مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟ دولة عربية تفرض الحجاب على جميع النساء اعتباراً من الأسبوع المقبل السعودية تعتزم إطلاق مشروع للذكاء الاصطناعي بدعم يصل إلى 100 مليار دولار سعيا لمنافسة دولة خليجية الفائزون في الدوري السعودي ضمن الجولة العاشرة من الدوري السعودي للمحترفين المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يكشف عن توقعات الأمطار والأجواء الباردة في اليمن مظاهرات في مارب وتعز تندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وتدعو الضمير العالمي إلى وقفة شجاعة مع غزة تحركات يمنية لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتكليف بوضع خطة التعافي إسقاط مسيرة أمريكية من طراز إم كيو-9 شمال اليمن
اليمن كغيرها من السلطنات الجمهوريه الوراثيه المتساقطه كان وجود الحزب الحاكم مجرد عنوان تعمل من خلاله الارادة السلطوية على تمويه الإنفراد بالسلطه وتوريثها وتغليف الادارة الأمنية البوليسية للمجتمع . لذلك ما أن يسقط القطب الذي تدور حوله السلطه وكل أنساقها يتلاشى الحزب الحاكم كأنه " فص ملح وذاب " بحسب المثل المصري الشهير الذي صمد في ذاكرة المصريين وما يزال بينما نسوا الحزب الوطني الذي حكمهم كعنوان حزبي ما يقرب من أربعين عاما.
سمة الحزب الحاكم باعتباره تجمع لموظفي الدولة لم تسعف الحزبين في مصر وتونس للبقاء ، واليمن لن يخرج عن هذا المسار ، وما يتبدى لنا الآن باعتباره حزب المؤتمر الشعبي العام ليس سوى منبر لعلي عبدالله صالح مكنته صيغة التسويه السياسيه من التشبث به والاطلال بين الفينة والأخرى على المشهد العام من خلاله
أما وجوده كحزب فلم يعد له من علامات وجوده سوى شخصيتان تتمتعان برصيد محترم في الوعي الشعبي هما الرئيس عبد ربه منصور هادي والدكتور عبدالكريم الإرياني ، ومن غير المتوقع بقائهما فيه اذا واصل علي صالح اختطافه ، والإحتمال الأكبر أن يذهب المؤتمر إلى متحف التاريخ ليكون ذكرى محزنه اذا لم يترك للرجلين استغلال الفرصة التي قدمتها التسويه للمؤتمر للنأي به عن مصير الحزبين الحاكمين في مصر وتونس
كانت الثورة قد أصابت النظام بتشققات وإنهيارات متتالية توجت بإزاحة صالح من الرئاسة ، وهذا التفكك طال بنية النظام وتكتلات المصالح المرتبطه بوجوده في الجيش والحزام القبلي حول العاصمة والسياسيين والنواب ، ويغدو إضمحلال المؤتمر الشعبي نتيجة منطقية لفراغ وعائه من القوى التي شكلت بنية الحكم الفعلية على أرض الواقع وأتخذت من حزب المؤتمر مجرد عنوان عصري يغلف تجمعات مصالح تشتغل وفق محدداتها هي لا بمقتضيات مؤسسة حزبيه عصريه . مجلس النواب الذي أبقته التسوية السياسية كخيال مآته لا يكفي للإيحاء بوجود حزب المؤتمر فقد استقال العشرات من نوابه وذهبوا ليأسسوا خيارهم الحزبي بعيداً عنه ، والمجلس نفسه غدى مقيداً بالآلية المزمنة التي نصت على التوافق ووضعت القرار الحاسم بيد الرئيس في حال تعذر الوصول الى صيغة توافقيه أمام أي قضية مطروحة في المجلس ، وهذا يقطع الطريق على صالح وبقايا نظامه إذا حاول استخدام المجلس لإعاقة التسوية السياسيه أو الاصرار على ادعاء وجود المؤتمر كأغلبية في مجلس مزمن ومهلهل وفاقد للشرعيه وكان ينبغي أن يلقى مصير شقيقه المصري غير المأسوف عليه
ومع مرور مزيد من الوقت تتقلص فرص بقاء المؤتمر واحتمالات اعادة بنائه مع بقاء علي صالح رئيساً له والعمل من خلاله على عرقلة الرئيس الجديد والمرحلة الانتقالية. منتصف هذا الأسبوع تم تداول تسريبات عن خطة عمل أعدت باشراف صالح وقدمها يحي الراعي للرئيس هادي كإطار ينبغي أن يلتزم به في ممارسته لمهامه كرئيس للجمهورية ، وبغض النظر عن مدى صحة هذا الخبر من عدمه يبدو هدف صالح من تشبثه بالإستمرار في الحياة السياسية من خلال عنوان المؤتمر أكثر من واضح محاولاً فرض نفسه كمهيمن على نائبه السابق ورئيس اليمن الجديد الآن وعرقلة التسوية السياسية والبلد عموماً ، وفي كل الأحوال سيكون حزب المؤتمر آخر ضحاياه ، وسيفوت عليه فرصة محاولة البقاء التي منحته إياها اتفاقية التسوية السياسية والتي لم يحظى بمثلها حزب بورقيبه الذي أنجز تونس الحديثه والحزب الوطني في مصر الذي تم حله بحكم قضائي ومنع رموزه وقياداته من ممارسة العمل السياسي بتهمة إفساد الحياة السياسية وتزوير الإنتخابات
واذا ما نجحت فعلاً المرحلة الجديدة في تحييد الوظيفة العامة وأجهزة الدولة والمال العام التي كانت عوامل تفوق المؤتمر الشعبي كحزب حاكم فسوف تنتهي تماماً صيغة الحزب الحاكم المهيمن سواء كان المؤتمر أو غيره.
كان المؤتمر مهرجان إنتخابي موسمي في اليمن أكثر من كونه آلة حكم . ومقارنة بمصر وتونس كان اليمن نموذجاً للحكم العائلي الممتد الذي يحكم بأذرع الأجهزة الأمنية والوجاهات التحالفية واستثمار القبيلة
في أوروبا الشرقية كان معيار نجاح الثورة هو سقوط الحزب الحاكم وليس سقوط الحاكم فقط لأن آلة الحكم كان فعلاً الحزب السياسي . وفي البلدان العربية تجلى معيار سقوط الحاكم وعائلته أولاً لأن أداة الحكم وراثي عائلي وليس الحزب الحاكم إلا أحد أدوات الديكتاتور الفرد وعائلته . وداخل هذه الصيغة تندرج اليمن بنسبة أكبر من تونس ومصر لأن اليمن كانت تحكمها العائلة الممتدة حيث يضاف للوريث الأبناء والأعمام وأبناء الأعمام والأصهار والعصبية القبلية الضيقة وهذه الشبكة تسيطر أيظاً على مؤسسة الجيش والأمن ، مقابل وجود جيش وبنية أمنية وطنية في مصر وتونس وإن استخدمت للقمع
خلاصة القول أن أهمية الحزب الحاكم وسقوطه قد همشت في اليمن مقارنة بالتغيير في تونس ومصر لكون الحزبين الحاكمين هناك أكثر ملائمة لبنية الحكم وتعبيراً عنه . السبب الثاني لهذه الوضعية للحزب الحاكم في اليمن طريقة التغيير السياسية بالمبادرة والتوافق ، غير أن كل هذه الحيثيات لن تكون كافية لبقاء حزب المؤتمر مالم يفك أسره من سجن علي صالح الذي يصر على أن يكون المؤتمر الشعبي العام آخر ضحاياه .