|
إلى وقت بسيط مضى كنت ممن يرى ضرورة مساعدة الرئيس بشكل أو بآخر على المغادرة حتى وأن تطلب الأمر منحة ضمانات بعدم محاكمته على الأموال العامة التي في حوزته والتي أنفقها أو اكتسبها خلال فترة حكمه الطويلة هو وأفراد أسرته ومنظومة حكمه، على اعتبار أن هذا الأمر قد يختصر الكثير من الكوارث التي يستطيع الرئيس أن يزج بها الوطن وخاصة أنه مازال يمتلك معظم المؤسسات الأمنية والعسكرية ومن ثم بإمكان المنظمات الحقوقية والدولية اتخاذ ما تراه مناسبا بهذا الصدد بعيدا عن تعقيدات الأمور السياسية، فهنالك جرائم لا تسقط بالتقادم أبدا.
لكن حتى هذا النوع من التفكير والذي رآه البعض مهادن ومفرط بدماء الشهداء أصبح متشددا جدا بالنسبة لما قدمته المعارضة الرسمية وذلك بموافقتها على المبادرة الخليجية التي ستحول أروع ثورة إنسانية وأكثرها صبرا وصمودا عرفها العالم المعاصر إلى مجرد أزمة سياسية يمكن حلها عن طريق الحوار والتفاوض وتبادل المصالح، وهذه طريقة رثة وعقيمة لا يمكن القبول بها بأي شكل من الأشكال، فالمبادرة الخليجية لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى أبناء الرئيس المهيمنين على الجيش والأجهزة الأمنية كما أنها قبلت الدخول في حكومة ائتلافية لا تشكل بها الأغلبية ومشاركة بذلك المؤتمر الشعبي العام المتهم بكم ضخم من عمليات الفساد والنهب وتشويه الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ومن ثم الدخول معه بإعداد قانون جديد للانتخابات مما يعني الخوض في دهاليز جدلية قد لا تفضي إلى شيء وتضٌيع المزيد من الوقت مع تمييع للثورة وتنميطها وجعلها اعتيادية لا تشكل إي حركة مؤثرة.
المرعب أكثر في هذه المبادرة هو أن الرئيس لا يتنحي من على سدة الحكم، بل يبقى رئيسا على اليمن بعد أن ينقل صلاحياته إلى نائبه، ونحن نعرف العلاقة بين الرئيس والنائب، ونعرف أن الرئيس يستطيع وفي أي وقت وتحت هيمنة أبناؤه على المؤسسة العسكرية استرداد تلك الصلاحيات برفة رمش أو كأقل تقدير أن يرفض مجلس النواب الذي يمتلك بها أغبية مريحة استقالته التي من المفترض أن يقدمها بعد شهر من تاريخ التوقيع على المبادرة كما هو منصوص، مما يعني أنه وحسب الدستور يجب أن يقدم استقالته التالية بعد ثلاثة شهور أخرى، وهنا أيضا دوامة عبثية أخرى وجدل فارغ سئمناه وعرفنا جدواه، وثلاثة وثلاثون عاما أعطتنا خبرة عميقة بتلاعب ومراوغة وكذب الرئيس، وكيف انه يحكم البلاد بالأزمات والحروب، وان شخص مثله بإمكانه عمل أي شيء يجعله يفلت من الالتزام ببنود تلك المبادرة.
لا أريد أن أقسوا على اللقاء المشترك، ولكني سأفترض أنه يمتلك كم هائل من البلادة والبلاهة تتجاوز الاحتمال والصبر، فهو هنا يضع وينصب نفسه دون أن يطلب أحد منه ذلك وصيا على الشعب من جهة ومساوما على دماء الشهداء من جهة أخرى، أنه ومن مكاتبهم الوثيرة يقررون مصير وطن بكل عدم مبالاة بينما هنالك الملايين في الساحات يفترشون الأرض منذ ثلاثة أشهر ويصلون الليل بالنهار ويرسمون لوحة مقدسة تشرف كل من تطأ قدمه أرضهم، هم من يتلقون الرصاص والعصي والغازات وهم من يرفع اللوحات ويصرخ بالشعارات، هم من يريد لثورتهم أن تحقق هدفها الذي تتكون من إسقاط النظام ومحاكمته، وكلمة النظام هنا يقصد بها كل المنظومة الحاكمة سواء كانت عسكرية أو تلك المتمثلة في المؤتمر الشعبي العام بجميع كوادره دون استثناء، لكن ما نراه الآن هو شبه تكريم للمؤتمر وصون للرئيس وطعن الثورة في ظهرها بطريقة لا يمكن قبولها أبدا.
من حق الجميع الآن في ساحات التغيير أن يضع شعارات جديدة تطالب بإسقاط النظام واللقاء المشترك على اعتبار أنهم هم من سيشكلون الحكومة الجديدة وان الثورة لم تنتهي بعد ولم تحقق الحد الأدنى من أهدافها، وأن الحكومة الائتلافية القادمة هي في كل الأحوال حكومة ستعمل تحت مظلة النظام الفاسد والمتهم بجرائم قتل سواء كان علي صالح يمتلك الصلاحيات أم لا، فهو وفي كلتا الحالتين تظل صفته رئيس للجمهورية اليمنية.
القيادة الشبابية للثورة اليمنية المجيدة هي من يجب أن تأخذ بزمام الأمور من الآن وأن تصعد وتحسم أمرها، عليها أن تتحرك وبتنسيق عالي ما بين جميع الساحات في الجمهورية للزحف نحو القصور الرئاسية وإرغام صالح أمام الإرادة الشعبية على التنحي فورا دون أية شروط أو ضمانات، وإلا فأن الثورة وبعد أن ركبها كل فاسد سابق وكل وزير مرتشي وبعد أن دنست بما يكفي ها هي الآن تعاني من محاولات إفراغها وتمييعها من كل معانيها السامية وتحويلها إلى حالة سياسية تعاني من أزمة يمكن حلها عبر الحكومات الائتلافية واللجوء إلى مجلس النواب للتصويت عليها ..
هذه مهزلة وجريمة واستخفاف بكل قطرة دم أريقت لأجل يمن مدني جديد يحقق أحلامنا المستقبلية وينقلنا من حالة الجمود التي عشناها في حكم صالح إلى عالم أكثر دينامكية وحركة ومعاصرة.
في الثلاثاء 26 إبريل-نيسان 2011 07:13:37 م