في ذكرى ثورة 25 يناير المدهشة!
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 25 يناير-كانون الثاني 2012 05:51 م

كثيرة هي المفارقات المذهلة في ثورات الربيع العربي ، وفوز الإسلاميين وتصدرهم للمشهد السياسي في العديد من الدول العربية كان من أكثر تلك المفارقات أهمية لدى المراقبين والمتابعين لمسارات الثورات العربية وانعكاساتها على المشهد السياسي العربي برمته ، لكن المشهد المصري ومفارقات ثورة 25 يناير المصرية كانت – بتقديري – هي الأكثر أهمية على الإطلاق بين ثورات الربيع العربي ، إذ أنها جاءت مليئة بالمفاجآت والمفارقات التي لم تكن في معظمها تخطر على بال ، ابتداءً من نزول الشباب إلى ميدان التحرير وسط القاهرة ، مروراً بسقوط مبارك وأركان نظامه ، وانتهاءً بانعقاد أول جلسات البرلمان المصري الجديد يوم الاثنين الماضي الموافق 23 من يناير الجاري.

صحيح أن شرارة الربيع العربي قد انطلقت من تونس ، لكن ثورة 25 يناير كانت بمثابة الأكاديمية التي ألهمت بقية ثورات ذاك الربيع ، بكل تجلياتها وإبداعاتها خلال الـ 18 يوماً الأولى من انطلاقتها إلى حين سقوط مبارك ، أو حتى بعد ذلك التاريخ ، فنزول شباب 25 يناير إلى ميدان التحرير ثم قرارهم الاعتصام فيه ، وابتكارهم - حينها - لأهم شعار ميَّز ثورات الربيع العربي وهزَّ عروش الطغاة وأركان أنظمتهم وهو "الشعب يريد إسقاط النظام" ثم تعزيزه بمصطلحين أستطيع وصفهما بـ "السحريين" ، وهما "ارحل" و "الشباب" أو "ثورة الشباب" بمعنى جعل الثورة تنسب دائماً إلى الشباب ، وهما المصطلحان اللذان رافقا تلك الثورة المدهشة ، وتم تداولهما بعد ذلك خلال ثورات الربيع العربي في كل الميادين والساحات ، كل ذلك كان بمثابة براءة اختراع لثورات الربيع العربي يُحسب لشباب 25 يناير بدرجة أساس ، والذي استلهمته – بعد ذلك - بقية شعوب الربيع العربي في اليمن وليبيا وسوريا ، ووضعته موضع التطبيق بحذافيره ، أكان على مستوى طريقة الاعتصامات في الميادين والساحات ، أو على مستوى الشعارات والهتافات ، والذي آتى أكله وظهرت ثماره في جميع الثورات العربية تقريباً مع فارق في حجم الخسائر وظروف الزمان والمكان لا غير، والذي أرى بأنه سيظل ساري المفعول في بقية الثورات العربية .. التي لا يخالجني الشك بأنها قادمة .

إن من مفارقات ثورة 25 يناير "المدهشة" بعد سقوط مبارك وأركان دولته ، هو قرار السلفيين في مصر بتشكيل حزب سياسي بمرجعية دينية سلفية هو حزب النور "السلفي" ، ومن بوابة ذلك الحزب دخل السلفيون - وبقوة - إلى المعترك السياسي عبر مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً في مصر ، والتي تعد الأولى بعد ثورة 25 يناير ، تلك الانتخابات التي كانوا يقولون بتحريمها في معظم أدبياتهم الفكرية إلى ما قبل ثورة 25 يناير، لأنها – بحسب أدبياتهم تلك - تمنح الأغلبية حق التشريع ، والتشريع لا يكون إلاّ لله ، إذ أن الحاكمية له وحده سبحانه ، كما أن حصدهم لحوالي 24% من مقاعد البرلمان المصري والتي تساوي حوالي 120 مقعداً ، وهي نسبة تعادل ربع البرلمان تقريباً ، ثم حصولهم على المرتبة الثانية بعد الإخوان المسلمين ، متجاوزين بذلك أحزاباً ليبرالية ويسارية عريقة داخل مصر ، كل ذلك كان مفارقة كبرى من مفارقات الربيع العربي في ثورة مصر ، وتعد – بتقديري - تحولاً كبيراً بل وانقلاباً جذرياً في فكر تلك الجماعات التي توصف بالمتشددة ، أدهشت الجميع بلا استثناء .

كما أن الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب المصري الجديد بعد سقوط مبارك ، والتي جرت الاثنين الماضي في أول برلمان مصري عبَّر- ولأول مرة في تاريخ مصر– تعبيراً حقيقياً عن إرادة الشعب المصري ، كانت هي الأخرى مليئة بالمفارقات العجيبة والمدهشة ، والتي ربما كان أهمها أنها انعقدت بذات الوقت الذي كان يحاكم فيه مبارك ونجليه ووزير داخليته الأسبق حبيب العدلي وبعض معاونيهم ، وكانت المفارقة الثانية أن الغالبية العظمى من أولئكم النواب الذين تبوءو مقاعدهم تحت قبة البرلمان الجديد - أو لنقل بعضهم حتى لا نُتَّهم بالمبالغة - كانوا قبل عام على الأقل يقبعون خلف قضبان السجون ، وانقلب الحال بعد ثورة 25 يناير رأساً على عقب ، ليصبح السجَّان هو من يقبع في السجن ، والذي كان مسجوناً أوكلته جماهير الثورة ليكون نائباً "حقيقياً" عنها داخل مجلس الشعب ، فصار مشرِّعاً يسن القوانين داخل قبة البرلمان .. وصدق مالك الملك تعالى ربنا القائل :" ( قُل اللَّهُم مَالِك المُلْك ، تُؤتِي المُلكَ مَنْ تَشاءُ ، وتَنْزِعُ المُلك مِمَّنْ تَشَاءُ ، وتُعِزُّ مَن تَشَاءُ ، وتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ، بِيَدِكَ الخَيْرُ إنك على كل شيء قدير ) .