الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله تحذير خطير في أحدث تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين تترأسه اليمن مسلحون حوثيون وزنبيات مدججات بالأسلحة نفذوا مهمة إختطاف موظف يمني في السفارة الأمريكية بصنعاء
في نهايات سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أي قبل حوالي نصف شهر من اندلاع طوفان الأقصى، وقف نتنياهو على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يرفع خريطة شرق أوسط جديد، تظهر دولة الكيان المحتل وقد خلت من أي إشارة لمناطق يمكن أن يقيم عليها الفلسطينيون دولتهم، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، بينما تضمنت أسماء دول عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الاحتلال.
البعض نظر إلى ما فعله نتنياهو على أنه تعبير عن الحلم الإسرائيلي، الذي دأب قادة الكيان منذ التأسيس على التصريح به، وهو حلم دولة إسرائيل الكبرى، لكن وبعد مرور عام، تبين أن (بيبي) كما يطلقون عليه في الداخل الإسرائيلي، كان يطلق شارة البدء في تنفيذ المشروع على الأرض. اتبع نتنياهو مع غزة سياسة الأرض المحروقة، وتجاوز قضية الأسرى الإسرائيليين في غزة، وما استتبعها من سخط الجماهير الإسرائيلية وغضب المعارضة، وقام بإحراق الأخضر واليابس في القطاع، وعرقل كل مقترحات وقف إطلاق النار. الهدف المعلن لنتنياهو في الحرب على غزة لم يتحقق، فلا هو استعاد الأسرى، ولا هو قام بتحييد حركة حماس والقضاء عليها، لكن ظهرت نيته في جعل القطاع غير صالح للحياة، وحشر السكان بين خياري النزوح أو القتل.
لم يعد هناك من شك في أن نتنياهو اتجه بالفعل صوب تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وتغيير وجه المنطقة وفقا للخرائط التي يرفعها في كل مناسبة، فلئن كان لم ينجح في جعل غزة شعبا بلا مقاومة، فلا مانع لديه في أن يجعل المقاومة بلا شعب، وعلى هذا الطريق ذهب نتنياهو لابتلاع الضفة عن طريق التصعيد المستمر فيها. تجاوز نتنياهو كل الخطوط الحمر وكل قواعد الاشتباك، وقام بنقل ثقل الحرب إلى الشمال، ونفذ سلسلة عمليات متتابعة مؤثرة ضد حزب الله اللبناني، فقام بتفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي لآلاف من كوادر الحزب، واستهدف مخازن السلاح ومنصات الصواريخ في سلسلة من الغارات، والأخطر من ذلك أنه قام بتفريغ الهيكل التنظيمي من قيادات الصف الأول والثاني، فمن خلال العمليات المكثفة استطاع الاحتلال تصفية إبراهيم عقيل قائد عمليات الحزب، وعدد من قادة قوة الرضوان، التي تمثل القوة الضاربة في حزب الله ورأس حربته، وإبراهيم قبيسي ومحمد سرور قائدي القوة الجوية والصاروخية، إضافة إلى استهداف فؤاد شكر القائد العسكري للحزب، وأخيرا قام بتدمير مقر قيادة الحزب المركزي في الضاحية الجنوبية، ما أدى إلى مقتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله وعدد من القيادات الكبرى.
كنا مفرطين في التفاؤل حينما عوّلنا على تحليلات الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين، في أن الكيان الإسرائيلي لن يتحمل حربا طويلة الأمد، لكن يبدو أن هذه النظرة تآكلت بعد مرور عام، وسع فيه الكيان دائرة الصراع، والسبب في ذلك هو الدعم الأمريكي المفتوح، الذي يظهر حجم الشراكة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال. أغدقت أمريكا على الكيان الدعم العسكري والسياسي واللوجستي، ووفرت للاحتلال غطاء ممتدا يتحرك في ظله بأريحية تامة لتنفيذ مشروعه، وبعد اغتيال نصر الله، الذي اعتبر محطة فارقة في الصراع، باركت أمريكا العملية، مدعية أنها تمت من دون إخطارها، وسواء كانت تعلم أو لم تكن على علم بالضربات، فلن يتأثر دعمها المفتوح للكيان الإسرائيلي. هذا الدعم كفل للاحتلال التحرك وفتح الجبهة الشمالية، وتجاوز كل قواعد الاشتباك واستهداف رؤوس وقادة حزب الله وبنيته التحتية، من دون تخوف من الرد الإيراني، وبالفعل سارعت أمريكا بعد اغتيال نصر الله وقيادات الحزب، بالتأكيد على أنها ستحمي إسرائيل من رد طهران. لقد استفاد نتنياهو من هذه الإنجازات الأخيرة في تخفيف الضغط الداخلي عليه، لأن تقويض قوة حزب الله هدف حكومي وشعبي للاحتلال، اجتمع عليه المؤيد والمعارض، ومدّ بساط الآمال لديهم بتمكّن الاحتلال من القضاء على المقاومة في أرض فلسطين.
الخطوة التالية المتوقعة لنتنياهو هي الاجتياح البري للبنان، استثمارا لما حققه في ضرباته الأخيرة ضد الحزب، وسوف يكون هدف الاجتياح دفع قوات حزب الله إلى شمال الليطاني، وتقويض قوته الصاروخية تزامناً مع حصاره للمنافذ التي يمكن للحزب أن يتلقى الدعم من خلالها، وهناك اتجاه في اليمين الإسرائيلي المتطرف أن يصل الاجتياح إلى بيروت، لكن الهدف الأول هو الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق. الاجتياح البري رغم أنه محفوف بالمخاطر، لكنه مع الدعم الأمريكي يمكن له أن يكون قبلة الحياة لنتنياهو، ويعدل من وضعيته في الداخل، ويكون بمثابة شوط طويل يقطعه في تحقيق المشروع الصهيوني.
وعن العراقيل التي يمكن أن تواجه الاحتلال في الاجتياح البري، فأما حزب الله، فهو يمتلك قوة صاروخية ليست لكثير من الدول، لكن بالنظر إلى تفكيك سلسلة القيادة العسكرية العليا للحزب بالغارات الإسرائيلية، فإنه حتما قد أصيب بالارتباك وزعزعة الثقة، خاصة بعد انكشاف منظومته الأمنية وظهور هشاشتها، ما يجعل كل القيادات مستهدفة طيلة الوقت. أداء الحزب بات على المحك، فالقيادات الجديدة لو اكتفت بمستوى الهجوم الذي ظهر في الفترة الأخيرة لن يكون في صالحها، وستظهر بمظهر الضعيف العاجز في وقت ينبغي لها الرد بقوة. وفي الحقيقة الوضع المأزوم يجعل من كل خيارات حزب الله صعبة ومرّة، فإن قام بالتصعيد الشامل إلى حالة حرب مفتوحة، سوف يصطدم بالولايات المتحدة وحلفائها، وإذا سار على قواعد الاشتباك القديمةنفسها سوف يخسر كثيرا في ما يتعلق بشعبيته ونفوذه وهيبته داخل وخارج لبنان، أما إذا استسلم لشروط نتنياهو فإنها بمثابة إعلان شهادة وفاة الحزب. وفيما يتعلق بالميليشيات المساندة للحزب في العراق، فهي ضعيفة عسكريا وتنظيميا، ولا ترقى إلى مستوى حزب الله، ولا يُتوقع لها أن ترد بأقوى مما ترد به الآن من إطلاق بعض المسيرات صوب الاحتلال.
أما عن إيران، فهي تعاني أزمات اقتصادية طاحنة واضطرابات في الداخل، ولا ترغب في اندلاع حرب في المنطقة تكون هي طرفا فيه، وكل تصريحاتها الرسمية تصب في هذا الاتجاه. إيران هي الأخرى تعاني وضعا مأزوما، فعدم قيامها بالرد، سوف يدعم القول بأنها تخلت عن حزب الله على خلفية تفاهمات مع أمريكا حول برنامجها النووي، وهذا بدوره يعرض محور المقاومة الذي بنته إيران إلى التفكك ما يجعل نفوذها في المنطقة معرضا للانهيار. ليس ذلك فحسب، فربما أدى ذلك إلى فتح ملفات الاغتيال بتناول جديد وزاوية رؤية جديدة، من ذلك استهداف قيادات الصف الأول والثاني لحزب الله، كيف تم على هذا النحو السهل؟ فالاحتلال لم يتمكن من اختراق المنظومة الأمنية لحماس التي تتواجد معه على أرض واحدة، بينما استطاع اختراق المنظومة الأمنية لحزب الله، بشكل قد يجعل إيران في مرمى الاتهام بتسريب معلومات عن قيادات الحزب وأماكن وجودها.
وهذا بدوره قد يفتح ملف اغتيال إسماعيل هنية من زاوية الرؤية والتناول نفسها، بل قد يفتح كذلك وبالمنطق نفسه حادث طائرة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، وما إذا كان هناك علاقة للرئيس الحالي بالحادث، خاصة أن مسار ردود الأفعال منذ تولي الأخير قد تغيرت تماما، كل هذه ملفات يمكن أن يتم فتحها بشكل جديد، حال استمرار إيران في استراتيجية الصمت.
تأسيسا على ذلك، أرى أن الاجتياح البري للبنان قد بات وشيكا، ولا أرى أن نتنياهو سوف يتوقف عن تنفيذ مشروعه المتطرف، طالما أن العرب قد رضوا بأن يكونوا على مقاعد المتفرجين، يتباحثون حول الرد الإيراني هل ترد إيران أم لا، هل ستندلع حرب إقليمية أم لا، من دون أن يقوموا بالمشاركة في صناعة الأحداث، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.