|
مأرب برس - خاص
مبدأ التداول السلمي للسلطة لا يزال معضلة ومخاوف ترسم الكثير من علامات الاستفهام فوق أرضية الساحة السياسية ولا تزال أحزاب المعارضة تظهر مخاوفها الأساسية لهذا المبدأ ولو لم تظهر ذلك في سياق شعاراتها ومهاتراتها التي ألمت الشارع السياسي الذي احتدمت أروقته بالمزايدة والمكايدة والدعوات المتكررة لصراع الطائفية والمناطقية لإيجاد متسع أو مساحة على الخارطة السياسية لتجار الأزمات والحروب والسلاح لأن يكون لهم وجود أو مساحة في قلب الصراع داخل الخريطة السياسية اليمنية المشحونة بصراع المخاوف التي توالدت من خلال الرياح المعاكسة للصراع السياسي والنهج الديمقراطي الوليد على هذه الساحة.. نستعرض خلال هذا بعض المخاوف والتداعيات التي أوجدتها الظروف السياسية داخل الوطن اليمني والذي يسير دون الأمل ودون الطموح الذي يرتقي بالمستويين الديمقراطي والتنموي.
مخاوف القبيلة
من المعروف أو كما هو واضح أن حكومة علي عبدالله صالح ركزت واعتمدت منذ ولادتها على الجيش وتولي على قيادة الجيش ضمن مهام رئيس الجمهورية والتي حكمت البلاد على مدى 28 عاماً منذ تولي الرئيس علي عبدالله صالح مقاليد الحكم في السابع عشر من يوليو 1978م بعد أن كان كرسي رئاسة الجمهورية فيما كان يعرف بالشطر الشمالي بـ “طريق خزيمة ” أي المقبرة ، في الوقت الذي كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشائخ القبائل اليمنية يعارض تسليم السلطة أي “الحكم” لأي قيادة عسكرية، لأنه في ذلك الوقت كان لا يأمن غدر الجيش للقبيلة كما حدث لهم عند تولي إبراهيم الحمدي رئاسة الجمهورية وكان قائداُ عسكريا والذي كرس جهوده لمحاربة القبيلة ومشائخها وأرسل أكثرهم إلى المنفى وتقلص دور القبيلة أمام مواجهة الجيش، وكانت معارضة الشيخ الأحمر أبان تولي الرئيس علي عبدالله صالح مقاليد سلطة البلاد لذات السبب، مما لفت ذلك الرفض نظر الرئيس علي عبدالله صالح لاستمرار حكمه للبلاد التصالح والاستعانة بالقبيلة وضمها الى جانب الجيش لتصبح بعد ذلك القوة القبلية عنصرا داعما إلى جانب القوة العسكرية حتى يؤمن لاستمرار حكمه بعض مخاطر القبيلة حتى لا يتكرر لحكومته ما حدث لحكومة الحمدي ، وفي نفس الوقت استفاد علي عبدالله صالح من تجربة الحمدي وأدخل القبيلة شريكة في حكمه بواسطة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ليعقد صفقة سلام وشراكة بين العسكر والقبيلة كمعاهدة تحمي القبيلة من شر العسكر وكذلك تحمي العسكر من شر القبيلة مما جعل القبيلة تشعر أنها استعادة شرفها الذي أهدرته سلطوية الحمدي وحكمه وعسكره.
نهوض القبيلة
بدأت القبيلة تنهض من جديد في عهد علي عبدالله صالح وبدأت مخالبها وأنيابها تستعيد قوتها وشراستها بعد أن قضمتها حكومة الحمدي وسلطته العسكرية لتعود بعد ذلك (مخاوية) ومساندة للنظام العسكري وكما يقولون: صفقة شراكة كل طرف يحمي الطرف الآخر. وبعد تجربة الرئيس ابراهيم الحمدي للحكم في اليمن واقصائه للقبيلة حدث بعد اغتياله صراع على الحكم بين القبيلة والعسكر خاصة بعد أن فشلت في الحكم من خلال الرئيس أحمد الغشمي الذي اغتالته السلطة العسكرية كونه شخصية قبلية دخيلة على السلطة العسكرية ناهيك من أنه كان أحد عناصر القبيلة في حكومة الرئيس الحمدي. مما تسبب ذلك في احتدام الصراع بين القبيلة والسلطة العسكرية الذي لاتزال معالمه ظاهرة حتى اليوم.
تعلمت القبيلة درساً قاسيا جعلها لا تثق مطلقاً بالسلطة العسكرية التي قد تغدر بها في يوم من الأيام بالرغم من معاهدة التصالح التي تكللت بالدعم والمساندة لسلطة الرئيس علي عبدالله صالح العسكرية مما دفع بالسلطة العسكرية الى أن تمنح مشائخ ورموز العشائر القبلية اليمنية الرتب العسكرية ليتجسد بعد ذلك تعاضد وتلاحم القبيلة مع السلطة العسكرية من جهة ومن جهة أخرى ليأمن كل جانب مكر وخداع الجانب الآخر مما جعل القبيلة تتكتل بكل جهودها لدعم سلطة الرئيس علي عبدالله صالح العسكرية. وبالمقابل تمتعها بالحرية القبلية وحضورها في مجتمعها القبلي لمزاولة نشاطها السلطوي بدعم من السلطة العسكرية لتأتي الحزبية بعد ذلك محاولة التوغل في أدغال القبيلة وعملت بنفس الطريقة ولكن بصورة مغايرة من خلال استغلالها لبعض المواقف خاصة أولئك الذين انقطعت مصالحهم
اللافت أن الحقوق الديمقراطية التي يمكن الحصول عليها من خلال ممارسة العملية الديمقراطية لم تخرج من عتبة منزل رمز القبيلة (الشيخ ) لتصل الى أحد من رعاياه لأن السلطة العسكرية هي من تعمل على دعمه لفرض نفوذه وقوته بكل الوسائل. جاءت بعد ذلك دولة الوحدة ليدخل نظام حكومة الجنوب سابقاً في نظام جديد لم يألفه أو يعترف به طوال 23 عاماً وهي فترة حكمها بعد استقلال الجنوب من الاحتلال البريطاني والذي أرسل القبيلة إلى المنفى طوال فترة حكمه حتى نسي شيء اسمه قبيلة أو شيخ ليجد نفسه عنصراً يقف وسط الحكم العسكري وحكم القبيلة وظن وقتها بأن نظام دولة الوحدة الداعي للديمقراطية سيتغلب على جهوية القبيلة مقابل تخليه عن شموليته الدموية ربيبة التآمر والاغتيالات. وبعد أن وجد نفسه عاجزاً أمام قوة قبيلة وعنفوان نفوذها أكبر من نفوذه التآمري والسياسي لجأ إلى الهروب بإعلان الانفصال خوفاً من أن تبتلعه سلطة القبيلة التي تأصلت جذورها التاريخية في حضارة اليمن وتاريخه، وبعد إعلان الانفصال آزرت القبيلة حليفتها السلطة بحكم الأعراف والسوالف الذي يسير عليه أو ينتهجه قبائل اليمن في مقولات ان من رجع عن كلامه أو ارتد عن اتفاق أو معاهدة فإن كل القبائل تجمع حسب أعرافها على مقاتلته، وفعلاً التحمت القبيلة مع الجيش في جبهات القتال لتنتصر لإرادة الشعب والوطن وفعلاً انتصرت لحليفها السلطة.
ديمقراطية ناشئة
بعد حرب صيف 94م وانتصار الشرعية على فلول الردة والانفصال عادت الحياة السياسية والديمقراطية إلى الشارع اليمني بكل أشكالها وأنواعها وحظيت اليمن على تهاني وإجماع دولي على نجاح تجربة المسار الديمقراطي في اليمن كأحد البلدان المهتمة بالتمسك بنهجها الديمقراطي الوليد والذي يسميه الغرب بالديمقراطية الناشئة كونهم يعتبرونها رسالة الحرية لأقطار الوطن العربي الذي تعاني شعوبه ويلات الديكتاتورية ومساوئها.. والتجربة الديمقراطية سطرت واستحوذت على المراتب الأولى لعناوين الصحافة الشقيقة والصديقة والمعادية.
القوة القبلية
مفارقات وتساؤلات تشاطر الشعب اليمني أفراحه وأحزانه وعلامات استفهام استحوذت على الأماكن الجميلة عقب كل ابتسامة.. ثمة تساؤلات تقول: هل يستطيع علي عبدالله صالح تسليم السلطة لقوى مدنية ويتجاهل القوى القبلية والعسكرية التي بنا عليها ركائز حكمه؟
سيطرة القبيلة
كونها أحد العوامل الداعمة والمساندة لاستمرار نظام حكمه لـ28 عاماً حتى لا يتجرع أو يشرب من كؤوس الحكومات التي سبقته.. ويا ترى هل هو مقتنع ببقائها في أياد القوة العسكرية خاصة في ظل المناخ الديمقراطي الذي تدعيه حكومته أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي. وكذلك أن تظل القوى القبلية مسيطرة على السلطة لثلاثة عقود فترة حكمه للبلاد خصوصاً وأن هناك ادعاءات وأطروحات دائماً ما ترددها القوى الحزبية والمدنية من أن القوى القبلية هي المعيق الرئيسي للنهوض بالحركة التنموية والتحول الديمقراطي الحقيقي.. وطالما أن لدى هذه الأحزاب السياسية مثل هذه الإدعاءات والأعذار ركيكة المعاني ورمي ثقالها على الآخرين، وهي من يسعى إلى إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية في صفوف القبائل لشق الصف الوطني المتلاحم وهي أول من يشتكي من إعاقة القبيلة للنهوض بالحركة التنموية والتحول الديمقراطي، فبدلاً من إثارتها ضد السلطة هل باستطاعتها أن تهيئ القبائل وتحويلها إلى قوى تحديثية مدنية بدلاً من إصدار تلك الإدعاءات والاتهامات من أن القبيلة هي التي تعيق الحركة التنموية والتحول الديمقراطي مثل بناء المؤسسات وسيادة النظام والقانون بدلاً من أن تعمل بعكس ما تدعيه؟ ولو أن لديها القدرة لإقناع القبيلة بما تدعي به طوال 17 عاماً من بداية النهج الديمقراطي في اليمن لاستطاعة أن توجد جيلاً متفهماً يعي مسؤوليات كل ما تدعي به بدلاً من التحريضات وإثارة النعرات خاصة أحزاب اللقاء المشترك!!.
البحث عن توازن
وطالما تبادر إلى الأذهان بعض التساؤلات التي تقول هل يوجد لدى أحزاب المعارضة وخاصة أحزاب اللقاء المشترك بديل لـ”علي عبدالله صالح” ليكون محل وفاق للثلاث الشرائح “القبلية، والمدنية، والعسكرية” .. ؟ ..هذا ما يجعلنا نجد إجابة لسبب تكتل أحزاب المعارضة والمنظوية تحت مسمى أحزاب اللقاء المشترك وهو للبحث عن توازن سياسي مع الحزب الحاكم علها تجد في ذلك ولو بذرة واحدة من طموحاتها أو أحد أهدافها الرامية إلى الحصول على أحد الشرائح الحليفة للحزب الحاكم مما جعلها مؤخراً تعمل على التباكي وتحريض القبيلة ضد الحزب الحاكم عل وعسى تصل بذلك إلى عقد صفقة تحالف مع أي شريحة من الشرائح الثلاث لقطع وفاقها مع الحزب الحاكم مهما كلفها الأمر حتى ولو على حساب الشعب والوطن. مما دفعها ذلك إلى أن تبادر بتقديم مشروع سياسي لإصلاح أوضاع يعتبرونها مختلة وسرعان ما بادرت وسائلهم الإعلامية للترويج عن مفاصل محتوياته دون علم أو بصيرة او أن يؤخذ في الاعتبار عرضه ووضعه للاستفتاء الشعبي حتى تجمع عليه كافة الشرائح “القبيلة، والمدنية، والعسكرية” ويتم التشاور معها حول مضمون مفاصله.. هل ما تناوله مشروع الإصلاحات الذي تقدموا به يلبي جميع مطالبهم أم يخاطب شريحة معينة ؟.. واكتفوا عرضه فقط من خلال إعلامهم وتحججهم من أن الإعلام الرسمي يستحوذ عليه الحزب الحاكم!!.
ضمان التغيرات
ومع أنهم يطالبوا قيام دولة النظام والقانون ونجد ذلك في كثير من أطروحاتهم نجدهم يشتكون من أن المعرقل لقيامها هي القوى القبلية المتحالفة مع العسكر ومع رأس المال وفي نفس الوقت نجدهم يتوغلون في أوساطهم لتحريضهم ضد النظام والقانون للحيلولة دون قيام دولته مما يجعلنا نسألهم ونقول لهم لماذا لم تطرحوا مشروعكم على هذه القوى لإيقاف ظهور أي تكتلات أو تجمعات قبلية كما ظهر مؤخرا ؟ ..ً لأن ظهور التكتلات القبلية يدل على أنها تبحث على إيجاد مكانة لها في عمق الخارطة السياسية لضمان التغيرات المستقبلية “تحسباً لعدم تكرار تجربة الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي” الذي حاول من خلال القوى العسكرية القضاء على القوى القبلية لإيمانه من أنها هي من تعرقل نهوض الحركة التنموية وقيام دولة النظام والقانون والنهوض بالتنمية.. ولمخاوف القبيلة من تكرار ذلك حاولت أن تتكتل في تجمعات مشبوهة وذلك لـ “تأطير القبيلة في حزب” لضمان حقوقها في المشاركة السياسية على الخارطة الوطنية بعيداً عن الجهات الداعمة لإقامتها ومكامن أسرارها وما هو المطلوب منها فيما بعد وكل في فلك يسبحون ”.
استغلال
وفي العام 2006م قدم الحزب الحاكم برنامجه الانتخابي الذي كان ركيكاً من سطوره الأولى مما جعل الرئيس علي عبدالله صالح يقدم برنامجاً خاصاً به غير برنامج حزبه ليشمل جميع الإصلاحات السياسية على الساحة اليمنية ثم قام بعد ذلك بعرضه على كافة الشرائح والتي رحبت به واستحسنت مضمونه قلباً وقالبا وشعر كل من يطلع عليه بأنه يتحدث عن إصلاح معاناته الخاصة. لكن ثمة تطورات حالت دون تنفيذه بعد إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية وشعر المواطن أن ما ورد في ذلك البرنامج عبارة عن حقن مهدئة وكلام ساحر سرعان ماذابت او أمحت احباره من على الورق .. وافقده الثقة بكل شيء من حوله.. مما جعل أحزاب المعارضة تستغل تلك الفجوة خاصة تردي الظروف الاقتصادية في البلاد فبدأت تعمل على الاصطياد في المياه العكرة محاولة استغلال سيئة الحزب “الحاكم” وتحويلها إلى حسنة “لصالح أحزاب المشترك” دون أن تعي أنها شريكة في المسؤولية الوطنية ليس من أجل سلطة أو نظام وإنما من أجل شعب.وطن.
خلاصة القول نقول ان اليمن يعاني من سلطوية السلطة وفشل المعارضة وسيطر النفوذ القبلي على مفاصل الحياة السياسية في اليمن الذي يعاني فيه 60% البطالة والفقر.
في الأحد 06 يناير-كانون الثاني 2008 05:03:53 م