إفشال الحلول السياسية فساد أيضا
بقلم/ رصين الرصين
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 7 أيام
الأحد 25 ديسمبر-كانون الأول 2011 10:41 م

يتشدق الثواثوار الربيع العربي أنهم ثاورا ضد الفساد، وإفشال الحلول السياسية هو فساد أكبر؛ لأن نتيجته الحروب المدمرة، التي لا تبقي ولا تذر، ولا تترك أخضر ولا يابسا..

قبل أن يوضع مبارك قفص الاتهام تقدمت السعودية بعرض للمجلس العسكري وهنا تختلف الرواية (عشرة مليارات – عشرون مليارا) مقابل وضع مبارك وأسرته في سيارة تقلهم إلى السفارة السعودية، ومنها إلى أراضي المملكة حيث تقضي تلك الأسرة ما تبقى من أيامها هناك. ولو أن العسكري وافق حينها، وأعطى كل ولي دم شهيد مليون جنيه مثلا لطابت نفسه، وأحس أن دم فقيده لم يذهب هدرا، ولاتخذت الحياة مسارا آخر بعيدا عن التوترات التي أدت إلى سفك مزيد من الدماء بعد الثورة تجاوز العشرات إلى المئات من الشهداء.

ولما وقعت جمعة الكرامة 18 مارس – التي كانت مفصلا في الثورة اليمنية، تماما كموقعة الجمل في الثورة المصرية - خرج صادق الأحمر مدينا لتلك الجريمة البشعة، واعتبرها عيبا أسود، والعيب الأسود في العرف القبلي (دية محدعش: دية كاملة مضروبة في 11) فيكون المبلغ المستحق تعويضا لكل ولي دم شهيد خمسة وخمسين مليون ريال مثلا، تدفعها السعودية أيضا بمعدل مليون ريال سعودي لكل شهيد.

ولو أن المشترك وافق حينها ونفذ حكم صادق الأحمر لطابت النفوس، وحقنت دماء الثوار، ولوفرنا على هذا الشعب - وما وقعت أصلا - هذه المعاناة الرهيبة للشعب اليمني: غلاء – أزمة مشتقات نفطية – انقطاع الكهرباء – تعطيل التعليم والصحة – إغلاق الجامعات.. ناهيك عن حالة الفوضى والرعب التي ما زالت تسود البلاد نتيجة إطلاق مقذوفات وأعيرة نارية عشوائية اخترقت نوافذ زجاج البيوت القريبة، وبعضها اخترق رؤوس سكانها، وهكذا زاد عدد الشهداء وزاد مبلغ التعويض، واتسع الخرق على الراقع.

ولو أن المشترك وافق حينها، لمضت العملية السياسية في طريقها؛ وفق مبادرة الرئيس في 10 مارس، وتم تعديل الدستور، وأصبح رئيس الجمهورية فخريا كما هو الآن، وما احتاج رئيس وزراء المعارضة حينها لأي تصريح من النائب؛ لأن صلاحياته ستكون وفقا للدستور الجديد وبالنظام البرلماني أكبر من صلاحيات النائب هادي.

أضف إلى ذلك أننا – وهذا هو الأهم – كنا حقنا الدماء، فلم تقع مجازر التلفزيون ومجلس الوزراء والكهرباء وأخيرا مسيرة الحياة.. نظرا للسير الحثيث في العملية السياسية.

ودعونا نجرعملية حسابية بسيطة لحساب المكاسب والخسائر: ففي مصر اعتمدت حكومة شفيق قبل استقالة مبارك لأسرة كل شهيد مبلغ 1500 جنيه شهريا، يعني المليون التي عرضتها السعودية – والتي كان سيقبضها نقدا – تساوي مرتب نصف قرن بالتقسيط..

وفي اليمن: على فرض اعتماد مئة ألف ريال شهريا لكل ولي دم، فإن المليون السعودي التي عرضتها السعودية في جمعة الكرامة – والتي كان سيقبضها نقدا - تساوي مرتب نصف قرن أيضا بالتقسيط..

وكل ما سبق هو في إطار الشريعة الغراء هو مسلك شرعي أمر به الله عز وجل في قوله { وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } الإسراء33.

وكذلك فعل علي رضي الله عنه في دم عثمان، ويزيد رحمه الله في دم الحسين.

ثم نقول للمتطفلين الفضوليين: من أعطاكم الحق أن تتكلموا باسم أولياء الدم؟ لماذا لا تقدمون لهم العروض وهم الذين يقررون، لا أنتم.. فلماذا المصادرة التي أقمتم ثورتكم ضدها؟

وهو أيضا مسلك سياسي بامتياز؛ وهنا نقول للمولعين بممارسة الدعار السياسية \" لا مساومة في الدماء \" إن لكل ثورة أهدافا سياسية، والسياسة وسيلة وليست غاية، أما الغاية الكبرى والعظيمة النبيلة للسياسة فهي رفاهية الشعوب، وتندرج تحت هذا العنوان الكبير مبادئ الثورة الفرنسية التي تتشدق بها كل ثورة في الربيع العربي. فهل من رفاهية الشعب اليمني أن تعيدونا إلى المربع الأول مربع الخراب والدمار والرعب؟؟ ألا تستطيعون أن تصبروا شهرين؟؟

نقول للطابور الخامس من مشترك وثوار: يكفي الشعب ما سببتم له من معاناة، فلا تقتلوا البسمة على شفاهه، والفرحة في قلبه، بالاستبشار بانفراج الأزمة، وزوال الغمة..

ليس وراء تلك الدماء إلا المراهقة السياسية وقصر النظر، إضافة إلى عدم الخوف من الله، وعدم الحرص على مصلحة الشعب؛ بغض النظر عمن كان وراء مسيرة الحياة - والأولى أن تسمى مسيرة الموت - جاءت مسيرة الموت بغرض إفشال وإحباط المبادرة الخليجية، ومسار العملية السياسية الجارية، وجاءت مجرزتها - التي أدمت القلوب بهدف واضح مكشوف، وهو إقالة يحيى صالح؛ ولا يهم الثمن..

كان يمكن أن تجدوا وسيلة أخرى بالضغط السياسي، ولا داعي للاستمرار في المتاجرة بدماء الشباب، وتوريطهم في مشروعاتكم الرخيصة..

وللمرة الألف نقول: نبل الغاية لا يبرر حقارة ودناءة وسفالة وخساسة الوسيلة البتة.

الغاية تبرر الوسيلة ليس مبدأ إسلاميا، ولا هو مقبول شرعا ولا عقلا ولا عرفا..

كان بإمكان وزير الداخلية إصدار قرار بإقالة يحيى، ولم يكن من داع لهذا الأسلوب الحقير الرخيص، الذي تورط فيه من نظم مسيرة الموت، وتبعاتها في أحسن الأحوال استقالة يحيى، وفي أسوئها استقالة الحكومة، وفشل المباردة والعودة إلى المربع الأول..