الزر النووي اليمني والزر الروسي ومصالح الفساد!!
بقلم/ د.عبدالكريم القدسي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 19 يوماً
السبت 24 مارس - آذار 2012 04:16 م

كثيراً ما نرى المشاهد السياسية قي عالمنا العربي على ارتباط وثيق بالسياسات الإقليمية والدولية، كما أن راسمي السياسات يجعلون شعوبهم جزأ من المعترك السياسي، لتنعكس تلك الحالة على مجمل حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، لتكون الحياة برمتها جزأ من توجهات الساسة، وهنالك من الساسة من يستقرا الأحداث السياسية ويتعلم من أخطائه لينتصر لإرادة شعبه ووطنه في ميادين الحياة كافة، وهنالك من يرى الحياة بما فيها من خيرات أشبه بشموع يضيء بها طريقة ليختزل النور لذاته فقط، ويستكثر حتى أن يعيش شعبه على بصيص أمل من نور تلك الشموع، ما يجعل حياة الشعوب جزأ من الضياع التي تعيشه تلك الأوطان، بفعل ثقافة النفعيات والاستعلاء والاستكبار، والانصراف عن التعلم من الأخطاء السياسية لتكون رهان انتصارات ونهوض لتلك الشعوب، فكم من أزمات اقتصادية عصفت بحياة الشعوب وكم من زعامات أصبحت في طي النسيان ولم تخلد أي ذكرى في مواطنها ، فمن الجاني على الآخر إذن الشعوب التي تلتزم الصمت عما يفعل الساسة أم الساسة الذين يمنون الشعوب بأن الحياة ستكون أجمل فيما هو قادم من السنين، ويجعلون عقول شعوبهم أسيرة الأماني والتمنيات لما هو آت من وهم الأيام والسنين، فكم من أمم امتطت ذرى المجد والعليا بفعل الاستفادة من العقل الإنساني على أدنى حدوده، بل وأسهمت تلك العقول في احتكار ناصية العلم والتقدم في الميدان المعرفي، لتنفرد عمن سواها من الشعوب، لتكون رقماً مهما في تحديد سياسات العالم واقتصادياته، بل وأحكمت السيطرة على حياة الشعوب والأوطان المغلوبة على أمرها، ومن بين تلك الدول التي وصلت إلى ذرى التطور العلمي والتكنولوجي روسيا العظمى التي أبهرت العالم والدنيا وتفوقت في صناعاتها من الصورايخ النووية والطائرات العملاقة وتقدمت عن غيرها من الدول العظمى ، ورسمت إستراتيجية نجاح في سباق التسلح النووي وغزو الفضاء، وكان لسباق التسلح النووي جزأ من المعترك السياسي بين الروس والأمريكان فيما سمي بالحرب الباردة ، ومن اللافت للنضر أن روسيا العظمى قد شهدت أول انتخابات ديمقراطية في تاريخها وذلك إبان تولي الرئيس الروسي بوريس يلتسين مقاليد الحكم في روسيا وحصل آنذاك على نسبة 57% من أصوات الناخبين، واستمر في تولي مقاليد الحكم في روسيا حتى 31ديسمبر 1999م، وخلال هذه الفترة من حكمة كان فيروس الفساد منافساً بارعاً لتقاسم المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الشعب الروسي، واستشرى هذا المرض اللعين في كل المؤسسات الروسية وقاسم الروس أقواتهم وسلب خيراتهم، وكان لاعتلال صحة يلتسن دور كبير في اعتلال الاقتصاد الروسي وتفشي فيروس الفساد ليزيد الأمر تعقيدا، ليضع نهاية مريرة لحياته السياسية ،،

وحينما كان يلتسن على فراش المرض كان الصندوق السري للصواريخ النووية يلازمه على فراش المرض ، ومع ازدياد اعتلال حالته الصحية استدعى آنذاك رئيس وزرائه فلاديمير بوتين الذي استلم صندوق الشفرات الصاروخية النووية، وقال يلتسن لخلفه كن حذرا ثم انصرف بوتين ومن ثم عاد إليه مرة أخرى وقال له انك تخدعني هذه الأزرار لا تعمل، وهذه الكلمات كانت بمثابة نكتة من بوتين الذي كان فطنا وبارعا في ذكائه المعهود ، لقد أدرك بوتين خطر هذه الأسلحة الإستراتيجية بكونها سلاح دفاعي عن روسيا ولن تستخدم ضد شعبه لإبادتهم بل للدفاع عن كرامتهم وشرفهم من العداء الخارجي الآتي من خارج الحدود الجغرافية الروسية، من هنا يتأتي ملامح الربط بين السلاح النووي الروسي والسلاح النووي اليمني فكلاهما سلاحي فتك ودمار للشعوب والأوطان، إلا أن الأول دفاعي وقائي والآخر هجومي داخلي، لقد أدرك يلتسن وخلفه أن هذه الأسلحة خطرة ونسبة الخطأ وان كان 1% لا يحتمل سوى الموت والفناء للحياة برمتها، وهذا ما أكده حرصهما بان تبقى هذه الشفرات ملازمة لأيادي وطنية روسية أمينة، ولا ريب أن السلاح النووي الروسي يمثل رمز السيادة والكرامة والعزة للشعب الروسي، كما أن المتتبع للمشهد السياسي الروسي آنذاك يدرك بعض المقاربات مع المشهد السياسي اليمني في عهد الرئيس اليمني السابق(صالح)، ووجه التشابه أن اليمن قد شهد أول تجربة ديمقراطية في عهد صالح، إلا أن عهده بقي الأكثر ميلاً للتجاذب السياسي والتحالفات الحزبية والقبلية، ما أدى الى ولادة دولة ظل لازمت حكمه، لتسهم دولة الظل هي الأخرى في هشاشة القرار السياسي واستشراء فيروس الفساد وتبديد خيرات الوطن،وفي هذا الأثناء ضلت حقائب الشفرات النووية اليمنية ((الفقر، التقطع، فيروس الفساد، المؤسستان الأمنية والعسكرية، مصادر كهربة اليمن بالطاقة النووية (مشروع صالح النووي)، وكهرباء مأرب الغازية ،المشتقات النفطية،،،، الخ)) موزعة بين دولة صالح ودولة الظل الاخوانية (دولة الإصلاح)، وأدى ذلك إلى تقاسم خيرات الوطن ومقدراته بين صالح ورفاقه وحلفائه وقبليته، ودأب الرئيس السابق إلى إنجاح وصناعة إمبراطورية المال ورجال الأعمال من أبناء قبيلته وأصدقائه وحلفائه الأخوان، ليرسم بذلك حال استنزاف اقتصاد البلد وخيراته، مقابل بقائه على سدة الحكم، وحماية حال البقاء بإسناد القبيلة وإغداقها بالمغانم،وكذا تبوء أفرادها مواقع متقدمة في الجيش والوظيفة العامة، وغدا حال التلازم ألتحالفي بين صالح وحزبه من جهة-والإخوان بما فيهم جناحهم العسكري والقبلي ورجال أعمال الصناعة الصالحية على اليد الأخرى، كان لتأسيس وصناعة رجال أعمال القبيلة دور التباهي والإسناد القبلي والعسكري لإنجاح إمبراطورية المال والإعمال التابعة لآل سنحان، والتي تفوقت بالثراء والبذخ عن ميزانية الدولة الأم، هذا التفوق أيضا رسم على حساب رجال أعمال كان لهم بصمات واضحة في انتشال الاقتصاد اليمني من تبعات التهاوي والسقوط لأكثر من مرة في تاريخ اليمن ، ما جعل الدولة تستبيح حالهم ومالهم والاستقواء عليهم من خلال إقحامهم في دفع ضرائب وإتاوات حماية وبقاء، في الوقت الذي استبيح فيه الوطن لصالح رجال أعمال القبلية،بكون زاوج المتعة المتلازم بين السلطة والمال والقبيلة حالة إباحة واستباحة للوطن ، وأصبح رجال الأعمال ممن لهم إسهامات في بناء الوطن كأجراء تابعين لبا بوات السلطة ورجال القبيلة وعسكرها،، وكان لثقافة النفعيات والفساد وزواج السلطة شعار وسلوك انتهازي تسبب في تفشي رقعة الفساد في كل مؤسسات الدولة الأم،،،،

وهذا كله على حساب عاشقي حرية التعبير ورؤى التغيير، ممن تعالت هتافاتهم في ساحات الوطن، وسالت دمائهم وراء قدسية مطالبهم في الانتصار لقيم الحرية والعدالة وسيادة القانون، بغية حماية أقوات البسطاء من نهم الفساد وصناعه، بغية إعادة الاعتبار لكرامة الوطن و الإنسان معاً، ولا ريب أن منجزات صالح تآكلت بفعل تفشي فيروس الفساد في شتى مناحي الحياة على حساب أقوات البسطاء والثكلى والمعوزين من شرفاء الوطن، ومن عاديات الدهور وقاصمات الظهور أن تتحول دولة الظل من الثراء في عهد صالح إلى الثورة في الربيع العربي للثورات، وأنا أرى أن الخطيئة الكبرى في هذا الوطن تفشي الفساد وصناعته من قبل مراكز القوى النفعية وعلى رأسهم المؤتمر الشعبي العام ويليه الإصلاح، لكننا حملنا مسؤولية الفساد برمته لعهد صالح بكونه كان حاكما على سدة كرسي الزعامة، وكم هو جميل أن نتفهم طابع العلاقة بين السلطة ( الدولة الأم) ودولة الظل كي لا ينخدع عاشقي حرية التعبير ورؤى التغيير في ساحات الوطن برمتها، حتى لا تستغل حالة عاطفة حب التغيير المجردة لدى البعض لتسهم في نزيف الدم اليمني دون أن يكون للسياسة مكان لاستقراء المشهد السياسي، ونحن على يقين بأن ما ماضي أعراس الربيع قد افرز نماذج نجاحات ثورية غاية في الإجلال والاعتزاز كالأنموذج المصري-التونسي، وهما الأكثر مثالية في ربيع الثورات، وما عدى ذلك كان للاستعمار الجديد دور تخريبي انتهازي كحال الثورة الليبية، أما سوريا فلازالت ترزح وراء نزيف الدماء وهول البكاء ، وتوديع جنائز أبنائها على مدار الساعة، وذلك بفعل الصلف الإيراني السوري من جهة (مشروع ممانعة)- ومشروع التغيير الأمريكي الإخواني على الكفة الأخرى، ويخفي الأمريكان من ورائه حماية إسرائيل ، أما اليمن فله خصوصيته التي لا يجيب إغفالها، ألا وهي الصراع السلطوي وثقافة الشخصنة وحب الذات المتقدمة على المصلحة الوطنية العليا، إضافة إلى ملامح الفجور وثقافة النفعيات التي أضحت جزأ من ثقافة الأحزاب والجماعات في المعترك السياسي بين فرقاء العمل السياسي ، كما أن المطلب الملح في مجتمعنا اليمني في هذه اللحظة التاريخية المفصلية في حياة شعبنا ووطننا يتمثل بكبح جماح النفعيات وتهذيب السلوك أولا، لنشهد حالة تغيير فعلية على المستوى السياسي والمجتمعي، ومن ثم إحراز تقدم فعلي في مسار تطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة،،،وأنبه إخواني الأعزاء في حزبي المؤتمر والإصلاح بان مشروع إيران ( الحوثيون- الحراكيون-حزب الأمة، الحزب الديمقراطي اليمني، القاعدة، وأحزاب وتكتلات جديدة تحت التأسيسي) هو الرابح الأكبر في مسار الصراع والثورية في اليمن، والاهم أن نسموا فوق كل الجروح وننشد لغة الحوار والوفاق والاتفاق لدرء الفتنة عن هذا الوطن،و اليمن أغلى من ثقافة المصالح والنفعيات، وحماك الله يا يمن.