البيض ليس كرتا
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الخميس 17 يناير-كانون الثاني 2008 08:41 م

مأرب برس – خاص

الأستاذ علي سالم البيض ليس ساذجا الى هذه الدرجة حتى يستدرجه الرئيس صالح الى لعبته المفضلة التي يحكم بها اليمن منذ عقود ليستخدمه كرتا في اطار سياسة التوزانات وخلط الأوراق ويوجهه لضرب الفعاليات الشعبية والسياسية في داخل الوطن ، والأستاذ البيض لن ينخدع ولن ولن يقبل أن يقدم نفسه كطوق نجاة لحكم فردي فاسد ومستبد أوصل الوطن الى مصاف الدول الفاشلة المهددة بالانهيار ‘ والاستاذ البيض يدرك أكثر من غيره الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذه الأوضاع المتردية التي يعيشها أبناء شعبه ويعلم جيدا جوهر الأزمة الوطنية في البلد والذي هو التسلط الفردي و مشروع الاستبداد الذي اصط دم من أول يوم للوحدة بمشروعها السلمي الحضاري الذي قدم مرتكزات ومداميك بناء دولة النظام والقانون القائمة بالمؤسسات فكانت الأزمة حينها طريقا للتنصل من التزامات الوحدة ومشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة و كانت حرب صيف 94 هي الأداة التي فرضت مشروع الاستبداد والحكم الفردي بالقوة ليكون نتاجها هذا الظلم والطغيان والفساد الذي لم يوفر أحدا من سكان هذه البلاد.

حقيقة الأزمة والحرب التي كشفها البيض

ولسنا هنا بحاجة للفت نظر الاستاذ البيض لمشاهد الأزمة والحرب التي استلبت جوهر الوحدة وقيمها ومشروعها فلا يزال خطاب الحرب الذي القاه الرئيس صالح في 27/4/1994 بميدان السبعين ورد الاستاذ علي سالم البيض عليه شاهدان يكشفان حقيقية و جوهر الأزمة الوطنية التي تعيشها البلاد والتي تنذر بالأسوأ فالرئيس صالح أعلن حينها بأنه ليس أمامه من خيار غير ( الوحدة أو الموت ) فيما وضح على سالم البيض حقيقة زيف الخطاب قائلا ( ليس الوحدة أو الموت بل الوحدة والديمقراطية ) وكشف حينها للشعب كذب المغالطات التي تتدثر بالوحدة وفضح الاهداف الحقيقية للحرب وحذر القوى السياسية والوطنية من أجندتها الحقيقية التي اتضح فيما بعد انها لم تكن لأجل الوحدة مطلقا وانما لأجل فرض مشروع الاستبداد الذي عاث في الأرض فساد ودمر حياة شعب وهو يقودهم اليوم الى الهاوية ، وذلك كان هو موقف علي سالم البيض الذي كشف فيه للشعب مشروع الاستبداد قبل أن يتم فرضه بواسطة تلك الحرب واليوم بعد مرور 13 عاما تأكد للناس سلامة رؤية البيض وهاهي القوى السياسية تقدر له اليوم صوابية موقفه الذي رفض فيه تراجع وتنصل الاخرين عن الوحدة ومشروعها الحقيقي وهو الديمقراطية التي حذر الشعب في رده على خطاب الحرب من استهدافها واستلاب جوهرها ومشروعها وهو ما كان استهدافا مباشرا للوحدة والانسان والحياة ، وبقدر هذا الاعتبار والمكانة الوطنية للأستاذ علي سالم البيض التي نالها وهو يواجه بكل ثقة واقتدار تلك الأزمة والحرب التي شنت من أجل التنصل من الوحدة وفرض مشروع الاستبداد فان أحدا لا يمكن أن يصدق ترهات السلطة والاعيبها البائسة في أنها تستطيع أن تقدم علي سالم البيض ككرت وطوق نجاة لمشروع الاستبداد الذي أقصى شعبا برمته من حقه في حياة انسانية حرة كريمة

 لعبة بائسة وحكم يحتضر

انما السلطة لجأت في هذا الوقت بالتحديد للزج باسم علي سالم البيض وعقد مصالحة معه بعد تفاقم الغضب الشعبي الرافض لاستمرارية حكم الاستبداد والفساد وهي تحاول عبثا ان تستغل سمعة الرجل ومكانته للنيل منه كونها ترى فيه مصدر خطر عليها بعد أن أوصلت الوطن الى الهاوية بسياسات الفساد والنهب والتدمير التي كان يحذر منها وهي تستهدف أيضا بهذه اللعبة البائسة أن تحدث تصدعات في الموقف الشعبي المتوحد ضد الاستبداد وخاصة في الجنوب مع أنها تعلم علم اليقين أن البيض الذي قدم دولة وشعب وتنازل عن منصبه وسلطته كان كل ذلك من أجل بناء الدولة اليمنية الحديثة التي اشترط ان تكون مقرونة بالديمقراطية كرديف للوحدة وهو مالم يتنازل عنه في أوج التحريض على تلك الحرب وبالتالي فلا يمكن أن ياتي اليوم لان يقبل أن يكون كرتا بيد الرئيس صالح يستخدمه كطوق نجاة لانقاذ حكم فردي يلفظ أنفاسه الأخيرة

ان كل هذه الألاعيب التي استمرأت السلطة انتهاجها وتحاول اليوم أن تكرر سيناريوهاتها لا تنم عن ذرة عقل بل هي تصرفات هستيرية ما قبل السقوط لحكم فردي تجاوز كمال الظلم والافساد في الأرض واستنفذ كل الكروت والأوراق ولم يعد امامه متسعا غير نهايته ولكن مع هذا فهو يرفض التسليم بمصيره بل يحاول أن يبعث الحياة في الاعيبه العتيقة ويجهد للبحث عن كروت أخرى عله يستطيع أن يمارس معها سياسة خلط الاوراق ويسخرها لمنحه فرصة اضافية للبقاء واتجاه الرئيس صالح الى محاولة استمالة البيض تؤكد تصرفات غير محسوبة لنظام يعيش نزعه الأخير قبل الهلاك لا يدري كيف يتصرف وبماذا يمسك لنجاة مستحيلة

ان الوطن اليوم على مشارف محطة تأريخية مفصلية والقضية الوطنية اليوم ليست قضية شخصية خاصة بالاستاذ علي سالم البيض الذي لن يقبل مقايضة قضية شعبه بترميم منزله وتسوية وضعه وهو الذي وقف رافضا لاستلاب الوحدة و مشروع الحرية والديمقراطية والحياة الذي حملته معها للشعب كما ان هذا الحراك الوطني ليس مرتبطا بزيد او عمرو بل هو نضال أمة و معركة مصيرية لشعب برمته يطلب حقه الانساني والطبيعي في حياة حرة كريمة لايستبدها طغيان وظلم وفساد حتى يعيش أبناء هذا الوطن كما فطرهم الله سبحانه وتعالى ويؤدوا مهام الاستخلاف الالهي لبني الانسان والتي لا تتحقق الا في ظل شروط الحرية والعدل والمساواة 

القضية الجنوبية ... الخلاص والأمل

الجنوب الذي يتعرض لحرب تدميرية شاملة ومنهجية منذ13عاما تستهدف الغاء هويته واستئصال ثقافته المدنية وقيم الوعي من حياة أبنائه و فرض بديلا عنها منظومة التخلف وقيم الجهل غير انها لم تفلح في ذلك كما أفلحت في نهب الأرض والثروة وسياسات التهميش والإقصاء بل أن أبناء الجنوب انتفضوا يدفعون عن أنفسهم الظلم وينشدون الحرية و الحياة ويرفضون استمرارية هذه الحرب الاستئصالية ويأخذون بأيدي اخوانهم في الشمال نحو تعزيز منظومة الوعي المدني ويبثون فيهم قيم النضال السلمي حتى عاد الأمل لهذا الشعب بإمكانية نيل الحرية والخلاص من نير استبداد الحكم الفردي والى اليوم استطاع أبناء الجنوب إفشال كافة سياسات ومخططات السلطة للالتفاف على قضيتهم واحتوائها 

خلال الفترة القليلة الماضية التي شهدت تطور الحراك الشعبي الذي تبلور الى موقف وطني عام رافض لاستمرارية حكم الاستبداد جرب الرئيس صالح مختلف أنواع التكتيكات والسياسات التي ظل يدير بها حكم البلد ل 30 سنة مضت غير أن كل هذه السياسات فشلت في احتواء المطالب الشعبية اذ جاءت النتائج عكسية فالاحتجاجات الشعبية ازدادت قوة واتساعا وشكلت رأيا عاما عريضا رافضا لحكم الاستبداد انتظم في مختلف أشكال وفعاليات النضال السلمي والتي شكلت الموقف العملي لشعب يرفض الاستبداد ويطلب حقوقه الانسانية والطبيعية في الحياة.

الرئيس مكث في عدن قرابة 3 أشهر يوزع ملايين الريالات وعشرات السيارات لشراء الذمم وهي سياسة أصيلة يعتمدها في الشمال ولكنها فشلت في الجنوب ولم تستطع وقف حركة النضال السلمي ومطالب الناس بحقوقهم السياسية الكاملة وكذلك الحال بالنسبة للقوة العسكرية وهي الأسلوب المفضل للأنظمة الديكتاتورية لكنها هي الأخرى لم تقدم شيئا رغم تحريض الجيش وانزاله للشارع لقمع الاحتجاجات ومظاهر النضال السلمي وكانت الحصيلة فقط عشرات القتلى ومئات الجرحى في حضرموت وعدن والضالع ولحج وردفان ولكنها على الجانب الأخر فشلت فشلا ذريعا في ارهاب الناس عن مطالبهم قيد أنملة بل أن بطش القوة العسكرية و أعمال القتل المباشر بالرصاص الحي والاعتقالات أعطت دفعة قوية لأبناء الجنوب في اتجاه تفعيل مطالبهم العادلة و فرض قضيتهم الحقة

والى جانب أسلوب شراء الذمم بواسطة الأموال المنهوبة من خزينة الدولة واستخدام الجيش في قمع لاحتجاجات السلمية لجأ الرئيس صالح لاحتواء القضية الجنوبية الى أسلوب أخر وهو خطاب إحياء الثارات والذي دشنه من محافظة أبين اذ راح يذكر بحروب 13 يناير وما قبلها ويحرض أبناء ابين على الضالع والعكس غير أن هذا الأسلوب فشل أيضا في احتواء القضية وحراك النضال السلمي ولم يستطع أيضا إعادة أبناء الجنوب الى مربع الزمرة والطغمة وأكثر من هذا فقد قرروا اعتبار ذكرى 13 يناير يوما للتصالح والتسامح ، ومع كل ذلك لم تنس السلطة أن تتهم الحراك السلمي والاحتجاجات الشعبية في الجنوب بتهم الخيانة والعمالة وأن من يقف وراء فعالياتها هم البيض وعلي ناصر والعطاس وغيرهم من القيادات المبعدة في الخارج والتي تسعى الان لاستمالتها ومصالحتها

وازاء قوة الموقف الشعبي الرافض لحكم الاستبداد وفشل سياسات السلطة وتكتيكاتها في احتوائه او الحد منه فقد لجأت مرة أخرى لتكرار سياساتها والاعيبها التي فشلت في الداخل مع مختلف الفعاليات والقوى السياسية والوطنية لتجربها مع معارضة الخارج حتى يتسنى لها استخدامهم أوراقا بديلة ومضادة في نفس الوقت لضرب وامتصاص حركة النضال السلمي لجماهير الشعب و كذا لتواجه بها الفعاليات والقوى السياسية في داخل الوطن ، الا ان معارضة الخارج و المبعدين عن وطنهم بالقوة مستوعبين كافة الاعيب السلطة وسياسات الكروت المحروقة وخلط الأوراق التي تفضي الى منح الاستبداد فترة إضافية في العبث بالبلاد لذلك فقد كان محقا السيد حيدر العطاس عندما نصح الرئيس صالح مؤخرا بأن يوفر على نفسه تكتيكاته مع الشخصيات المبعدة خارج الوطن وأن يتجه بدلا عن ضياع الوقت في الدعوة الى حوار ومصالحة مع معارضة الخارج الى اصلاح أوضاع البلد والحوار الجاد و المسؤل مع القوى السياسية في الداخل فهي المعنية أكثر من غيرها وهي التي تعيش مع شعبها هذا التدهور المريع في كافة شئون الحياة الذي جاء نتاجا طبيعيا لمخرجات سياسات الاستبداد والفساد التي يحكم بها الوطن

غير اننا لا نستطيع أن نجد تفسيرا عقليا لضرب الرئيسي صالح بكل مبادرات الاصلاح الوطنية ونصائح القوى السياسية له في الداخل والخارج عرض الحائط وبالمقابل اصراره على الاستمرار في انتهاج سياسات المناورات واللعب بالكروت التي استنفذها وهل يعتقد صالح بأنه يستطيع استخدام علي سالم البيض ككرت كي ينقذه ونظام حكمه المتهالك من مصير محتوم عليه أن يواجهه ؟ لا يوجد تفسير لهذه الحالة التي يعيشها حكم فردي مشارف على النهاية غير انها تصرفات هستيرية لحالة ما قبل السقوط

اصلاح أوضاع الداخل أولا

ما يتوجب على الرئيس صالح عمله هو التعقل والكف عن مناوراته العبثية و أن يستمع لنصيحة حيدر العطاس في أن يتجه بارادة حقيقية لاصلاح أوضاع البلد والالتفات الى معاناة الناس بدلا عن انكارها وتجاهلها واستخدام الجيش في قمع الحقوق والمطالب وشن الحروب الداخلية والإصرار على السير بالوطن نحو الهاوية وهذا يقتضي أولا الاعتراف بفشل سياسات الفساد والاستبداد التي تحكم الوطن ثم اشراك مختلف القوى السياسية والوطنية في حوار جاد ومسؤل من أجل البحث والخروج بحلول تنقذ البلد من النفق المظلم وذلك يستلزم أيضا الأخذ بالمبادرات والمشاريع السياسية التي قدمتها المعارضة لاصلاح أوضاع الوطن بدلا عن التعامل معها بالعنجهية والاستعلاء والإصرار على المضي بالمزيد من سياسات الفساد والاستبداد

ان دعوة الرئيس صالح لمعارضة الخارج للحوار والمصالحة ليست الا من قبيل المناورة وخلط الأوراق ولا تحمل أدنى قدرا من المصداقية والا كيف يمكن أن تستقيم هذه الدعوة ويجري حوار ومصالحة مع المبعدين في الخارج في نفس الوقت الذي يقوم فيه الرئيس صالح شخصيا بتحريض الجيش ضد معارضة الداخل ويتهمهم بالخيانة والعمالة والارتزاق و الحقد على الوطن وصفة أخرى أطلقها عليهم مؤخرا بأنهم قوى الطمع ، وقبل تحريض للجيش كانت السلطة تعبث بالحوار وتمارسه مع المعارضة كمناورة من أجل الخديعة وضياع الوقت ثم بعد ذلك تتنصل من استحقاقات الحوار وتنكث بكل اتفاقياته الموقعة حتى تظل ممسكة بالآليات والأدوات ولجنة الانتخابات التي تضمن تزوير ارادة الشعب ومن ثم استمرارية التسلط و تمرير مشروع التوريث بالتزوير الى جانب القوة العسكرية.

ولعل ذلك هو ما دعى المهندس حيدر العطاس لنصح الرئيس صالح بضرورة التوجه نحو إصلاح أوضاع الوطن ومصالحة الداخل أولا قبل الاتجاه الى معارضة الخارج حيث أن الشعب والقوى السياسية على الساحة المحلية هم المعنيون أكثر من القيادات المبعدة فهم الذين يعيشون المعاناة والظلم والفساد وهذا يتطلب إرادة حقيقية من قبل السلطة والدخول في حوار جاد ومسؤل مع القوى السياسية داخل البلد والالتزام بعد ذلك بتنفيذ الاتفاقات والاستحقاقات وليس التنصل منها والعبث بالحوار وقيمه ثم الذهاب لتحريض الجيش ضد المعارضة و كذا محاولة استمالة معارضة الخارج لاستخماها ككروت ضد الخارج .

ان الأوضاع المتدهورة والأزمة الوطنية التي تعيشها البلد تفرض على الرئيس صالح أن يتخلى عن مشروع الاستبداد وتوريث الوطن لأسرته بواسطة احكام السيطرة على الجيش من خلال المقربين وأفراد العائلة وهذا يتطلب فك الارتباط بين الجيش واسرة الرئيس صالح لان هذا الارتباط حول الجيش الى ميلشية خاصة وظيفتها تكريس حكم الفرد وتعطيل الدستور ومؤسسات البلد وتنفيذ أجندة أسرية تتعلق بتحويل الوطن الى اقطاعية عائلية و الى جانبها فئة انتهازية منتفعة تعمل في خدمتها على حساب نهب الوطن وتدميره وفك الارتباط سيمثل خطوة اولى وجوهرية لانقاذ الوطن مالم فان استمرار انكار معاناة الناس واهمال المبادرات والرؤى الوطنية التي تنشد اصلاح الأوضاع والجري وراء البحث عن أوراق وكروت للعب بها وكذالك الإصرار على قيادة الوطن نحو المجهول والمضي نحو هدم المعبد على من فيه وأنا ومن بعدي الطوفان فليس الا تصرفات عبثية غير ذات جدوى تعبرعن حالات الهستيريا التي تصاحب الأنظمة المشارفة على السقوط