وقال: «في تونس ومصر التغيير تم خلال أيام، وعادت الحياة إلى طبيعتها، ونحن لنا 4 أشهر، لا الثورة غيرت الحكومة ولا الحكومة انتهت من الثورة، لأن الوضع عندنا يختلف»، مؤكدا أن استمرار هذا الوضع المقلق يزيد معاناة ومخاوف الناس.
لكن الأزمة الاقتصادية ليست نقمة بالضرورة على الجميع، فساحات الاعتصام المحتشدة بآلاف الشباب المطالبين بالتغيير، شكلت سوقا رائجة وقوة شرائية كبيرة للباعة المتجولين، الذين يبيعون المأكولات والمشروبات والسلع البسيطة، ورفعت مستوى دخولهم، خصوصا أن هذه الساحات بمنأى عن سلطات البلدية التي تطارد هؤلاء الباعة، كما يوضح عبده المقطري، بائع متجول، يقول: «منذ بداية الثورة جئنا إلى هنا وأخذنا نبيع ونحن مرتاحين من البلدية ونكسب أضعافا.. والحمد لله».
وفي معرض تشخيصه للأزمة السياسية وانعكاساتها الاقتصادية يقول الدكتور حمود عبد الله صالح، أستاذ إدارة الأعمال المشارك في جامعة صنعاء ومدير إدارة التخطيط والتطوير في بنك التضامن الإسلامي الدولي، إن اليمن ظل يعيش عبر تاريخه المعاصر أزمات متلاحقة، عكست نفسها سلبا على الأداء الاقتصادي، غير أن الأزمة السياسية الحالية هي الأكبر تأثيرا وخطورة على الاقتصاد اليمني بتكوينه المتواضع، وللأزمة الراهنة انعكاساتها المباشرة والآنية بالإضافة إلى أخرى مستقبلية، أما الآنية فهي في ما نراه من توقف صادرات النفط الذي يمثل 70 في المائة من الموازنة العامة للدولة وانخفاض قيمة الريال اليمني أمام الدولار، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار والخدمات الأساسية، كذلك تراجع أنشطة القطاع المصرفي وتوقف الأنشطة الاستثمارية، أيضا منيت القاعدة الإنتاجية بكساد واضح بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب على السلع نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمستهلك، يضاف إلى ذلك توجيه الدولة الأموال المرصودة في الموازنة العامة لتمويل مشاريع خدمية وتنموية، للإنفاق على الحشد والتعبئة السياسية ثم توقف المساعدات الخارجية وانخفاض تدفق الاستثمارات، مشيرا إلى أن توجه الحكومة لشراء المشتقات النفطية والغاز سينعكس سلبا على الميزان التجاري والموازنة العامة للدولة.
وقال حمود عبد الله إن الانعكاسات المستقبلية لهذه الأزمة تتمثل في التحديات الجسيمة التي ستواجه النظام القادم ومسؤوليته حيال تصحيح الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد وكسب ثقة المجتمع الدولي للحصول على من مزيد من القروض والمساعدات بالإضافة إلى العمل على تحسين البيئة الاستثمارية وإعادة بناء المؤسسات والمرافق التي دمرت خلال المواجهات المسلحة في صنعاء والمدن الأخرى.