|
إن الناظر إلى الإعلام الرسمي بعين متأملة وبصيرة نافذة؛ يقرأ من خلال ما يعرضه من حلقات حوار - بارعة في التمثيل وترويج الإشاعات - أن في الأفق سعير حرب قد تقرع طبولها في أي لحظة، ووظيفة الإعلام الرسمي - عبر علماء يستغل فهمهم القاصر لنصوص الشريعة وبعده عن وروح العصر وفقه الواقع المعاش بكل تعقيداته – هي تهيئة الجو لما قد يدور في مخيلة النظام من حماقات؛ فنحن إذا أمام إعلام أو وسائل إعلامية مختلفة تهيئ لقمع ووأد ثورة الشباب وذلك يستنتج من مفردات قاموس الإعلام الرسمي التي تنحصر في (الفتنة - الخراب - الدمار -الدماء) ناهيك عن الشائعات التي يروج لها النظام من مثل خلاف حاد بين المعتصمين وغيره الكثير الذي لا يحصى ولا يعد، والداهية العظمى هي ما نراه من مساندة لهذا لتوجه الإعلامي الرسمي من قبل علماء يظهرون على شاشاته لم يسبق لأحد أن رآهم عبرها ولم يسبق لها أن استضافتهم إلا في أتون هذه الأزمة التي ألمت بالنظام وأحدقت به، وجعلته يفهم وضعه المتهالك جيدا؛ إذ لم يعد يحول بينه وبين السقوط في الهاوية ومزبلة التاريخ إلا مسافة قاب قوسين أو أدنى.
ولما كان هذا وضعه وتلك نهايته المرتقبة؛ سارع النظام الخطى باحثا عن وسيلة من مهلكة الشعب تنجيه، ويستطيع بها ومن خلالها فض جموعه التي تداعت عليه إلى ساحات وميادين التغيير وظلت جاثمة على صدره، لا يهدأ له بال ولا يقر له جفن إلا من التفكير بوسيلة يستطيع من خلالها فض الاعتصامات السلمية أو بمعنى أدق البحث عن مبررات يقمع بها تلك الاعتصامات أو حتى يبيدها بالكلية أن استدعى الأمر ذلك ونجح في الحفاظ على بقائه، والمبرر الشرعي هو أفضل الطرق أحسنها بل وأكثرها قدرة وتأثيرا على الرأي العام؛ إذ شرع الله - المساء فهمه من قبل من أفتى بخروج الشباب المعتصم عن ولي الأمر - هو من سيعطي الضوء الأخضر لأدوات قمع النظام ويمنحه الشرعية ليعمل تلك الأدوات في أجساد المعتصمين سلميا بل المجاهدين – حسب فتوى الشيخان القرضاوي والزنداني، لكنهم خوارج في نظر النظام - بفعل فتاوى من يسمون أنفسهم تارة بالسلفيين وأخرى بأهل السنة والجماعة – وإلصاق مصطلح الخوارج على الشباب المعتصم سوف يهيئ للنظام ويمهد له إعمال آلته فيهم؛ ليضعنا النظام ومن ورائه الإعلام وعلمائه في صورة إبادة جماعية متوقعة، وليضع صورة المفتين ومعهم المشترك في صورة كبش الفداء.
أما المشترك فهو متهم - من قبل النظام وعلمائه وإعلامه - بأنه من نفخ في الشباب المعتصم روح الثورة، فنطق بشعارات ليست من صنعهم وليست من صميم مطالبهم هكذا يروج الإعلام ليلا ونهار؛ فمطلب (يسقط النظام أو يرحل علي) من خلال هذه الإشاعة الخاطئة الكاذبة يجعل الإعلام الشبابَ في صورة الضحية تارة؛ إذ لم تكن مطالبهم ثورية تحررية سياسية، بقد ما كانت اقتصادية أقرب إلى البطن وأبعد عن العقل؛ وليجعلهم تارة أخرى في صورة الظروف المفرغة أو الرجل الآلي فهو شباب لا يفهم ولا يعي ولا يدرك وإنما يشغل كالآلة بالريموت كنترول. ولو كان الإعلام التفت - ولو مرة - إلى مسميات أماكن اعتصام الشباب ووقف عندها لأدرك بأنه كذاب أشر؛ إذ المسميات تدل على أن الشباب على درجة كبيرة من الوعي بمطالبه وأنه لا يوجد من يملي عليه تلك المطالب والشعارات، ولما استطاع أن يروج لأكاذيبه وإشاعاته المغرضة؛ فمسميات ميادين التغيير وساحات الحرية كانت تكفي لوحدها لدحر الإشاعات والأراجيف التي تذعن بأن هناك خلاف بين الشباب والمشترك وهذا الخلاف هو السبب فيما يحصل في تلك الساحات والميادين من معارك وقتلى وسيلان دماء، وأجهزة الأمن من كل ذلك براء.
وإذا ما ختمنا بمبادرة الرئيس الأخيرة الذي أعلن أنها ستقابل بالرفض من قبل المشترك، قبل الشروع في قراءة بنودها، مع أنها - حسب تصريحه - موجهة للشعب ولعل حشر المشترك فيها يتماشى مع ما يحصل في الإعلام الرسمي، وحتى تصبح هذه المبادرة - بهذا التصريح المسبق - أقرب إلى النذير الأخير منها إلى البشير؛ إذ ذهبت ظنون بعض إلى أنها ستكون البشير المنتظر أو المفاجئة المرتقبة، وأن الرئيس قد تتمثل فيه الحكمة اليمانية؛ القائلة (إن الإيمان يمان والحكمة يمانية) وقد كانت بعض القراءات متوقعة أن يعلن الرئيس للملأ من خلال المؤتمر الوطني تنحيه عن الرئاسة أو حتى مبادرة تبين خطوات نقل السلطة سلميا؛ وذلك نزولا عند مطلب الشعب الذي يدعي في كل مرة بأنه مالك السلطة وراعي الشرعية. بيد أنه يبدو وجود شعب في مخيلة الرئيس غير الشعب الذي نراه من خلال مسيراته المليونية؛ لذلك وجه إليه المبادرة ووافق عليها، وهو الآن يدخل معه في حوار عميق ستكشف لنا الأيام القادمة نتيجته. غير أن عبارة الرئيس التي جاءت عقب التصريح برفض المشترك لبنود المبادرة التي قال عنها (ولكن هذه لبراءة الذمة) تؤكد جانب التهديد الذي تحمله من ناحية، ومن ناحية ثانية تضع المشترك في صورة العقبة الكئود التي تقف أمام انسياب الحلول وعرقلة مسيرتها. وحتى تستمر الحكاية وتبرير ما سيحصل بعد هذه المبادرة؛ إذ قد يفكر النظام وحفاظا علي بقائهم بتمرير السيناريو الليبي الذي قد هيأ له الإعلام قبلا عبر فتاوى العلماء السالف ذكرهم؛ ليجعلهم في صورة كبش فداء لما قد يقترفه من تلك الحماقات أن استطاع اللعب بورقة أخيرة. وإذا ما حصل هذا التوقع - لا سمح الله - وأراد النظام إمضاء السيناريو الليبي، فإن الجيش يبقى الورقة الأخيرة بيده وأنه قد ينجح - وهو احتمال ضعيف للغاية – لكنه متوقع احتماله بسبب الفتاوى التي شوهت صورة الشباب الطاهر وحولتهم من مجاهدين وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر إلى خوارج يمكن للنظام وأدهم مع مطالبهم.
وعلى الرئيس أن يعي أن الشعب هو من سوف ينتصر في نهاية المطاف؛ مهما كان السيناريو المتوقع حصوله في اليمن؛ إذ القذافي قد قطع عليه الطريق، وأظنه لن يفكر في استعماله؛ ما دامت بوادر النصر هي أقرب إلى الثوار وتصب في صالحهم وهي في الوقت نفسه أبعد من السفاح القذافي، وماذا يجدي تجريب المجرب أمام صمود الشعوب، وماذا بيد الرئيس صالح إذا استطاع إمضاء هذا السيناريو في بلده، وقد فشل فيه القذافي فشلا ذريعا إلا إذا استعمل الكيماوي وهو ليس ببعيد، إذ بوادره قد كشرت عن أنيابها في غاز سام استعمله ضد المتظاهرين محرم حتى في الحروب، فكل السيناريوهات محتملة وإن كان بعضها ضعيفا من مثل سيناريو ليبيا؛ إذ ليس في الجيش اليمني مرتزقة كما هو الشأن في الجيش الليبي، والتوقع الأقرب إلى المنطق هو سريان سيناريو ثورتي تونس ومصر؛ هذا إذا لم يفاجئنا الرئيس صالح بسيناريو فريد من نوعه وبطريقة جديدة لم يلتفت إليها سابقيه، إما سلبا أو إيجابا؛ فلا ننسى بأنه من بلد الإيمان والحكمة، والحكمة تبقى الورقة الرابحة التي لن تخيب الرئيس - بتصور كل اليمنيين - إذا ما أخذ بها وعرف قيمتها؛ إذ قد تبيض صفحته يوم اسودت صحائف زين العابدين ومبارك؛ فالتاريخ لا يرحم أحدا.
في السبت 12 مارس - آذار 2011 06:18:55 م